|
المشهد السياسي السوري والخيار الصعب
جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 1183 - 2005 / 4 / 30 - 11:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من يراقب المشهد السياسي السوري هذه الأيام، يجد نفسه مضطراً للتساؤل: هل نحن في سورية أمام خيار: بين استمرار حكم البعث، أو صورة ( مدوكرة ) منه، وبين حكم الإسلاميين أو صورة مُجمَّلة منهم.؟ وهو تساؤلٌ واقعي سياسياً إشكالي معرفياً وإن كان يدفع باتجاه المزيد من الإحباط، واليأس عند الكثيرين.! ومما لا شك فيه أن السلطة السورية تتغذى على هذا الخيار الذي عملت بكل طاقتها الاستبدادية لوضع الداخل السوري المتعب أمامه.! هذا من جهة ومن جهة أخرى يستدعي هذا الوضع التساؤل عن السياسة والقوى السياسية وبخاصة الأحزاب التاريخية التي تبدو خارج قوسي المشهد السياسي الراهن وكأنها لم تكن متواجدة لعشرات السنين إن كان هذا التواجد مرتبطاً بالفعالية السياسية أو الثقافية وهي حالة غريبة ومؤسفة لأن الكثير من العذابات والتضحيات بذلت منذ الستينات وحتى اليوم فإذا بنا نصل إلى هذا المشهد الكئيب الذي تتبخر من داخل إطاره كل تلك التجارب، ومكوناتها، وإرثها، ودلائل استمرار نبضها الحي.! كيف وصل الأمر إلى أن يبزّ شيخ جامع واحد تسعة أحزاب تاريخية بالتمام والكمال متحالفة في الجبهة الوطنية التقدمية.؟ صحيح أنها أحزاب مستنسخة من بعضها البعض وقد كشفت ثلاثة عقود من عمر هذه الجبهة أنها ليست أكثر من حزب البعث نفسه لكن بتسعة صور فوتوغرافية..! إضافة إلى بقية الأحزاب من معارضة ونصف موالية، وأن يملك هذه الشيخ الغيبي من القدرة على الحشد والتحشيد ما يفوق جميع هذه الأحزاب.؟ وأن يملك فرصة النجاح الحاسم في أية انتخابات جادة محتملة هذه الأيام .؟ طيلة نصف قرن من نشوء الأحزاب على اختلافها، لم يجرؤ أيٌ منها بما فيها الأحزاب الشيوعية على المجاهرة بخيار العلمنة لا بل على العكس من ذلك فإن بعضها كان يغازل الجمهور المتدين ومشايخه على ذات الأرضية الإيمانية ويتنكر للعلمنة لأن فقهاء الجمهور وشيوخهم يعتبرونها كفراً بيناً، وقد عرفنا عدداً كبيراً من الرفاق الذين عاشوا ولا يزالون على طريقة الدراويش، والمتدينين البسطاء، وظلوا كذلك في أوساط أسرهم المتدينة.. لقد كانت شقيقات عدد كبير من الشيوعيين من ( السنة ) محجبات في الوقت الذي كانوا ينظِّرون فيه عن الحداثة والعلمنة في بيوت الشيوعيين من الأقليات المذهبية الأخرى، لذلك لم تلعب تلك الأحزاب الدور المنتظر منها في إشاعة الفكر العلماني ألتحديثي، وثقافة الديمقراطية، وطمأنة الجمهور المتدين إلى أن الدولة العلمانية لا تعني الحض على ترك الأديان بل تعمل على حريتها ضمن صيرورة بناء دولة مدنية لا دينية تعنى بالمواطنة الكاملة لكل أطياف المجتمع المذهبية، والعرقية، واللادينية، وأن المواطنين أحرار في شكل ومحتوى العلاقات التي يريدونها مع الله لكن بعيداً عن ربطها بالشؤون الدنيوية التي تبقى من اختصاص البنى المؤسساتية والإدارة الديمقراطية لمسيرة المجتمع. وهكذا حين لا تحدث في المجتمع اختراقات ثقافية حداثية وتركن الأحزاب المفترض أنها مدعوة لتبرير ذواتها بالحداثة في خندق الممانعات مثلها مثل الأحزاب الماضوية، فإن المشهد السياسي المتحصل لا يمكن أن يكون إلا على هذه الصورة التي لا تتيح الكثير من الخيارات. واليوم وبعد أن تكشّفت عناصر المشهد السياسي السوري عن حالة سلبية، بل في أعلى مراحل السلبية، فإن سيل الأسئلة المتلاحقة لا تجد من يملك أجوبتها..! لهذا بالضبط يرنو الجميع بأبصارهم إلى العامل الخارجي ومفاعيله على الداخل السوري الذي يطفو على سطحه الكثير من الكلام، والقليل من الأفعال.! أما عن الكثير من الكلام، فمنه من يكتفي أصحابه بإصدار شهادات التخوين بحق الآخرين، واتهامهم بالأمركة، وتغليبهم الخارج على الداخل.! وإذا أردنا أن نستحضر بعض الأمثلة الطازة على هذه العينِّة التعيسة، نذكر فيلسوف الزمان المسدس الخالي من الرصاص الأفندي اللاذقاني المنظِّر الذي يكتب للجرائد بحسب سياساتها، وأثمان استكتاباتها الدولارية ( النهار- السفير- المستقبل ) وبوساطة من أحدهم.! بحيث تجد لنفس الكاتب مقالات في الصحف إياها لا يجمعها موقف، ولا يميِّز الواحدة عن الأخرى والأصح ( الأخرى ) سوى الفارق النقدي ألدولاري، والصلعة الأصولية السنية الماركسية ونحن نعرف ألبير وغطاه كما يقولون، ونخجل بالنيابة عنهم من ادعائهم المنافق بالرغبة في المشاركة في عملية عصرنة سورية، والعمل على أن تعود سورية إلى حظيرة الحضارة في الوقت الذي لا يتجرأون فيه عن كشف ميولهم الإيديولوجية في منازلهم الأصولية المحجَّبة.! هذا المنظِّر ألتخويني كتب في مقالة له يقول حرفياً ( اليأس من الإصلاح هو الذي يقوي حزب أمريكا في سورية بينما الشروع في الإصلاح يسحب البساط من تحت أقدامهم، ويجعل من المشروع أن يتعامل معهم (( الأمن الجنائي )) وفقاً للقانون بدلاً من الأمن السياسي ). وهذا الأفندي، المنظِّر الماركسي ألإخواني، الذي كان يتفاخر بكونه تلميذٌ نجيب في مدرسة رياض الترك، ما إن رأى المناضل الكبير يتجاوز مفاهيمه السابقة، ويلحق بمستجدات العصر بالرغم من شيخوخته، و سنوات عزلته الطويلة في الزنزانة، ويتلاقى مع مثقفي سورية الأحرار من العقد الأيديولوجية، والمواقف المصمتة من العالم الأخر، حتى بادر إلى طعنه في الظهر، وانشقَّ عنه وراح يسوِّد أفكاره المستجدة.! وهكذا لم يعد هناك ما يمكن إخفاءه.! سورية تعيش مرحلة انتقالية، ومن الطبيعي أن تتكشف كل الخفايا في ميدان تصفية الحسابات السياسية، وفي ذلك كل الصحة المعرفية، و السياسية لأن الحقائق يجب أن تصبح بمتناول الجمهور .. والميدان سيشهد حراكاً نقدياً شاملاً لكن، لن يكون بمقدور أحد أن يدعي بعد اليوم التزامه بما يناقض تفاصيل حياته اليومية التي يعود لها وحدها إضفاء الصدقية، والمصداقية بله الأخلاقية، على كل الادعاءات التي تكشف الحياة تلفيقيتها.! ولا يغيِّر من هذا الأمر حماقة الاندفاع إلى السجون بوهم التذرع بالبطولة ويا لها من بطولة خلبيّة لا تكشف إلا عن الجهل المطبق بالمعادلات السياسية، وموازين القوى، والتوقيت المناسب لخوض المعركة.!؟
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعنة إلهكم عليكم وعلى جمعية المرتضى.!
-
الديمقراطيون الإسلاميون : الأمير يوسف نموذجاً
-
الاشتراكية الإسلامية ومقولة لا إكراه في الدين
-
صيف بعثي ملتهب
-
حيرة نبيل فياض فيما أجمع عليه الخطباء
-
الوحدويون الانشقاقيون
-
الأوباش الأمريكان لا يعطوننا نظير أتعابنا.!
-
الحركة التصحيحية الجديدة
-
لماذا تعشق المرأة المسلمة قيدها.؟
-
رياض سيف.. مرحباً.!؟
-
فظائع شارون أم : عجائب الرقم العربي : 0،01 .؟
-
القتل غير الرحيم على الطريقة السورية
-
المصافحة الفاتيكانية.. والاستحقاقات الفورية
-
بروفة كلكاوية استباقية
-
غربلة المقدسات بين الدين والسياسة
-
قائد السرايا يردّ على حزب الكلكة
-
الجبهة الوطنية التقدمية..وخيبة الغياب التام
-
حزب الكلكة وقائد سرايا الدفاع
-
مؤتمر البعث ومخرج العقلاء
-
لا توقيت للحرية أيها الرئيس
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|