محمد ضياء عيسى العقابي
الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 11:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أعلن النجيفي إنتصاره على علاوي في لقاء الحكيم وأيامنا صعبة6/1
محمد ضياء عيسى العقابي
نوعان من الصراع:
أسألُ: لماذا لم يوافق السيد النجيفي من قبل على حضور أحد اللقاءات والمبادرات العديدة التي طرحت قبل مبادرة السيد عمار الحكيم التي تُوِّجت بلقاء يوم 1/6/2013؟ ماذا تغير؟
بادئ ذي بدء فإن نداءات المراجع الدينية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة والتحالف الوطني وكل ذي حس وطني وديمقراطي، الداعية إلى الحوار بين الكتل السياسية لبحث المشاكل العالقة وتصفية الأجواء، ليست هي الدافع بأي قدر لقبول السيد النجيفي حتى لحضور هذا اللقاء المتواضع في سقف توقعاته وذي الطابع البروتوكولي. على العكس فإن إئىلاف العراقية قد هاجم السيد مارتن كوبلر، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، وطالب بطرده لأن الرجل دعى، مراراً، إلى ضرورة الحوار الوطني ولم يماشِ رغبات الطغمويين(1) البعيدة عن الديمقراطية والمسؤولية(2).
أعتقد أن دعوات السفارة الأمريكية والإتصال الهاتفي لنائب الرئيس جو بايدن مع النجيفي قد فعلا فعلهما في هذا الأخير وحملتاه على حضور اللقاء لكنه إستفاد منه وإستغله في إعلان هيكلية جديدة لقيادة الطغمويين في المرحلة اللاحقة.
أما ما طرحه معظم "المحللين" في الصحف العراقية بشأن تفسير نجاح اللقاء والمصالحة فيفتقر إلى العمق والسعة وإلى الواقعية والأمانة وربما إلى الشجاعة والجدية في فهم الأوضاع العراقية، كالمعتاد. لم ينفكوا عن صياغة تحليلاتهم لتصب في خدمة نظراتهم المسبقة القائمة على التعصب والإفتراضات البعيدة عن مهامهم الإعلامية.إنهم يكتبون وفق تمنياتهم الذاتية. أرجعَ معظم المحللين نجاح الحدث إلى حاجة المالكي "المسكين المعزول" إلى المصالحة مع النجيفي والبرزاني اللذين، والقول للمحللين، يحظيان بدعم شعبي مطلق في حيز نفوذهما السني والكردي على حد قولهم. إذا كان موقف الأكراد يحظى بالإحترام لكونهم، حكومة ومعارضة، منحازين لستراتيجية الديمقراطية والدستور وليس لدى معظمهم إستعداد للتضحية بها مقابل وعود غير مضمونة من جهات يُشك بقدرتها على التفعيل، فإن السيد النجيفي طغموي لا يمثل السنة العرب ومعظمهم ديمقراطيون يعارضون توجهه وكتلته السياسية، وحتى التظاهرات أصبحت في مأزق وحيرة ولا تعرف كيف تتراجع وتختفي مع حفظ ماء الوجه.
بتقديري، قرر الأمريكيون أن ينهوا، أو بالأقل يجمدوا، لعبة تركيا وقطر والسعودية مع قادة إئتلاف العراقية والحزب الديمقراطي الكردستاني وقرر الأمريكيون أن يأخذوا القضية على عاتقهم ثانية بعد أن تركوها، جزئياً، بيد تلك الجهات خلال السنتين الأخيرتين، لأن مناكفات تلك الأطراف الأجنبية والعراقية وتخريبهم يزيد من تكتل غالبية الجماهير حول التحالف الوطني وإئتلاف دولة القانون ونوري المالكي وهي عكس النتيجة التي تسعى إليها أمريكا وعلى اساسها أطلقت أيدي تلك الدول الثلاث و"الصديقين" العراقيين لهما. إذا صحت الأنباء عن ضغط أمريكي على أمير قطر للتنازل لإبنه، فلا يمكن أن يكون مرد ذلك، بتقديري، إلا لأن قطر قد تمادت في تخريبها حتى بدأت علاقات بعض دول المنطقة تتوتر مع أمريكا التي فضلت التضحية به.
يتخوف الأمريكيون أيضاً من أن الإلحاح في إثارة المشاكل المفتعلة والتعمد في تعطيل عجلة البناء والغزل، بل التورط، مع الإرهابيين والسماح لدول الجوار بالتدخل في الشأن الداخلي العراقي – كل هذه قد تدفع بإتجاه رفع رصيد إيران لدى الجماهير الغفيرة من العراقيين ما قد ينعكس على الواقع السياسي.
يدعو الأمريكيون إلى موازنة بين هذه المتناقضات لتحقيق الهدف أي تشتيت التحالف الوطني وإبعاده عن سدة الحكم.
هناك أمر آخر دفع النجيفي إلى حضور اللقاء أو بالأدق أراد النجيفي إعلان أمر هام في لقاء دفعه الأمريكيون لحضوره.
فما هو؟
سنجد الجواب الأوفى إذا دققنا جيداً في طبيعة الصراعات السياسية الرئيسية والفرعية التي دارت وتدور في العراق.
نعم هناك الصراع الأكبر بين أنصار الديمقراطية على مختلف مشاربهم من دينيين وعلمانيين وبين أعدائها على مختلف مشاربهم بدءاً بالساعين وراء مصالحهم الطبقية على حساب تشويه الديمقراطية بل حتى الإطاحة بها. وهؤلاء يشكلون بعض الطغمويين(2)، وإنتهاءً بالرافضين للديمقراطية جملة وتفصيلاً من منطلق المصالح أو الإنغماس بالطائفية أو كليهما ويشمل هذا الصنف تحالفاً يضم التكفيريين (أصحاب نظريات "الطائفة المنصورة" و "الفرقة الناجية" وقطع الرؤوس) والطغمويين الواقعين ضمن دائرة المقربين من رأس النظام البعثي (أصحاب المنافع الطبقية خلف برقع "نحن حراس البوابة الشرقية للأمة العربية ضد العدو الفارسي المجوسي" وخلف برقع الوحدة العربية وتحرير فلسطين، وهما قضيتان في غاية الأهمية ولكنهم تاجروا بهما فأساءوا إليهما).
وكل أعداء الديمقراطية هؤلاء يرفضون الآخر وسواسية البشر وحقوق الإنسان والديمقراطية لأنهم يريدون إسترداد وإحتكار السلطة، التي فقدوها، بمنافعها المادية والمعنوية.
غير أن هناك صراع آخر مهم وخطير في فحواه، رغم كونه ثانوياً بينيّاً داخل شرائح معارضي الديمقراطية أنفسهم. نشأ هذا الصراع منذ النصف الثاني من سنة 2011. أركانه يمثلها السيدان أياد علاوي، زعيم حركة الوفاق الوطني، وأسامة النجيفي، زعيم كتلة "متحدون" وكلاهما قياديان في ما تبقى من "إئتلاف العراقية". وسآتي على ماهية الصراع لاحقاً.
وفي الوقت الذي لم يسهم فيه اللقاء البروتوكولي آنف الذكر، كما كان متوقعاً، في تحقيق أي تقدم ملموس في جوهر الصراع الأكبر سوى كسر حالة القطيعة الشخصية التامة بين السيدين رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي (علماً أن الصراع ليس شخصياً أبداً وأن الحديث عن شخصنته هو محاولة لطمس معالم الصراع الحقيقي بشأن الموقف من الديمقراطية) مما قد يساعد في التهدئة العامة ويساهم في قليل من التفاهم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية التي أدخلها النجيفي في حالة جمود منذ زمن بعيد تمثلت العقدة أخيراً بعدم تمرير مشروع قانون تجريم حزب البعث، المطروح منذ أكثر من سنتين، على مجلس النواب ويُظن أنه يريد تمريره بعد الإنتهاء من إنتخابات مجلسي محافظتي نينوى والأنبار لأغراض إنتخابية بحتة - إلا أنه، أي اللقاء البروتوكولي، حسم بوضوح الصراع الثانوي البيني؛ إذ أظهر النجيفي نفسَه، في اللقاء، لا بصفته الرسمية وحسب بل بصفته ممثلاً للطغمويين بديلاً عن أياد علاوي ومنتصراً عليه.
برز، إذاً، النجيفي كممثلً للطغمويين الذين يسمون أنفسهم، وكذلك يسميهم الأمريكيون، خطأً وكيداً وتضليلاً، بالسنة العرب [فالبون شاسع بين الإثنين، أي بين السنة والطغمويين. فالطغمويون لملوم من جميع مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية ولكن من فكر سياسي واحد، بينما أغلب السنة ديمقراطيون كما مبيّن في الهامش(2)أدناه]، بدلاً عن الدكتور أياد علاوي الذي قد يبقى إسمياً على رأس أطلال إئتلاف العراقية ولكن النجيفي سيكون القائد الفعلي المعترف به والمحبَّذ من قبل أمريكا وسيبقى، كما أتوقع وعلى أغلب الظن، يطرح الأفكار والسياسات والأفعال الطائفية المتطرفة الإستفزازية الهادفة إلى الشحن الطائفي لأغراض طغموية - أمريكية، رغم الإحتمال الكبير بإستبعاده من رئاسة مجلس النواب في الدورة القادمة حتى إذا إستمرت المحاصصة وحتى إذا فازت كتلته "متحدون" وإئتلاف العراقية بعدد من المقاعد يؤهله من المطالبة بالمنصب وحتى إذا مورست ضغوط أمريكية وتهديدات من هنا وهناك من دول الجوار وقطر إلا إذا قدم، النجيفي، تعهدات خطية بالسلوك القويم وموافقة كل الكتل البرلمانية عليه، ومع هذا فالأمر مشكوك فيه بسبب الدور المخيف الموكول إليه من قبل أمريكا كما سنأتي على ذلك لاحقاً.
من هذا المنطلق، أي إعلان كونه سيد الموقف بالنسبة لبقايا إئتلاف العراقية ولتأكيد سلطته، إشترط النجيفي، للموافقة على حضور لقاء السيد الحكيم، عدمَ دعوة قادة الكيانات التي إنشقت عن إئتلاف العراقية، لإبتعاد هذا الإئتلاف عن مشروعه "الوطني"، ومنهم النائب الدكتور قتيبة الجبوري الذي أصدرت كتلته بياناً بهذا الخصوص ذكرت فيه حقيقة إستبعاده (فضائية الحرة – عراق في 1/6/2013) وكذلك النائبة السيدة عالية نصيف وأخرين.
إضافة إلى هذا فلا يمكن للمراقب إلا أن يلحظ توقف الهجمات الإرهابية الدامية والمنفلتة في بغداد وبعض المحافظات الأخرى بعد اللقاء مباشرة. لا يمكن أن نعزو ذلك إلى تغيير القيادات الأمنية والخطط لتعطي ثمارها بهذه السرعة. فهل هي رسالة شريرة، مفهومة المضمون، نوه بها السيد النجيفي، القائد الجديد، أو أحد حلفائه المعروفين وغير المعروفين؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): أعتقد أن نقل السيد مارتن كوبلر وإستبداله بآخر الذي أُعلن عنه اليوم 11/6/2013 له علاقة باللغط الذي أثاره زعماء إئتلاف العراقية والذي أوصلوه لمستوى شارعهم الطغموي الذي وجه له عبارات نابية. كما أن علماء الدين في الموصل رفضوا مقابلته وقابله آخرون في ساحة الإعتصام فصرح متحدثهم: بأننا قلنا له شيئين لا ثالث لهما وهما إقالة الحكومة وإلغاء الدستور وكتابة دستور جديد من قبل وطنيين!!!!.
الأمم المتحدة لا تريد أن تُدخل ممثليها في مماحكات وإيراد ومصرف خاصة مع طغمويين موتورين كمتزعمي ساحات الإعتصام. لذا فما أن ينشأ لغط علىيهم تسارع إلى تغييرهم.
(2): للإطلاع على "النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه" و "الطائفية" و "الوطنية" راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=96305
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181
#محمد_ضياء_عيسى_العقابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟