علاء الدين الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 01:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتباين الآراء والتحليلات والمواقف حول جنيف2 الذي تم طرحه رسميا على أنه بداية الحل في سورية. سنحاول هنا التدقيق أكثر فيما يشاع عن سحرية أو كارثية هذا المؤتمر البلسم أو العلقم.
الموقف الرسمي للنظام السوري لا جديد عمليا فيه، يتعامل مع كل الطروحات السياسية بديبلوماسية مرنة على مستوى التصريحات والإعلام فلا يعلن رفضه للمؤتمر لأن روسيا من صنّاعه، ولا يعلن حماسه للمؤتمر ليحفظ خط الرجعة في أسوء الأحوال. بينما تتراوح مواقف المعارضة السورية حول المؤتمر، إما مثل الهيئة وتيار بناء الدولة من خلال رميّ كل الآمال فيه والابتهاج بأن ما زال لها مكانة بعد أن احتكر المجلس والائتلاف الوطني المنابر. أو مثل الائتلاف والمجلس الذين ما زالا كما يبدو ينتظران "نصائح أصدقائهم" في قطر والسعودية وتركيا. من الناحية الدولية فالتصريحات الإعلامية حول هذا المؤتمر تقع بنفس خانة ما سبقه من مؤتمرات مهمة لا تقول شيئا ولا تقدم أي وعود أو التزامات.
لنسأل الأسئلة الجوهرية حول المؤتمر حتى نستطيع التوصل لرؤية واضحة حول الممكن بهذا الحدث السياسي. السؤال الأول هو بالطبع، هل تغيّرت موازين القوى حول سورية خلال السنتين الماضيتين؟ على المستوى الدولي الصراع بين أقطاب السوق العالمي مازال مستمرا وحامي الوطيس، فالولايات المتحدة تسير باستراتيجيتها الجديدة نحو التركيز على وسط آسيا أي على خاصرة روسيا والصين والهند اللينة والقائمة فوق بركان. والسوق العالمي بعد الأزمة المالية العالمية عام 2009 ما زال متأرجحا وغير مستقر ومفاعيل الأزمة المالية ما زالت تحمل الكثير من المخاطر العالمية على كل الدول. معسكر الصين وروسيا ومعهم الهند والبرازيل ولحد ما جنوب افريقيا يحاولون الخروج من الأزمة منتصرين وليسوا ضحايا. فبالواقع الإحصائي المعسكر الدولي ما زال في نفس حالة اختلال موازين القوى والعمل من تحت الطاولة للخروج باقل الخسائر.
مواقف الدول الإقليمية المؤثرة في سورية -إيران كجزء من معسكر روسيا والصين، السعودية وقطر وتركيا كجزء من معسكر الغرب- لم تتغيّر فيه موازين القوى بشكل دراماتيكي. فما زالت سورية بالنسبة لكلا الطرفين معركة مصيرية في مواجهة الآخر. وخاصة ما بين ضفتي الخليج العربي. اما بالنسبة للعلاقة التركية الايرانية فهي ما زالت بنفس المستوى منذ سنوات بإدراك الطرفين لقوة الثاني وحاجة كليهما لقوة الثاني، فلم تتأثر علاقات تركيا الإقتصادية بإيران أبدا، فما زالت إيران هي أحد أكبر الشركاء التجاريين لتركيا وأهم مصدري النفط والغاز لتركيا.
تبدو موازين القوى بين المعارضة والنظام مقارنة معقدة. فالمعارضة نفسها مشتتة ومختلفة في كل شيء، رغم أن واجهة الائتلاف الوطني تبدو متماسكة. أما الجيش الحر فقد فقد الكثير من قدراته البشرية والعتادية بسبب الحظر الذي طبقه عليه معسكر ما يسمى أصدقاء سورية. فمن المعروف أن السلاح والمال يصل فقط لكتائب تتبع منهج مماثل لجبهة النصرة أو للإخوان المسلمين، وقادات هذه الكتائب لهم اهتمامات أخرى غير الوصول لسورية موحدة ديمقراطية. تتعلق هذه الاهتمامات بأجندات تصدير الاسلاموية النفطية المتعصبة لسورية لضمان قطع الطريق على الديمقراطية والمدنية بسورية وبنفس الوقت تحجيم ثقل النظام السوري الإقليمي. هذه الكتائب تتمتع بقوة عسكرية ومالية كبيرة نسبيا لكنها مسيطر عليها من قبل مموليها، وهذا ما رآه السوريون في القصير حين أعلنت كل هذه الكتائب انها تدعم وتساند وترسل المقاتلين بينما بالواقع تركوا القصير تسقط بيد النظام دون أي مساعدة حقيقة. من الناحية الأخرى، وبعد تراجع المد الشعبي للثورة بسبب صعود نجم منهج جبهة النصرة وتلقي النظام السوري بطاقات ضمان بدعم غير محدود من قبل ايران وروسيا فإن النظام قد حرك قواته في هجوم معاكس ليقلب المعادلة في المناطق التي يسمح له بالحركة ضمنها حتى حدود ادلب وحلب. ووضع السوريين بين خياري الصمت أو الموت الجماعي بعد مجزرة بانياس والبيضا.
بإضافة تصريحات نصر الله وبشار الأسد، ثم تحرك شيوخ الخليج لإعلان الجهاد -ونعلم أنهم لا يجرؤون على هذه الإعلانات دون موافقة من قبل الحكومات السعودية والقطرية- وخطاب مرسي الناري اليوم بنفس الوقت الذي فتح به مصاريع باب العلاقات الممتازة مع إيران. كل هذه التصريحات والمسرحيات الإعلامية تؤدي إلى أن نتائج المقايضة الأمريكية الروسية حول سورية ستبدأ بالظهور.
ومن ضمن الأساليب الإخراجية لهذه المقايضة هو مؤتمر جنيف2. فمن المضحك أن يقول الامريكيون والروس: "نحن تركنا الأمور الخلافية للمعارضة لتقرر"! هذه التصريحات تدل بوضوح على أن هذا المؤتمر سيكون مسرحية إعلامية غايتها الأساسية إعادة ترميم الرأي العام الغربي تجاه المأساة السورية بادعاء أن السياسيين يحاولون شيئا لكن السوريون صعبي المراس و"رؤوسهم ناشفة"، وبنفس الوقت تبييض صفحة الأنظمة العربية أمام شعوبها وهي ترى أن هذه الأنظمة وكما جرت العادة منذ ضياع فلسطين تقف متفرجة متأملة.
قد يحتج البعض أن روسيا وأمريكا جادتان في العمل. لكن هل يستطيع هذا المحتج تقديم أي دليل على تحرك فعلي عملي وواقعي يؤكد جدية امبراطوريي العالم سوى التصريحات السياسية المتناقض فحوى صباحها مع حلم مساءها؟ لو أرادوا فعلا إنجاح المؤتمر لأجبروا المعارضة السورية على التجمع وهم يستطيعون، ولقدموا توافقا على النقاط الإشكالية مثل بقاء بشار الأسد وسلطة الأمن والمخابرات والجيش وشكل الحكومة المؤقتة وتعداد المراقبين الدوليين المطلوبين هناك. لا يمكن لنا أن نصدق أن حكومات روسيا وأمريكا وحلفائهم ديمقراطيون لدرجة أن يسمحوا لعدد من الأسماء السورية بالمعارضة والتي لا تملك عمليا أي مصداقية في الشارع السوري أن تقرر شكل سورية الجديد. فبعد كل هذه المليارات التي تكبدها الطرفان للسيطرة على سورية، وكون سورية هي أهم قرار استراتيجي لهذه الدول منذ عشر سنين بعد غزو العراق، يجعل فكرة أن يقرر "المعارضون" السوريون مطالب الثورة السورية مضحكة ومتهافتة أمام الحقيقة التاريخية أن القرار هو قرار القوي إقتصاديا وعسكريا.
لو عدنا بالزمن خمسين سنة للوراء وبدأنا محاولة توقع مسار الحراك الدولي الجيوسياسي وفق تصريحات السياسيين والإعلام فسنجد أنفسنا في عالم مخالف تماما لعالمنا الآن، كنا سنجد جنة الله على الأرض. لم تكن التصريحات السياسية بظاهرها عبر التاريخ صادقة ومعبرة عن خطط واستراتيجيات الدول الأقوى. مؤتمر جنيف2 يستحق عنوان مسرحية سعد الله ونوس "حفلة سمر من أجل تدمير سورية".
#علاء_الدين_الخطيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟