|
موقف النقابات من سلبيات العولمة
عبدالحميد ملكاني
الحوار المتمدن-العدد: 1184 - 2005 / 5 / 1 - 05:39
المحور:
ملف 1 ايار 2005- الطبقة العاملة في ذكرى 1 آيار
لقد كان للمتغيرات الإقليمة والدولية والتحولات الاقتصادية انعكاسات على اقتصاديات كافة البلدان وعلى شعوبها وأطراف الإنتاج الثلاثة فيها (الحكومات – وأصحاب العمل – والعمال) وبالتالي على سائر طبقاتها وشرائحها الاجتماعية، ولقد اختلف تأثير هذه المتغيرات باختلاف نماذج تطبيقاتها وفي تحديد أهدافها وتوجيهاتها ومدى توازن القوى والمصالح بين كافة الأطراف والبلدان في الساحة الوطنية والدولية، والذي يهمنا هنا هو بحث المنعكسات المذكورة على الطبقة العاملة في عالم العمل ولاسيما في الوطن العربي. لقد بدأ الأمر بممارسة الدول المتقدمة الضغط على الدول النامية خاصة لتعرقل تجارتها، كوسيلة للحماية، بحجة أن لديها ميزة نسبية في الأجور وأسعار بعض المواد الأولية وتشغيل الأطفال، مع العلم بأن كل هذه الميزات النسبية في مطلق الأحوال لا تشكل أكثر من 30% من الكلفة الكلية للمنتجات، بينما تملك الدول المتقدمة بقية النسبة أي 70% بوسائل عديدة منها امتلاكها لوسائل الإنتاج الحديث والإنتاج الكبير والتدفقات الرأسمالية والأسواق الكبيرة ومهارة اليد العاملة ومراكز البحوث والتكنولوجيا المتقدمة. ثم أخذ الضغط يزداد ويتقدم ليلف الطبقة العاملة والحركة النقابية في ظل سلبيات هذه المتغيرات حيث بدأت تنصَب على أهم التزام لهذه الطبقة ألا وهو موضوع الحقوق والحريات النقابية على اعتبار أنها تشكل جزءاً أساسياً من الحريات العامة للإنسان، والعمود الفقري بالنسبة لحقوق العمل والتي تعتبر بحق المقياس الحقيقي للتقدم الاجتماعي ولممارسة الحرية والديمقراطية في المجتمعات السليمة، كما أخذت بالانقضاض على المزايا والمكتسبات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى للعمال، الأمر الذي يتطلب تعزيز دور النقابات لتكون قادرة على المساهمة بحماية مكتسباتها وتطويرها نحو الأفضل من خلال الضغط على الحكومات وأصحاب الأعمال لاحترام الحقوق والحريات النقابية باعتبارها جزءاً من الحريات العامة وضماناً لاستقلالية القرار النقابي والالتزام بالمواثيق واتفاقيات العمل العربية والدولية والتشريعات الوطنية وهذا لا يعني انفصال الطبقة العاملة والنقابات عن القوى الاجتماعية الأخرى في المجتمع أو القوى السياسية التي تستجيب وتتبنى المطالب العمالية، لذلك فإن الحوار الديمقراطي مع كافة القوى للوصول إلى مزيد من الحقوق والخدمات هو أمر ضروري لمواجهة سلبيات العولمة. ومن الجدير بالذكر بأنه يجب التنبيه إلى ما تلجأ إليه الدول المتقدمة بالمتغيرات التي تقودها للتأثير على الطبقة العاملة باستخدام وسائل الإعلام على اختلافها ونشر ثقافتها وقيمها كنشر القيم الاستهلاكية وأنماط التفكير والسلوك المصاحب لها والتأثير على قيم ومبادئ الثقافات الأخرى، وإن الصراع الإيديولوجي القائم الآن هو صراع حضاري يستهدف العقل والنفس فهي تروج للقيم الفردية التي تقوم على اهتمام الإنسان بنفسه وحل مشكلته الشخصية، وتكرس لديه حب الذات وتعمل على إضعاف وعيه القومي والطبقي وكل شعور بالانتماء الجماعي كما تنمي لديه شعوره بالحياد تجاه الظروف المحيطة به مما يضعف روابطه بالآخرين، وتعزز لديه الاعتقاد بأن الطبيعة البشرية هي طبيعة ثابتة لا تتغير لتصرف نظره عن رؤية الفوارق بين الأغنياء والفقراء، بين الظلم والعدل، بين المستعمِر والمستعمَر مما يكرس الاستغلال باعتباره أمر غير قابل للتغيير ويكرس الاستقلال الاجتماعي، وإن كل احتجاج على ما هو قائم يعد نوعاً من التعدي على الأمن وإشاعة الفوضى.
إن كل ما تقدم يبين لنا حجم الواجبات الملقاة على عاتق التنظيمات النقابية حيث أنه مما لا شك فيه فإن هذه المتغيرات الإقليمية والدولية والتحولات الاقتصادية ستفعل فعلها فيما تفعل وتؤثر على التنظيمات النقابية التي تعتبر طليعة الطبقة العاملة وعينها الساهرة والتي تعمل على الوقوف في وجه كل محاولة لللإنقاص من حقوقها أو الانقضاض على حريتها ولاسيما الحقوق والحريات النقابية الأمر الذي يتطلب من النقابات العمالية أن تواصل نضالها وتطور أدائها وتعمل على توفير المقومات الأساسية لأداء مهماتها بما يساعد على تعزيز دورها في مواجهة تحديات النظام العالمي الجديد بأهدافه وأدواته ووسائله، والتي تمس الأوضاع المعاشية للعمال بشكل مباشر مما يضعف دورها الاعتباري والأساسي مما يسهل هجمتها على المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية للعمال ويشجعها على عرقلة مهماتها بقصد تحجيبها وتهميشها وإضعاف دورها خاصة في مجالات المطالبة بالمصالح العمالية والخدمات الاجتماعية. الأمر الذي يتطلب من النقابات العمالية مواصلة تأكيد مواقفها المبدئية والثابتة بالدفاع عن الحقوق والحريات النقابية والنهوض بمسؤولياتها والحرص على استقلال قرارها النقابي والعمل على تعميق الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة العمالية وتطوير أساليب عملها وإضافة صيغ عمل جديدة على نشاطها وتعزيز الثقافة العمالية وتطويرها وإدخال موضوع العولمة في برامجها وتتبع آثارها السلبية للكشف عن أخطارها والمشاركة الفاعلة في مناقشة التشريعات والقرارات الاجتماعية ... والاهتمام بتوسيع الخدمات الاجتماعية ... كما يجب التحام الطبقة العاملة ممثلة بالحركة النقابية في مختلف الأقطار ولاسيما في الدول النامية لتكوين قوة عالمية تستطيع أن تتعامل مع ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بهدف التقليل ما أمكن من آثاره السلبية أو محاصرتها. وأن تتعاون مع منظمات أصحاب العمل وأن تشارك الحكومة في الحوار الاجتماعي والمفاوضات الجماعية لاستيعاب التطورات الاقتصادية والآثار الاجتماعية التي طرأت على الاقتصاد العالمي والاقتصاد العربي لتسهيل الإصلاحات في الميادين ذات الأثر الإيجابي على نمو العمالة واتباع الاحتياجات الأساسية لتخفيف الفقر وتنمية الموارد البشرية والاهتمام بالبيئة العامة وبيئة العمل، وبالتالي السعي لتحقيق الاستقرار والوفاق الاجتماعيين اللذين يشكلان أساساً نظامياً للتنمية الشاملة. وعليه فإنه ممكن أن ندرج فيما يلي بعض أهم المسؤوليات الواجب مباشرتها خاصة من قبل النقابات العمالية العربية في مواجهة عولمة الاقتصادية والنظام الجديد للعالم: 1. تحقيق مزيد من التعاون والترابط النقابي العمالي العربي ومن ثم الدولي لتشكيل قوة ضاغطة لمواجهة التحديات المفروضة عالمياً وإقليمياً. 2. التسلح بالعلم والمعرفة لتحليل المنطلقات والمرتكزات والوسائل التي يستند إليها النظام الجديد للعالم وصولاً إلى تخفيف الآثار السلبية الناتجة عنه. 3. تطوير مناهج ومواد الثقافة العمالية التي تُدرس في المعاهد الثقافية العمالية لتشمل التعريف بمرتكزات النظام الجديد للعالم (كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، والايزو ...). 4. المشاركة في وضع مناهج التدريب المهني لتشمل التطور التكنولوجي وتستوعب المستجدات التي طرأت على الآلات والتجهيزات والمواد الأولية ومختلف مدخلات ومخرجات الإنتاج. 5. عقد دورات وندوات متخصصة لإعداد الكوادر وإصدار نشرة فنية متخصصة في مختلف فروع الصناعة الرئيسية تتناول وتتبادل الخبرات ونشر المعرفة وللوقوف في وجه الغزو الاقتصادي للشركات متعددة الجنسيات. 6. وضع نظام للحوافز معنوي ومادي ملموس بهدف مكافأة المجدين والنشيطين والمبدعين والاهتمام بتأكيد أواصر الصداقة بين العمال سواء داخل المعمل أو خارجه. 7. تعزيز دور الإعلام العمالي العربي واستخدام أجهزة الإعلام على اختلافها بالتعريف بالإنجازات العمالية والنقابية والفنية التي حققها العمال في مختلف الصناعات والمهن وإبراز العمال المبدعين والمبرزين منهم. 8. تنسيق الجهود بين الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وكل من منظمة العمل العربية والدولية لاقتراح أساليب معالجة الآثار السلبية للنظام الجديد للعالم ومفرزاته. 9. تشكيل لجنة مشتركة في كل بلد عربي يمثل فيها اتحاد العمال ومنظمة أصحاب الأعمال تهدف للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولمعالجة موضوع تحسين الإنتاج والإنتاجية بالمنافسة عن طريق الجودة والسعر وتحسين شروط وظروف العمل فيه ولحماية الإنتاج الوطني. 10. إنشاء بنك معلومات عمالي نقابي عربي يهدف إلى تخزين المعلومات وتبادلها بين التنظيمات النقابية العمالية بهدف الوصول إلى مواقف مشتركة أو موحدة من النظام الجديد للعالم وآثاره. 11. الاهتمام بالقطاع الهامشي (غير المنظم) الذي أخذ يتوسع في ظل النظام الجديد للعالم لدرجة تسميته من قبل منظمة العمل الدولية بـ(الاقتصاد غير المنظم)، والذي كانت تعتبره ظاهرة عابرة، وإيجاد صيغ ووسائل لاستيعابه ومد الحماية الاجتماعية لتغطيته بالتدريج دون أن يفقد هذا الموضوع مرونته وتوليده لفرص العمل. 12. الاهتمام بتأهيل مزيد من الكوادر العمالية النقابية من الشباب والنساء بهدف توسيع مشاركتهم في الحياة النقابية ومسؤولياتها. 13. السعي لتمثيل التنظيم النقابي العمالي العربي على امتداد الوطن العربي في اللجان والمجالس الاقتصادية والاجتماعية بهدف توسيع مشاركته في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية. 14. تعزيز الممارسة الديمقراطية داخل التنظيم النقابي وتشجيع الحوار في الحياة النقابية الذي يقوم على احترام الرأي والرأي الآخر والذي يؤدي إلى تعزيز التنظيم النقابي العمالي المذكور ومده بالأفكار والآراء والخبرات. 15. بسبب استقلالية الحركة النقابية والتزامها بالديمقراطية والوطنية فمن الضروري انفتاحها وتحالفها مع الفئات الاجتماعية المختلفة الملتزمة بالخط الاجتماعي المنادي بتحقيق العدالة الاجتماعية بتشكيل جبهة لمواجهة سلبيات النظام الجديد للعالم والدفاع عن المصلحة الوطنية والقومية.
#عبدالحميد_ملكاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
الكونفدرالية الديموقراطية للشغل بين المحافظة على التقدمية وا
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|