|
حسن روحاني والسياسة الإيرانية بين التجديد والترقيع
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 4129 - 2013 / 6 / 20 - 14:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل الانتخابات الأمريكية عام 2008 وترشيح باراك اوباما لرئاسة الولايات المتحدة خلفاً لبوش الابن اشرنا في مقال حول الانتخابات والسياسة الأمريكية بعد موجة التفاؤل بالتغيير، بما معناه هل ستتغير السياسة الأمريكية بمجيء باراك اوباما الأسود أم ستبقى أمريكا والإدارة الجديدة على الخط نفسه ولكن بعمليات تجميل لان جوهر السياسة الأمريكية هي الحفاظ على مصالحها الثابتة؟ وبالمعنى الفصيح الحفاظ على مصالح دهاقنة راس المال الأمريكي وحلفائهم خارج أمريكا، ولقد أثبتت الحياة ذلك إلا البعض من القضايا التي وعد بها الرئيس الأمريكي الجديد مثل الانسحاب من العراق من الباب والدخول من الشباك الاقتصادي، واليوم لنكرر السؤال لقديم بهيكله الجديد ـــ هل ستتغير السياسة الإيرانية الرسمية بعد فوز حسن روحاني بالرئاسة؟ لا ولن يحتاج المرء لكثير من المصادر والوقائع لكي يستنتج أن الانتخابات الإيرانية في يوم الجمعة التي صادفت في 14 / 6 /2013 لاختيار رئيس جديد سوف لن يكون الإصلاح بمعناه الحقيقي كحالة جديدة ستعم أكثرية المرافق في الدولة الإيرانية وسياستها الخارجية والداخلية وبالضد من المتشددين المحافظين أو تحديد صلاحيات المرشد الأعلى ومجلس صيانة الدستور وسعيهم لفوز بمن يعتقدون انه أصلح لمخططاتهم وأهدافهم، فهذا الاعتقاد صحيح جداً لان الرئيس الجديد هو ضمن ماكنة الدولة الثيوقراطية والمتربي في ظلها لا بل في أحضانها ولا يمكن أن يكون خارجهاً وخارج السياسة الرسمية المعروفة التي تخطط من قبل ولاية الفقية المتمثلة بالمرشد الأعلى علي خامنئي، إلا أن الأمور في إيران وبخاصة الانفجارات الشعبية الاحتجاجية بعد انتخابات 2009 التي خمدت بالنار والحديد وأصبح الاحتقان الجماهيري يهدد بالانفجار إذا ما جرت محاولات لحرف الانتخابات أو تزويرها مثلما حدث في انتخابات 2009 ، وهذه القراءة من قبل المرشد الأعلى ومجلس صيانة الدستور وزعماء المحافظين جعلهم يدركون أن وضعهم أصبح في الخطر الذي قد يفقدهم السلطة، فكانت المساومة بحسن روحاني وبه شاهدنا كم جرى امتصاص النقمة الشعبية وكأنه المنقذ الرباني الذي سيحقق أمل أكثرية الجماهير الإيرانية في الحرية والديمقراطية وإنقاذ الاقتصاد المتداعي وتحسين الحياة المعيشية ، وتخلصت الطغمة المحافظة من وجع القلب الذي كان ينتظرها بمجرد التلاعب بنتائج الانتخابات أو فرض شخصية مرفوضة، وأصبح لها حسن روحاني منقذاً على الأقل في الوقت الراهن ولكن على أمل ماذا سيكون في الغد! وهو اعتقاد راسخ لدى القوى المحافظة لأنها تسيطر على المواقع الحساسة في الدولة وفي مقدمتها الحرس الثوري والباسيج الإيراني، أما البعض من الذين مازالوا يراهنون على الأمل والحلم في تغيير السياسة الإيرانية وإخراج إيران من العزلة القاتلة التي تعيشها بسبب ملفها النووي وتدخلها في شؤون الدول الأخرى بما فيها سوريا والسياسة القمعية الداخلية بصراحة نقول انه أمل في حلم " مخربط " سيكون كابوساً متى انتهت مرحلة الانتخابات وتسلم حسن روحاني رئاسة الجمهورية بشكل رسمي، وسنرى أي منقلب ينقلبون وعلى دفعات!، لكن ذلك لا يعفينا من القول أن الأحداث القادمة ستكشف المزيد من الوقائع وقد تكون هناك صدامات على جميع المستويات وهي حبلى بالعصيان والاحتقان الجماهيري وربما سيجري تغيير المعادلة وهذا أمر وارد في السياسة وبخاصة ما يجري في إيران، وإما فيما يخص تفاؤل البعض من الساسة العراقيين حول التغيير الذي سوف يحصل في سياسة إيران تجاه العراق والكف عن التدخل في شؤونه الداخلية بعد فوز روحاني فذلك " بعيد اللبن عن وجه مرزوك " فهو تفاؤل ساذج للغاية لأن السياسة الإيرانية الثابتة تجاه العراق تبقى مستمرة ولن تكون هناك تغيرات في الجوهر بل ربما البعض من الترقيعات من اجل الدعاية الإعلامية، ثم لا ننسى أن البعض من القوى السياسية الدينية تطمح بمزيد من التدخل وتسميه تعاوناً لمصالح البلدين الجارين!!. إن حسن روحاني كما اشرنا هو رجل إيران والدولة الإيرانية ولكن بطريقة جديدة، فالرجل حسبما يُذكر استطاع ممارسة عمله السياسي بدقة توفيقية وعندما نقول انه جزء من النظام الثيوقراطي يشفع لنا ذكر ما كشفه ( على نوري زاده ) مدير مركز الدراسات العربية ــ الإيرانية عن حادثة انتحار ابنه الأكبر حسين روحاني قبل 21 عاماً بمسدس والده خجلاً من انتماء والده إلى السلطة القمعية التي اتهمها بالفساد وكونه كان مسؤولا تلك السنة عن إدارة شؤون الحرب أثناء رئاسة هاشمي رفسنجاني وحسبما نشر في رسالته الذي دونها قبل الانتحار فقد ذكر مخاطباً والده " كلي أسف لأني أعيش في بيئة أنا مضطر فيها إلى الكذب على زملائي كل يوم، بتكراري أن والدي ليس جزءاً من النظام" ثم "سئمت الكذب على نفسي.. أكره نظامكم وحكومتكم وأكاذيبكم وفسادكم" إذن هذا هو الرئيس الجديد وهو كما قيل يضع قدماً في مواقع الإصلاحيين لكنه يعطل قدمه الثانية التي هي بالأساس في مواقع المحافظين وهذا الموقف حسم الأمر حتى بالنسبة للبعض من يصوتون للتيار المحافظ حيث منحوا أصواتهم له فضلاً على أصوات الإصلاحيين، ولهذا شُخص الرجل على أساس انه معتدل في صفوف المحافظين المتشددين ، وللأسباب هذه وغيرها من الأسباب لا يمكن اعتبار ما حدث انقلاباً جذرياً للانتقال إلى سياسة جديدة تختلف عن السابق إلا اللهم تعديل الخطاب المتشدد الذي سار عليه أحمدي نجادي ورهط المحافظين، ومع ذلك فإن المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يمسك بيد من حديد على مقاليد الحكم وعلى المؤسسات صاحبة القرار هو الذي أوعز لمجلس صيانة الدستور ومجمع مصلحة تشخيص النظام بعدم الاعتراض على ترشيحه بسبب الوضع الحساس لإيران في المجال الخارجي والداخلي، ولأن حسن روحاني لا يستطيع أن ينقل إيران إلى سياسة تختلف عن السابق، أما في الشأن الداخلي وهو المجال الأساسي الذي يقتصر على رئيس الجمهورية في البعض من المجالات فهناك أيضاً قرارات تتخذ من قبل المرشد الأعلى باعتباره ممثل السلطة الإلهية فمثلاً حتى تعين وزير الأمن والاستخبارات ثم الهيمنة على الحرس الثوري ومجلس الأمن القومي فضلاً على أن الدستور الإيراني يمنحهم الحق في رسم السياسة العامة والقضايا المصيرية ولهذا لا يمكن لحسن روحاني أن يغير السياسة الخارجية أو الداخلية إلا بموافقتهم وإذا ما حاول التجاوز أو العصيان فهناك الحق الدستوري الذي في أيديهم لتغييره في لحظات ، وعليه سيبقى دوره تنفيذياً مع البعض من الاستثناءات التي ممكن التحرك فيها حفاظاً على ماء الوجه . لقد انتخب حسن روحاني نزولاً لرغبة عدة أطراف تقديم تنازلات توفيقية من اجل الحفاظ على المصالح، إلا أن رغبة أكثرية الشعب الإيراني الحقيقية في التغيير بعد حكم 35 عاماً من التسلط وقمع الحريات وفرض مفاهيم تتضادد مع مصلحة أكثرية الشعب الإيراني ظهرت جلية في نتائج التصويت الانتخابي الذي أظهر أن هذه الجماهير هي بالضد من ولاية الفقيه والمرشد الأعلى الإلهي والمحافظين وبالضد من القمع والإرهاب وحجب الحريات، وان هذه الجماهير برفضها مرشحي المرشد الأعلى والمحافظين أكدت أنها أصبحت خار ج دائرة النظام القمعي وهي معادلة فرضت نفسها بالاحتجاج العلني والصامت وهو أكثر خطورة لتوليد الانفجار، ولن تسكت عن أية ممارسة تسلطية تحاول تغيير المعادلة في ظروف قد تكون مهيأة لانفجارات اجتماعية وسياسية تعصف بالوضع السياسي والقوى التي هيمنت على مقاليد السلطة سنين طويلة، ويبقى الجواب على السؤال حاضراًـــ إن مجيء حسن روحاني هو أساساً لترتيب الوضع الداخلي! أما فيما يخص السياسة الخارجية وملفاتها العديدة فان الاستراتيجية الإيرانية ليست من صلاحيات رئيس الجمهورية بل مثلما اشرنا هي من صلاحيات المرشد الأعلى وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني والتحالفات التي مازالت قائمة مع البعض من القوى والدول مثل حزب الله وسوريا، ولن يكون تصريح حسن روحاني آلة سحرية تنقذ إيران عندما صرح " سننقذ الاقتصاد ونتعامل باعتدال مع العالم " فهذه رغبة لا يمكن أن تتحقق بشكلها الواسع بل مسعى لتهدئة النفوس ولكي يمر بنجاح قطار السلطة الدينية بأصعب محطاته للوصول إلى المحطة التي من الممكن أن تكون حاسمة ويتحقق ما خطط له، ولكن لكل حادثة حديث وهو ليس بالتشاؤم إنما قراءة للوضع الإيراني الحالي .
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أين تأتي السيارات المفخخة وبهذه الكثرة؟
-
ماذا وراء الانتخابات الإيرانية القادمة؟
-
أيام دامية وسنين غائمة والمواطن يدفع الثمن
-
ممارسة العنف والقتل ضد المرأة في العراق
-
حلم حمدان واختفاء صباح الأسود
-
هل الحرب الطائفية الأهلية قادمة لا محال؟
-
الأيزيديون وجرائم القتل المبرمج
-
مَنْ يتحمل مسؤولية أجهزة كشف المتفجرات الفاسدة ؟
-
الواقع الجماهيري في انتخابات مجالس المحافظات في العراق
-
المعنى من استقلالية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات
-
اياررمز لنضال الشغيلة ضد الاستغلال والقهر الاجتماعي
-
الانزلاق نحو الحرب الطائفية الاهلية
-
هدف سياسي خلف تعديلات قانون المساءلة والعدالة
-
المثقفون وهاجس التدجين السياسي
-
تحقيق المطالب المشروعة طريق لعودة الاستقرار
-
ارهاب مبرمج ضد وسائل الاعلام في العراق
-
وجهة نظر في حكومة الاغلبية السياسية
-
واقع أحزاب الإسلام السياسي في العراق وباقي الدول
-
النتائج الكارثية لاحتلال العراق بعد عام 2003
-
مكونات الفتنة الطائفية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|