|
حكومة الخلطة السحرية
لميس كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 1183 - 2005 / 4 / 30 - 09:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حكومة الخلطة السحرية
لميس كاظم
كان دعاء العراقيين وهم يبتهلون الى ربهم في احنك الظروف، ليحل مشاكلهم الحياتية المستعصية،متمنون ان يكون الحل سريع ومريح، واحد من هذه الأمثال الشعبية هو *ياقريب الفرج عالي بلا درج * وهم يلتمسون من سموه العالي الذي لم يكن باستطاعة احد الوصول اليه، وهو صاحب الأمر والنهي ،ان يشملهم بعطفه بعد ان ضاقت بهم الحلول وفرص العيش.
أخيرا اطل علينا رئيس الوزراء المنتخب الدكتور ابراهيم الجعفري، ليبشرنا بتشكيل الحكومة المؤلفة من 36 وزيرا موزعين بالشكل التالي: 18 وزير من عرب الشيعة 8 وزراء من عرب السنة 8 وزاراء من كرد السنة 1 وزير للتركمان لم ينتخب بعد 1 وزير مسيحي
فكما يلاحظ فان نسبة السنة بعربهم وكردهم شكلوا 44% من الحقائب الوزارية بالأضافة اربعة من اهم المناصب الحكومية 1 رئيس الجمهورية من الكرد السنة 1 رئيس الجمعية الوطنية من العرب السنة 1 نائب رئيس الجمهورية من العرب السنة 1 نائب رئيس البرلمان من الكرد السنة 1 نائب رئيس الجمهورية من العرب الشيعة 1 نائب رئيس البرلمان من العرب الشيعة
ومن خلال هذه المناصب الحساسة والحاسمة للسنة تبين انهم حصلو على اهم واقوى المراكز الحكومية، اي انهم حصدوا اكثر واهم من العرب الشيعة وهم غير راضين على هذا التقسيم الطائفي. من خلال تصريح السيد عجيل الياور اليوم عندما صرح ان العرب السنة حصلوا على اقل مما يستحقون. ماذا يريد السيد عجيل الياور اكثر من هذا التمثيل الذي لايتسم بالمحاصصة العادلة لكل مكونات الشعب العراقي، فمن من هولاء الذي يتحدث عنهم كانو قد قارعوا الصنم وقدموا شهداء باستثناء الشعب الكردي وماهي الشروط التي تم التنازل عنها من قبل احزاب عرب السنة لكي يمنحو هذه الحقائب الوزاريةالقوية، ام ان مقاومتهم ستستمر في قتل ابناء الشعب العراقي لحين السيطرة على عصب البلاد الأساسي.
ان هذا التقسم الطائفي المقيت سيترك اثاره واضحة على نفوس العراقيين وستتحمل الحكومة الجديدة عواقب تلك النعرات الطائفية التي بدئت تنمو وتتصاعد بأسم الديمقراطية. لقد صادقت هئية رئاسة الجمهورية على الحقائب الوزارية بالكامل وصادقت ايضا عليها الجمعية الوطنية بمجموع 180 صوتا من اصل 185 وغياب 90 عضوا مما يثير الشك في غياب مايقارب ثلث اعضاء الجمعية، وهو رقم كبير جدا يحمل بين طياته دلالات عدم الأنسجام بين اعضاء الجمعية.
نقول اولا مبروك لهذه الحكومة التي لاتنطبق عليها الكثير من المواصفات الإ انها يمكن تسميتها حكومة الخلطة السحرية لانها :
ليست حكومة اجماع وطني، كما ادعى د. الجعفري في خطابه الذي القاه اليوم بعد المصادقة على الحكومة، فهي لم تخضع محاصصتها لنتائج الأنتخابات التي فوضهم الشعب على تشكيلها. إذ ان اقصاء القائمة العراقية الحاصلة على اربعين مقعدا بالوقت الذي تم منح حقائب وزارية مهمة لقوى لن تعلن ولائها الوطني وهذا مما سيزيد الأمور تعقيدا.
حكومة د.الجعفري ليست حكومة اجماع سياسي كما يدعي لانها اقصت في محاصصتها ممثلي احزاب وطنية اساسية لها تأريخ سياسي وطني مشرف كالحزب الشيوعي العراقي وكتلة المستقلين وحزب الأستقلال وغيرهم من الاحزاب المشهودة مشاركتهم في النضال ضد الدكتاتورية، وقدموا قوافل من الشهداء بالوقت الذي منحت احزاب سياسية جديدة على الساحة السياسية مناصب حكومية حساسة وهي تمتلك مقاعد برلمانية تعد بأقل من عدد الأصابع، وقسم منها متقاطعة مع العملية السياسية برمتها في العراق، والأهم فان الكثير منهم لايمتلك تأريخ سياسي عريق.
حكومة د. الجعفري ليست حكومة اجماع قومي او طائفي كما يدعي لانها اقصت طوائف وقوميات اساسية من تشكيلتها، لها ثقل قومي واجتماعي وسياسي مؤثر على الساحة العراقية، كالتركمان مثلا فقد مثلوا بوزير واحد وهم يمتلكون اكثر من عشر مقاعد برلمانية متوزعة داخل الجمعية الوطنية. فضمن الأستحقاق الوزاري يفترض ان يمثلو على الأقل بوزيرين الى ثلاثة وزراء وينسحب نفس الشيئ على الأكراد الفيلية القاطنين خارج المناطق الكردستانية والصابئة ايضا، فقد مثل كل منهم بسفير واحد في بلدان اوربا الشرقية قبل الأنتخابات اما الأشورين والأيزيدين والشبك وغيرهم فقد غيب تمثيلهم من الحكومة وهم بالمنظور الطائفي لهم حق في التمثيل الحكومي، اسوة بالأخرين الذين حصلوا على وزارات طائفية.
حكومة د. الجعفري حكومة تكنوقراط وكفاءات ولكن ليست حكومة خبرات مهنية، فقد تم استبعاد د. مهدي الحافظ وزير التخطيط وهو افضل وزراء حكومة علاوي بأعتراف الكل من الأعداء والأصدقاء وعين قادة جدد ليس لديهم كفاءات مشهود في الواقع العملي. ان من اولويات الوزيز هو ان يكون ذو خبرة مهنية عالية اولا وتكنوقراطية ثانيا وخبرة سياسية ثالثا وليس العكس صحيح .
ان من مفارقات الصدف المقصودة ان يتم المصادقة على الحكومة في مثل هذا اليوم ليصبح العيد بعيدين، فهو عيد تنصيب الحكومة العراقية المنتخبة لاول مرة منذ اكثر من اربعة عقود، وعيد ميلاد الصنم المخلوع القابع في الزنزانة وهو المتريث في استكمال محاكمته . كنت اتنمنى لو لم يكون هذا اليوم ، هو يوم الأحتفاء بالحكومة المنتخبة، فهو يوم مشؤم في تاريخ الشعب العراقي، إذ بالأمس القريب كان العراقيون يحتفلون قسوة بعيد ميلاد الصنم واليوم يحتفلون بحرية في تشكيل الحكومة المنتخبة، اي مفارقة هذه، نحن نود ان نقبر كل مايذكر بماضي الصنم وليس ابقاء شواهد تأريخية من حياته تقترن بالحاضر الجديد فهل هذه الفعالية مقصودة ام تدخل في اطار التعجيل في اقرار الشرعية؟ لقد انتظرنا ثلاثة اشهر وقدمنا اكثر من سته الألأف شهيد وثمانية عشر الف جريح منذ سقوط الصنم، فلاضير ان يؤجل اقرار الحكومة ليوم واحد فقط، فالحكومة لن تمتلك العصا السحرية التي ستحل كل مشاكل البلد.
ام ان فرحتنا دائما ا غير مكتملة ومنغوصة، كما مرت الأحداث التالية: ُاسقط الصنم وهرب القائد من وجهة العدالة وعندما تم القاء القبض علية سجن في فندق خمس نجوم موفرة له كل مستلزمات الراحة وبعيد عن ايادي العراقيين وقريب من لجان الدفاع عن حياته وصحته وخدماته التي تبذل المستحيل لتحسين ظروف سجنه. سقط الصنم وهربو عباده ليتعاونوا مع اصنام ووحوش اجنبية ،يعبثون في البلاد فسادا بأسم المقاومة الشريفة التي تفتك بالأبرياء من العراقيين. تخلص العراقيون من المقابر الجماعية وحلت محلها المقابر المفخخة والمائية والجوية التي افترشت ارواح الشهداء كل شوارع وازقة مدن العراق علنا ومدعومة من قوى عراقية. اقترب العراقييون من موعد محاكمة الصنم ليعلن لنا رئيسنا المنتخب انه لن يوقع على عقوبة اعدامه، بالوقت الذي يوجد في بعض المقاطعات الأمريكية عقوبة الأعدام بحق الأمريكيين الذين لم يقترفوا بنفس حجم جرائم الصنم واعوانه.
رغم كل المنغصات الا اني ابارك مرة ثانية لهذه الحكومة واتنمى ان تنجز الحد الأدني من واجباتها وهو احقاق كل مستحقات الشعب العراقي الأساسية بشكل عادل. فهذا التشكيل الحكومي الحالي سيكون عرضة لأنتقادات شديدة، وهو في بداية طريقه، لانه كان من المفترض على الحكومة ابداء روح التعاون العمليةمع كل الأطراف الأساسية في البلد لكي يكون الكل معني ببناء البلد. وليس مطالبتهم الأن بمساعدة الحكومة في مهمتها الصعبة، يجب ان يقترن الفعل بالخطاب السياسي وليس العكس لذلك اتوقع وما ستظهره الأيام القادمة سيكون صراع حاد ومحاولات غير مباشرة لعرقلة عمل الحكومة.
ان الفترة القصيرة القادمة التي يناهز عمرها سبعة اشهر لغاية الأنتخابات المزمع اجرائها في ديسمبر من هذا العام، وهي بحد ذاتها ستكون مصيدة حقيقية للحكومة، لان اعذارها الأن قد انتفت، فهي حكومة منتخبة وذات صلاحيات شرعية وعليها اظهار سياستها الوطنية في معالجة القضايا الساخنة واولها مشكلة الأمن و تدخل دول الجوار العابثة بأمن ومصير البلاد وكذلك تحديد مهمات القوات المتعددة الجنسية وتحديد جدولة زمنية لرحيلها ومن ثم تنفيذ المطالب اليومية الملحة كالبطالة والكهرباء والماء والأعمار وغيرها.
ان حكومة د. الجعفري مهتمة منذ يومها الأول في تشكيل لجان صياغة الدستور وهي المهمة المركزية الأساسية التي سيتعمد عليها مستقبل العراق السياسي والأجتماعي القادم . لذلك اكد السيد اية الله علي السيستاني لحكومة الأئتلاف الأهتمام الجدي بكتابة الدستور، بعد ان انجزت خطوتها الأولى في تشكيل الحكومة بنجاح ، وهذا هو عين الحقيقة. لكن مانتوخاه من حكومة الأتلاف الجديدة هو ان لاتعيد نفس سيناريو التشكيل الحكومي وتعمل على ابعاد الأحزاب والشخصيات المشهودة بوطنيتها من لجنة الصياغة وتحل محلهم اناس مشكوك وطنيتهم وتأريخهم السياسي تحت يافطة الحفاظ على التنوع الطائفي والقومي فهذه السيناريوهات لم تزكيها الحياة وخير دليل على ذلك هو تعيين وفيق السامرائي ذو الماضي الوطني الخالي من الدماء في اهم منصب امني.
نتمنى من الحكومة الجديدة ان تفسح المجال العملي امام كل المخلصين المختصين بالشؤن الدستورية من ابناء الشعب العراقي، بغض النظر عن انتمائهم، بالمشاركة العادلة والفعالة في هذا المشروع الحضاري وتجنب المحاصصة الطائفية والقومية المقيتة.
#لميس_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسلام المعتدل في الغزل الامريكي
-
قلم انيس منصور في مقاله المفخخ
-
اندماج ثقافة الجبل والهور في دستور العراق
-
الصمت لايتعب قلم المثقف العربي
-
مهام رئيس البرلمان العراقي
-
المحاصصة الطائفية السياسية تتناقض مع مهام الحكومية المهنية
-
السلم المدني والأرهاب الاجتماعي
-
هجرة العقل المفكر وعودة العقل المدمر
-
عيد نوروز ...عزف السهل ورقص الجبل
-
حماية الحرية الشخصية في الدستور العراقي
-
مجزرة حلبجة شذرة في البرلمان العراقي
-
المعارضة السلمية تحت قبة البرلمان
-
المرأة العراقية بين الدستور الديني والعلماني
-
موقف الجامعة العربية من الزلزال الديمقراطي
-
الجامعة العربية المفتوحة طريق نحو التكامل العلمي
-
مباركة حسني مبارك
-
ثقافة الدستور العراقي الجديد
-
نتائج الإنتخابات بين الواقع والطموح
-
فالنتاين ...عيد الحب عيد بغداد
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|