|
حكومة العجز والتأزيم
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 4123 - 2013 / 6 / 14 - 16:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يكن احتلال حزب العدالة والتنمية المغربي صدارة الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر بسبب تديّنه أو نضاليته ، بقدر ما كان نتيجة لعوامل موضوعية مرتبطة بتجارب تدبير الشأن العام التي عرفها المغرب واقتنع الناخبون ، في غالبيتهم ، بتغييرها عبر فتح المجال لقوة سياسية قدّمت وعودا انتخابية أكثر إغراءا وسخاء و"جرأة" لمواجهة الفساد والمفسدين . ذلك أن أصل المشاكل يعود إلى الافتقار إلى الإرادة السياسية والجرأة الأدبية للأطراف المسيرة للشأن العام . وباعتبار حزب العدالة والتنمية قدم وعودا بمواجهة الفساد والتصدي للمفسدين مهما كلفته المواجهة من ثمن ، فإن الناخبين آنسوا في وعوده جدّة وجدية ، خصوصا وأن مطالب الشعب المغربي متواضعة ومتفهمة للإكراهات التي تعوق العمل الحكومي لدولة محدودة الموارد . كان للحزب عذره الأوحد ، في أي تعثر لتنفيذ برنامج الحكومة التي يرأسها ، أنه ناقص تجربة وخبرة في قيادة الدولة وتدبير الشأن العام . وكان هذا العذر سيلقى قبولا واسعا لدى عموم المواطنين ، مساندين ومعارضين ، إذا كدّ الحزب واجتهد فأخطأ . فالمغربي ، بطبعه وثقافته ، يقدر ظروف غيره وإن كان خصمه ، فأحرى حكومته . كل أرصدة التماس العذر لحزب العدالة والتنمية استنفذها بالأخطاء المتعمدة والحروب المفتعلة و"العفاريت" المتوهَّمة . ولعل أبرز الأخطاء القاتلة التي سقط فيها الحزب مغادرته ميدان مواجهة الفساد والمفسدين وافتعاله مواجهة إما تسمح له بتحقيق نصر زائف على المواطنين البسطاء ، أو يكون فيها ضحية لا بطلا . فقرار الزيادة في أسعار الوقود والمواد الغذائية وتنقيل الموظفين دون رغبة منهم ولا إرادة ، وإلغاء صندوق المقاصة ، والرفع من سن التقاعد ، ومراجعة مسطرة احتساب المعاش قصد التخفيض منه ، ورفض تعديل قانون الاغتصاب وزواج القاصرات ، وفرض الضريبة على السيارات المتقادمة ، وإلغاء 15 مليار درهم المخصصة للاستثمار ، ورفض تطبيق محضر 20 يوليوز ، واقتطاع أجرة أيام الإضراب دون سند قانوني الخ ، كلها قرارات تضر بالقدرة الشرائية لبسطاء المواطنين الذين يشكلون أربعة أخماس الشعب . فهذا انتصار زائف للحزب في معركة خاسرة ضد المواطنين الذين وعدهم ، إبان الحملة الانتخابية ، بالرفع من الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم ، وتقليص عجز الميزانية إلى 3% ، وتحقيق نمو بمعدل 7 %. لكنه أخلف وعده (ارتفع العجز إلى 7% وانخفض النمو إلى 3 %) . أما عن التشغيل والعدل والشفافية والخدمات الاجتماعية فحدث ولا حرج . فكانت حكومة السيد بنكيران حكومة خلق الأزمات وتأزيم الأوضاع وتفخيخها . فهي بامتياز حكومة العجز التام عن الإصلاح في كل الميادين والمجالات . وقد اقر أحد قيادي الحزب بهذا العجز الذاتي بقوله"اليوم الحكومة بكل الصلاحيات التي عندها، وبالدعم وبثقة جلالة الملك ليسوا قادرين لوحدهم على تحقيق الإصلاح وعلى تنزيل الدستور" . بل عجزت حتى عن حسن استغلال الظروف السياسية والأمنية في دول ما بات يعرف "بالربيع العربي"،حيث اضطر آلاف المستثمرين إلى البحث عن بلد آمن لنقل استثماراتهم إليه( حوالي 2600 رجل أعمال تونسي قرروا الفرار باستثماراتهم إلى المغرب، 50 في المائة من الشركات العاملة في الجزائر تعتزم نقل استثماراتها إلى المغرب ، فضلا عن المستثمرين الليبيين والمصريين والسوريين). حكومة أضافت إلى المغرب أزمات إلى أزماته السابقة . أزمة اقتصادية ومالية أدخلت المغرب في نفق لن يترك له من خيار غير الانصياع لإملاءات صندوق النقد الدولي كشرط للحصول على القروض التي تلجأ إليها الحكومة لتغطية العجز المالي ( بنكيران اقترض منذ توليه رئاسة الحكومة 6 مليارات درهم (دولار يساوي 8 دراهم) ؛ وهي خطوة ترهن القرار السيادي للمغرب بيد الدوائر المالية العالمية . حكومة عجزت عن التدبير كما عجزت عن ابتكار حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد استقرار البلاد . وقد أضافت رئاسة الحكومة إلى هذه المشاكل مشاكل سياسية تعصف بالاستقرار الحكومي ، الأمر الذي نقل الحكومة من حكومة سياسية لها برنامج مصادق عليه من طرف البرلمان ومُلزمة به أمام الشعب ، إلى حكومة "تصريف أعمال" حيث يغيب البرنامج الحكومي لصالح التدبير اليومي ، خصوصا بعد إعلان المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب منها. وكان على حزب العدالة والتنمية أن يغطي على قلة خبرته بالاستعانة بخبرة حلفائه والكفاءات التي تتوفر عليها أحزابهم في شتى القطاعات ، إما لتجاوز الأخطاء السابقة أو لابتكار حلول جديدة ، خصوصا وأن حزب الاستقلال تقدم بحزمة من الاقتراحات العملية التي من شأنها إعفاء رئيس الحكومة من اتخاذ قرار إلغاء الاستثمارات لسنة 2013 . لكن عوض الانفتاح على خبرة هذه الأحزاب واقتراحاتها ، فتح الحزب مع أبرز مكونات التحالف الحكومي ــ حزب الاستقلال ــ جبهة للصراع الحزبي والسياسي ضيعت على المغرب حتى فرصة استثمار زيارة طيب أردوغان إلى المغرب لإبرام اتفاقيات اقتصادية واستثمارية تقلص نسبة العجز التجاري الذي يثقل كاهل الميزانية العامة . ونجح السيد بنكيران في تحويل حزب الاستقلال من حليف يدعم برنامج الحكومة إلى خصم عنيد يناوئ رئيسَ الحكومة وحزبَه . وفي هذا الإطار كتبت جريدة العلم منتقدة (فمنذ صعوده إلى إدارة دفة الحكم، لم يبحث بنكيران وحزبه سوى عن مزيد من توطيد علاقاته الغامضة وغير المبررة مع نظرائه الإيديولوجيين داخل وخارج المغرب، بل إنه لم يعمل سوى على تأزيم الوضع بالبلاد على كافة المستويات بحثا عن ربيع مغربي، ربما..) . وهذا اتهام صريح لحزب العدالة والتنمية بدفع الأوضاع السياسية والاجتماعية إلى مزيد من التأزيم الذي يؤدي حتما إلى الانفجار .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى لا تحرق نار المذهبية مغربنا .
-
ثبان بدوان أقصر من ثبان جيسي ولا إحراج .
-
التفكير زمن التكفير .
-
حروب الردة تدق طبولها في المغرب .
-
المغاربة لسانهم مع الديمقراطية وقلبهم مع قوانين الشريعة .
-
ذكرى 16 ماي وأجواء الشحن الإيديولوجي .
-
فتوى قتل المرتد عنوان الردة الفكرية والثقافية .
-
طالبان بين ظهراني علمائنا فلا تبحثوا عنها هناك .
-
سعيد الكحل - باحث في قضايا الإرهاب والإسلام السياسي- في حوار
...
-
الإسلاميون مفترون.
-
أين المغرب من روح خطاب تاسع مارس ؟
-
سقطت الأنظمة فسقطت الأقنعة .
-
الذكرى الثانية لحركة 20 فبراير : نجاح أم إخفاق ؟
-
الزحف الأصولي وخطر تكميم الأفواه .
-
شاكر بلعيد يفدي تونس بروحه.
-
المغرب ومالي
-
معركة عزل الأئمة وضرورة مساندة وزير الأوقاف.
-
برلمانيون بدون ضمير أخلاقي ولا حس وطني أو إنساني.
-
مواطنو الدرجة الممتازة
-
شكرا لشجاعة الشيخ الفيزازي الابن .
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|