زردشت صابر
الحوار المتمدن-العدد: 1183 - 2005 / 4 / 30 - 09:34
المحور:
القضية الكردية
الحركة الابوجية بين النقد والاتهام
يزداد النقاش حول الحركة الابوجية ,وتختلف المواقف بين مدافع ومهاجم ,لكن الجميع متفق على ضرورة النقد وتلك هي الظاهرة الاكثر صحية من حيث المبدأ ,وانا ارغب ان اكتب في هذا الموضوع مساهما وفق ما املك من امكانات لاغناء الحوار ,اؤكد تقديري لكل من ساهم بالحوار مشيرا الى انني لا اقصد من وراء هذا اشخاصا او اسماء معينة ,وتقييمي يتناول المنطق السياسي لا الأشخاص ,لانها باعتقادي الخطوة التي ستوصل الكرد الى نتيجة ايجابية .
القضية الكردية تعيش منعطفا حياتيا يؤمن لها كل الخيارات ان احسنت قيادة سفينتها الى بر الحرية والامان بانطلاقة على مستوى المسؤولية والحدث ,لكن المسؤولين عن الشأن الكردي مكلفون أولا بوضع النقاط على الكثير من الحروف , بتحليل واقعنا برؤية نقدية جادة لما رسم خلال سنوات نحن مضطرون - لأنها مضت - أن نسميها تاريخا ,لكنه لا يزال حيا في الأذهان سيتاكد ويوثق بتقييم سيكون أرحم بالتاكيد من بعض الاقلام المصابة بداء الانكار - مرض الكرد العضال - رغم افتخارهم بالوفاء ,ربما لان الحقيقة المجتمعية تاريخا وواقعا ظلت تعاني من الضغط حتى اصابت تفكيره بالدوغمائية والبدائية فافتقر الى العلمية والموضوعية .
كثيرة هي القضايا الجديرة بالاهتمام ,لكن تحليلها والموقف منها لا بد ان يكون على مستوى الحدث لتحقيق الارتباط الجدلي بين الشكل والمضمون ,كي يكون قادرا على تحقيق الفعل المؤثر سلبا كان أم ايجابا ,مهما كان اختلاف وجهات النظر ,التي تستند اصلا الى اعتبارات كثيرة ,تحركها اسباب تعبر عن هويتها بوضوح ,حتى ان لم يفصح عنها صاحبها علانية - ولا ضيرفي ذلك - فالاختلافات اصل الغنى الفكري والثقافي ,واختلاف الراي لا يفسد في الود قضية .
الحركة الابوجية ,ودون الدخول في متاهات التسميات الكيدية الفجة ,وبعيدا عن منطق الاتهامات المبتذلة الرخيصة ,والنقد من اجل النقد ,ليس هذا فحسب ,بل بعيدا عن النزعات الانتهازية ,التي تجد ان الفرصة مؤاتية لضرب الحركة لغاية غير شريفة - وهي بذلك تخدع ذاتها - هي احدى أبرز معالم القضية الكردستانية في الفترة المفصلية الحاسمة المتغيرة بشدة , والمتزامنة مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ,فلم تكن هذه المرحلة مجرد تغيرات رقمية أو زمنية فقط ,بل تعدتها لترسم ملامح عصر جديد بسمات جديدة .
فكانت الحركة الابوجية بكل المقاييس ولادة جديدة غير مسبوقة في الحركة الكردية ,تمايزت فلسفيا وايديولوجيا وسياسيا وتنظيميا عن كل ما سبقتها من منظمات كردية ,خاطبت امال الشعب الكردي الوطنية ,واعلنت اهدافها في تحرير الوطن والانسان عبر الحرب الشعبية طويلة الامد ,فكانت حركة تحرر وطنية استندت الى مفاهيم القرن العشرين ومعتقداته ,تبنت مشروع حق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه وانشاء دولته الموحدة الديمقراطية المستقلة ,واتخذت من العنف الثوري بمواجهة العنف الرجعي سبيلا للخلاص من خلال حرب الغريلا ذات الدلالات المختلفة عن مجرد الحرب النظامية ,وعملت طيلة سنوات وبكل الوسائل والادوات لتحقيق اهدافها , بعد ان حددت قواها بشكل منظم , في المجالات السياسية والعسكرية والاعلامية والشعبية ,فانتفض الشعب بعد ان التف حول الحركة , وتحققت مكاسب جادة ,لكنها لم تصل الى تحقيق نصر نهائي مباشر كما درجت عليه عادة ثورات القرن العشرين حتى منتصف السبعينيات ,بدات محاولاتها السياسية الاشد مع بداية التسعينيات وتحولت الى نهج جديد مع اعتقال رئيس الحركة ,فبدات المشاريع تتجدد وتتسارع بحثا عن التغيير المطلوب كمهمة تاخر تنفيذها ,ولم تعد قابلة للتاجيل ,ربما كانت شدة الصدمة مع اعتقال قائدالحركة - لانها تستند في تنظيمها بكل تفرعاته حول شخصية قائدها الكاريزماتية - كافية لقرع اجراس الخطر والتأكيدعلى ان العصر قد تغير فعلا ,وان على الحركة ان تبدا حملة تغيير ,المؤسف أن البعض ممن لم يفهم الحقيقة او لم يرغب في فهمها واراد ان يفهمها كما يرغب ,او ممن كانت لهم غاياتهم الخاصة المحزبة او المسيسة الى هذا الجانب او ذاك ,بدءا بالمنتقمين وصولا الى الانكاريين مرورا بالجهلة واصحاب المواقف غير المفهومة من قبيل " خالف تعرف ",وليست قليلة اعداد من قام بمناورة سريعة وكأن التاريخ ينسى فنسي هو نفسه , وبدا يكيل الاتهامات جزافا دون رادع من ضمير او اخلاق وصل بالبعض منهم الى حد اتهام الشهداء الذين شهد لهم العدو والصديق بالوفاء لقضيتهم بكل ما تمكنوا من ابداع ,ليس هذا فحسب بل ظهر من يريد استغلال صعوبات عملية التحول وتلكؤ الحركة في تحقيقها لاسباب كثيرة ذاتية وموضوعية سناتي على ذكرها في وقتها باسوأ الاشكال ,وهنا ومنعا لاي التباس لا بد من استثناء الاقلام والضمائر الشريفة التي نقدت وتنقد بشدة ,لكن بمسؤولية ووعي لاهداف وغايات نبيلة تظهر واضحة في موضوعيتها رغم عمق وقوة النقد الموجه وحساسية النقاط التي ثثعرض لها ,لانني اعتقد ان حركة بهذا الحجم لا بد ان تنتقد بهذاالعمق .
المرحلة الانتقالية لها دلالاتها العميقة جدا ,فرضت اعادة تعريف كل المصطلحات السياسية والاجتماعية والثقافية بشكل يتلاءم مع حقيقة الثورة العلمية التقنية وما افرزتها مما نسميه بالعولمة التي تختلف جوهريا عما ساد اغلب القرن العشرين ,الذي سمي على حق بعصر الثورات البروليتارية وحركات التحرر الوطنية .
لا يمكن فصل الحدث او الظاهرة عن الزمان والمكان لانهما يشكلان الظرفان الموضوعيان اللذان يلعبان دورا حاسما في ولادة الحدث وتحديد هويته ورسم ابعاده ,فعلاقة الحدث بالتاريخ والجغرافية امر لا ترقى الشكوك اليه ولسنا بصدد الاسهاب فيه الا من حيث الاشارة الى ضرورة تقييم الحركة والنظر اليها عبر هذه الاعتبارات والا سنقع في اخطاء تبعدنا عن الموضوعية وتدفعنا نحو الذاتية المفتقرة الى بعد النظر والاختناق في دائرة من النقاش البيزنطي او السفسطائي الذي لا يخدم القضية ,بما فيه النقد الذي لا يستند الى بعد نظري فلسفي ويظل يدور في حلقة من التقييمات والمواقف النابعة من رد فعل غير مبرر بمقايسه وجرعاته , فتتحول في كثير من الاحيان الى شتائم واتهامات نابعة اصلا من مواقف عمياء حاقدة انتقامية انتهازية , تعبر عن شخصية الكردي القديم الضعيف الجاهل ,وليست شخصية الكردي المعاصر الديمقراطي المثقف الحر .
بالنقد وحده لا يمكن الانتاج ومن يمارس النقد وحده لا يبدع ابدا بل يظل في دائرة الاهتمام بابداعات الاخرين سلبا او ايجابا ,واذا كان النقد من حق الانسان في تقييم الامور فلا يمكن ان يتحول هذا الحق الى مهمة اتهامية دائمة , فيتحول من يتبناها الى انسان مريض عاجز عن الخلق والابداع ,يفقد مع الزمن حقه في النقد ايضا ,او يتحول الى شيء اخر غير الناقد وبمسميات مختلفة افضلها ربما الثرثرة واللامسؤولية ,والانكار .
النقد لا بد ان يحترم المنظومة القيمية الكونية في عصر الديمقراطيات , ارتباطا باخلاقيات العمل المجتمعي باعتباره حدثا يطال المجتمع مباشرة بهذا الشكل او ذاك ,فهو حق للجميع لكن بالاليات والديناميكيات والاساليب التي تحترم جوهر عملية النقد , بعيدا عن رضى هذا الطرف اوذاك ,أي ان تلتزم بمقاييس اخلاقية عامة ,تخدم اهدافا تطورية تتهرب من الدخول في متاهات ذاتية تتحكم فيها اصولية فكرية سياسية او ايديولوجية معينة , تستند الى عقل وفكر ايماني يعتمد اليقينيات التي يؤمن بها فيغدو اسيرا لرغبات سياسية تتحول الى مجرد غرائز لا علاقة لها بالارادة الحرة التي تحولت الى شعار العصر .
فالاصح ان نسمح للعقل والفكر انطلاقته غير المحدودة الا بالقيم الكونية المتمثلة بالحرية والمساواة والعدالة .....الخ .
اجل ... الحركة الابوجية تحتاج للتحليل الجاد والمفصل والدقيق ,لكن العلمي الموضوعي ,لايتجاهل الزمان والمكان والبنية الاجتماعية ,ويربط بين السبب والنتيجة ,لانها ظاهرة ولدت ونمت وتطورت وخلقت تطورات كبيرة اثرت على المنطقة وكردستان بكل اجزائها ,كانت حدثا هادرا اشبه بسيل جارف حطم كل المعوقات ,بدات دون ان تستند لارث عائلي او قبلي ووصلت الى ما وصلت اليه ,عبر تبني مواقف متميزة ومختلفة عن كل فصائل الحركة الكردية التي سبقتها ,وبتضحيات وممارسات عملية شهد لها الجميع حتى بعض متهميها اليوم ,ليس هذا فحسب بل تحولت الى حركة جماهيرية شعبية خلقت تغيرات بنيوية في المجتمع الكردستاني بدءا من الفكر وانتهاء بالحياة الاجتماعية التي طرح تصورها بشكل خاص ,وهي في هذا الاطار تمثل حركة تنويرية من نوع خاص ,ولم يتوقف الامر عند هذا الحد لتعلن تغيير استراتيجيتها ونهجها الايديولوجي انسجاما مع متطلبات العصر الذي سمته بعصر اعلان الديمقراطية لانتصارها النهائي ,فقامت بسلسلة من التحولات بدات مع تغييرحزب العمال الكردستاني الى مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردستاني ,ثم مؤتمر الشعب الكردستاني ليعيد بناء الحزب من جديد و يعلن هدفه في طرحه لمشروع الكونفيدرالية الديمقراطية .حركة بهذا الحجم تملك الاف الكوادر المقاتلة وحجما هائلا من المؤسسات الديمقراطية السياسية والاجتماعية والثقافية والاعلامية ,طورتها عبر حرب ضروس غير متوازنة الى حد كبير استمرت خمسة عشر عاما ,حققت تحولات مجتمعية شاملة طالت كل اجزاء كردستان وان بمستويات مختلفة يجب ان نتناولها بجدية كبيرة ,نتوقف عند النجاحات والاخفاقات ,السلبيات والايجابيات بمسؤولية ,وبشكل ينسجم فعلا مع قوة انتشار الحركة وسعة تاثيرها ,لا بد ان الاخطاء ستكون متناسبة مع حجم الحركة ,وان على الجميع ان ينقدها لتحقيق التغيير الذي تصر الحركة انها ماضية فيه رغم المخاضات الاليمة ,لكن بالتاكيد فالافضل ان نقيم الحدث بكل جوانبه توخيا للموضوعية والعلمية ,وان نعرج قليلا على ما قدمته الحركة من نقد ذاتي لقائد الحركة ومؤوسسها شخصيا مع تجاوز الاحكام المسبقة ,لانني واثق فعلا ان الكثيرين من النقاد وليس جميعهم لم يكلفوا نفسهم عناء ذلك , فغدا نقدهم فارغا من مضمونه لانه يشكل تكرارا باهتا ومتخلفا عن مستوى النقد الذاتي للحركة .
لا تهم النوايا قدر الحقائق ,علينا ان نفهم هذه الحركة جيدا سواء اردنا التعاطف معها او رغبنا في معاداتها ,فليس لاحد ان يتصور ان كل هذا النضال خلال عشرات السنوات ودماء الاف الشهداء مع اربعة الاف قرية مدمرة محروقة وملايين المتعاطفين حتى باعتراف الاعداء والاصدقاء وعشرات المؤسسات المتنوعة الاهداف يمكن تقييمها بغرائز عدائية انتقامية حاقدة ,او بسطحية فجة لا تخدم اية غاية شريفة .لهذا اؤكد ان النقد الذاتي للحركة اكبر من كل النقد الذي وجه لها , واكثر جدية ومسؤولية منه , ويتناول القضايا الجوهرية والاخطاء المرتكبة من منابعها الاصلية او من جذورها , وهنا لا بد من الاشارة الى انه هناك اخطاء فظيعة في فهم الظواهر السليمة والخاطئة على حد سواء في الحركة ,ربما تنبع من قلة الاهتمام الجاد وضعف الجدية العلمية في تناول الحدث ,او من المقارنات غير الصحيحة مع أحزاب أخرى - مع احترامي لكل الاحزاب السياسية - لا يتحمل حجم قواها مثل هذه المقارنة عمليا ونظريا بالضافة لاسباب أخرى .
الحركة تعيد تقييم ذاتها استنادا الى معطيات مختلفة تتجاوز الماركسية اللينينية التي امنت بها نهجا ايديولوجيا في بداية انطلاقتها ,بدءا من الفلسفة مرورا بالايديولوجيا وانتهاء بالعمل السياسي والتنظيمي ,وصارت تتبنى مفاهيم الثورة والدولة والعنف والسلطة والحزب والقومية والوطنية والمواطنة والمراة والبيئة وحقوق الانسان بعقلية وذهنية مختلفة تماما ,انسجاما مع الثورة العلمية التقنية وما افرزتها من مستجدات ,لدرجة باتت تعيد النظر بموقع ومكانة الانسان في الكون واصول علاقاته مع الطبيعة باستهداف بناء مجتمع ديمقراطي ايكولوجي .
ساحاول من جانبي التطرق الى هذه التجربة بشيء من العمق والجدية وفق ما تسمح به امكاناتي ,لكنني قبل كل شيء اقول لا بد من التذكير بان الحركة بالرغم من كل مؤسساتها الاعلاميه قد فشلت في ايصال افكارها التغييرية ومواقفها الاخيرة الى الراي العام القارئ بالعربية والكردية كموضوع مفتوح للتقييم من اوجه عدة ,وهو ما كان ليحصل لو ابدي الاهتمام الكافي عبر صياغة الخطط المناسبة وتطبيقها عمليا .
بقي ان اؤكد من جديد احترامي لكل الاراء الناقدة على انها خطوة في الطريق الصحيح نحو البناء الجديد العصري الذي يخدم قضية شعبنا ,لاؤكد ان التقييم الموضوعي البناء ممكن فقط اذا حللنا الظواهر بمنطق جدلي علمي على اساس الربط بين السبب والنتيجة في الاطار الزماني والمكاني الخاص بالحدث نفسه ,فتقييم الاحداث التي ظهرت في انطلاقة الحركة من منظورنا اليوم وتجاهلا لخصائص تلك المرحلة والاوضاع السائدة انذاك ,سيفقد التحليل موضوعيته وجدواه وعلميته .
لا بد ان نحدد فلسفة التاريخ التي نؤمن بها لانها تخلق قراءات مختلفة لنفس الاحداث ,تتراوح بين اللامبالاة او انكار التاريخ وحقيقته ,مرورا بالمواقف المثالية القدرية التي تؤكد ان التاريخ كله كان مكتوبا منذ امد في لوح محفوظ مثلما هو المستقبل الذي سيكون يوما ما تاريخا ,والنظرة المادية الفظة التي حددت مفاعيل التاريخ بشكل لا ينسجم مع الحقيقة الانسانية ,وصولا الى المنطق العلمي المعاصر الذي يستند الى دراسة التاريخ بكل ابعاده العلمية وفق معطيات الثورة العلمية التقنية للوصول الى حقيقته المجتمعية الشاملة ,لنتمكن ان نتحول دائما الى طرح مضاد واكثر تطورا للطرح الموجود لتثمر عملية الصراع الموجه بينهما تركيبة جديدة تتناسب مع اهدافنا في الحرية وفق الثلاثية الجدلية الهيغلية المعروفة .
حركة مثل الحركة الابوجية بكل ابعادها ومعطياتها وصراعاتها ,وفي زمن يعتبر مرحلة انتقالية للعالم كله وفي جغرافية مثل كردستان في بيئة اجتماعية عانت من كل انواع التسلط والتحريف لا بد انها عانت في مسيرتها اخطاء جدية اوصلتها لهذا الوضع ,والا فلا يمكن لاحد ان يبرر الوضع الراهن بعدة عوامل خارجية فقط ,حتى اذا نظرنا الى ادبيات الحركة وخصوصا مرافعات قائد الحركة أوجلان ,يمكننا ان نعثر على الكثير الحاسم منها ,والمتتبع الجاد يمكنه ان يفهم كل الحقائق ,بعيدا عن الانكار من جهة والتزمت والغرور والرفض من جهة اخرى ,وليس سرا او تهجما ان قلنا ان الحركة منذ بداياتها قد عانت على مستويات عدة ,وما كان لها الا ان تتاثر بالواقع مهما ادعت في البداية انها خارج دائرة التاثر ,منطق ثورات التحرر الوطني الكلاسيكية الداعي تحديدا الى بناء الدولة كمنطق يوازي حق نقرير المصير ,مفهوم الدولة والحزب ودورهما في عملية البناء الديمقراطي والاشتراكية ,دور العنف الذي تم تقديسه على اساس مقولة ماركس ان العنف مولدة المجتمع الجديد ليظهر فيما بعد انه مضخم اكثر من اللازم ,اذا اردنا ان نجمل فقد عانت فلسفيا من المادية الفظة ,لينعكس بشكل الدوغمائية في الاطار الايديولوجي ,وتظهر بالتالي ممارسة عملية قاصرة نابعة من البيئة الاجتماعية التي استند اليها الحزب وهي الجماهير الكردستانية غير القادرة او غير المهياة بشكل عام لتمثيل حركة بروليتارية ثورية علمية ,وخصوصا الاوساط القروية ,كل هذا مع شدة الهجمات والضغط الخارجي الهائل ادى لان تخرج القاطرة عن مسارها كثيرا ,فظهرت بشكل انحرافات واتجاهات معينة ارادت بعضها تصفية الحركة سواء بشكل ذاتي او موضوعي ,وأدت الى تخريبات داخلية وخارجية ادت في النهاية الى اعتقال قائد الحركة بمؤامرة من العيار الثقيل .
تطبيق قرار التحول والتغيير الديمقراطي تعرض لمصاعب كبيرة ,فليس سهلا ان تعود الى الوعي بعد ضربة كبيرة كاعتقال قائد الحركة ,الذي يشكل خسارة هائلة لأن الحركة بنت نظامها خلال كل تاريخها حول شخصية مركزية واحدة هي قائدها كنتاج لمفاهيم الحزب والدولة والسلطة التقليدية ,وبذلك اصيبت في الصميم على كل المستويات بدءا من الايديولوجيا وانتهاء بالممارسة العملية اليومية ,كل هذه الامور تحتاج الى شرح مسهب لان اطروحات الحركة الحديثة اكبر من ان تتهم جزافا او يجري الحديث عنها بسطحية .
اضطر لان اكرر أنه لا بد من معرفة الحركة من مصادرها الاصلية وبشكل جيد مهما كان موقع الشخص او الكاتب او المهتم ,متعاطفا معها أم معارضا لها ,وهنا يكمن بيت القصيد اليس من المنطق الوطني والانساني ان نشارك الحركة وندعمها في محاولاتها التغييرية ,ام ان مهمتنا تكمن في انكار تاريخها وانجازاتها .
من الغبن ان نقارن بين الحركة الابوجية واي من الاحزاب الكردية الاخرى ,لان ذلك سيكون تجنيا على التاريخ نفسه ,رغم كل اخطائها ورغم كل الضائقة التي تعيشها ,وربما مثالا واحدا من تاريخ الكرد قد يوضح كل الامور ,بعد نكسة اذار في الجنوب الكبير تبعثرت قوة الحركة في هذا الجزء خلال سنوات قليلة ,ودخل في حرب ابادة ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران بأوامر مباشرة من ايران ,لكن الحركة الابوجية لا تزال رغم كل شيء تحتفظ بجل قوتها العسكرية والجماهيرية على الكثير من جبهات النضال العسكري والسياسي ,فاين نحن من المقارنات الخاطئة ل " غاية في نفس يعقوب" .
هل هو نقد ما يقوم به البعض - أقول البعض لانني استثني البعض الاخر - ممن يعرف انه لا ينقد بل يشتم ,ام اتهامات لاسباب كثيرة ,للحركة فيها نصيب كبير ,ويبقى الحل تحقيق النجاح ,لان السياسة في النهاية تتحدث بلغة النتائج لا المحاولات والنوايا.
الحركة الابوجية جزء حي من تاريخ الشعب الكرستاني ,لا يمكن انكار دورها الكبير في كل الاحداث المتعلقة بشعبنا في كل الاجزاء في الربع قرن الاخير ,لشعبنا كله حق نقدها لانها تعنيه ,لكن له ان يفتخر لان صانعيها هم ابناء هذا الوطن , صنعواالبطولات رغم الجراح .
لأختم بقول الكاتب الكبير امين معلوف ما معناه " هل نحن مجبرون على النظر الى الامور بعيون طرفي الصراع .....اليس تبني الموقف الثالث المعتدل يوفر امكانيات اكبر للوصول الى الحل ,اليس التقييم الموضوعي افضل لطرح الحلول "
#زردشت_صابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟