أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( كتاب الحج ب 6 ف 6 ) وقائع مذبحة كربلاء ( فى الشهر الحرام )















المزيد.....



( كتاب الحج ب 6 ف 6 ) وقائع مذبحة كربلاء ( فى الشهر الحرام )


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 4131 - 2013 / 6 / 22 - 12:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


( كتاب الحج ب 6 ف 6 ) وقائع مذبحة كربلاء ( فى الشهر الحرام )
كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب السادس :مذبحة كربلاء وإنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام
الفصل السادس : وقائع مذبحة كربلاء فى الشهر الحرام

مقدمة
كنت ـ ولا زلت ـ أبكى كلما قرأت روايات موقعة كربلاء . وكنت ـ ولا زلت ـ أمنع عواطفى كباحث تاريخى من التدخل فى عملى ، فالبحث التاريخى عمل عقلى بارد لا يعرف العواطف، وبه نقرر التالى : .
1 ـ الروايات عن مذبحة كربلاء تمتلىء بغيبيات ومعجزات لا يأخذ بها البحث التاريخى ، كمزاعم بأن من فعل كذا بالحسين عوقب بكذا ، وأن رأس الحسين نطقت وقالت كذا وأن النور إنبعث منها ..الخ .. ومنها كلام وضعوه على لسان الحسين ، فى خضم حدة المعركة وأعداؤه تقترب سيوفهم منه يقتلون أهله ، وليس من المتصور وقتها أن يجد الحسين وقتا أو مجالا لكى يتكلم بكلام طويل ويخطب خطبا عصماء ، ومنه كلام يعبّر عن العصر العباسى ، وليس عن عصر الحسين . ومنه كلام عن جور يزيد وطغيانه ، مع أن يزيد وقتها كان فى بداية عصره ، ولم يكن قد أرتكب بعد ما يوصف بالطغيان . وبعض الروايات تشير للحسين بالعدل ، ولم يكن الحسين قد تولى الحكم حتى يقال عنه هذا . والواضح أن تلك الروايات قد تم صُنعها بأثر رجعى تأثر بالتاريخ اللاحق لبنى أمية . ولم يكن كذلك بنفس الدرجة فى عصر معاوية والشهور الأولى من حُكم يزيد .
2 ـ عن المسئولية فى مأساة كربلاء وانتهاك الأشهر الحرم فيها نقرر الآتى :
2 / 1 : أحداث كربلاء تمت فى الشهر الحرام ، من ذى الحجة الى يوم المذبحة يوم العاشر من محرم .تقول الرواية ( قُتل الحسين بن علي سنة إحدى وستين وهو يومئذ ابن ست وخمسين سنة في المحرم يوم عاشوراء‏. )، ومأساة كربلاء بدأت بمخرج مسلم بن عقيل ( بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة .) . بينما خرج الحسين من مكة متوجها للكوفة:(.. لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل . ).أى إنّ تحديد هذا الوقت خلال الأشهر الحرم قام به الحسين ، لا نعرف إذا كان قد أدى مناسك الحج فى مكة وقت موسم إفتتاح الحج الأكبر ، أم لا .. ولكن المذكور فى الروايات أنه قرر التحرك ليحارب فى الشهر الحرام . وبناء عليه قرّر يزيد بن معاوية أن يواجهه . أى إنّ هذا الانتهاك للشهر الحرام تقع مسئوليته على الحسين لأنه الذى بادر بالخروج المسلح على خليفة شرعى متمكن من الحُكم والسلطة ، وليس متصورا أن يتنازل عن حكمه إلا بهزيمته حربيا.
2 / 2 : وقد خالف الحسين كل النصائح والتحذيرات من غدر شيعته به ، وتحقّق كل ما حذّروه منه ، فرأى بعينيه عامة جُند عبيد الله بن زياد من أهل الكوفة ، وبعض قادة الجيش الذى قاتل الحسين كانوا من معرفه ومن كبار الشيعة . وهم الذين غدروا من قبل بمسلم بن عقيل .
2 / 3 : ونتذكر بكاء مسلم بن عقيل قبيل قتله ، وهو يقول : (" ما أبكي لنفسي ، ولكني أبكي لأهلي المنقلبين إليكم .! أبكي للحسين وآل الحسين‏.‏.!! ثم قال لمحمد بن الأشعث‏:‏ " إني أراك ستعجز عن أماني ، فهل تستطيع أن تبعث من عندك رجلًا يخبر الحسين بحالي ويقول له عني ليرجع بأهل بيته ولا يغره أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذين كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل؟ " فقال له ابن الأشعث‏:‏ " والله لأفعلن‏!‏ " ثم كتب بما قال مسلم إلى الحسين ، فلقيه الرسول بزبالة ( مكان اسمه زبالة ) فأخبره ، ( أى أخبر الحسين ) فقال‏( الحسين ) :‏ " كلما قدر نازلٌ عند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا‏.‏ ".! وكان سبب مسيره من مكة كتاب مسلم إليه يخبره أنه بايعه ثمانية عشر ألفًا ويستحثه للقدوم‏.‏.).
2 / 4 : المستفاد هنا : أولا : أن الحسين أعدّ العدة للحرب بجيشه وبأتباعه الذين بايعوه ينتظرونه فى الكوفة ، وقد جاء ليحارب بهم الأمويين ، ويأخذ منهم الكوفة والعراق . وقد سار الحسين بجيش صغير معتمدا على ما سبق أن أرسله اليه مسلم بأن أنصاره بلغوا 18 ألفا . وثانيا : أن مسلم بن عقيل بعث يحّذر الحسين يناشده أن يرجع بأهله ، فرفض الحسين .. وتكرر الرفض بعدها .
2 / 5 ـ تقول الرواية فى الطبرى أن ابن زياد بعث برأسى مسلم بن عقيل وهانىء الى يزيد بن معاوية ، فكتب له يزيد:( وقد بلغني أن الحسين قد توجه نحو العراق ، فضع المراصد والمسالح واحترس واحبس على التهمة وخذ على الظنة ، غير أن لا تقتل إلا من قاتلك‏.‏ واكتب إلي في كل ما يحدث من الخبر . ) . المراسلات فى هذا العصر لم تكن بالايميل والتليفون الخلوى والفاكس، بل بالبريد المسافر بالخيول . أى إن رسالة يزيد الى عبيد الله بن زياد بألا يقاتل إلا من قاتله قد وصلت ابن زياد بعد قتل الحسين وآله ، فلم نر لها أثرا فى الأحداث ، بل كان ابن زياد يدير الأمور بما يراه . وبالتالى تتضاءل مسئولية يزيد بقدر ما تتعاظم مسئولية الحسين ومسئولية عبيد الله بن زياد.
نقول هذا لعلّه يكفكف بعض دموعنا . ونسرد الأحداث مرتبة بعد تمحيصها من تاريخ الطبرى.
أولا : بدء القتال :
1 ـ بدأه عمر بن سعد بن أبى وقاص : ( ثم قدم عمر بن سعد برايته وأخذ سهمًا فرمى به وقال‏:‏ اشهدوا لي أني أول رامٍ‏!‏ ثم رمى الناس . ). وكالعادة وقتها بدأت الحرب بالمبارزة ، وانتصر فيها المبارزون من جيش الحسين مما جعل عمر بن سعد يوقفها: (.. وقاتل الحر بن يزيد مع الحسين قتالًا شديدًا ، وبرز إليه يزيد بن سفيان فقتله الحر . وقاتل نافع بن هلال مع الحسين أيضًا فبرز إليه مزاحم بن حريث فقتله نافع‏.‏) ( فصاح عمرو بن الحجاج بالناس‏:‏ أتدرون من تقاتلون ؟ فرسان المصر ، قومًا مستميتين لا يبرز إليهم منكم أحد . فإنهم قليل وقلّ ما يُبقون . والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم‏... فقال عمر‏:‏ الرأي ما رأيت‏.‏ ومنع الناس من المبارزة‏.‏ ) .
2 ـ واحتدم القتال ، وغلب فرسان الحسين مع قلتهم ، فاستعان عليهم خصومهم بالنبل يرمونهم فعقروا بالنبل خيول فرسان الحسين ، وإضطروهم للقتال مترجلين : ( وقاتل أصحاب الحسين قتالًا شديدًا ، وهم اثنان وثلاثون فارسًا ، فلم تحمل على جانب من خيل الكوفة إلا كشفته‏.‏ فلما رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على خيل الكوفة بعث إلى عمر فقال‏:‏ ألا ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال والرماة )، و ( .. دعا عمر بن سعد الحصين بن نمير فبعث معه المجففة وخمسمائة من المرامية فلما دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وصاروا رجالة كلهم . ) ومع ذلك استمات جُند الحسين فى القتال مترجّلين : ( وقاتل الحر بن يزيد راجلًا قتالًا شديدًا. فقاتلوهم إلى أن انتصف النهار أشد قتال خلقه الله . لا يقدرون يأتونهم إلا من وجه واحد لاجتماع مضاربهم‏.‏ فلما رأى ذلك عمر أرسل رجالًا يقوضونها عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم ، فكان النفر من أصحاب الحسين الثلاثة والأربعة يتخللون البيوت فيقلتون الرجل وهو يقوض وينهب ويرمونه من قريب أو يعقرونه . فأمر بها عمر بن سعد فأحرقت ، فقال لهم الحسين‏:‏ " دعوهم فليحرقوها ." ..وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها ، فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجهه وتقول‏:‏ " هنيئًا لك الجنة‏!‏ " فأمر شمر غلامًا اسمه رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها‏.‏ وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ونادى‏:‏ " عليّ بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله‏" . ‏فصاح النساء وخرجن ، وصاح به الحسين‏:‏ " أنت تحرق بيتي على أهلي حرقك الله بالنار‏!‏ ." فقال حميد بن مسلم لشمر‏:‏ " إن هذا لا يصلح لك. تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء؟ والله إن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك‏!‏ " . فلم يقبل منه . فجاءه شبث بن ربعي فنهاه فانتهى وذهب لينصرف ، فحمل عليه زهير بن القين في عشرة فكشفهم عن البيوت . وقتلوا أبا عزة الضبابي وكان من أصحاب شمر‏.‏ وعطف الناس عليهم فكثروهم ، وكانوا إذا قتل منهم الرجل والرجلان يبين فيهم لقلتهم وإذا قتل في أولئك لا يبين فيهم لكثرتهم‏.‏). أى بسبب قلة عدد جُند الحسين كان القتل يظهر واضحا فيهم بينما كانت كثرة الجيش الأموى لا تُظهر فيهم عدد قتلاهم . .
3 ـ وفى شدة القتال لم ينس جُند الحسن الصلاة حتى مع إقتراب جيش يزيد من مكان الحسين : ( ولما حضر وقت الصلاة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين‏:‏ " نفسي لنفسك الفداء‏!‏ أرى هؤلاء قد اقتربوا منك والله لا تُقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة‏!‏ " فرفع الحسين رأسه وقال‏:‏ " ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين . نعم . هذا أول وقتها . " ثم قال‏:‏ " سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي‏.‏" ففعلوا . فقال لهم الحصين‏:‏ إنها لا تقبل‏.‏ فقال له حبيب بن مطهر‏:‏ زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقبل منك يا حمار‏!‏ .) . المهم هنا أنهم كانوا يحافظون على الصلاة المكتوبة حتى فى أحلك المواقف ، وقد تكرر هذا كثيرا بين سطور الروايات التاريخية ، ضمن تسجيل الأحداث ، بما يؤكد أن الصلاة وصلت لنا بالتواتر عبر القرون ، بالرغم من كل الأحداث الجسام .
4 ـ وفى النهاية غلبت الكثرة الشجاعة :(..‏.‏ وحمل الحر وزهير بن القين فقاتلا قتالًا شديدًا . وكان إذا حمل أحدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه . فعلا ذلك ( أى الحّر وزهير ) ساعة . ثم إن رجّالة ( أى مقاتلين مترجّلين ) حملت على الحر بن يزيد فقتلته . وقتل أبو ثمامة الصائدي ابن عم له كان عدوه . ثم صلوا الظهر صلى بهم الحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعد الظهر، فاشتد قتالهم .ووصلوا إلى الحسين ، فاستقدم الحنفي أمامه ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل وهو بين يديه حتى سقط‏.‏ وقاتل زهير بن القين قتالًا شديدًا ، فحمل عليه كثير ابن عبيد الله الشعبي ومهاجر بن أوس فقتلاه. ، وكان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله، وكانت مسمومة ، فقتل بها اثني عشر رجلًا سوى من جرح ، فضُرب حتى كسرت عضداه ، وأخذ أسيرًا ، فأخذه شمر بن ذي الجوشن ، فأتى به عمر بن سعد والدم على وجهه ، وهو يقول‏:‏ " لقد قتلت منكم اثني عشر رجلًا ، سوى من جرحت. ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني‏." .‏ فانتضى شمرٌ سيفه ليقتله ، فقال له نافع‏:‏ " والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه‏!‏ " فقتله شمرٌ. .
5 ـ ووصلت الكثرة الى الدائرة الضيقة حول الحسين ، وحملوا عليهم بقيادة شمر بن ذى الجوشن فتنافس أصحاب الحسين فى الدفاع عنه وأن يُقتلوا بين يديه :( ثم حمل على أصحاب الحسين‏ .‏ فلما رأوا أنهم قد كثروا وأنهم لا يقدرون يمنعون الحسين ولا أنفسهم تنافسوا أن يقتلوا بين يديه . فجاء عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان إليه فقالا‏:‏ " قد حازنا الناس إليك‏".‏ فجعلا يقاتلان بين يديه . وأتاه الفتيان الجابريان ، وهما سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عم وأخوان لأم ، وهما يبكيان فقال لهما‏:‏ " ما يبكيكما ؟ إني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين" ‏.‏ فقالا‏:‏ " والله ما على أنفسنا نبكي . ولكن نبكي عليك .! نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن نمنعك‏!‏ " فقال‏:‏ " جزاكما الله جزاء المتقين‏!‏ " . وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين ..وتقدم وقاتل حتى قتل‏.‏ وتقدم الفتيان الجابريان فودعا الحسين وقاتلا حتى قتلا‏.‏ وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري وشوذب مولى شاكر إلى الحسين فسلما عليه ، وتقدما فقاتلا ، فقتل شوذب ، وأما عابس فطلب البراز فتحاماه الناس لشجاعته فقال لهم عمر‏:‏ ارموه بالحجارة فرموه من كل جانب فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفرته وحمل على الناس فهزمهم ..‏.‏ وجثا أبو الشعثاء الكندي وهو يزيد بن أبي زياد بين يدي الحسين ، فرمى بمائة سهم ما سقط منها خمسة أسهم ، وكلما رمى يقول له الحسين‏:‏ اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة‏!‏ . وكان يزيد هذا فيمن خرج مع عمر بن سعد ، فلما ردوا الشروط على الحسين عدل إليه فقاتل بين يديه ..‏.‏ )
6 ـ وفى هذه الملحمة المأساوية قُتل جميع الهاشميين الذين صحبوا الحسين ، ما عدا إبنه ( على زين العابدين ) الذى كان شابا مريضا ، وقد ذكرت الروايات أسماء أولئك القتلى من الصغار والشباب والكبار ، من ابناء على واحفاده ، واسماء من قتلهم . ونكتفى ببعض أمثلة إختصارا : (. وكان أول من قتل من آل بني أبي طالب يومئذٍ علي الأكبر ابن الحسين ..وذلك أنه حمل عليهم وهو يقول‏:‏ " أنا علي بن الحسين بن علي نحن ورب البيت أولى بالنبي تالله لا يحكم فينا ابن الدعيّ "( يقصد عبيد الله بن زياد ، لأن أباه هو زياد بن أبيه الذى كان مجهول الأب ، وزعم معاوية أنه ابن لابى سفيان ). ففعل ذلك مرارًا ، فحمل عليه مُرّة ابن منقذ العبدي ، فطعنه فصرع ، وقطّعه الناس بسيوفهم . )
7 ـ مقتل الحسين : وتتابع القتل فى آل أبى طالب حتى لم يبق سوى الحسين يقاتل بنفسه .( ‏.‏ ومكث الحسين طويلًا من النهار ، كلما انتهى إليه رجل من الناس رجع عنه ، وكره أن يتولى قتله وعظم إثمه عليه. ثم إن رجلًا من كندة يقال له مالك بن النسير أتاه فضربه على رأسه بالسيف فقطع البرنس وأدمى رأسه وامتلأ البرنس دمًا . ودعا الحسين بابنه عبد الله ، وهو صغير فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد فذبحه. ) ، ( ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي بسهم فقتله . وقال العباس بن علي لإخوته من أمه عبد الله وجعفر وعثمان‏:‏ " تقدموا حتى أرثكم فإنه لا ولد لكم‏.‏" ففعلوا فقتلوا . وحمل هانىء بن ثبيت الحضرمي على عبد الله بن علي فقتله، ثم حمل على جعفر بن علي فقتله . ورمى خولي بن يزيد الأصبحي عثمان بن علي ، ثم حمل عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وجاء برأسه . ورمى رجل من بني أبان أيضًا محمد بن علي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه‏.‏ وخرج غلام من خباء من تلك الأخبية فأخذ بعود من عيدانه وهو ينظر كأنه مذعور فحمل عليه رجل قيل إنه هانىء بن ثبيت الحضرمي فقتله‏.‏ واشتد عطش الحسين فدنا من الفرات ليشرب فرماه حصين بن نمير بسهم فوقع في فمه فجعل يتلقى الدم بيده. ) ...‏( ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو عشرة من رجالهم نحو منزل الحسين ، فحالوا بينه وبين رحله ، فقال لهم الحسين‏:‏ " ويلكم‏!‏ إن لم يكن لكم دين ولا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرارًا ذوي أحساب . امنعوا رحلي وأهلي من طغاتكم وجهالكم‏.".!‏ فقالوا‏:‏ "ذلك لك يا ابن فاطمة‏" .‏ وأقدم عليه شمر بالرجالة منهم‏:‏ أبو الجنوب واسمه عبد الرحمن الجعفي والقشعم بن نذير الجعفي وصالح بن وهب اليزني وسنان بن أنس النخعي وخولي بن يزيد الأصبحي ، وجعل شمر يحرضهم على الحسين ، وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه . ثم إنهم أحاطوا به‏.‏ وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعب بن تيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف فقال الغلام‏:‏ " يا ابن الخبيثة أتقتل عمي‏!‏ " ، فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة، فنادى الغلام‏:‏ " يا أمتاه‏!‏ " فاعتنقه الحسين ... ‏ ثم ضارب الرجالة حتى انكشفوا عنه‏.‏ ولما بقي الحسين في ثلاثة أو أربعة ..‏.‏ وحمل الناس عليه عن يمينه وشماله . فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا، ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا ، فما رؤي مكثور ( أى تكاثر عليه الناس عددا ) قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أرط جأشًا منه ولا أمضى جنانًا ولا أجرأ مقدمًا منه، إن كانت الرجالة لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى ( المعيز ) إذا شد فيها الذئب ‏.‏.. ومكث طويلًا من النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لقتلوه ، ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض ، ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء ، فنادى شمر في الناس‏:‏" ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل ؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم‏!‏ " فحملوا عليه من كل جانب ، فضرب زرعة بن شريك التميمي على كفه اليسرى وضرب أيضًا على عاتقه ، ثم انصرفوا عنه ، وهو يقوم ويكبو ، وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع . وقال لخولي بن يزيد الأصبحي‏:‏ " احتز رأسه " . فأراد أن يفعل فضعف وأرعد، فقال له سنان‏:‏ " فت الله عضدك‏!‏ : ونزل إليه فذبحه ، واحتز رأسه ، فدفعه إلى خولي ). (ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة غير الرمية‏.‏ ). ( وأما سويد بن المطاع فكان قد صرع فوقع بين القتلى مثخنًا بالجراحات فسمعهم يقولون‏:‏ قتل الحسين‏!‏ فوجد خفةً فوثب ومعه سكين وكان سيفه قد أخذ فقاتلهم بسكينة ساعة ثم قتل ، قتله عروة بن بطان الثعلبي وزيد بن رقاد الجنبي . وكان آخر من قتل من أصحاب الحسين‏. ).
وحتى تهدأ النفوس ، وتجفّ الدموع نبادر بالقول بأن كل من شارك فى قتل الحسين قد تم الانتقام منه بعدها ومات مقتولا شرّ قتلة . الان كفكفوا دموعكم .!
8 ـ وطبقا لعادة العرب فى السلب والنهب بعد القتل فقد فعلوا هذا فيما يعرف بالفتوحات ، وفعلوا هذا مع عثمان حين مقتله ، ومع الحسين أيضا ، سلبوا ما على جثته ، وسلبوا متاعه وفسطاطه ، وسلبوا ما على نسائه من ثياب ومن حُلىّ : ( وسُلب الحسين ما كان عليه . فأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته وهي من خز ، فكان يسمى بعد قيس قطيفة . وأخذ نعليه الأسود الأودي ، وأخذ سيفه رجل من دارم . ومال الناس على الفرش والحلل والإبل فانتهبوها ، ونهبوا ثقله ومتاعه ، وما على النساء ، حتى إن كانت المرأة لتنزع ثوبها من ظهرها فيؤخذ منها‏.‏.‏) ، ثم كادوا أن يقتلوا عليا زين العابدين بن الحسين : ( ثم انتهوا إلى علي بن الحسين زين العابدين فأراد شمر قتله ، فقال له حميد بن مسلم‏:‏ سبحان الله أتقتل الصبيان‏!‏ وكان مريضًا . وجاء عمر بن سعد فقال‏:‏" لا يدخلن بيت هذه النسوة أحد ولا يعرضن لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهم شيئًا فليرده " فلم يرد أحد شيئًا‏.‏ ) .
ولنتذكر أن قيس بن الأشعث بن قيس كان مع أخيه محمد بن الأشعث من كبار الشيعة ، ومعهما شبث بن ربعى . وكلهم كان من معارف الحسين ورفاقه فى خلافة أبيه ( على بن أبى طالب ) . ولكنه المال الذى أجاد الأمويون استعماله فى شراء النفوس ، حتى إشتروا به جعدة بنت الأشعث بن قيس فقامت بقتل زوجها الحسن بن على بالسّم .
9 ـ التمثيل بجثة الحسين بعد قطع رأسه: ( ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه : " من ينتدب إلى الحسين فيوطئه فرسه ؟ " فانتدب عشرة ، ..فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره‏.‏) ( وكان عدة من قتل من أصحاب الحسين اثنين وسبعين رجلًا‏.‏ ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد قتلهم بيوم‏.‏ وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلًا سوى الجرحى فصلى عليهم عمر ودفنهم‏.‏ ).
10 ـ إرسال رءوس الحسين وأصحابه الى عبيد الله بن زياد فى الكوفة : ( ولما قُتل الحسين أرسل رأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد . مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي.. وقيل‏:‏ بل الذي حمل الرؤوس كان شمر وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس . فجلس ابن زياد وأذن للناس فأحضرت الرؤوس بين يديه وهو ينكت بقضيب بين ثنيته ساعة ، فلما رآه زيد بن الأرقم لا يرفع قضيبه قال‏:‏ " أعل هذا القضيب عن هاتين الثنيتين ، فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هاتين الشفتين يقبلهما‏!‏ " ، ثم بكى ، فقال له ابن زياد‏:‏ " أبكى الله عينيك‏!‏ فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك‏.‏" فخرج وهو يقول‏:‏" أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل ، فبعدًا لمن يرضى بالذل‏!‏ " ).
11 ـ أهل الحسين عند ابن زياد فى الكوفة : حملهم عمر بن سعد الى قصر ابن زياد . ( فأقام عمر بعد قتله يومين ثم ارتحل إلى الكوفة ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان ، وعلي بن الحسين مريض. فاجتازوا بهم على الحسين وأصحابه صرعى ، فصاح النساء ولطمن خدودهن . وصاحت زينب أخته‏:‏ " يا محمداه ..صلى عليك ملائكة السماء‏!‏ هذا الحسين بالعراء مرمل بالدماء مقطع الأعضاء وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا‏!‏ ) .. (..‏.‏ فلما أدخلوهم على ابن زياد لبست زينب أرذل ثيابها ، وتنكرت وحفت بها إماؤها . فقال عبيد الله‏:‏ " من هذه الجالسة ؟ " فلم تكلمه ، فقال ذلك ثلاثًا ، وهي لا تكلمه. فقال بعض إمائها‏:‏ "هذه زينب بنت فاطمة‏." ‏ فقال لها ابن زياد‏:‏ " الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم‏!‏ " فقالت زينب‏:‏ " الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرًا لا كما تقول أنت . وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر‏.‏" فقال‏:‏ " فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ " قالت‏:‏ " كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون عنده‏.‏" فغضب ابن زياد وقال‏:‏ " قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك‏.‏" فبكت .. ولما نظر ابن زياد إلى علي بن الحسين قال‏:‏ "ما اسمك ؟ "قال‏:‏ "علي بن الحسين‏."‏ قال‏:‏ "أولم يقتل الله علي بن الحسين؟ " فسكت‏.‏ فقال‏:‏ "ما لك لا تتكلم ؟" فقال‏:‏ كان لي أخ يقال له أيضًا عليٌّ فقتله الناس"‏.‏ فقال‏:‏ " إن الله قتله‏.‏" . فسكت عليٌّ‏.‏ فقال‏:‏ ما لك لا تتكلم ؟ "أنت والله منهم‏.‏" ثم قال لرجل‏:‏ " ويحك‏!‏ انظر هذا هل أدرك ؟ إني لأحسبه رجلًا‏.‏" .( أى يسأل إن كان قدبلغ مبلغ الرجال ) .‏ فكشف عنه مري بن معاذ الأحمري فقال‏:‏ نعم قد أدرك‏. ‏" ( أى بلغ مبلغ الرجال ).قال‏:‏" اقتله‏." ‏ فقال علي‏:‏ " من توكل بهذه النسوة؟ " وتعلقت به زينب فقالت‏:‏ " يا ابن زياد حسبك منا ؟ أما رويت من دمائنا ؟ وهل أبقيت منا أحدًا‏!‏ " واعتنقته . وقالت‏:‏ " أسألك بالله إن كنت مؤمنًا إن قتلته لما قتلتني معه‏!‏ " وقال له علي‏:‏ " يا ابن زياد إن كانت بينك وبينهن قرابة فابعث معهن رجلًا تقيًا يصحبهن بصحبة الإسلام‏.‏" فنظر إليها ساعة ، ثم قال‏:‏ " عجبًا للرحم‏!‏ والله إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه . دعوا الغلام ينطلق مع نسائه‏.‏ " . وأمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به في الكوفة . وكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام على خشبة في قول . والصحيح أن أول راس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق‏.‏.).
ونلاحظ هنا أن عبيد الله بن زياد يعتنق عقيدة الأمويين فى الجبرية السياسية ، وهى أن كل ما يرتكبونه من ظلم هو بقدر الله وقضائه ومشيئته ، وبالتالى فالله هو الذى قتل الحسين وآله ، ولا يصح الاعتراض على قدر الله بزعمهم . ولهذا قال عبيد الله بن زياد (‏ الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ‏!‏ ( فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ ) ( قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك‏.‏) ( أولم يقتل الله علي بن الحسين؟ فسكت‏.‏ فقال‏:‏ "ما لك لا تتكلم ؟" فقال‏:‏ كان لي أخ يقال له أيضًا عليٌ‏ فقتله الناس"‏.‏ فقال‏:‏ " إن الله قتله‏.‏" ). ولقد شرحنا هذا فى بحث ( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين ) وفى مقال بحثى عن الجبرية السياسية فى الدولة الأموية، وكيف عارضها أحرار المسلمين المعروفون بالقدرية لقولهم : ( لا قدر وإنما الأمر أنف ) أى إن الظلم الأموى ليس قدرا الاهيا ، وإنما هو ظلم بشرى يقوم برغم أنوف الناس . وكان القدرية هم أول المفكرين الأحرار فى تاريخ المسلمين ، ولقد تعقبهم الخلفاء الأمويون والعباسيون بالاضطهاد ، وتبعهم فقهاء السلاطين بالتكفير .
12 ـ أهل الحسين عند يزيد فى دمشق :( ثم أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس إلى الشام إلى يزيد ومعه جماعة. وقيل‏:‏ مع شمر وجماعة معه . وارسل معه النساء والصبيان وفيهم علي بن الحسين. قد جعل ابن زياد الغل في يديه ورقبته ، وحملهم على الأقتاب . فلم يكلمهم علي بن الحسين في الطريق حتى بلغوا الشام .) وهناك رواية تقول إن يزيد عندما رأى رأس الحسين دمعت عيناه : ( وقال‏:‏ كنت أرضى من طاغيتكم بدون قتل الحسين لعن الله ابن زياد .) وتقول رواية أخرى إن يزيد قال ( .. عجل عليه ابن زياد فقتله . قتله الله‏!‏ ) ( .. ثم أدخل نساء الحسين عليه والرأس بين يديه،( أى رأس الحسين )، فجعلت فاطمة وسكينة ابنتا الحسين تتطاولان لتنظرا إلى الرأس ، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس‏.‏ فلما رأين الرأس صحن ، فصاح نساء يزيد وولول بنات معاوية‏.‏ فقالت فاطمة بنت الحسين وكانت أكبر من سكينة‏:‏ " أبنات رسول الله سبايا يا يزيد؟ " فقال‏:‏ " يا ابنة أخي أنا لهذا كنت أكره‏.‏ " قالت‏:‏ " والله ما ترك لنا خرص‏.‏" فقال‏:‏ " ما أتى إليكن أعظم مما أخذ منكن‏.‏ ". فقام رجل من أهل الشام فقال‏:‏ "هب لي هذه " يعني فاطمة ،( يعنى يعتبرها من السبايا ويريد من يزيد أن يهبها له )، فأخذت (فاطمة ) بثياب أختها زينب وكانت أكبر منها، فقالت زينب‏:‏ " كذبت ولؤمت .! ما ذلك لك ولا له‏.‏" فغضب يزيد وقال‏:‏ " كذبت والله ، إن ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله لفعلته‏.‏ ". قالت‏:‏" كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا‏.‏" فغضب يزيد واستطار ثم قال‏:‏ " إياي تستقبلين بهذا ؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك‏!‏ "قالت زينب‏:‏ " بدين الله ودين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك‏.‏ " قال‏:‏ " كذبت يا عدوة الله‏!‏ " قالت‏:‏ " أنت أمير تشتم ظالمًا وتقهر بسلطانك. " فاستحى وسكت . ثم أخرجن وأدخلن دور يزيد ، فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهن وأقمن المأتم ، وسألهن ( يزيد ) عما أخذ منهن فأضعفه لهن . فكانت سكينة تقول‏:‏ "ما رأيت كافرًا بالله خيرًا من يزيد بن معاوية" ‏.‏ ثم أمر بعلي بن الحسين فأدخل مغلولًا فقال‏ (على ) :‏ " لو رآنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مغلولين لفك عنا‏."‏ قال‏:‏ "صدقت‏." ‏ وأمر بفك غله عنه‏...) . ( وقيل‏:‏ ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله وسرّه ما فعل ، ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم ، فندم على قتل الحسين ، فكان يقول‏:‏ " وما علي لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري وحكمته فيما يريد وإن كان علي في ذلك وهنٌ في سلطاني حفظًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورعاةً لحقه وقرابته . لعن الله ابن مرجانة ، فإنه اضطره وقد سأله أن يضع يده في يدي أو يلحق بثغر حتى يتوفاه الله فلم يجبه إلى ذلك فقتله ، فبغضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة فأبغضني البر والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين . ما لي ولابن مرجانة ؟ لعنه الله وغضب عليه‏!‏ ) . لو كانت هذه الرواية صحيحة لكان من المنتظر أن يقوم يزيد بعزل عبيد الله بن زياد لأنه إفتأت وتصرف بعكس ما كان يريده يزيد . ولكن الذى حدث مناقض لذلك ، فقد استمر ابن زياد يحكم البصرة والكوفة متمتعا بثقة يزيد ، بل بعث يزيد بجيش أخمد ثورة المدينة وبجيش آخر يواجه ثورة ابن الزبير فى مكة . أى بلغ يزيد نهاية المدى فى الدفاع عن سلطانه . وأعتقد أن ما حدث من تعاطف ليزيد مع نساء الحسين يتّصل بالتعصّب الأموى لنساء بنى عبد مناف ، ومنهم بنو عمهم الهاشميون . فلم يكم مسموحا فى العصر الأموى التعرض لنساء بنى هاشم ، ليس إكراما لبنى هاشم ، ولكن لأنهن بنات عم من نسل عبد مناف .
13 ـ أهل الحسين من دمشق الى المدينة : ( ولما أراد أن يسيرهم إلى المدينة أمر يزيد النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم ويسير معهم رجلًا أمينًا من أهل الشام ومعه خيل يسير بهم إلى المدينة . ودعا عليًا ليودعه وقال له‏:‏ " لعن الله ابن مرجانة‏!‏ أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلةً أبدًا إلا أعطيته إياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ولكن قضى الله ما رأيت‏.‏ يا بني كاتبني حاجةً تكون لك‏." ‏وأوصى بهم هذا الرسول فخرج بهم ، فكان يسايرهم ليلًا ، فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا تنحى عنهم هو وأصحابه ، فكانوا حولهم كهيئة الحرس . وكان يسألهم عن حاجتهم ويلطف بهم حتى دخلوا المدينة‏.‏ فقالت فاطمة بنت علي لأختها زينب‏:‏ " لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟ " فقالت‏:‏ " والله ما معنا ما نصله به إلا حلينا . "فأخرجتا سوارين ودملجين لهما فبعثتا ها إليه واعتذرتا ، فرد الجميع وقال‏:‏ " لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني ولكن والله ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏" .
خاتمة :
وتنتهى هنا مأساة الحسين فى كربلاء . ولكن ذيولها استمرت متفجرة فى العصر الأموى ، ثم من العصر العباسى حتى وقتنا هذا . وموعدنا مع التفاصيل ضمن إنتهاك المسلمين للشهر الحرام والمسجد الحرام .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( كتاب الحج ب 6 ف 5 ) :مفاوضات قبيل الاشتباك الحربى فى كربلا ...
- نداء الى أحرار المصريين قبل 30 يونية 2013
- (كتاب الحج ب 6 ف 4)قبيل مذبحة كربلاء:مراسلة الكوفيين الحسين ...
- حوار عن ( الأكراد ) لم يتم نشره فى الصحف الكردية
- تابع الرد على تعليقات على مقال ( هل كان من حق الحسين الثورة ...
- ردا على تعليقات على مقال ( هل كان من حق الحسين الثورة على يز ...
- ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 3 ) هل كان من حق الحسين الثورة على ( يزيد ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 2 ) قبل مذبحة كربلاء : العهد ليزيد بن معاو ...
- درب العوالم : ردا على خصومنا فى الدين :
- نقاش محتدم حول ( على ) والصحابة :
- ردا على الإعتراضات علينا فى تاريخ صحابة الفتوحات(2 ) (تِلْكَ ...
- ردا على الإعتراضات علينا فى تاريخ صحابة الفتوحات (1 )
- وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّ ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 1 ) قبل مذبحة كربلاء ( معاوية والحسن والما ...
- تعليقات وردود على مقال ( على : خليفة فاشل ، قهره عصره )
- صفحة من كتاب ( أنباء الدهور وأنباء العصور: للشيخ أحمد صبحى ب ...
- ( كتاب الحج ب 4 ف 22 ) (على : خليفة فاشل ، قهره عصره )
- ( كتاب الحج ب 4 ف 21 ) إنتهاك الأشهر الحرم فى معركة صفين فى ...
- ( كتاب الحج ب 4 ف 20 ) ( خلافة على والانتقام الالهى فى موقعة ...


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( كتاب الحج ب 6 ف 6 ) وقائع مذبحة كربلاء ( فى الشهر الحرام )