|
إطالة أمد الصراع في سورية هي معنى -الحل السياسي-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 22:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مِنْ قَبْل، أيْ في مرحلتها الأولى، وقَبْل أنْ يُخْرِجها بشار الأسد عن سِكَّتها السلمية، ويُكْرِهها على "العسكرة" بدءاً من طريق "الانشقاق" في جيشه النظامي، كانت تُدْعى "الثورة (الشعبية) السورية"، وإنْ فضَّل بعض مؤيِّديها تسميتها "انتفاضة"، أو "حراكاً شعبياً"؛ أمَّا الآن، ولأسباب لا تعود كلها إلى التبدُّل في محتواها الواقعي الموضوعي، فَرَجَحَت كفَّة التسمية الأخرى المريبة، ألا وهي "الأزمة السورية"، مع ما تفرَّع، ويتفرَّع، منها من أزمات إقليمية ودولية؛ ثمَّ شرعوا يتحدَّثون عَمَّا أسموه "الحل السياسي" لهذه "الأزمة"؛ ولقد تمخَّض سعيهم هذا أخيراً عن تواضعهم، واتِّفاقهم، جميعاً، تقريباً، على القول بضرورة وأهمية "الحل السياسي"، وعلى أنَّ هذا الحل هو وحده الممكن والضروري والحتمي. وتزييفاً لمعناه الحقيقي، يُصوِّرون هذا الحل على أنَّه "أخلاقي"، و"إنساني"، في المقام الأوَّل؛ فغايته إنَّما هي الرأفة بالمدنيين السوريين، وإنهاء سفك الدماء، ودرء مخاطر التهجير والتشريد عَمَّن لم يُهجَّر ويُشَرَّد بعد من الشعب السوري، ووَقْف حرب التدمير للبيوت والأحياء والمدن والبٌنى التحتية، ولمؤسِّسات "الدولة"، والتوصُّل إلى حلٍّ من طريق "الحوار"، أو "التفاوض"، في "جنيف ـ 2"؛ لأنْ لا حلَّ عسكرياً لهذه "الأزمة". وإمعاناً في التزييف يقولون إنَّ الشعب السوري نفسه منقسم على نفسه؛ فبعضه مع بشار، أو يأبى رحيله قبل التوصُّل إلى "حلٍّ سياسي" من طريق "التفاوض"، وبعضه ضدَّ بشار؛ وكأنَّ الصراع بين "شعبين"، أو غدا بين "شعبين". الحلفاء والأصدقاء الحقيقيون لبشار، وفي مقدَّمهم روسيا وإيران، يَفْهَمون "الحل السياسي" على أنَّه "التفاوض الذي يجب أنْ تتحكَّم فيه، وفي نتائجه النهائية، حرب أخيرة، تَرْجَح فيها الكفَّة العسكرية لبشار على الكفَّة العسكرية لمعارضيه"؛ فمؤتمر "جنيف ـ 2" يجب أنْ تأتيه المعارَضَة وهي تَرْفَع "الراية البيضاء"، أو وهي قاب قوسين أو أدنى من رَفْعها. أمَّا أولئك الذين يُسَمُّون أنفسهم "أصدقاء سورية (أي أصدقاء شعبها وثورته)"، وفي مقدَّمهم (لجهة مزاعمه الكاذبة) الولايات المتحدة وحلفائها من دول الاتحاد الأوروبي، فيَفْهَمون "الحل السياسي"، ولجهة صلته بـ "تسليح المعارَضَة"، أو "دعمها عسكرياً"، على أنَّه الحل الذي يتأتَّى من طريق تزويد المعارَضَة سلاحاً يكفي لمنع بشار وحلفائه من سحقها عسكرياً، ولمَنْعها، في الوقت نفسه، من إطاحة بشار عسكرياً. ويكفي أنْ تستمسك الولايات المتحدة وحلفائها بـ "الحل السياسي"، بمعناه العسكري هذا، حتى تكون (أو تظل) النتيجة العملية والواقعية (لموقفها هذا) هي استمرار الصراع الوحشي الدموي المُدمَّر لسورية وشعبها، ولطرفيه معاً؛ وكأنَّ هذه النتيجة هي الغاية غير المُعْلَنَة. إنَّه لوهمٌ قاتِلٌ لصاحبه، أيْ للشعب السوري وثورته وللمعارضة السورية، أنْ يُظَن أو يُعْتَقَد أنَّ للولايات المتحدة (الحليفة الإستراتيجية لإسرائيل) مصلحة حقيقية (وكبرى) في تمكين المعارضة من إطاحة بشار الأسد عسكرياً؛ فإنَّ "الحال القديمة"، أيْ حال سورية قبل اندلاع ثورتها، أو "الحال الجديدة"، أيْ حال استمرار الصراع الوحشي الدموي الذي لا يتمكَّن أحد طرفيه من حسمه لمصلحته، لأفضل كثيراً لها، ولإسرائيل، من انتصار الثورة السورية، ومن انتصارها بما يؤسِّس لسورية جديدة، ديمقراطية، موحَّدة، مستقرة. ذات مرَّة، صَوَّر الرئيس جورج بوش حربه في العراق، بعد إطاحة صدام حسين، على أنَّها خَيْر حرب تخوضها الولايات المتحدة دفاعاً عن أمنها القومي؛ لأنَّها، على ما زَعَم، تجتذب إلى مسرحها العراقي كل "الإرهابيين" و"الجهاديين" ومقاتلي "القاعدة"، فيُقْتَلون ويُسْحَقون في أرض الرافدين، وتَقِي الولايات المتحدة نفسها، من ثمَّ، من شَرِّ قتالهم على سواحلها. وأحسبُ أنَّ هذه المصلحة نفسها ما زالت النابض الخفي لمواقف الولايات المتحدة من "الأزمة السورية"؛ فسورية يجب أنْ تغدو مسرحاً لتقاتُل كل خصومها ومعارضيها؛ فـ "النار السورية" تحرقهم جميعاً؛ أمَّا هي، أيْ الولايات المتحدة، فتَسْهَر على تغذيتها وإدامتها مشتعلة. إنَّها حرب أقليمية ودولية، تتَّخِذ من سورية مسرحاً لها، ويتورَّط فيها كل مَنْ تضطَّره مصلحته إلى التورُّط فيها، فلا ينأى بنفسه عن جحيمها إلاَّ الذي له مصلحة في استمرار الحرب نفسها، وفي تغذية نيرانها، أيْ الولايات المتحدة في المقام الأول. وأحسبُ أنَّ خير شعار لهذه الحرب (ومن وجهة نظر الولايات المتحدة التي تسهر على مدِّها وتغذيتها بالوقود) هو "لِنَذْهَب معاً إلى التقاتُل في سورية"؛ فالحرب سورية بمسرحها؛ لكنها إقليمية ودولية بأطرافها وقواها وجيوشها! "الأتون السوري" يجتذب إليه الآن "حزب الله" و"القاعدة"، وجماعات شيعية وسنية تتبادل العداء؛ ولقد أنْتَج هذه الكراهية الشعبية العربية الواسعة المتَّسِعة لروسيا وإيران و"حزب الله"، وأصبح العدو القومي الإسرائيلي نَسْياً منسياً، وتوطَّد شعور هذا العدو بأنَّ أمنه القومي والإستراتيجي في الحفظ والصون؛ وكلَّما حُوصِرت المعارَضَة السورية بمزيدٍ من هذا العداء الروسي والإيراني لها تهيَّأت للولايات المتحدة الفُرَص لابتناء معارَضَة أكثر مَيْلاً إلى الاستخذاء لمشيئتها السياسية؛ فهذه هي الغاية الكامنة في أساس ما تبديه الولايات المتحدة من تراخٍ في مواجهة التورُّط العسكري المتزايد لروسيا وإيران في الصراع السوري. الولايات المتحدة عدوٌّ للثورة السورية حتى في تسليحها للمعارضة، أو لبعض جماعاتها وقواها؛ فهي إنْ سلَّحت فلا تُسلِّح إلاَّ لإدامة أمد الصراع الوحشي والدموي، وللإبقاء على بعضٍ من الإقليم بمنأى عن ألسنة اللهيب السوري؛ ولقد بَيَّنَ لنا الواقع، وأكَّد، أنْ المُسْتَمْسِكين بمبدأ "لا حلَّ عسكرياً للصراع في سورية" لا يَبْغون إلاَّ إطالة أمد الصراع الوحشي والدموي في سورية؛ ونحن يكفي أنْ نَنْظُر بعين سياسية إلى نوعية وكمية السلاح الذي سيأتي (إنْ أتى) إلى بعض جماعات وقوى المعارَضَة حتى نقرأ فيه كل ما يؤيِّد هذا الاستنتاج. إنَّ حلفاء وأصدقاء بشار يريدون الهزيمة العسكرية للثورة السورية؛ أمَّا "أصدقاء سورية" فلا يريدون لهذه الثورة أنْ تنتصر عسكرياً!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة الزمن عند تخوم -ثقب أسود-
-
ما معنى -بُعْد المكان الرابع- Hyperspace؟
-
-الخطأ- الذي تحدَّث عنه عريقات!
-
ما سَقَط في سقوط القصير!
-
الصحافي والسلطة!
-
أين -الربيع العربي- من -السلطة القضائية-؟!
-
مصر هِبَة النِّيل لا هِبَة أثيوبيا!
-
جوهر التفاهم بين كيري ولافروف
-
أسئلة -جنيف 2-
-
ما معنى -الآن-؟
-
كيف تؤسِّس حزباً سياسياً.. في الأردن؟
-
لا خلاص إلاَّ ب -لا المُثَلَّثَة-!
-
أعداء الديمقراطية الأربعة
-
خطاب يؤسِّس لعهد جديد من الصراع!
-
عَبْر -القصير- إلى -الجنَّة-!
-
تعلَّموا من إبيكوروس معنى -الحياة-!
-
-القبطان- بشَّار!
-
سيناء تطلب مزيداً من السيادة المصرية!
-
ما معنى أنْ ينجح -المؤتمر الدولي-؟
-
-نظام التصويت- الذي يؤسِّس لمجتمع ديمقراطي
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|