|
مستقبل ظاهرة الإسلام السياسي في مصر
شوقي عقل
الحوار المتمدن-العدد: 4126 - 2013 / 6 / 17 - 15:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حين يدور الحديث عن مستقبل ظاهرة الإسلام السياسي.. والتي توجت بوصول الإخوان إلى السلطة، فإن الكثيرين يؤكدون بثقة أنها زائلة في غضون أعوام قليلة .. وآخرون أكثر تفاؤلاً يؤكدون أن ذلك سيتم في غضون أشهر قليلة. يتم هنا الخلط بين تيار الإسلام السياسي وأحزابه وتنظيماته، وبين الظاهرة ذاتها وما لها من جذورٍ اقتصادية وسياسية واجتماعية.. كما بينت في مقالي السابق عن عوامل نشأة تلك الظاهرة.
هزيمة الإخوان وقوى الإسلام السياسي في الانتخابات لا تعني بالضرورة انتهاء ظاهرة الإسلام السياسي، فالظاهرة تظل ما ظلت العوامل المنتجة لها؛ بينما يخضع الانتصار في صناديق الانتخابات أو الهزيمة لمزاج الجماهير (الثوري) والتحولات الخاضعة للعوامل السياسية والاقتصادية، وبالعكس فمن الناحية الأخرى فإن القدرة التنظيمية العالية للإخوان.. وقوة الدعم المادي الهائل الذي تتلقاها الأحزاب السلفية، قد تؤدي إلى تواجد قوى في الساحة السياسية لتلك الأحزاب بغض النظر عن قوتها الحقيقية وسط الجماهير، حتى مع الانحسار الجزئي للظاهرة، ففي كلا الحاتين الوجود المادي السياسي لتلك الأحزاب لا يتناسب بالضرورة مع قوة أو ضعف تلك الظاهرة. البحث في مستقبل ظاهرة الإسلام السياسي، وبعيدا عن الأمنيات المريحة التي تريد نتيجة جاهزة سلفا بنهاية هذا التيار، يعني البحث في مستقبل العوامل المسببة لظهورها، وكذلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المؤدية لتآكل تلك الظاهرة واضمحلالها. كما يشمل أيضا دراسة نتائج وجود الحزب الأكبر الممثل لذلك التيار في السلطة، حيث إن الخبرة الشعبية المكتسبة من وجود الإخوان في الحكم، في مناخ من الغليان الشعبي، ستكون ذات أثرٍ بعيد في إحداث تطور نوعي مؤثر على مستقبل هذا التيار. وهنا لابد لنا من الإشارة إلى ملاحظة هامة، وهي أن الوجود الفاعل للعوامل المنتجة لظاهرة الإسلام السياسي.. لا يعني تلقائيا وجود تلك الظاهرة، هناك عامل مهم “محفِّز” لابد من وجوده، كأن تحدث هزيمة كبرى في معركة من معارك الوطن كما حدث أعقاب نكسة يونيو 1967، أو انهيار شامل لكيان الأمة ولكل ما عناصرها القانونية والسياسية والاجتماعية، تحت وطأة نظام شديد الفساد والعمالة والتبعية كنظام مبارك، دون وجود بديل آخر، وهو ما حدث عقب يناير 2011. من المهم بداية وضع تعريف لتيار الإسلام السياسي، يحدد المقصود بتلك الظاهرة ويمنع الخلط – المتعمد أحيانا – بين بينها وبين الإسلام كدين. مع ملاحظة أن اتساع الظاهرة وانتشارها في مجتمعات مختلفة في درجة تطورها وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية؛ يجعل من الصعب وضع تصور دقيق للظاهرة، فلا يمكن اعتبار أن كلا من جماعة “الطالبان” في “أفغانستان” وحزب العدالة و التنمية في “تركيا” وحزب العدالة والحرية في “مصر” أوحزب النهضة التونسي، شيئا واحدا، يمكن ملاحظة اختلافات عميقة بينهم في توجهاتهم السياسية وحتى الدينية! بل يمكننا أن نرى في مجتمع واحد مثل المجتمع المصري تباينا واختلافا واضحا بين القوى المنتمية لتيار الإسلام السياسي (الإخوان والسلفيين مثلا). رغم ذلك نرى أن التعريف الأقرب الجامع لتلك القوى هو أنها (حركة تبحث عن مجتمع فاضل مثالي تراه في العودة إلى تقاليد وأخلاق السلف الصالح.. عن طريق تطبيق نفس نمط الحياة الذي كان سائدا وقتها..وتطبيق النصوص الشرعية بحرفيتها.. وهي تتكون في غالبيتها العظمى من أفراد ينتمون إلى الشرائح الفقيرة من الطبقة الوسطى، إنهم في الأغلب شخصيات يائسة مسحوقة اجتماعيا) وفي ذلك التعريف العام للغاية تكمن السمة الأساسية لقوى الإسلام السياسي، ينشأ الاختلاف داخلهم في “درجة” الرغبة في الرجوع لتقاليد السلف الصالح (كارتداء الجلباب القصير أو البذلة الأوروربية مثلا، الحجاب للمرأة أم النقاب..الخ) والعلاقة مع آليات المجتمع الحديث، مثل العلاقة مع الآليات السياسية لتداول السلطة مثل: الأحزاب والنقابات، بدءا من التعامل معها مرحليا.. واستخدامها لتحقيق التمكن من السلطة، وانتهاءا برفض كلي للمجتمع الجاهلي.. وتكفيره ومن ثَمَّ الخروج منه والعودة إليه لتغييره، والعلاقة مع الآليات الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي والمنظمة لحركته الاقتصادية، مثل: البنوك والبورصة والأسهم، والعلاقة بشكل عام مع الثقافة الغربية بصورها المتعددة. من نافلة القول أن تلك الدرجات لها علاقة – عادة – بالانتماء الطبقي للأفراد المنتمين لتلك الظاهرة، يمكن ملاحظة ذلك بسهولة من أماكن انتشار كل جماعة وانتماءاتهم الطبقية، بل وفي كثير من الأحيان سماتهم الشخصية! في رغبتهم تلك للعودة إلى زمن السلف الصالح فأنهم يرفضون “كل” مؤسسات المجتمع المدني الحديث، مثل: الأحزاب واالنقابات والمجالس النيابية بدرجاتها المختلفة، باعتبارها مؤسسات تكرِّس وتعمل ضمن إطار “حكم الشعب” وذلك مقابل دعوى “الحاكمية” التي تقرر أن الحكم لله، تطبيقا لقوله تعالى: {إِن الحُكْمُ إِلا للهِ }[سورة الأنعام- الآية 57] وهو ما أفتى به ابن تيمية، وتبعه قطب و المودودي. يقول سيد قطب: “إنَّ الحكم لا يكون إلا لله، فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته، إذ أن “الحاكمية” من خصائص الألوهية، سواء ادعى هذا الحق فرد، أو طبقة، أو حزب، أو هيئة، أو أمة، أو الناس جميعاً في صورة منظمة عالمية، ومن نازع الله سبحانه أهم خصائص الألوهية، وادعاها، فقد كفر بالله كفراً بواحاً، ويصبح به كفره من المعلوم من الدين بالضرورة.” (قطب: في ظلال القرآن) فما هو مجال تلك الحاكمية التي ستتم من خلالهم وبأيديهم؟ يقول حسن البنا: “والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء، لا ينفك واحدً منها عن الآخر.” (البنا: مجموع الرسائل (ص: 170)] أي أن مجاله كما يحددونه هو كل تفاصيل الحياة. في ذلك السعي وفي تلك الرؤية تكمن أزمة تيار الإسلام السياسي، وتكمن نهايته في المسار المنطقي والطبيعي لحركة التقدم والتاريخ، شهدت الأمم المتقدمة خلال سعيها للتحرر ونضال شعوبها ضد التخلف، تيارات مثيلة، في أوروبا كانت القوى السلفية المسيحية تردد نفس مقولات القوى السلفية المسلمة، وكان المفكرون والفلاسفة المحافظون يرددون نفس المقولات، بالحرف! يقول هيجل :”إن مكان المرأة الطبيعي المناسب لعقلها هو المنزل.” وإلى زمن قريب لم يكن متاحا للمرأة أن تمارس حقوقها السياسية في بعض دول أوروبا، وحصلت في مصر على تلك الحقوق قبل أن تحصل عليها في بعض تلك الدول! فأين تلك الأفكار الآن في أوروبا؟ وأين تلك التيارات الآن؟! إن معرفتنا بسمات وملامح تيار الإسلام السياسي العامة، سترينا إلى أي مدى يمكن أن يستمر في الوجود من عدمه، ويرينا صدامه الحتمي مع حركة الواقع، دون الحاجة لأن نقرر ذلك نصا، وهو ما سأقوم بتقديمه في مقالين تاليين، يتضمن الاول السمات العامة للتيار كظاهرة اجتماعية، ويتضمن الثاني السمات العمة للتجلي السياسي لهذا التيار الذي توِّج بوصوله للسلطة، أي سمات سلطة الإخوان. ***
مع نهاية القرن العشرين تنبأ بعض الباحثين المتخصصين في “ظاهرة الإسلام السياسي” أن هذه الظاهرة آخذة في الأفول والانتهاء، ولكن ما حدث في العقد الأول وبداية العقد الثاني للقرن الواحد والعشرين، بيَّن أن تلك النبؤة لم تكن صحيحة. ففي “تركيا” و”مصر”.. و”تونس” و”السودان” و”الصومال”.. و”أفغانستان” تمكنت أحزاب ذات برنامج سياسي إسلامي من الوصول للسلطة، ومن لم يصل منها للسلطة أصبح قوة سياسية مؤثرة في بلده، كما في “الجزائر” و”المغرب” و”العراق” و”الأردن” و”باكستان”، بالإضافة لدول الخليج. بُنِيَت تلك النبؤة الخاطئة وقتها على حقيقتين مهمتين: الأولى: قيام المملكة السعودية باستدعاء قوات التحالف الدولي؛ لمساندتها ضد التهديد المحتمل من “صدام حسين” بعد دخوله الكويت صيف “1990″ باجتياح المملكة، كان ذلك الطلب كسرا لثوابت إسلامية لاتحتمل المساس، بعدم دخول غير المسلمين أرض الجزيرة العربية (1) كسرت المملكة هذه القاعدة الدينية المهمة، فكسرت معها تزعمها للأمة الإسلامية، وتدفقت قوات التحالف إلى الاراضي المقدسة، ثم انطلقت منها لتدمير العراق، وظهرت الفظائع، واعتُدِي على النساء.. وانتهكت حرمة المساجد والمصاحف، وقُتِلَ مئات الألوف من المدنيين بأيدي “الحلفاء” فاهتز البناء كله، وكان تيار الإسلام السياسي من ضمنه. كان ذلك بداية الانشقاق الكبير، وظهرت التيارات الإسلامية “الراديكالية”.. التي رأت في النظام السعودي نظاما عدوا منافقا تابعا، وعلى رأسها تنظيم “القاعدة“. أما الحقيقة الثانية: فهي عجز قوى الإسلام السياسي – وقتها – عن استثمار وجودها كقوة وحيدة على الساحة أمام الهجمة الاستعمارية، عجزت – مثلا- عن تحويل حادث اغتيال “السادات” في مصر إلى ثورة.. تمكنهم من الوصول إلى الحكم، وكانت ممارستهم الإرهاب.. وعزلتهم الاختيارية عن المجتمع.. سببا في نفور الجماهير منهم، رغم تصديهم للهجمة الاستعمارية ورفع لواء الإسلام. وهُزِمَ “الخميني” – قائد الثورة الإسلامية الإيرانية – أمام “صدام”، وتجرع السم – كقولته الشهيرة- ووقع اتفاق السلام معه، فتوقف زحف ثورته وزخمها الهائل تجاه دول الخليج الملاصقة.. التي تسبح على بحر من النفط قابل للاشتعال والانفجار.. بفعل الأطماع وبفعل تركيبة سكانية شاذة. ولم تستطع “الجماعة الإسلامية المسلحة” الجزائرية GIA) ) أن تصل للسلطة رغم فوزها بالانتخابات، وقُمِعَتْ الجماعات الجهادية في مصر بعنف. حوصرت قوى الإسلام السياسي في كل مكان، رغم أنها قامت بأكبر مهمة لها في التاريخ، بترتيب مع المخابرات المركزية الامريكية.. وبتمويل مباشر من المملكة السعودية، وهي هزيمة “الاتحاد السوفيتي” في “أفغانستان”، الهزيمة التي كانت المسمار الأخير في نعش النظام السوفيتي ومن ثم، زواله! اعتقد قادة القوى الجهادية أنه ستتم مكافأتهم، لدورهم الجهادي المسلح في “أفغانستان”، وفي أوطانهم ضد قوى اليسار المعادية للرأسمالية والاستعمار. ذلك لم يحدث، بل العكس هو ما حدث، وكان الانحسار الكبير، فلجأوا إلى سلاحهم التقليدي، وهو الإرهاب، فقاموا بتفجيرات “نيويورك”، لينتهي “شهر العسل” وتنطلق المطاردات، وتبدأ حقبة جديدة في تاريخ الإسلام السياسي في العالم، فقرر بعض الباحثين –كما قدمت- أننا نشهد عصر نهاية ظاهرة الإسلام السياسي. ولكن تلك النبؤة التي لم تتحقق تتضمن حقيقة هامة، فلو أعدنا صياغتها كالآتي لأصبحت صحيحة: إن ظاهرة الإسلام السياسي، كما كانت في الربع الأخير من القرن العشرين، آخذة في الاضمحلال والاختفاء، ليحل محلها تكوين جديد متوائم مع قواعد وقوانين ونظم.. ما يعرف بـ”العولمة” بقيادة “الولايات المتحدة”، وهو ما انتهى به الأمر – بمباركة الشيطان الأكبر ومساعدته- لأن يرث السلطة في كثير من البلاد العربية من بقايا النظم القومية، ويزيح النخبة العسكرية الحاكمة في “مصر.. والسودان.. وليبيا.. وتونس.. واليمن.. وسوريا”، ويحل محلها أو يزاحم شاغليها الحكم.. ويفرض عليهم يوما بعد يوم شروطه. إن السمات الأساسية لظاهرة الإسلام السياسي في طبعتها الجديدة، ما بعد هجمة “سبتمبر” الكبيرة، وبعد (المراجعات)(2) التي قامت بها قيادات الجماعات الجهادية في السجون.. وأثمرت عن إعلانها نبذها للعنف، والخطاب السياسي المتحول.. الذي بدأ برفض “الديمقراطية” باعتبارها كفرا بواحا، وانتهت بتشكيلها الأحزاب.. ودخولها الانتخابات النيابية، هذه السمات هي التي سنعرضه فيما يلي، وهي التي ستبين الإجابة عن السؤال الهام المطروح عن مستقبل ظاهرة الإسلام السياسي، وما هي الاحتمالات في نموه وزيادة قوته.. وهيمنته على السلطة فيما تبقى من البلاد العربية، وفي بقية العالم الإسلامي، أو نهايته واختفاءه، أو تحوله إلى قنوات وأشكال أخرى قريبة منه كالتيار القومي؟ سنقدم عرضا سريعا لسمات ظاهرة الإسلام السياسي – أولا- ثم تجلياتها السياسية بعد أن وصلت لمقاعد السلطة.. ثانيا، كل على حده، فسمات الظاهرة ليست بالضرورة متطابقة مع سمات سلطتها السياسية، وهو ما يجعلنا نفصل بين كلٍ منهما، وهذه المعرفة سترينا الآفاق المحتملة لما ستؤول إليه هذه القوة وتلك الظاهرة. تتضمن السمات العامة لظاهرة الإسلام السياسي في مصر لعديد من العناصر المرتبطة بخصوصية وتفرد الثقافة المصرية، وهي ثقافة جامعة ذات وجوه متعددة، ولكنها – وللغرابة- تنهل من نفس الوعاء الذي تنهل منه وجوهها المختلفة والمتعارضة، سواء أكانوا “علمانين” أو سلفيين، حتى أن باحثا فرنسيا هو “جان فرانسوا كليمون” يقرر بثقة أن “مناضلي الإسلام السياسي علمانيون من مشتقات الفكر الأوروبي.”.. وهو ما سيسبب الفزع للعلمانيين قبل الجماعات. بالطبع هم يشكلون أحد الوجوه المكونة للشخصية المصرية، وهو الوجه الأكثر تأثيرا على الأحداث منذ ما يزيد عن أربعة عقود، ورؤية تغلغل هذا التيار وذلك الفكر في الوجدان الشعبي المصري بتنويعاته المختلفة، يعني ليس فقط القدرة على مواجهته، ولكن الأهم هو إتاحة الفرصة له للتعبير عن وجوده الحي، السياسي والثقافي والمرجعي، ضمن إطار الحركة المجتمعية الهادفة للتغيير، وهو الدور الذي يجب على المثقفيين البحث عنه، ليس بقصد خلقه من العدم، وليس بنية ساذجة لاحتوائه والتأثير عليه، بل لمعرفته والتأكيد على وجوده، لأنه قائم ومنتشر، عبَّر عنه الكثير من كبار المثقفين الإسلاميين والمشاركين في الشأن العام، ليتم خلق حوار مجتمعي حقيقي، وإعطائه حجمه الصحيح، الذي تضخم كثيرا بفعل أوهام النضال ضد الاستعمار والصهيونية.. والفساد، مما أكسبه شعبية كبيرة، تلاشت بسرعة مع التجربة العملية والتحولات التي نشهدها، والتي جعلت من “نتنياهو” صديقا عزيزا لـ”مرسي”، والملاينة مع رجالات النظام البائد، ليحل بديلا عنه تيار للإسلام الوسطي الصادق في عدائه للاستعمار والصهيونية والفساد، وحل قضايا الأمة مع بقية القوى الوطنية، وهو ما سأعود إليه تفصيلا مستقبلا. أهم سمات تيار الإسلام السياسي تتعلق بالحنين والتعلق بالماضي البعيد وأمجاده، يرى فيها د.فؤاد زكريا نقطة ضعف أساسية، يقدم مثلا عمليا: إذا أردنا أن نقيم مبنًا فلابد لنا من أساس، تظهر المشكلة إذا كنا معجبين ومتعلقين بهذا الأساس، بأحجاره القديمة وأشكالها، لن نستطيع البناء عليها ودفنها تحت الأحجار الجديدة اللازمة لإكمال عملية البناء، هنا يبدو العجز واضحا! لعل ذلك يفسر – من وجهة نظري- كيف لم يستطع هذا التيار أن يقدم إضافة ما في أي من المجالات الإبداعية سواء أكانت في العلوم التطبيقية.. أو البحتة.. أو الفنون والأدآب، إنهم يتفاخرون – دائما- بالإسطورة، بالعالم القديم، بالعلماء الأوائل، إنهم يقفون بثبات عند ذلك الزمن- الأساس لا يستطيعون تجاوزه! الطبيعة الضحلة المتدنية في تناول القضايا المجتمعية والحياتية لملايين البشر.. واختزالها في شعارات وجمل بلاغية فارغة من أي مضمون، مثل شعار: “الإسلام هو الحل”.. واختزال الدين الإسلامي في قصص وعظية “تليفزيونية” شبيهة بقصص الأطفال، أدت لخلق تصوُّر ساذج للإسلام.. لا يتناسب مع حجمه وقوته الحقيقية.. التي تمثلت في اعتناق ما يزيد عن المليار نسمة له، إن إسلام “الإخوان” “إسلام فقير” كما أسماه أحد الباحثين، بينما يقرر آخر: “أن المتشددين هم أسوأ أعداء للحضارة الإسلامية)! ليس علي التدليل على المقولات السابقة، الصحف والإعلام.. والسلوكيات والخطاب السياسي والعقائدي والوعظي لأفراد هذا التيار.. مليئة بالأمثلة الدالة على صدق تلك المقولات، ولكن من المفيد أن نطَّلع على رأي “الإمام حسن البنا” عن المسؤول عن بدء سريان عوامل التحلل والضعف الاجتماعي في كيان الأمة فيقول “إن طغيان النساء.. هو الشرارة الأولى التي تفسد الحياة الاجتماعية للأمة”(3) هذا هو رأي الإمام في سبب الانهيار! الطبيعة الحادة الجانحة للعنف اللفظي والبدني لعناصر تيار الإسلام السياسي.. سمة يمكن أن تُلْحَظْ بوضوح، وهي سمات تعود لأشخاص يائسون، يحملون كرها واضحا للجموع المخالفة، يرجع ذلك لسببين، الأول: الانسحاق الاجتماعي لأولئك الأفراد تحت وطأة الحاجة.. وانعدام الفرص في العمل والحياة الكريمة للقاعدة العريضة لهذا التيار، والثاني: الطبيعة المنغلقة للجماعة الدعوية.. التي تعتقد أنها على حق.. وأنها ملهمة و”مُرْسَلَة” لتعيد الأمة الضالة إلى الطريق القويم. العنف هنا مرادفٌ للعجز عن تحقيق الأهداف بالإقناع، والعجز عن إقناع الجماهير العريضة بالالتفاف حولهم، لعل ذلك يفسر التهديدات المستمرة باللجوء للعنف في حالة التهديد الجدي من قبل حركة جماهيرية واسعة لسلطة التيار الإسلامي، ويفسر أيضا تراجع تلك التهديدات وإخفائها في حالة الفوز في “غزوات الصناديق“! تيار الإسلام السياسي يشكل في نظر الكثير من الباحثين أحد روافد الثقافة والفكر الغربي، وهذا الرأي يستند إلى العديد من الأسس التي سأبينها فيما يلي: - طبيعة النقد الموجه من دعاة هذا التيار.. التي تتعلق بثقافة المجتمعات الغربية، فهو “ينقد” هيمنة الفكر المادي عليها، ويتحدث عن افتقادها للإيمان وللقيم الروحانية، وهي المهمة التي يرى مناضلو الإسلام السياسي أن عليهم فعلها، يقول “الإمام البنا”: “إن العنصر المفقود في الحضارة الغربية.. هو الإيمان بالله وحسن معرفته ودوام الاتصال به وانتظار الجزاء منه”(5) لاشك أننا نعلم جميعا أن ذلك النقد ذاته متداول لدى بعض من مثقفي الغرب. - الخلاف مع الثقافة الغربية لايتضمن رفض البنى الاجتماعية والسياسية والطبقية التي تشكل المجتمع الغربي، كما هو حادث في النقد اليساري لتلك المجتمعات على سبيل المثال، وذلك بالطبع يرجع للطبيعة اليمينية لتيار الإسلام السياسي.. التي تلتقي مع البنية الطبقية في المجتمعات “الرأسمالية” وترى فيها طبيعة ثابتة من خلق الله. - الدونية الواضحة لدى منتسبي قيادات تيار الإسلام السياسي.. تجاه الثقافة الغربية تبدو جلية في الرغبة العارمة في الانتماء لتلك المجتمعات، فمن المفارقات المثيرة للسخرية كون أبناء رئيس الجمهورية – الممثل الرسمي لذلك التيار- يحملون الجنسية الأمريكية، وأن تكون والدة وشقيقة زعيم من زعماء السلفيين حاملتين لنفس الجنسية أيضا، إنها مفارقة غريبة ومدهشة لها دلالتها الواضحة الجلية، عبَّر عنها السيد رئيس الجمهورية أيضا بميله الشديد للتعبيرعن نفسه بلغة لا يجيدها بلا داع، وبصورة أثارت سخرية الحاضرين والعالم بعد ذلك. - استبدال اسماء الآليات السياسية والاقتصادية والحقوقية، بمسميات أخرى من دعاة الإسلام السياسي، تعبر عن الرغبة الكامنة بالانتماء لهذه الثقافة وتلك المجتمعات، دون تغيير حقيقي، فالديمقراطية تستبدل بالشورى، والدولة بالأمة، والمشاركة الانتخابية بالغزوة، والترشح والانتخاب بالبيعة، والاقتصاد الرأسمالي بالاقتصاد الإسلامي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان إلى أخر تلك القائمة. - التأكيد المستمر على أن منجزات الحضارة الغربية لم تكن لتحدث لولا منجزات الحضارة الإسلامية، هو قبول ورغبة قوية في الانتماء لتلك الحضارة المتسيدة، وموافقة قوية على آلياتها المنظمة لحركتها. وكذلك الإعجاب بالمنجزات التقنية للحضارة الغربية وتقدمهم العلمي، يقول “البنا”: “إن الشعوب الغربية قد وصلت من حيث العلم والمعرفة واستخدام قوى الطبيعة.. والرقي بالعقل الانساني إلى درجة سامية”.(6) - يصل الباحث ” فهمي جدعان” في كتابه “أسس التقدم” أن “البنا” يقترب اقترابا عظيما من التصور الديمقراطي المعمول به في الغرب.. وذلك في نهاية التحليل! العداء الصريح لكل ما أنجزه الشعب بطبقاته المختلفة، عبر كفاحه الطويل ضد أعداءه الداخليين والخارجيين، من مكاسب وطنية واجتماعية، والعداء والكره للقيادات الوطنية، سواء أكان “سعد زغلول” أو “عبد الناصر”. وما نراه ورأيناه من سلوك ممثلي هذا التيار من رغبة متأصلة في تقليص.. بل وانتزاع والحقوق الاجتماعية والاقتصادية للشعب، يرجع ذلك إلى الطبيعة الرجعية المحافظة لهذا التيار، فهو يقبل البناء الطبقي القائم المُؤَسَّس على التقسيم الحاد الظالم للثروات ما بين ملايين الفقراء والمعدمين ومحدودي الدخل المنهكين ماديا واجتماعيا.. وبين قلة تملك الثروة، فيقرر أن “الاشتراكية” تُحَرِّم ما حلل الله! إنه يرى في كل كيان قائم على هذا التوزيع الجائر للثروة إرادة إلهية، ويرى الحل في الإحسان وكرم الأثرياء للفقراء. العداء السافر للحقوق التي حققتها “المرأة” المصرية عبر تاريخ طويل، والميل لانتزاع تلك الحقوق.. وإعادتها إلى العصور السابقة. العداء السافر والمتأصل للثقافة والمعرفة، فكل ثقافة عندهم هي مصدر محتمل “للأفكار والبدع”.. وبالتالي هي تهديد مضمر للعقيدة، إن منهج العقل النقدي في قراءة العلوم الاجتماعية والفلسفية والعقائد، والمناهج التحليلية والدراسات الطبيعية.. هي عند هذا التيار بابٌ للجدل قد تدخل منه أفكار الإلحاد، وعداؤهم الواضح لرموز الإبداع واضح جلي مثل: “نجيب محفوظ.. أو سلامة موسى.. أو طه حسين”.. حتى نصل إلى “يوسف زيدان.. وحسن حنفي”.. وغيرهم من قادة الفكر والإبداع. التزييف وتميع قضايا الصراع الاجتماعي والطبقي.. مقابل المساواة البديلة في العالم الآخر، ومساواة الآخرة تغني في رأيهم عن بؤس وأسى الفقراء في الدنيا، وهي عامة سمة قديمة أساسية من سمات الدعاة الدينين. الخلاف الشديد في الأساسيات بين تيارات الإسلام السياسي سمة واضحة وجلية، سنعرض لقضية واحدة شكَّلت أساسا للحراك الجهادي لدى منتسبي هذا التيار، وهي قضية الحاكمية، يرى “الإمام حسن البنا” أن الأمة هي “مصدر السيادة.. أو صاحبة السلطة”(4). بينما في رأي “سيد قطب”، من ينازع الله – سبحانه – أهم خصائص الألوهية، فهو قد كفر بالله كفراً بواحاً، ويصبح به كفره من المعلوم من الدين بالضرورة حسب تفسيره للآية “57″ من سورة “الأنعام” {إِن الحُكْمُ إِلا للهِ}. والآية من سورة “المائدة” {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} فـ”الإمام حسن البنا”، بقوله هذا، كافر! إن الظاهرة رغم أنتشار المؤمنين بها داخل الطبقة الوسطى، إلا أنها تشكل في جوهرها المعلن المتعلق بالسلوكيات والحريات الشخصية، موقفا رافضا ومضادا لكل ما أصبح يشكل أنماط حياة يومية للطبقة الوسطى، إنها مضادة لسلوك طبقتها! ومن المفارقات أنها ترغب في النقل الحرفي لأنماط الحياة السائدة في منطقة الخليج – السعودية على وجه التحديد- لتطبيقها في مصر، في اللحظة ذاتها التي تبدو فيها بوادر حراك شعبي كبير داخل الطبقة الوسطى السعودية في إتجاه التخلص من تلك الأنماط المتخلفة! إنهم بطبيعتهم متحولون، فلم يعد “كرم زهدي” ولا “ناجح ابراهيم” ولا “مرسي العيَّاط” و”الشاطر” و”العريان”.. وغيرهم ما كانوا يعلنونه ويجاهرون به، شكلا وموضوعا، وأصبحت الوجوه الشابة الجديدة مثل “بكار” تقوم بدور جديد مخالف لما كان عليه الآباء المؤسسون، حاملي الرشاشات، إنه “المبرراتي” الذي يفتح الطريق، بالكلمات الناعمة، والتراجعات التي لا نهاية لها. وكان من المدهش أن يقوم متحدث رسمي لأحد الأحزاب السلفية بالالتقاء بمندوب إذاعة “جيش الدفاع الإسرائيلي” في رسالة واضحة بالقبول، والتغيير، فسبحان الذي يبدل ولا يتبدل! لعل ذلك يرجع إلى طبيعة تفكيرهم المثالي، الذي لابد أن يصطدم بحركة الواقع ال، فيكون عليه الاختيار بين معسكر مضاد للاستعمار والصهيونية و”الرأسمالية” الفاسدة والتابعة.. ولكنه يضم يساريين وقوميين، وبين معسكر مقابل تقوده “الولايات المتحدة” يضم مشايخ وملتحين.. ويرفعون رايات الإسلام تحت ظلال دبابات “الناتو”! إن اختيارهم كان دائما مع المعسكر الثاني، بعد أن كانوا يعلنون – دائما – في البدء – صادقين- أنهم ضد الاستعمار والصهيونية، وكانوا يشاركون بالفعل في عمليات جهادية لها طبيعة استشهادية، ولكنهم كانوا – دائما- في نهاية الأمر يقفون عمليا في الجبهة التي تضم “الولايات المتحدة” وبقية معسكر الاستعمار العالمي، الأمثلة كثيرة: “أفغانستان، العراق، سوريا، البوسنة، ليبيا، الصومال”.. وفي مصر في عهد السادات. لعل ذلك يرجع لمنطق الامور ومسارها الحتمي، فكيف كان يمكن أن لا يكون الجهاد ضد “الاتحاد السوفيتي” دعما وانتصارا لمعسكر “الرأسمالية” العالمية؟ وكيف يمكن أن تقف مع “الموساد” في خندق واحد؟ ولعلنا إذا عدنا للتاريخ نذكر الحلف “الإسلامي” الذي قادته “الولايات المتحدة” ليكون قوة مناوئة للتيار التحرري القومي.. الذي قاده “عبد الناصر”.. و”سوريا والعراق” في الستينيات من القرن الماضي. ***
الأزمة التي تمر بها مصر هي التي أوصلت تيار الإسلام السياسي إلى الحكم، وهي نفسها التي ستؤدي إلى إبعاده عن السلطة ولزمنٍ طويل. فسلطة الإخوان، ممثلة في رئيس الجمهورية وجهازه التنفيذي، لا تبدو فقط غير قادرة على حل الأزمة، بل وغير مدركة لحجمها وأبعادها، كان من الأمور الدالة على ذلك تصور رئيس الجمهورية أنه سيحل مشاكل مصر في مائة يوم، ولا مجال لمزيد من الأنتظار، العجز عن حل الأمة لا يعن يسوى مواجهة شعب غاضب ثائر، وهو ما يحدث الأن. السمات العامة للسلطة السياسية لتيار الإسلام السياسي نابعة في معظمها من مصدرين رئيسين: الأول: يتعلق بانتماء هذا التيار الاجتماعي والطبقي للرأسمالية التقليدية المصرية، الحاج التاجر.. مالك الأطيان.. صاحب الورشة أو العمارة.. المستورد.. أو صاحب المعارض ومحلات “السوبر ماركت”. إنه تحديدا جناحها الأكثر تخلفا، مما يجعله يميل إلى المحافظة على البنى التقليدية للبناء الطبقي الهرمي ولا يستطيع ولايرغب – حتى وإن كان ذلك في صالحه- أن يقوم بعمل بعض الإصلاحات الحقيقية. والسبب الثاني: يتعلق بتصوره الناتج عن مفاهيمه الوعظية والدينية عن مشاكل العالم.. وكيفية حلها مما يؤدي إلى ضيق رؤيته.. مما نراه ونلمسه في حلول هذا التيار التي يقدمها لحل المشاكل وتفسيره لها. تتلخص تلك السمات في الآتي: 1- عدم وجود برنامج محدد للعمل. تتلخص الفكرة الأساسية للإصلاح لدى جماعة الإسلام السياسي في تغيير الفرد ليصلح بصلاحه المجتمع، ليس لديهم فكرة غيرها، وهي الفكرة ذاتها التي نجدها لدى قياداتهم السياسية، ومن هنا بدا عجزهم واضحا جليا حين ملكوا السلطة، وواجهوا الأزمة في التفاصيل اليومية، لا يوجد لديهم برنامج عمل لخمس سنوات قادمة مثلا. 2- إقرارهم أن خلافهم مع برنامج الحزب الوطني المنحل، إنما هو خلاف على التطبيق، فهم لايرون في هذا البرنامج خللا منتجا للدمار الذي حاق بمصر، يرون أن المشكلة فقط تكمن في أخلاق القائمين على التنفيذ. 3- ميلهم وتوجههم الأساسي نحو السيطرة على مؤسسات توجيه الرأي العام ومؤسسات.. وتشكيل وعي وثقافة النشء والمؤسسات الاقتصادية والأمنية. باختصار كل ما من شأنه إحكام قبضتهم على الوطن، أساليبهم فيذلك ليست بعمل تغيير اجتماعي لخلق قوة طبقية مساندة، كما فعل عبد الناصر مثلا غداة سيطرته على الحكم.. حين ألغى المَلكية وأصدر قانون الإصلاح الزراعي، فاصطف خلفه ملايين الفلاحين الفقراء، أو كما فعل السادات حين أطلق قوى الفساد، لمساندته سياسيا، وهو ما حدث؛ وإنما هم يسيطرون بشكل انقلابي، دون عمل أية تغييرات اجتماعية. 4- القبول التام بكل الشروط والقواعد التي يضعها “البيت الأبيض” لإدارة الأحوال في مصر، دون إبداء الرغبة في تغيير أو الاعتراض على تلك القواعد المهينة. 5- استخدام الخطاب الوطني المعادي للصهيونية وإسرائيل استخداما دعائيًا حين يتطلب الأمر، والعمل الفعلي ضمن منظومة الرجعية العربية.. بما يعزز هيمنة وتغلغل النفوذ الاسرائيلي داخل دول المنطقة. 6- عدم الاهتمام الحقيقي بالمشاكل التي يعاني منها الشعب، يتضمن ذلك المتاجرة بها والخداع كحالة رفع المرتبات ثم رفع الضرائب والأسعار.. بما يؤدي عمليا لخفض المرتبات الناتج عن خفض قوتها الشرائية. 7- استخدامهم لنفس مؤسسات “دولة مبارك” القمعية التقليدية مثل الشرطة وأجهزة الأمن والقضاء وآليات الجهاز البيروقراطي لقمع معارضيهم، وخلافهم مع بعض ممثلي هذه الأجهزة “مثل خلافهم مع الزند وأنصاره” هو خلاف مع أفراد في صراع للسيطرة، وليس خلاف مع التكوين القمعي الاجتماعي والطبقي لهذا الجهاز أو غيره. 8- ميلهم للصدام مع الحركة الجماهيرية بدلا من تقديم تنازلات أو عمل إصلاحات، كتعبير عن موقفهم الطبقي والاجتماعي الرجعي أمام مطالب الجماهير.. حتى ولو كانت فئوية عادلة وبسيطة. 9- اعتمادهم أساليب انتهازية في التعامل مع الجموع الشعبية أو الأفراد الناشطون سياسيا، وذلك باستخدام الرشى العينية أو المادية أو المناصب، واعتماد الأساليب ذاتها لشق الصف المعارض لهم، كبديل عن تقديم برامج وحلول حقيقية للمشاكل. 10- افتقاد سلطتهم لخطاب سياسي واضح، كموقف”مرسي” المتأرجح من “عبد الناصر”، أو موقفهم مما يحدث في سوريا، يرجع ذلك لضعف رؤيتهم السياسية العامة.. وافتقادهم لمثل هذه الرؤية،وانتهازيتهم الشديدة، ولميلهم الدائم لإخفاء مواقفهم الحقيقية إلى حين التمكن. 11- ميلهم الواضح لتعيين الاقرباء والمعارف في المناصب من خلال دائرتهم الضيقة في ترجمة أمينة لتوجه السيد الرئيس مرسي بخطابه إلى “أهلي وعشيرتي” كما يؤشر إلى محدودية ثقتهم بـ”الغير”وكذلك يبين النتائج الكارثية المحتمة لمثل هذه التعيينات. تبين السمات العامة لكلا من ظاهرة الإسلام السياسي وسلطة الإخوان المستقبل القريب لسلطة الإخوان، وهي الاضمحلال والزوال نتيجة منطقية لعمق الأزمة، ومن ناحية أخرى تضاؤل حجم تيار الإسلام السياسي، وعودته إلى منابعه تحت وطأة انكشاف قدراته السياسية والاجتماعية.. وقدرات قادته الذهنية إذا ما خرجوا إلى العلن بعيدا عن كهوف “أفغانستان”، وبعيدا عن دائرة الحديث عن السلف الصالح، وابن تيمية! لن تختفي الظاهرة، ستظل –كما سبق وأشرت- موجودة ما وجدت العوامل المنتجة لها، وسيظل اليمين السلفي يقوم بمهمته الأساسية التي وجد لها، وهي “إعادة أنتاج علاقات الخضوع والقبول والامتثال” مقابل نضال القوى الثورية لإعادة تقسيم الثروة والتحرر الوطني والتنمية. إن قوة المال التي مكنتهم من خداع الفقراء هي نفسها القوة التي ستبعد عنهم نفس هذه الجماهير، حين تفعل الآلة الطبقية فعلها! حين أخذوا يتحدثون عن الخبز وتوزيعه بالبطاقات ورفع أسعار الحاجات الاساسية للفقراء، إنهم يعيدون ملايين الفقراء ومحدودي الدخل درجات إلى الخلف، إلى المناقشة حول الخبز “الحاف”، وهم أصحاب المليارات! لا يصلح البناء الساذج الحالم بعالم المسلمين الأوائل كأساس لرؤية مجتمعية لإحداث تغيير حقيقي، ألا يكفي فشل مشروع الإسلام السياسي في الدول التي طبقته.. “أفغانستان.. والصومال.. وإيران والسودان؟ وتظل قيم البداوة التي يتمسك بها مفكري وساسة هذا التيار مضادة وعاجزة أمام ثقافة مجتمع كان أول المجتمعات الحضارية المركزية التي عرفها التاريخ كمصر. إن قيم البداوة تعني العزلة والارتباط بالقبيلة أو “العشيرة” ضد بقية الجماعة البشرية، دولة كانت أم قبائل أخرى؛ وتعني أيضا سيادة القيم البدوية ضد القيم المدينية أو التراثية المصرية، فالعقيقة بديل “للسبوع”.. ولتصبح كل الموروثات الشعبية المعبرة عن الثقافة الشعبية الوسطية المصرية عرضة للهجوم.. تحت وطأة الهجمة السلفية، مثل: “شم النسيم ..والموالد.. والمقامات.. وبناء القبور”، هل كان البدوي يستطيع أن يبني قبرا لكل من توفى من أهله وهو كثير الترحال من مكان لآخر؟ هل من المستبعد أن نرى بعد عدة عقود من استقرار البدو الرحَّال نتيجة لنشأة المدن في الجزيرة مقابر للأحبة الراحلين كما بنى المصريون مقابرهم، خاصة بعد تحرر تلك المجتمعات من وطأة الفكر الوهابي كما هو بادي الأن شيئا فشيئا؟ إن دمار القوى الإنتاجية في القرية المصرية.. وسيادة الفقر والعشوائية في الضواحي الفقيرة للمدن المصرية.. هو الأساس المادي لتسيد الأفكار السلفية، والأهم هو عجز وانتهازية وخيانة الطبقة الوسطى فيمصر.. التي أدت بنا لأن يحكمنا حكامنا الحاليون، ولكنها مصر! إن أعظم ما يحدث الآن هو أن الشعب المصري يتعلم عبر آلامه وبدماء شهدائه كيف يحكم نفسه بنفسه.. لن يقبل بغير ذلك.. والأيام قادمة! هوامش: 1- منها حديث للرسول ﷺ [أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ] وهو من الأحاديث المحكمة، وقد جاءت عدة أحاديث تدل على المعنى نفسه، منها : قال رسول الله ﷺ [لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لا أَدَعُ بِهَا إِلا مُسْلِمًا] ومنها [لا يَجْتَمِعُ في جَزِيْرَةِ العَرَبِ دِيْنَان] 2- المراجعات التي قام بها قادة “الجماعة الإسلامية” في السجون وعلى رأسهم زعيم الجماعة كرم زهدي، ومفكرهم “ناجح إبراهيم”.. والتي جاءت في أربعة كتب تحت عنوان “تصحيح المفاهيم”.. وانتهت إلى نبذ العنف. 3- الفكر السياسي للإمام حسن البنا، د. إبراهيم البيومي غانم، ص 202 4- المرجع السابق – محاضرة ألقيت في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين 1357، الرسائل ص 313وبقية المصادر، ص 260 5- المرجع السابق- ص 227 6- المرجع السابق ص 226
#شوقي_عقل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|