رياض حمادي
الحوار المتمدن-العدد: 4124 - 2013 / 6 / 15 - 20:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الثائر طاهر حتى تثبت نجاسته بدعم سعودي قطري !
عبارة "اختر أهون الشرين" تقال في موقف المضطر للاختيار . لكن مقام الثورات له مقال أو خيار آخر ثالث إن لم تكن خيارات أخرى . من ضمن هذه الخيارات هي عدم الاختيار , لأن الخياران المطروحان على ساحات الثورات لا يجمع بينهما الشر فقط بقدر ما يجمعهما القذارة أو النجاسة . وهنا تتساوى النجاستان , الثوار والأنظمة , حتى لو كان أحدهما أهون من الأخر !
دعم الثورات من الخارج ليس أمراً جديداً مرتبطاً بثورات الربيع العربي , وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها , فقد دعمت مصر ثورة 1962 اليمنية كما دعمت مصر عبدالناصر ثورات أخرى حول العالم . وكذلك فعلت كوبا و أرنستو تشي جيفارا الذي ترك مقاعد السياسة الوثيرة ليلتحق بثورة الكونجو ثم ثورة بوليفيا . وكذلك فعل الشاعر الإنجليزي جورج لورد بايرون – أحد أعمدة الحركة الرومانسية الإنجليزية والأوروبية – عندما انضم في عام 1823 إلى اللجنة الثورية اليونانية التي كانت تقاوم الاحتلال التركي وظل على ذلك الحال حتى توفي عام 1834 . والأمثلة على الدعم الفردي والمؤسساتي والدولي لثورات التحرر كثيرة . لكن هذا الدعم أتى من جهات تؤمن بقيمة الحرية والتحرر لأنها تمارسه فكراً وسلوكاً .
الجديد دعم الثورات التي تطالب بالحرية من قبل أنظمة ودول قمعية ديكتاتورية لا تعرف للحرية في بلدانها طعما ولا لون ولا رائحة . والجدير بالملاحظة أن الثوار الذين تلقوا دعما من أمثال هذه الدول لم يعرفوا وقد تمكنوا من طرد المحتل , أو إسقاط النظام المعتل , طعما للحرية ولا للاستقرار ! ولنا في أفغانستان والعراق خير مثل ! كما أن لنا في ثورة 26 سبتمبر 1962 اليمنية وتدخل السعودية في تغيير مسارها سلباً , مثال آخر . وهو ما يعني أن لثورة 2011 نفس المآل . والسبب ليس لأنها نصف ثورة أو شبهها , بل لأنها تلوثت بنجاسة التدخلات الخارجية التي لم تكن تهدف تحقيق أهداف الثورة بل تغيير مسارها .
يقبل منطق السياسي ازدواجية هذه الدول وموقفها من ثورات "الربيع العربي" حين تدعم ثورات وتقمع أخرى . لكن المنطق نفسه تحالفاً مع منطق الشاعر , يشير إلى نجاسة هذه الازدواجية وبالتالي إلى نجاسة أي ثورة ترتبط بها !
عرف العالم العربي مصطلح "الربيع العربي" في عام 2005 "عندما اجتاحت مصر ولبنان مظاهرات مناهضة" . نسبة "العربي" إلى الربيع هي الجديدة , أما مصطلح "ربيع" لوصف أحداث وتحركات ثورية فليس بالجديد . فقد ظهر في عام 1968 م في براغ "لما سمي آنذاك بربيع براغ , عاصمة تشيكوسلوفاكيا . فعندما فشلت إصلاحات الرئيس التشيكوسلوفاكي انتونن نوفوتني في إنعاش الركود الاقتصادي , أقدمت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي على التصويت بنزع الثقة من الرئيس , وعلى إثر ذلك وفي ربيع عام 1968 من شهر إبريل نشرت اللجنة المركزية سجلات مبرزة ضعف مستوى المعيشة والإسكان والنقل , ثم دعت اللجنة أعضاء الحزب إلى التمرد على سياسة الحزب الحاكم" . تلك كانت الخلفية التاريخية للمصطلح . لكن يبدو أن ربيعنا قد تحول من ربيع عربي إلى ربيع سلفي أو شتاء قارس كما توقع بريماكوف .
أعتقد بأن الحماس هو ما دفع كثير من المنظرين والمحللين السياسيين إلى القول بتفاجُأ الولايات المتحدة الأميركية بثورات الربيع العربي . لكن واقع الحال السياسي يقول بأن أميركا تبشر بالتغيير منذ مطلع القرن الواحد والعشرين وتصرف في سبيل تحقيقه على المنظمات والمؤسسات والأفراد والتيارات السياسية الملايين من الدولارات ! وقد كانت البداية بتغيير الأنظمة بالقوة الأميركية كما فعلت مع نظام صدام ونظام طالبان , لكن نتائج هذه السياسة جعل أميركا تعيد حساباتها في هذا النوع من التغيير . الأكثر دهشة – في استبعاد معرفة أو علم أميركا المسبق بثورات الربيع العربي - هو أن معنى تحليلهم هو أن أميركا - ودول الغرب المتقدم عموماً - انتقلت من دولة تمارس الفعل السياسي , الذي يقتضي التخطيط ووضع الأجندات والسيناريوهات , إلى دولة تمارس رد الفعل السياسي حين تتفاجأ بانتفاضات "الربيع العربي" لتقرر الاستفادة منها لاحقاً ! لكن يبدو أن مكانة أميركا في تراجع وتفاجئها هذا ربما يكون مؤشر إلى تحولها إلى دولة تشبه الدول العربية التي لا تمارس الفعل ولا رد الفعل السياسي وتكتفي بالتأمل !
لنعد لمطلب الخيارات المتاحة ومنطقها . ليس بيد الثوار من خيار سوى الاستعانة بالدعم الخارجي ولو كان نجساً في سبيل القضاء على نظام متعفن وفاسد وقامع للحريات . فمن المستحيل عليهم مواجهة نظام , يستخدم الأسلحة الفتاكة , إلا بأسلحة مثلها , وهذا لا يتأتى دون دعم خارجي . وطالما أن يداً أو أيادي امتدت لهم بالعون فعليهم أن يصافحوها ولو كانت نجسة ولها مطالب مؤجلة . وهذا منطق سليم نضيف إليه آخر – لن نختمه بأي علامة تعجب - يقر بأن هذه دول نجسة لكنها تريد أن تتطهر بدعمها لثورات التحرر . ومنطق ثالث يقول : ليس بمقدور الثوار إسقاط النظام بطرق سلمية , كما أن شرط توفر وعي ثوري وفلسفة ثورية تنويرية بمرجعية الحرية غير متاح , ويتطلب زمن ليس باليسير .
السبب في سلامة المنطق أعلاه مرتبط بطبيعة السؤال المطروح وهو في هذه الحالة عن , كيفية التخلص من الأنظمة الفاسدة بأنظمة فاسدة أخرى . لكن السؤال عن النتيجة المتوقعة كفيل بتقويضها جميعا , وهي نتيجة واحدة لا تتغير . صحيح أن شكل ورود الربيع وربما رائحتها ستكون واحدة , فهي لا تفرق بين مياه المجاري ومياه زمزم . لكن جوهرها مختلف . وصحيح أنها ستتفتح , لكنها لن تتفتح حرية . السبب يكمن في البذر , فمن يزرع حنظل لا يحصد عنب كما يقول المثل . مع ذلك علينا أن نعترف أن هناك ثوار زرعوا حرية ويأملون في حصاد ما زرعوه , لكن هناك أيضاً أغلبية من الثوار يزرعون أو يبذرون , لحى و "الله أكبر" , وطموح دول دينية مذهبية وطائفية , وهؤلاء لن يحصدوا سوى ما زرعوه .
يبدو من وجهة نظر المصطفين مع خيار الثورة أيا كانت عواقبها أن خيار الصمت يخدم النظام ولا يخدم الثورة . خصوصا إذا كان الصامت مثقف أو مفكر كبير فهنا يتحول الصمت إلى عار . إذ عليه , في ظل غياب شرط الثورة الناجحة , أن يختار , وإلا وصم بوصمة "مثقفي الانتظار" !
هي إشكالية عويصة , ومن قال بأنها مشكلة أو معادلة سهلة قابلة للحل بمنطق "اختر أهون الشرين" ! . إما البقاء في جحيم النظام أو الاعتماد على قوى لها مصالح ليس من بينها بلوغ الحرية . ويبدو أن الخيار بالنسبة لمن اختار طريق الثورة على شكلها الموصوف سهل , وفق منطق آخر يرى أن الفرصة مواتية لتحطيم صخرة النظام الكاتمة للنفس, لكن ربما تغيب عن أعينهم صخرة أخرى قد تشبه سابقتها وقد تكون أبشع . لكن من يدري فقد يأتي الأمل من خلال هذه الصخرة الأخيرة , كما بشرنا هاشم صالح . فالشفاء من مرض الدولة الدينية قد يكون بتناوله أو بتجريبه . لكن ما لم يقله لنا صالح أن هناك نسخا كثيرة من هذا المرض يلزمنا تجريبها لنصل لنتيجة تحييدها جانباً بعد عمر طويل . وقد لا نصل إلى هذه النتيجة في ظل تفعيل المقولة التبريرية السائدة في أن "العيب أو الحجة ليست في الدين أو في نسخه الكثيرة وإنما في المتدينين" ! أو أن العيب ليس في الوصفة وإنما فيمن يطبقها ويتناولها !
حجة الفرق بين النظرية والتطبيق جاهزة دائما لتبرير أي فشل إسلامي . في هذه الحالة قد يكون من السهل إشعال ثورة على نظام سياسي ديكتاتوري , يوظف الدين أو لا يوظفه . وقد يصدق عليها ما قاله المفكر عزمي بشارة , نقلا عن برهان غليون , في أن الثورة على الدول التي توظف الدين قد يتخذ شكل ثورة على الدين . لكن هل سيجرؤ المسلمون على الثورة على إسلامهم أو بالأحرى على دولتهم الإسلامية , في ظل التبريرات السابقة , التي تضع الحق على المسلمين لا على الإسلام ؟!
خاتمة : قصيدة ساحة لصلاح الدين الدكاك :
ولغت فيها الكلابُ
فاغسلوها سبع مرات بماء وتراب
اغسلوها يا شباب
علها تبرأ من رجس المرابين ,
وثوار المنصات ,
وفرسان السباب
اغسلوها يا شباب
واقطعوا كل خراطيم اللعاب
علها تغدوا – كما شئنا –
فضاءً لارتياد الكون ,
لا جحراً لمرضى الاكتئاب
***
ولكي تسقط هذه السلطة الحبلى
بعشرين ” علي , وعلي “
وبها عشرون جيشاً ,
ولها مليون باب
اكسروا هذا البيات الأزلي
واعقروا ناقة مبعوث السراب
واهجروا مصحف نجدٍ
واشهروا طهر النبي
لا الدعاء المستجاب
واذهبوا الآن – إلى أقصى
مُتاحات الذهاب
نحن لن نمكث في الساحات
بالقطع – إلى يوم الحساب
فلقد ثرنا وفي الثورة لا دور إياب
#رياض_حمادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟