محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 1183 - 2005 / 4 / 30 - 11:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لم تأخذ سوريا دوراً إقليميا رئيسياً , منذ أيام الأيوبيين , إلا في صيف عام 1976 مع دخولها العسكري إلى لبنان , بغطاء أميركي ثم بموافقة عربية وبعدها سوفياتية , فيما كانت ملعباً للآخرين بين عامي 1946 و 1963 , لتبدأ مع التاريخ الأخير في أخذ دور المنافس , على زعامة حركة القومية العربية , مع عبد الناصر .
كان الغطاء الدولي للحكم السوري أساسياً منذ عام 1970 , حيث لا يمكن فهم صعود الفريق حافظ الأسد للسلطة بدون موافقته على القرار ( 242 ) , وبدون إدراكنا لموقفه الرافض ( كوزير للدفاع ) لدخول الدبابات السورية إلى الأردن في أحداث أيلول , ولكن , أيضاً , من دون نسيان العوامل الداخلية التي جعلت حكم صلاح جديد فاقداً للتمثيل الاجتماعي , أو نسيان عزلته العربية , عندما كانت دمشق على خصومة مع القاهرة والرياض وعمان وبغداد معاً.
أتاح ذلك الدور الإقليمي لدمشق أن تكون اللاعب العربي الرئيسي في المنطقة , بعد استقالة مصر من شؤون آسيا العربية مع السادات , وعدم استطاعة السعودية ( بعد اغتيال الملك فيصل ) أن ترفع وزنها السياسي إلى مستوى قوتها الاقتصادية , فيما كان العراق ( بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 مع الشاه التي بودل فيها شط العرب بإيقاف الدعم الإيراني للتمرد الكردي ) في حالة ضماد من جراحه الكردية عندما أتت تواتراته مع إيران الخميني وحربه اللاحقة معها.
بدون هذا الدعم الدولي ( وأيضاً العربي من الخليج ) لا يمكن تفسير صمود نظام الحكم السوري أمام عاصفة أحداث 1979 – 1980 في ظرف كان العراق والأردن يدعمان المعارضة الإخوانية المسلحة وفي وضع كان الإخوان المسلمون , والمعارضة الديمقراطية ممثلة في أحزاب (( التجمع الوطني الديمقراطي )) وحركة النقابات المهنية , يمثلون طيفاً اجتماعياً لا يستهان به داخل النسيج الاجتماعي السوري , كما أن قدرة السلطة على تطييف نفسها دولياً وإقليميا , عبر ( أزمة الكويت ) , وما جنته من مكاسب في ( قصر بعبدا ) و ( مدريد ) مقابل دورها في حرب الخليج الثانية , قد جعلتها قادرة على التكيف مع عالم ( ما بعد الحرب الباردة ) من دون دفع أي فواتير على الصعيد الداخلي , فيما لم تستطع ذلك أنظمة ( الحزب الواحد ) الأخرى .
منذ خريف 1998 بدأ الفقدان السوري للأوراق الإقليمية , مع رمي دمشق لورقة أكراد تركيا من دون الحصول على أي مقابل في ظرف أزمة كادت تنذر بحرب بين البلدين مع أن أوضاع ( 1984 – 1997 ) كانت تتيح مجالاً لمقايضة أوجلان بمياه الفرات مع تركيا على غرار ما جرى بين صدام وشاه إيران في ( اتفاقية الجزائر ) , فيما لم تستطع دمشق في عام 2003 أن تلعب دوراً بالأزمة العراقية وحربها شبيهاً بما لعبته بالأزمة الكويتية وحربها بل خرجت خاسرة من اللعبة لتصبح محاصرة من الشرق بجنود القطب الواحد للعالم الذي أصبح (( حاضراً إقليميا )) , وهو ما أدى إلى تغير كامل اللوحة الشرق أوسطية و خاصة مع اتجاه واشنطن , بعد حضورها المباشر إلى المنطقة , لإعادة النظر بالأدوار الإقليمية لدول المنطقة , الشيء الذي استطاعت طهران حرفه (منعاً من أن تكون البند الأول في جدول الأعمال الأمريكي ) عبر سياساتها العراقية الإرضائية للأمريكان , فيما وقعت دمشق في المطب عبر ( التمديد ) للرئيس اللبناني مع أن مؤشرات كثيرة ,برزت في صيف 2004 , كانت توحي بازدياد الغليان الأمريكي من سوريا بسبب سياساتها العراقية والفلسطينية , والتي انبنت – أي هذه السياسات – على تجاهلٍ لما قدمه باول في زيارته لدمشق بعد أسابيع من سقوط بغداد , في محاولته لإثبات أن ( الإقليمي ) مازال قادراً على كسر إرادة ( الدولي ) في المنطقة , كما جرى في عامي 1982 و 1983 بلبنان , الشيء الذي ثبت الفشل الذريع له في فترة ( ما بعد 14شباط 2005 ) , عندما حصل العكس , ِلما جرى في لبنان الثمانينات , لًماّ أجبرت واشنطن دمشق على الخروج من لبنان .
كما كان الدخول إلى بيروت مدخلاً , قبل ثلاث عقود , لدور سوري شمل بلاد الشام والرافدين والأناضول والخليج , فإن الخروج من لبنان يعني عدم القدرة على اللعب بالأوراق السورية الباقية, في العراق وفلسطين , وأيضاً في لبنان ( مثل حزب الله + التناقضات اللبنانية ): هذا يعني أن سوريا قد انكفأت إلى حدود دورها بالخمسينيات , وربما أعطت أحداث القامشلي ( والتي لا يمكن فهم ما حصل أثنائها بدون الأخذ بالاعتبار واقع إربيل والسليمانية في فترة ما بعد سقوط بغداد مؤشرات عن مدى تأثير ( الإقليمي ) مدعوماً بالدولي على الواقع المحلي السوري في فترة ( ما بعد بغداد) , الشيء الذي يزداد بالتأكيد في مرحلة ( ما بعد بيروت ) هذا إذا لم يُشر إلى ما يعنيه فقدان الورقة اللبنانية من إضعاف للمفاوض السوري حول الجولان , فيما كانت تأتي قوة المفاوض السوري في مفاوضات 1991 – 2000 من الذي كان يجري في جنوب لبنان ومما هو قائم سورياً على صعيد بيروت في مرحلة ( ما بعد عام 1990 ) .
في عام 1979 شكّل الدور الإقليمي ( المدعوم دولياً ) حمايةً للنظام في وجه عاصفة داخلية , وفي 1990 كان مانعاً من تغيرات داخلية دفعت فاتورتها الأنظمة الشبيهة على إثر انهيار النموذج السوفياتي التي استمدت أنظمة الحزب الواحد نموذجها منه , فيما استطاع العهد الجديد , في فترة ما بعد 10 حزيران 2000 , أن يثبّت نفسه , معتمد على دعم دولي وإقليمي وعلى رصيد الدور الإقليمي , من دون البدء بعملية الإصلاح للوضع الداخلي , سياسياً واقتصادياً وإدارياً وقانونياً , وهذا لم يكن ليتم لولا حفاظ السلطة على تماسكها وعدم انقسامها إلى تيارين , ولولا وجود مجتمع صامت عن السياسة , وأيضاً لوجود معارضة ضعيفة وعاجزة ليس فقط عن الفعل وإنما حتى عن القدرة على رؤية الوقائع للانطلاق منها نحو تشكيل رؤية سياسية وبرنامج مرحلي .
كانت مقولة (( توازن الضعف )) بين السلطة والمعارضة , التي طرحها الأستاذ رياض الترك في محاضرته بمنتدى الأتاسي عام 2001 , لا تنطبق على الوضع السياسي السوري آنذاك , فيما تنطبق عليه في عام 2005 : هذا لا يعني تساوي الطرفين في الضعف , وإنما يعني الضعف الخاص بالسلطة فقدان الدعم الدولي ( وربما العربي) وأيضاً العجز عن الاستمرار في نفس أسلوب الحكم الذي بدأ في يوم 8 آذار من عام 1963 , والذي كان يعتمد على جناحين هما ( قانون الطوارئ ) و ( قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع ) .
ربما كان الإصلاح , لو بدأ في عام 2000 , كافياً للإقلاع فيه الانطلاق من بند ( ردّ المظالم ) ( تبيض السجون – عودة المنفيين – إلغاء التجريد المدني عن المحكومين السياسيين – حل ملف المفقودين ... إلخ ) للوصول إلى بند ( الحريات العامة ) وما يليه , فيما يقول وضع عام 2005 , بما عليه البلد من ضعف إثر فقدان الأوراق الإقليمية بعد أن كانت تلك الأوراق غطاءً على مجتمع محروم من حرياته السياسية واقتصاد مأزوم وإدارة ينخرها الفساد وتعليم متخلف , بأنه من غير الممكن البدء بالإصلاح من غير البابين المتتاليين , أي إلغاء ( قانون الطوارىء ) , وجعل حزب البعث حزباً متنافساً على قدم المساواة مع غيره من الأحزاب داخل حياة سياسية حرة ومتعددة , فيما من الممكن أن يكون ( قانون الأحزاب ) و ( قانون الانتخاب) لاحقين لذلك , على أن – لا ينفرد حزب واحد بصنعهها بل مجموعة القوى والأحزاب .
بدون ذلك , لن يكون هناك تحصين للبلد بوجه الأميركي , الذي يريد ليس فقط صياغة ( الإقليمي ) في المنطقة وإنما ( المحلي ) في كل بلد من بلدانها أيضاً , منعاً من أن تكون دمشق ثالث الإثنين , بعد بغداد وبيروت , فيما هناك خشية حقيقية عند الكثيرين على المعارضة السورية , التي ربطت الوطني بالديمقراطي منذ أن طرحت برنامجها الديمقراطي في عام 1980 , من أن يسيطر عليها المتأمركون الجدد , من المتخليين عن يساريتهم أو المنضمين للمعارضة في ربع الساعة الأخيرة وهم الذين لم يقولوا كلمة واحدة معارضة أو يقوم بفعل معارض واحد في مرحلة ما قبل 10 حزيران 2000 فيما كان غيرهم في الزنازين والسجون والعمل السري المعارض , حيث أن اليأس من الإصلاح هو الذي يقوّي ( حزب أمريكا ) المحلي , فيما الشروع في الإصلاح يسحب البساط من تحت أقدامهم , ويجعل من المشروع أن يتعامل معهم ( الأمن الجنائي ) وفقا للقانون بدلاً من ( الأمن السياسي ) .
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟