أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - سأحدثكم عن أيمن..















المزيد.....


سأحدثكم عن أيمن..


نضال حمد

الحوار المتمدن-العدد: 292 - 2002 / 10 / 30 - 03:22
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

أكتوبر 2002
قد يكون العنوان أعلاه غريبا نوعا ما, لأنه مأخوذ من أغنية جميلة كان مار سيل خليفة غناها نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات في بيروت الفكر والثورة والأحلام العربية الضائعة والأخرى المبخرة. فمار سيل غنى للبنان مباشرة وبلا أسماء وكذلك غنى للجنوب بشخص وأسماء أبطاله فكانت أغنية يا علي و كذلك بلال وغيرها من الروائع الغنائية التي وجدت صداها في آذان الشباب العربي الناشئ. وكما أسلفت فأن لمار سيل خليفة أغنية أيمن, وهذه الأغنية كنا نغنيها والأصدقاء معا في جلسات السمر والسهر أبان الحرب في لبنان ومن ثم إبان الدراسة الجامعية في بولندا :

" سأحدثكم عن أيمن

 عن قمر الغابات الفاتن في عينيه

 وعن حزن يديه

 إذا فرت أنهار الأرض

 وخبأها بين أصابعه..".

 وكان أيمن من بين الأصدقاء – الرفاق, أقول الرفاق لأننا كنا أيامها لا زلنا نتعامل مع بعضنا بلغة الفصائل و الأحزاب والحركات والجبهات, من الصغيرة إلى الكبيرة, ومن الجائعة إلى المكتفية حتى المفجوعة التي تبلع كل شيء وفي المقابل لا تعطي أي شيء. كنا نطلق على الجبهوي رفيق و على الفتحاوي أخ, مع أننا كنا كلنا أخوة من أم وأكثر من أب كما وصف الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش شعبه الفلسطيني الأبي في ملحمته الكبيرة مديح الظل العالي. وكان أيمن الفلسطيني الهوى والطباع والأصل والفصل, القادم من مخيمات الشتات المعذبة إلى جامعات الغربة بمنحة دراسية أمنتها له منظمة التحرير الفلسطينية واحدا من مئات الطلبة الفلسطينيين الذين حصلوا على علمهم في جامعات جمهورية  بولندا الشعبية , هذه التي كانت شعبية أيام الاشتراكية وصارت تابعة لأمريكا ومرتهنة للصهيونية أيام حكومة بقايا الاشتراكية. فحكام البلد من الشيوعيين سابقا وقادة حزب العمال البولندي المنحل لاحقا والذي أعيد تجديده باسم جديد حوله من حزب عمال بالاسم إلى حزب تجار بالجملة, صار اسمه تحالف اليسار الديمقراطي. والغريب العجيب في بلاد البابا يوحنا بولس الثاني  أن اليسار في بلده يمين واليمين يسار وهذا ما يقره بعض الساسة البولون وما تؤكده الحياة السياسية اليومية. كما أن بولندا من البلاد التي تشتهر بالسياسيين الذين يصعدون ويهبطون مثلما سعر الدولار في البورصة. والشعب البولندي متقلب الآراء ولا رأي ثابت له بالسياسيين, فبإمكانه جعل أحدهم رئيسا وزعيما اليوم ومن ثم يقوم بحرقه سياسيا وتحجيمه في اليوم التالي. ومشاكل بولندا المالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أكبر من أن تحل بسنوات قليلة أو بفضل شخصية قوية واحدة, فالبلد مازال عالقا بديونه الكبيرة وبأزماته المتعددة ويحتاج لتغيير في طريقة عمل وتفكير الناس وربما لأجيال جديدة حتى يستطيع السير على سكة سير جديدة, بقطارات جديدة وسائقي قطارات جدد لا يعرفون من الماضيين البعيد والقريب سوى ما يقرئونه في الكتب.

كنت أول أمس جالسا في بيتي على الكرسي الذي أحب حين فاجأتني زوجتي بمجلة أسبوعية بولندية اسمها " ناي". وهذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها هذه المجلة وهي بالطبع جديدة كغيرها من المجلات التي لا تعد ولا تحصى في السوق البولندية. المفاجأة كانت في الموضوع الذي بدأت زوجتي بمطالعته إذ أن بطله كان "الرفيق" الدكتور أيمن, نعم أيمن ما غيره, رفيق الدراسة وسنوات الحب والإبداع والعطاء في الجامعة وبين عشرات آلاف الطلبة من كل الملل والجنسيات, حيث كانت تجمعنا مقاعد الدراسة في الجامعات والكليات وتوحد ألسنتنا اللغة البولندية التي أصبحت قاسمنا الحواري واللغوي المشترك, بطبيعة أننا في تلك البلاد. وكان لبعض المقاهي الجامعية المحببة مكانة خاصة عندنا, فكنا نقضي أوقات الفراغ أو الوقت الضائع بين الحصص والمحاضرات حول طاولات تلك المقاهي, نتبادل الأحاديث والحوارات المتشعبة التي تأخذنا إلى كل الأمكنة دون أن تنقلنا عن طاولاتنا في مقاهي " كوبا و الأنديكس  و الكولامبور". هناك كنا نبني من الحلم والكأس والفكر الحر دولنا الحرة ونحقق أمنياتنا وأحلامنا حين تدور بنا الرؤوس وتتكسر من شدة بؤسنا و حزننا الكؤوس. هناك كان للنضال السياسي والنقابي معانيه الواضحة وأهدافه النبيلة, كنا نحمل هموم العرب وبالأخص قضية فلسطين في قلوبنا وعلى أكتافنا بالرغم من سياسة التفرقة المالية و التعاملية التي كانت تتبعها حركة فتح المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة. ورغم أننا لم نسلم مفاتيح عقولنا للذين حاولوا شراء عقولنا ومواقفنا, إلا أن الدنيا بتقلباتها لم تسعف بعضنا, ومن هذا البعض الذي غدرت به الظروف الدكتور أيمن. فبعد أن أنهى دراسته لم يلحل مشكلة أقامته بطريقة ما, فلكي يحصل على تأشيرة أقامه دائمة في بولندا الجديدة, كان عليه أن يتزوج من مواطنة بولندية, لكنه لم يفعل ذلك لا أعرف لماذا وهذه تبقى قضيته الخاصة ولا حق لأحد التدخل بها. وجدير بالذكر أن أيمن لم يكن من أصحاب الحالات الميسورة والجيوب المملوءة, كان من عائلة فلسطينية أوضاعها المادية على قد الحال. وكنت ممن عرفوا ذلك خلال زيارة لعائلته في إحدى الدول العربية. في المجلة المذكورة وجدت لقاءا كاملا متكاملا ومن صفحتين كاملتين تزينهما بضعة صور لصديقي الدكتور الذي لازال يعمل دكتورا لكن متطوعا في خدمة المشردين والمرضى منهم في دار رعاية المشردين في العاصمة البولندية وارسو.

 بدأت كاتبة المقال كلامها عن أيمن كالتالي "  اليوم نهض أيمن الساعة الثالثة صباحا لقيام صلاة الفجر مثله في هذا مثل كل إنسان مسلم يقيم الصلاة 5 مرات في اليوم .. يعيش في بولندا منذ 21 عاما, درس الطب  ثم عمل قليلا في المستشفى لكنه سرعان ما فقد وظيفته ليجد نفسه فجأة بلا أقامه وعرضة للتسفير إلى البلد الذي جاء منه حيث تنتظره هناك مشاكله الكثيرة والمنوعة ليس أولها خدمة الجيش التي تخلف عنها ولن تكن آخرها الأوضاع المادية السيئة والنفسية الأسوأ تلك التي تراكمت مع مرور الزمن والسنوات, حيث فقد أخاه الدكتور أيضا في حادث سيارة في كوبا, ومن ثم وفاة والده المفاجئة.. فجأة لم يجد أيمن أمامه سوى اللجوء إلى دار رعاية المشردين برعاية السيد  زبيشيك كوتان الذي تبنى قضيته لكنه توفي فيما بعد بحادث سيارة مفاجئ.. مات كوتان وبقي أيمن في دار المشردين يساعد المرضى والمساكين مجانا, فهو لا يتقاضى أجرا من عمله سوى لقمة عيشه وحسائه والقليل من المال من أجل لباسه وتنقلاته المحلية".

 أن أكثر ما في قصة أيمن التي حدثكم عنها إثارة هو تحول الدكتور أيمن من إنسان داعب الخمر حياته وأوقاته طويلا إلى إنسان أصبح ملتزما ويقيم الصلاة كاملة ويؤمن إيمانا عميقا بأنه إنسان يحمل في قلبه المحبة والتسامح و يؤمن كذلك بالتعايش بين البشر ويحترم الرأي والرأي الآخر, تماما كما كنا أيام الرفاقية الجبهوية والصداقة والزمالة الدراسية , نبدي رأينا لكننا بنفس الوقت نحترم الرأي الآخر, نسمعه ونحاول فهمه وتحليله وتقييمه والاستفادة منه لما فيه مصلحة الجميع. يحزنني وضع أيمن الحالي واقصد هنا بالتحديد وضعه النفسي والمادي, فهو بعد كل هذه السنوات من العلم والتعب والعيش في بولندا, يجد نفسه بلا إقامة وبلا جواز سفر وبلا عمل غير عمله التطوعي. ترى متى تعي السلطات البولندية حقيقة أن أيمن أصبح نصف بولندي لأنه ببساطة قضى نصف عمره في بولندا وهو يتحدث باللغة البولندية يوميا أكثر من تحدثه باللغة العربية. وأن إعطائه الإقامة يعني إعطائه حريته المفقودة منذ 21 عاما هي عمر وجوده في بولندا الشيوعية سابقا وبولندا الجمهورية حاليا.

                            * باحث فلسطيني مقيم في النرويج

            
  



#نضال_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من جنين إلى مستوطنة أرئيل المقاومة مستمرة في فلسطين..
- مقاطعة إسرائيل واجب قومي وأنساني وأخلاقي..
- الشيشان أرض الذئاب والعذاب
- خطة الطرق الأمريكية تعج بالإشارات الإسرائيلية
- الأمم المتحدة من روزفلت إلى بوش
- للحيوان في العالم الغربي مكانة أكبر من مكانة الإنسان الشرقي. ...
- ثلج, أطفال وغربة
- الناموس في عالم السياسة..
- 16 أكتوبر يوم لنصر لبناني جديد
- جنازة الكندري والهاجري تختصر كل شيىء ..
- سفير بريطانيا يجرأ على الكلام
- رحلة أخرى على شاطئ قرطاج - الجزء الثاني
- رحلة أخرى على شاطئ قرطاج - الجزء الأول
- الإرهاب في كلام الإرهابيين من قادة إسرائيل الإرهابية
- السابع من أكتوبر تاريخ فلسطيني جديد
- نابلس 106 أيام من منع التجوال والحبل على الجرار..
- الى الطفل الشهيد محمد الدرة في يومه المشهود, يوم الطفل العرب ...
- هل أصبح العرب أكثر شعوب العالم عجزا؟
- تظاهرة في أوسلو
- الإرهاب الصهيوأمريكي لازال مستمرا


المزيد.....




- جدّة إيطالية تكشف سرّ تحضير أفضل -باستا بوتانيسكا-
- أحلام تبارك لقطر باليوم الوطني وتهنئ أولادها بهذه المناسبة
- الكرملين يعلق على اغتيال الجنرال كيريلوف رئيس الحماية البيول ...
- مصر.. تسجيلات صوتية تكشف جريمة مروعة
- علييف يضع شرطين لأرمينيا لتوقيع اتفاقية السلام بين البلدين
- حالات مرضية غامضة أثناء عرض في دار أوبرا بألمانيا
- خاص RT: اجتماع بين ضباط الأمن العام اللبناني المسؤولين عن ال ...
- منظمات بيئية تدق ناقوس الخطر وتحذر من مخاطر الفيضانات في بري ...
- اكتشاف نجم -مصاب بالفواق- قد يساعد في فك رموز تطور الكون
- 3 فناجين من القهوة قد تحمي من داء السكري والجلطة الدماغية


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - سأحدثكم عن أيمن..