حسين علي الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 08:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لعل من المفيد ان نكرر ان احزاب و تكتلات الاستثمار الديني مولعة اشد الولع با لتمضهرات والاهتمامات المتشعبه في كل جوانب الدين وزواياه , وتحرص على ذكرها والاعلان عن تمسكها بها بمناسبة او بدون منا سبه , وهو جزء من تركيبها النمطيه الغير اصيله , فهي مضطرة لان تعبر عن ذاتها بمثل هذه النزعات وان تطمئن هاجس للشك والتوجس في اعماقها بانها على مبدئية والتزام صارم بروح الدين واساسياته , والحقيقه لو انها كانت كذلك لنزحت نحو التسامح وتطلعت الى ما يخدم الوطن ويخدم الدين من خلال التاكيد على المشتركات وتنمية روح التعاون والتازر بين ابنائه , وليس الخصومة والتناحر والفرقه بالتشديدعلى مسبباتها واعتبارذلك من الفروض الاىساسيه التي لاسبيل لتغاضي عنها او تلطيف اثارها وكانها الجوهرالاساسي للدين ..!
ولعل من ابرزما يخلق الخصومات والتنافرات ويسارع في تاججها هو التركيز على نقاط الخلاف لابراز المحتوى الفكري والعبادي للطائفه بشكل مميز يجعل منها كيانا مختلفا يتمتع بسلسله من المزايا والتباينات العديده المغايره , مما يجنح بالاتجاهات الاخري الى التخندق خلف خصوصيات مماثله, فتوغل كل الاطرف في التنافر والقطيعه وتتوسع شقة الخلاف بينهم , ومع استمرار السير كل باتجاه ما يتوخى من غايات واهداف تخدم خصوصياته يضحى الجمع والتقريب بين تلك الاطراف امر عسير ان لم يكن مستحللا , وهكذ تمضي الطائفية والمذهبيه التي هي جزء طبيعيا من تكوين الاديان وسمه ملازمه لوجودها لم يسلم منها اي دين , تمضي بخطا متسارعه في تحويل المجتمع الى كتل وتشرذمات متنافره يعجب من ينضر الى الماضي كيف كانت مأتلفه تحت خيمات الانظمة الشموليه تتمتع بكل ما تتصف به المجتمعات المتآزره المتراصة المترابطه من وشائج الوحدة الوطنيه التي تجسد الحس الوطني والهويه الوطنيه باوضح صوره .
ان من الامور الثابته للمحتوى الديني الموروث هو رفضه المتغيرات او التعامل معها بماينبغي من ايجابيه وتكيف, تفرضهما طبيعة الحياة الزاحفه الى امام وليس المتدحرجه الى الخلف , ان الزمن يجري والدين واقف في ذات البقعة او ايرد له ان يكون كذلك فكيف والحالة هذه ان يستوعب احدهما الاخر ويسيران بخطى مترابطه كما ينبغي لهما ان يسيرا...!
قطعا ان ذلك لن يكون ميسورا او ممكنا وبارادة اهل الدين انفسهم , وليس كما اراد الله والدليل انه كان يبعث الرسل على فترات متلاحقه ولم يجعل الامر على يد رسول واحد وبشريعة غير قابله للتعديل او التبديل , بل تدرج في الامر وفق نضوج وتطور العقل البشري , فكانت الرساله الاحقه تكمل ما سبقتها , وحين تيقن من بلوع البشرمرحلة الرقي العقلي , ختم بالصادق الامين مؤكلا الامرلمدارك الانسان وخبرته, بعد وضع له القاعدة المتينه للقياس والاستنباط والمحاكاة ,غير ا ن القائمين على الامر تغافلوا عن ذلك موثرين الجمود والتزمت , بحجة المحافظة على روح الشريعة وهيبتها على حساب السعي لانعاش الحياة ومواكبة تطلعاتها الحداثويه بصورة فاعله .
لقد اسسوا للتقوقع وبنوا على اساسهم ليتحول الى شريعة ومقدس لا ينبغي الخروج عليهما , لقد ألف الناس ذلك وساروا عليه ومن الطبيعي اننا لانتكلم هناعن نصوص منزله او سنة اختطها الانبياء وانما عن هوامش املاها تدفق الزمن وانسياب الحياة والحاجات والاوضاع الجديده المستجده , وما ينبغي ان يلائمها من تصورات وافكار تتخذ قوالب دينيه عصريه .
غير ان شي من ذلك لم يحدث على الاطلاق, وصار من الثابت الذي هو في حكم السنن وأد واسكات اي جهة تحاول الخروج عن القديم والالتفات الى تجارب العالم , وماهو ماضي فيه من تطور خلق افكار جديده وقيم , ومن المعلوم ان العلاقات الانتاجيه حين تتغير في اي مجتمع , تتغير وفقا لها العديد من المفاهيم والاخلاق فيه وتسود علاقات اخري تحتم على المفاهيم الدينيه ان تقترب منها وتتناغم معها ان ارادت الاستمرار والبقاء .
وان تلك التطورات لا تضيف جديد فحسب بل وتمحو وتذيب قديما ايضا, فهي ستسقط اعراف او تنحوا بها في مسارالتغير والتطوير, مثال ذلك العشائريه بشعائرها المعروفه ونفوذ مشايخها التي يجب ان تتحول الى حالات اعتباريه ومعنويه , وان ينتهي فعلها كسلطه غير رسميه اوغير نافذه بموجي القانون الاساسي للبلد, ولكنها في واقع الحال وفي ضل الاستثمار الديني تتحول الى سلطه حقيقيه , تتخذ اشكال عديده في الهيكليه والضهورالمعلن , فهي الشريك الحقيقي للمستثمر الديني وجزء , من العرف الذي يجب المحافضة عليه وتثبيته , ممايشير الى حالتين مترابطتين تعضد احدها الاخرى , فما ان تحل احدهما في السلطه حتى تكون سند ومتكأ متين للاخرى .
اما منضمات المجتمع المدني التي يجب ان تكون البديل الحقيقي لكثير من رواسب الماضي , التي يجب ان تقبر اويغدوا وجودها اعتباري في افضل الاحوال , فانها لن تلقى التأيد والدعم الذان يمكناها من ان تلعب دورا فاعلا في انجاز الاغراض التي انشات من اجلها , ان الدعم الحقيقي للمستثمر الدني سينصب حول عناوين ومسميات عرفيه نشات مع الدين وسارت بموازاته منذو البدء , وستبقى مرافقة له بامتداد مسيرته التي لا تعرف التغير او التبدل.
ان كل البذرات الخبيثه ستنموا وتزهر في ,ضل الفوضى والتخبط الذان اطلقوا علهم لفضة الديمقراطيه للمواربه والخداع ,فالمذهبية والطائفيه والعشائرية والمناطقيه وباقي الاعتبارات الاخرى ستجد الفضآت المفتوحة امامها لكي تنفث سمومها وتنخر لحمة المجتمع بصوره ليس لها مثيلا من قبل ...!.
ان كل الاهوال ستنشا بتصادم الرغبات وتقاطع الارادات وصراع النفوس المتطلعه الى السلطه وقد عبثت بها الميول والاهواء , ومع غياب الحزم والعزم والردع بغياب المركزيه في الالية الديمقراطيه , فلنا ان نتصور حجم الفوضى والاضطرابات التي ستعم كل زاوية وركن في البلد , وكيف سيتحول نسيجه المتجانس الى عقد متباعده متنافرة ومتناحره تتخذ من الازمات عناوين لها فتحولها الى عنوان واحد يندرج ضمن مضمارها ويتقوقع حول وطاتها , فترى رجال الدين هنا وهناك يتزعمون الجموع المتحمسة الغاضبه ويوجهونها كل حسب مبتغاه وارادته التى لاتكون واحدة او موحده مابين شيخين فما بالك بالعشرات ....!هكذا يتضح لنا عقم ما منحنا ويتضح لنا ايضا انهم ادخلونا في نفق مضلم انارته وزينته لنا اوهامنا وذلك التوق والشغف للديمقراطيه , لا ن اكثرنا يدرك ماذا تعني في حقيقتها وانها الوجهة السليمه التي تمنح الفرد بعدا انسانيا حقيقيا حين تمنحه حريته الحقيقيه وتخلصه من استعباد الاخر له بانجازمهمة سيادته على نفسه , واضافة شخصيته المحرره الى مجموع الشخوص او الشخصيات الحره ليكونوا الشعب الحقيقي المنسلخ من كل عقده واوهامه .
هذاجانب من عدة جوانب او معاني تنجزها الديمقراطيه دفعة واحده فكيف لاتكون المغرم لطلاب العز والباحثين عن الحرية والنقاء ,وكيف لاتشكل الغاية التي تدفع لتحقيقها النفوس وتبذل المهج ...! فان كانت كذلك وهي كذلك بالتاكيد فكيف تهديها امريكا لنا وهي الدولة التي قامت باحتلال بلدنا وتدمير كل ما هو صالحا فيه , وقد اوضحنا ذلك واجبنا على كل الاسئله المتعلقه به وبقى ان نحدد الخيط الرفيع او الحد الفاصل بين الفوضى العابثه التي ارادتها وصنعتها امريكا . والفوضى الخلاقه التي نريدها نحن وسنصنعها ذات يوم , وهذا ما سنحاول ايضاحه في الجزء الاخير من المقال .
#حسين_علي_الزبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟