ماجد الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 1 - 2001 / 12 / 9 - 02:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الخطاب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في ظل قيادة فهد
مقدماً لابد من الإشارة الى ان الرفيق الخالد فهد يعتبر باني الحزب الشيوعي العراقي، ومؤسس تقاليده التنظيمية، التي صانته حتى يومنا هذا، وساهمت في إستمراريته. وظلت بصمات الرفيق فهد جلية في خطاب الحزب حتى أوائل الستينات، وأصبحت تصوراته وأفكاره بشأن اَلية عمل الحزب، وتركيبته الطبقية، وماهية خطابه السياسي،أساساً لبناء الحزب تنظيمياً، ومادة لصياغة مواثيقه الحزبية، التي راعت التطورات الجديدة في حياة الحزب على كافة الاصعدة.
هذا المدخل يدلنا:
أولاً- على الخطوة الاولى لتحليل الخطاب السياسي لحزبنا الشيوعي العراقي منذ عام 1938 وحتى عام 1948.وأول ما تكتشفه عند الاطلاع على الوثائق الصادرة في تلك الفترة، هو بساطة وسهولة فهم الخطاب من قبل عامة الشعب، الذين كانوا في غالبيتهم من الاميين. ففي كراسه " حزب شيوعي لا إشتراكية ديمقراطية " يحاول الرفيق فهد شرح العديد من القضايا الشائكة للصديق( مقدام ) باسلوب مبسط، موضحاً له أهمية التنظيم قائلاً:" فبإستطاعتنا ان نقول ان التنظيم-"الحزب"- غاية ووسيلة، كقولنا ان الحركة حقيقة مطلقة طالما توجد مادة.نقول ان التنظيم غاية كما نقول القطن بضاعة بالنسبة للزارع، لكن أصحاب المغازل يعتبرونه من المواد الخام، فيشترونه ليحولوه الى بضاعة، أي الى غزل، وهذا الاخير مادة خام بالنسبة للحائك، الذي يشتريه كذلك ليحوله الى بضاعة، وهلمجرا…"
ثانياً- قدرة الخطاب على ملاحقة الاحداث، وتحليلها تحليلاً سليماً، ينطلق من الواقع وإمكانية الحركة والجماهير لتحقيق أهدافها الوطنية والديمقراطية.وكان الرفيق فهد يعكف على دراسة خطابات العرش وبيانات الحكومة، وإتفاقياتها، ويحللها وفق الرؤيا الماركسية، بإسلوب مبسط ومفهوم لدى الشارع السياسي، ومن خلالها يطرح المطاليب الآنية، والشعارات اليومية، وطرق وأشكال تحقيقها.فهو يرد على خطاب العرش بصدد تشكيل الاحزاب من خلال إستثارة الشخصيات الوطنية لتقديم الطلبات لوزارة الداخلية، وتوجيه النداءات الى القوى الإجتماعية لتشكيل إتحاداتها المهنية والشعبية ونقاباتها العمالية، مشجعاً إياها على تشكيل الوفود، وكتابة العرائض، والقيام بالتظاهرات، والاضرابات، دفاعاً عن مصالحها اليومية- توفير رغيف الخبز.
ثالثاً- التحليل الطبقي للتطورات الجديدة في المجتمع العراقي، وللمنطقة العربية، ولدول الجوار، وعلاقة ذلك بالمصالح الامبريالية فيها، مشخصاً القوى الاجتماعية التي تخدم تلك المصالح في المنطقة.فقد كتب، مثلاً، يقول في مقاله" واجبنا إتجاه الوطن، نضالنا في سبيل الديمقراطية"( المؤلفات الكاملة للرفيق فهد، طبعة بيروت، ص 257)، إن الحكومة " بدلاً من أن تكفل للشعب خبزه وضروريات معيشته، وقفت الى جانب المحتكرين، مجوعي الشعب وسارقي خبزه، وسمحت لهؤلاء الكواسج البشرية، طيلة سنتين، ان تنهض وتقطع جسم الشعب وتسرق دماءه".
رابعاً- عدم المهادنة في الخطاب السياسي، والقدرة على طرح الافكار والآراء، بشكل إنتقادي بناء، دون المساس الاخلاقي او الطعن بالقابل، وإنما كان يحاكم الحدث السياسي لا غير.وأليكم احد النماذج المأخوذة من مقالته" رسالة الجماهير الجوابية الى خطاب العرش" والذي ينتقد فيه تردد المناضل الوطني كامل الجادرجي، فيقول:" اليوم قد مضى على تصريح الحكومة أكثر من ستة أسابيع، بينما هو لايزال يبحث بالمينة،في وضح النهار،حاملاً مصباح " ديوجيوس" يفتش عن "أوادم" يؤلفون معه حزبه الموعو.إنني أؤكد للسيد كام الجادرجي أن في العراق " أوادم" من مختلف الطبقات والميول والاخلاق".
خامساً- سلمية الخطاب السياسي للرفيق فهد، وإعتماده الوسائل السلمية لتحقيق أهداف الحزب الشيوعي العراقي.وهذا نابع من القراءة المتفهمة للتوازن الطبقي في المجتمع،وإمكانية الطبقة العاملة وحلفائها، وطبيعة الظروف السياسيةنالدولية والعربية والمحلية، في وقتها اَنذاك. فلم يطرح شعار إسقاط الملكية بالرغم من المد الثوري الجارف بفعل إنتصار الجيش الاحمر، وولادة العديد من البلدان الإشتراكية، وإنتصار اليسار في العديد من بلدان أوربا الغربية.
سادساً- الثبات في صياغة الخطاب، والتروي في معالجة القضايا الطارئة والإشكالات الجديدة الناشبة. ففي معرض تناوله لقضية حل المركز الشيوعي الاممي " الكومنترت" والإرباك، الذي ساد الاحزاب الشيوعية، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، لم يفته التعليق على شماتة جريدة " الأهالي" هازئاً:" صفي لك الجو، فبيضي واصفري"، وبذات الوقت عالج، في العديد من المقالات، أسباب حل الاممية الشيوعية، وتناول واجبات الشيوعيين،الذين أصبحت أحزابهم قادرة على قيادة نضالهم بإستقلالية تامة،بعد رحيل الكومنترن..
سابعاً- قدرة الرفيق فهد على إستقراء الاحداث، والتنبوء بالاحداث المستقبلية، والتأكيد على اهمية صياغة الخطاب الجماعي.
ثامناً- موسوعية الرفيق فهد.فقد كتب الرفيق في العديد من القضايا الهامة، سياسياً، وإقتصادياً، وإجتماعياً. لكنه، بالرغم من تلك الموسوعية، إبتعد عن إستخدام العبارات الاكاديمية العصية الفهم.وظل متواضعاً جماً، مما أكسبه إحترام الاصدقاء والاعداء على السواء.
ختاماً- ان الحديث عن شخصية الرفيق الخالد فهد، وتأثيره في خطاب الحزب السياسي، حديث واسع. لضيق المجال هنا، كثفنا مساهمتنا هذه، اَملين ان تكون السطور المارة،على قلتها، قد أوفت بجزء من حق فهد علينا.
#ماجد_الازرقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟