أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - ضرورية الدين عند سروش في ضوء بسط التجربة التأريخية















المزيد.....

ضرورية الدين عند سروش في ضوء بسط التجربة التأريخية


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4124 - 2013 / 6 / 15 - 17:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يبقى مفهوم الضروري محاطا بشيء من الضبابية لتشاركه في المستدلات العقلية والفكرية مع الضرورة أو أنه أنتساب له مثل فهم أن كل شيء (ضروري) لأنه يختزن ضروريته من دليل الضرورة أو أنه هو مجرد اختلاف في البناء اللغوي بين الاسم والصفة فالاسم ضرورة والصفة ضروري, هذا الفهم المبسط والأبله لا ينبئ عن معرفة حقيقية كما بينا في مقدمة هذا الفصل من المبحث عن جوهرية مفهوم الضروري فعندما نقول أن للهواء قيمة ضرورية للحياة لا نقصد طبعا النتيجة التي تسالمنا عليها وسلمنا بها ولكن هذه المقولة تنبيئ عن أعتقاد بشيء لا بد له من برهان عقلي كي نؤمن به كما نؤمن مثلا بضرورية وجود العقل عند الحيون كي يمكننا ان نطلق عليه لفظ إنسان لأنه في الاصل مشترك مع غيره من الجنس الحي بالحيوانية ويفترق عنهم بهذا الحد.
إذن الضروري يقترب من الملازمة ويقترب من الوجوبية لكنها يتميز عنها أما بالحتمية أو الطبيعية المطلقة للأشياء, بهذا يفترق الضروري عن الضرورة, المفهوم الاخير تدبري سلوكي خارج مقام الطبيعي والحتمي بذاته وكنه معلق بغيره ومستند عليه فالضرورة كخروج طاري لا يمكن تصوره داخل الموضوع ما لم ينفعل بالأثر الخارج عنه والمبيح لهذه الزحزحة والمشرعن لها , وهو وجود المحذور, والتي سوف نبحث العلاقة بينهما في لمبحث القادم.
حتى نفهم حقيقية الضروري لا بد ان نعي أن ليس كل ضروري هو خروج عن النسق والنمط المنطقي أي ليس من الضرورات التي تبيح المحظور بهذا المعنى لأن في ضرورة الهواء مثلا ليس هناك خروج عن منطق النسق الحياتي ولكنه هنا تأكيد لها ,وبذلك تختلف ضروريته الطبيعية عن الضرورة الأستجابية كما في قاعدة خرق الحكم الواجب الأتباع مثلا في التشريع والشريعة, فلو بحثا مثلا الفرق بين أن يكون الدين ضرورة للإنسان وبين حقيقة هذه الضرورية نجد أننا أمام فهمين ومنهجين مختلفين تماما لأننا في الأولى نبحث النتيجة وفي الثانية نبحث العلة.
مثلا يرى الفيلسوف الأمريكي المتخصص بعلم الأديان الدكتور هوستن سمث في كتابه "لماذا الدين ضرورة حتمية؟" (Why Religion Matters) مسألة الإيمان بالدين من منظور أكثر روحانية من مجرد أنه تجربة بشرية خالصة يمكن أن يستوعبها التأريخ ويفسر ضروريتها الواقع لأن في الدين وجه أخر من الحقيقة هو وجه التساؤل الدائم عن سر الوجود وعن علاقة هذا الوجود بما ينتج من محددات فكرية وعقلية يسميها العلم الذي كلما تقدمنا نحو العمق فيه يفقد الإنسان نمطيته المزدوجة والمركبة بين عالمي الروح والمادة فيدخلها في نفق الحداثة الذي لا ينتهي إلا بضياع المسمى الإنساني ليتجرد بالأخر من تلك لروحانية المميزة فيقول "لا يمكن للوجود الدنيوي (الأرضي)، بسبب محدوديته وتناهيه أن يشبع قلب الإنسان بشكل كامل. هناك في فطرة الإنسان توقٌ وتطلعٌ نحو "الأكثر". ولا يمكن لعالم الممارسات الحياتية اليومية أن يشبع هذا التطلع" .
ما يستخلصه الدكتور هوستن من هذه العبارة الموجزة الإشكالية عظمى هو ما يعتقده أن الإنسان هو الذي أدخل نفسه في النفق الذي حاصره وضيق عليه عالمه الرحب من خلال ترك الدين جنبا واللهاث خلف العلم ومستجداته بطرف واحد لعله يخفف عن نفسه ثقل الجانب الروحي فيقول(إن الشرق والغرب يعانيان، كل بطريقته، من أزمة واحدة مشتركة سببها الحالة الروحية للعالم الحديث، فقد اتسمت هذه الحالة الروحية بفقدان اليقين الديني وفقدان الإيمان بالسمو والتعالي على الوجود المادي بآفاقه الرحبة الواسعة, طبيعة هذا الفقدان غريبة، لكنها في النهاية، منطقية ومتوقعة، وخاصة مع تدشين عصر النظرة العلمية البحتة، وبدء إحساس البشر بأنهم أصبحوا يمتلكون أسمى المعاني في العالم ويعرفون مقاييس ومقادير كل شيء، بدأت المعاني بالانحسار، وأخذت مكانة الإنسانية تتضاءل، لذا فقد العالم بعده الإنساني، وبدأنا نفقد السيطرة عليه ).
هنا يؤمن البرفسور هوستن بضرورة تخلُّص الروح الإنسانية من الرؤية النَفَقِيَّة للحداثة إذا أرادت أن تتقدم بنحو أفضل مما فعلته فيما سبق ,علية أن يدرك الإنسان أن الكثير من الأشياء لا يمكن إهمالها لمجرد اننا لا نستطيع تبريرها على المستوى التجريبي المادي ,علينا ان نكون أكثر عقلانية مع الأكثر علمية إنها العلمانية العاقلة التي تصوغ الفكرة متكاملة لا ان تنظر إلى نصف الحقيقة المرة, يكرر هوستن اعتقاده بعبارة اكثر ديناميكية في البحث عن العلة الضرورية فيقول(فقبل أن يأتي عصر العلم الحديث، كان الناس يعيشون ضمن الرؤية الكونية التي تتطابق مع الخطوط العريضة، رؤية تعددت طرق التعبير عنها، إلا أنها واحدة في الخط العام، وجاء العلم ليستبدل تلك الرؤية التقليدية، بالرؤية العلمية للكون ).
هذه الرؤية التي نشأت في الأصل في المجتمع الغربي وانتقلت بتردداتها السلبية إلينا دون أن نعي أن النقل الأعمى للتجريبية الحسية كنتيجة ليست خالية دوما من مشاكل مركبة وفقدت بكل سلبياتها علينا(لما سأله، باستغراب، أحد الصحفيين: تبدو دائما وكأنك غاضب من العلم! أجابه في عبارات بالغة الأهمية: "أنا غاضب من أنفسنا ـ نحن الغربيين ـ الذين تخلينا عن التفكير الصافي النقي، وسمحنا لأنفسنا بأن نصبح مهووسين بالأسس المادية للحياة، لدرجة جعلتنا نمنح العلم شيكا على بياض بشأن دعاوي العلم المتعلقة بالمعرفة والاعتقاد الصحيح"! ).
قد لا يجد عبد الكريم سروش وهو المثقف والمتبصر بالمعاني والمرادات اللفظية فرقا بين الضرورة الشرعية المستنبطة من أدلتها في دائرة الدين وبين الضرورات الأجتماعية التي تحتكم للتجربة والحس بها وهي من جنس الضرورات الطبيعية وبالتالي فهو يبني فهمه لبعض احكام الفقهية الأستنباطية على جنس الطبيعية الحسية لا على أصلها العقلي لكي يسوق مفهوم التكتم والتضييق بدل مفهوم التحقق والتفكيك(لا يمكن القول حينئذ أنّ وظيفتنا تتركز في إجراء الأحكام الإلهية في حركة الحياة بل وظيفتنا تتلخص في سلوك الطريق العقلاني في حلّ المشكلات الفردية والاجتماعية من خلال مقتضيات المصالح العرفية. ), المهم في منهج سروش حل المشكلات الفردية من خلال مقتضيات المصالح بعيد عن فهم العلل واستنباط العقل لمشروعية الضرورة في تجاز الأقلي المحرم.
المنهج الذي يمثله الدكتور عبد الكريم سروش وزملائه يتبنى التجريبية في معالجة الضرورة والمحذور القائم على أقصاء المحذور مهما كان طريقة معالجته سعيا وراء الضرورة أيا كان منهجها وهم بذلك يبرهنون على براغماتية التفكير والفهم الذاتي لهم للدين مبتعدين جدا عن العقلانية التي يسعى لها في دعواته للتحرر العقلي من الموروث التقليدي للفهم الديني ولكنه في التفصيلات البنائية في عمارة الفكر الهندسية كما يصفها يتخلى عن تلك العقلانية وينظر من زاوية تغليب الضرورة قبال المحذور الشرعي بدون متابعة العلة من الحذر والعلة المنشأ للضرورة , هذا المنهج يمثل الخروج الحقيقي عن المنطق العقلي والعقلانية بصورتها العامة, فهو يطبق تماما ما ينتقد به الأخرون بقوله ويتخذه منهج يخفي دوافع اخرى لا تخلو من هدف محدد (هنا أتحدث بصراحة عن الدوافع التي تقف وراء مخالفة هؤلاء(ازلام السلطة الدينية )للحرية، لأنّ جميع أدلتهم ليست منطقية وعقلانية ولا تنطلق من موقع الشفقة على الناس، بل أحياناً تنطلق بدوافع أخرى، ).
من هذه الدوافع التي حذر منها البرفسور هوستن هو ما وقع به بعض الليبراليين العرب بل غالبيتهم وهو إخضاع الدين للمنطق الحداثي منطق العلم المجرد من عقلانيته التي تعني أن نبسط العلم كأداة تفسير لا أداة حكم قاطعة ,أن في العلم حصيصة عدم الثبات ونكران الثبوتية وعدم الكمال المطلق حتى في جوانبه الخاصة ,قد تكون قاعدة علمية اليوم محل احترام يقيني لأن العقل لا يستطيع تجاوز هذه اليقينية بالوضع الراهن ولكن لا ندع ان هذا الحال هو حال الكمال ,ففي التجربة التاريخية للعلم امثال وشواهد كثيرة على انهيار عشرات النظريات العلمية التي تمتعت بيقينية حقيقية لفترة من الزمن ,ليكتشف الإنسان اخيرا ان هذا التسليم لم يكن بمحله وأن الوصول لهذه النقطة المحددة في العلم بحسب عاملي الزمان والمكان لا يحق لنا ان نجعلها بمحل قداسة بأي حال من الاحوال



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان الكوني ومفهومنا للعولمة
- العولمة وصورة الإنسان الكوني ج1
- العولمة والإنسان الكوني _ج2
- العولمة والإنسان الكوني _ج3
- العولمة والإنسان الكوني _ج4
- مصدرية الوعي الفكر اولا
- مقام التسليم
- الدكتور علي الوردي وأشكالية الحكم على العقل ج1
- الدكتور علي الوردي وأشكالية الحكم على العقل ج2
- في نقد القراءة التاريخية لعبد الكريم سروش للدين المحمدي _ ج1
- في نقد القراءة التاريخية لعبد الكريم سروش للدين المحمدي _ ج2
- الدكتور علي الوردي وإشكالية الحكم على العقل
- عصر الحرية ومفهوم الذاكرة
- الدين نحن
- ما هو الدين
- مصادر القوة ومضاعفات التفرد
- الانفصام بين الصورة والأصل ج2
- الانفصام بين الصورة والأصل ج1
- خصيصة الأبدية للفكر الرسالي
- آدم الإنسان والحيوان شبيه الإنسان


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - ضرورية الدين عند سروش في ضوء بسط التجربة التأريخية