لقد مرت الانتخابات
التشريعية في جو توقعته اللجنة الوطنية للنهج الديمقراطي في بيانها الصادر
يوم 04 شتنبر 2002 وأكدته كتابته الوطنية في ندوتها الصحفية. وقد
تميزت الحملة الانتخابية بحضور متميز وفاعل لمناضلي النهج الديمقراطي بهدف طرح
برنامج التنظيم وتفسير الدوافع التي أملت عليه مقاطعة
الانتخابات.
فمن بين 14 مليون من
المسجلين في اللوائح لم يتوجه لصناديق الاقتراع يوم 27 شتنبر إلا 7 ملايين و156 ألف
ناخب 51,61) % ) حسب الإحصائيات التي أعلنتها وزارة الداخلية. كما أن عدد
الأصوات الملغاة يفوق 1 مليون و114 ألف صوت (15,5%)، وهذا يعني أن عدد الأصوات
المعبر عنها لصالح اللوائح المتبارية لا يتجاوز 43,59 % من
الكتلة الناخبة.
إن الشبكة
المعلوماتية لمركز وزارة الداخلية المخصص للانتخابات والذي صرفت عليه ملايين
الدراهم غيب التفاصيل التي يمكن للمواطن الاستشهاد بها فيما يتعلق بنسب المشاركة
حسب الدوائر الانتخابية وبعدد الأصوات التي حصلت عليها اللوائح المتبارية. وتبقى
بذلك وزارة الداخلية على عادتها محتكرة للتفاصيل الكاملة كي تستعملها في التنبؤ وفي
ضبط الخريطة السياسية في المحطات المقبلة.
ومن خلال الإحصائيات
الرسمية المتوفرة يمكن ابداء الملاحظات التالية:
1 – رهان
المشاركة
إن نسبة الأصوات المعبر عنها تقل عن 44 % من
الكتلة الناخبة الرسمية، وهذا في حد ذاته كاف للإعلان بأن مجلس النواب
الحالي لا يحق له أن يشرع باسم الشعب المغربي وكل قراراته تعتبر لا شرعية
ومرفوضة.
إن عدد الأصوات الملغاة في الانتخابات الحالية
يقارب عدد الأصوات الملغاة في انتخابات 1997 والتي تصل فيها الكتلة الناخبة إلى ما
يقارب 11 مليون، الشيء الذي يوضح أن نمط الاقتراع لا علاقة له بالعدد الهائل
من الأوراق الملغاة لأن انتخابات 1997 كانت لا تحتاج لاستعمال القلم
بهدف وضع علامة على رمز في ورقة فريدة، ورغم ذلك فإن أكثر من 15 % من
الأوراق كانت ملغاة في تلك المحطة. كما أن الفرق الضئيل بين مجموع الأصوات المعبر
عنها لصالح اللوائح المحلية والأصوات المعبر عنها لصالح اللوائح الوطنية يفند
الادعاء بأن العدد الهائل للأوراق الملغاة ناتج عن جهل الناخبين أو
أميتهم.
إن عدم التوجه لصناديق الاقتراع موقف اتخذ عن وعي
سياسي لدى المواطن في غالب الأحيان، فخلال حملة المقاطعة التي قام بها النهج
الديمقراطي فوجئ المناضلون بالإقبال الحماسي لمختلف فئات المواطنات
والمواطنين على الترحيب بمضمون البيانات التي تدعو للمقاطعة.
لهذا فإن النظام السياسي الحاكم وحكومته في التناوب المخزني
فشل بكيفية مفاجئة وفظيعة في تحقيق المشاركة المكثفة للجماهير الشعبية في
اللعبة الانتخابية. إن الهدف الأساسي من هذه اللعبة هو تكريس مقولات العهد
الجديد والانتقال الديمقراطي المزعومين وعزل القوى الاشتراكية والديمقراطية الجذرية
والحركات الاجتماعية والثقافية المناضلة التي لا تزال رافضة لولوج معترك
اللعبة المخزنية واعتبارها خارجة عن "الإجماع الشعبي". كما أن عدم المشاركة يوضح
بالمقابل أن الجماهير الكادحة سئمت من الوعود التي لا تنعكس على تحسين ظروفها
الاجتماعية ولم تبالي بالوصفات الاشهارية التي تتوخى تلميع الوجه البشع لوزارة
الداخلية التي أفسدت الحياة السياسية على المواطن
المغربي.
ويتضح كذلك أن قرار المشاركة في لعبة
ديمقراطية الواجهة من طرف فئة من النخبة السياسية اليسارية لم يضاهيه سوى
ارتفاع نسبة المقاطعين ب 6 في المائة مقارنة مع سنة 1997 ، وهذا في حد ذاته
يكفي لزعزعة عقول المناضلين الحقيقيين كي يعلنوا الطلاق مع المهرولين وراء سراب
المقاعد المخزنية .
2 – رهان
النزاهة
إن جميع الأحزاب المشاركة أقرت بنزاهة الانتخابات
وقدمت الشكر لوزارة الداخلية عن العمل الجبار الذي قامت به في تحصين اللعبة من
التزوير. ويبقى بذلك، مع الأسف، إعلان المؤتمر الاتحادي عن انسحابه من البرلمان
كزوبعة في فنجان، خاصة وأن البرلماني المعني بالانسحاب رفض التخلي عن كرسيه بشارع
محمد الخامس.
إن الادعاءات التي تروجها بعض الكتابات، التي تجهر بما
تهمس به الأجهزة الأمنية، حول عدول أو إرغام التيار الإسلامي عن الترشيح في
عدد من الدوائر لكي لا يكتسح مجلس النواب تدخل في إطار الترويج لهذا الحزب الذي
يعتبر السند الإيديولوجي المعتمد عليه من طرف الاتجاه الرجعي المتشدد داخل
التكتل الطبقي السائد. فحسب علمنا لم يدعو الحزب المذكور لمقاطعة الانتخابات في
الدوائر التي لم يتقدم فيها بمرشحين، كما أن مناضليه والمتعاطين مع الحركة
الاسلامية عامة في تلك الدوائر صوتوا لصالح العدالة والتنمية في
اللائحة الوطنية. وبما أن الفرق بين مجموع الاصوات المعبر عنها في اللوائح
المحلية(5936000) وعدد الاصوات المعبر عنها لصالح اللائحة الوطنية(6050679)
متقاربين جدا ( الفرق يقل عن 18 من كل 1000 صوت معبر عنه)، نستنتج أن حزب
العدالة والتنمية اتبع بمحض إرادته وخدمة لمشروعه خطة الترشيح في الدوائر التي تأكد
أنه سيحصل فيها على المقاعد .
إن رهان الإقرار والقبول بنزاهة
الانتخابات من طرف الاحزاب المشاركة قد نجح فيه النظام إلى حد ما، هذا ما
ساعده على الترويج بسهولة لديمقراطية الواجهة في وسائل الإعلام الدولية، ولقد سبق
للنهج الديمقراطي أن نبه إلى هذه الحصيلة بحيث أن خريطة البرلمان حددت من قبل
بواسطة الانتخاب باللائحة والتقطيع الانتخابي.
3 – حصيلة الأحزاب
المشاركة
كما سبق أن ذكرنا سنكتفي بدراسة حصيلة حزب الاتحاد
الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب العدالة والتنمية باعتبارهما توجهان أساسيان
يمكن أن يتفاعلا من الناحية الإيديولوجية مع التكتل الطبقي
الحاكم.
3- 1 – الاتحاد
الاشتراكي للقوات الشعبية : نكسة للقوى الديمقراطية واليسارية
ينحدر
هذا الحزب من الحركة الوطنية التي ناضلت من أجل الاستقلال ومن أجل مجتمع للمواطنين
بدلا من قطيع من الرعايا. ولقد عانى هذا الحزب شأنه في ذلك شأن قوى اليسار الماركسي
والقوى التحررية بالمغرب من قمع النظام المخزني: عدد لا يستهان به من الاغتيالات
وعقود من الاعتقال والاختطاف في الدهاليز السرية للنظام. ولقد عمل الحكم طوال
أربعين سنة على إنفاق ميزانية الدولة وأموال الشعب لمحاصرة المواطنين من قوى اليسار
والحلول دون التعبير عن تطلعاتهم وفبركة الأحزاب اعتمادا على النعرة القبلية
أو النزعة الدينية، وكذلك استدراج بعض القيادات الحزبية للحركة الوطنية ودفعها إلى
تأسيس أحزاب إدارية، كما عمل النظام على الزج في المعتقلات السرية بكل مناضل يساهم
في محو الأمية أو في توعية المواطنين بحقوقهم.
وبالرغم من
الاستبداد المخزني لم يستطع النظام أن يقضي على قواعد ومناضلي اليسار. فبعد
الانقلابين العسكريين اللذين عبرا عن تفجير التناقضات داخل التكتل الطبقي الحاكم،
استطاع المخزن أن يستدرج إلى جانبه جزء من اليسار: الاتحاد الاشتراكي والتقدم
والاشتراكية، لكي ينفرد باليسار الماركسي- اللينيني للقضاء عليه. ولكي تنجح
هذه الخطة الجهنمية وعد الأحزاب الوطنية بالشروع في مسلسل ديمقراطي وبناء مغرب
جديد، كما اعتمد على الفئات اليمينية المتنفذة داخلها ملوحا لها بديمقراطية
الواجهة. هذه الديمقراطية المزيفة التي تعتمد على الهيئات المنتخبة المحلية
(الجماعات) والوطنية(البرلمان) الفاقدة لأية سلطة فعلية، غير أنها تساهم في اندماج
النخب بالتكتل الطبقي السائد. ولقد مكنت ديمقراطية الواجهة التي ينهجها
النظام منذ سنة 1975 من افرازات مصلحية مهمة داخل الاتحاد الاشتراكي أدت في
نهاية المطاف إلى مصادقة الحزب على الدستور الممنوح لسنة 1996 وبعدها القبول بقيادة
حكومة أفرزتها انتخابات مزورة.
إن قبول الاتحاد الاشتراكي برئاسة
الحكومة اعتبره النهج الديمقراطي في أوانه بمثابة تخلي الحزب عن طموحات الشعب
المغربي في التغيير الديمقراطي. علما بأن هذا الحزب كان يعبر سياسيا عن مصلحة
الطبقة الوسطى.
إن مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب
المخزني التي عملت على الترجمة الوفية لاستراتيجية التكتل الطبقي الحاكم في المجال
الاقتصادي والاجتماعي تعد ضربة لمشروع اليسار وتخليا عن مصالح الطبقات الوسطى مما
ساهم في تمدد التيار الاسلاموي الذي يتلخص برنامجه في ثنائيات الحجاب/التبرج،
الإيمان/ الإلحاد، إمارة المؤمنين / فصل السلط... كما أن حزب الاتحاد الاشتراكي خرج
ضعيفا من تجربة التناوب المخزني حيث عرف تصدعات عميقة أدت إلى انقسامات انعكست
بكيفية خطيرة على هذا الحزب وعلى الكنفيدرالية الديمقراطية للشغل أحد أكبر
المركزيات النقابية المناضلة بالمغرب .
إن عدد المقاعد التي
حصل عليها الاتحاد الاشتراكي في هذه الانتخابات التي يعتبرها شفافة أقل من
عدد المقاعد التي حصل عليها في انتخابات 1997 التي كان يعتبرها مزورة . إن نسبة
الأصوات 6,16 % من مجموع الكتلة الناخبة التي حصل عليها الحزبين بالدار
البيضاء الكبرى يعتبر تصويتا عقابيا للحزب بالنظر إلى نضالاتها
الجماهيرية(انتفاضات واضرابات واحتجاجات ...).
3- 2 – العدالة والتنمية: الواجهة
البرلمانية للحركة الاسلامية المغربية
إن تاريخ هذا الحزب
اتبع مسارا مناقضا لمسار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية واليسار المغربي. فهو لا
ينحدر من الحركة الوطنية ولم يقدم شهداء من أجل الديمقراطية ولم يعرف مناضلوه
وأطره دهاليز التعذيب. فهذا الحزب لم يحاصر كما هو شأن أحزاب اليسار بل على
العكس من ذلك، وفرت له الوسائل المادية للاستقطاب عن طريق توزيع الصدقات على بعض
الكادحين والفقراء من أبناء الشعب الذين همشتهم السياسة الاقتصادية والاجتماعية
المخزنية. كما وفرت لهم الوسائل اللوجيستية عبر استغلال المساجد والمشاعر الدينية
للمواطنين لترويج أفكارهم المنسجمة مع استراتيجية النظام والإمبريالية العالمية،
والمتجلية في محاصرة المد التحرري المناهض للاستغلال والاستعباد في العالم
العربي. هذا العالم الغني بثرواثه الطبيعية وبرصيدالثقافي والعلمي القابل لمنافسة
العالم الغربي في حالة استيعاب شعوبه أسس الحداثة التي ساهم في وضعها كل من ابن رشد
وابن خلدون ... واستثمرتها أوروبا منذ القرن الخامس عشر
الميلادي.
إن بعض المثقفين المغاربة، الذين لا يفعلون في الأحداث
ولا يتنبئون بالحوادث، بل يعملون فقط على روايتها، تناسوا، نظرا لطبيعتهم
الطبقية (طبقة وسطية متذبذبة تميل للجهة الغالبة)، سنوات الرصاص التي عانى
منها اليسار وأخذوا ينظرون لما يسمونه بالنخبة السياسية اليسارية والحركة الاسلامية
الجماهيرية ، كأن التجذر أو عدم التجذر وسط الجماهير الكادحة مسألة ميكانيكية
وإرادوية ولا علاقة لها بالمناخ السياسي المحلي والدولي المتوفر لهذا الطرف
أو ذاك، كما يجهلون أنه لا معنى ولا إفادة من التجذر إذا لم يكن المراد منه توعية
الجماهير بالدفاع عن مصالحها الاجتماعية.
فهل الهدف من
التجذر هو الدفاع عن وزارات السيادة؟.
إن نسبة
10,86 % من الكتلة الناخبة التي حصلت عليها العدالة والتنمية بالدار البيضاء الكبرى
هي بمثابة تصويت عقابي للاتحاد الاشتراكي الذي تخلى عن التخندق بجانب
الجماهير الكادحة التي تعاني من التسريحات الجماعية والإغلاق
اللاقانوني للوحدات الصناعية بهذه المدينة المناضلة.
4 - رهان
الحكومة
إن الرهان بالنسبة للنظام هو تكوين حكومة من تكتلات
برلمانية قوية لكن متوازنة كي لا تزعزعها التصدعات فيما بينها
وتعرقل بذلك عمل الحكومة في تنفيذ البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي
المخزني. ويبقى هذا الرهان صعب المنال لأن حصيلته ستنعكس على الظروف
التي ستمر فيها الانتخابات الجماعية. إن الانتخابات الجماعية بالنسبة للنظام
وبالنسبة للأحزاب تكتسي أهمية بالغة على المستوى السياسي. نظرا لانتشار الجماعات
المحلية على مجموع التراب الوطني وقربها من المواطن، فإن الانتخابات الجماعية تمثل
نوعا من اللا تمركز الشكلي للسلطة يجعل المنتخب قريبا من السكان ويتوفر بذلك على
سلطة معنوية ووسائل للتواصل مع المواطنين .
إن تأجيل الانتخابات
الجماعية لمدة سنتين لا يطرح مشكلا سياسيا وربما سيكون من المفيد امتحان الحكومة
المقبلة في تدبير الشأن العام قبل دعوة المواطنين للإدلاء بأصواتهم من جديد ، خاصة
عندما يتعلق الأمر بحزب ضاعف عدد أعضائه ثلاث مرات في مجلس النواب ولم يسبق له أن
امتحن في المجال الحكومي.
إن مشاركة حزب العدالة والتنمية في
الحكومة بمثابة امتحان عسير له، ذلك أن اللذين صوتوا لصالحه من الجماهير
الكادحة ينتظرون منه حل مشاكلهم الكبرى العالقة، التي أخفق الاتحاد الاشتراكي
في إيجاد الحلول لها، كالتشغيل ومحو الأمية والدفاع عن مجانية التعليم والرقي
بالمدرسة العمومية والرفع من الأجور واستقرار العمل وإقرار مدونة للشغل تناهض
الهشاشة ومرونة الأجور والتسريحات الجماعية. فكيف يمكن لهذا الحزب أن يحقق هذا
البرنامج؟
لقد بينت التجربة السابقة أن فريق حزب
العدالة والتنمية في البرلمان لم يعارض أي قرار ليبرالي متوحش سواء تعلق الأمر
بخوصصة القطاعات الاجتماعية (الماء، الطاقة، التطهير...) أو تفويت القطاعات
الاستراتيجية (الاراضي الفلاحية الخصبة ، اتصالات المغرب ...). كما أننا لم نسمع عن
هذا الحزب أنه أقام القيامة حول اختلاس المال العام أو حول معاقبة الجرائم
الاقتصادية والسياسية أو حول الدين الخارجي الذي يؤديه الشعب المغربي أضعافا
مضاعفة.
ففي بداية الولاية التشريعية السابقة عندما طرحت
الحكومة مشروع القروض الصغرى دافع حزب العدالة والتنمية عن السماح لما يسمى
بالابناك الإسلامية للدخول إلى المغرب لتسليم قروض بدون فائدة( !) في الوقت الذي
يعرف فيه الجميع أن الأموال المكدسة (ما يقارب 200 مليار دولار أمريكي) في
هذه البنوك المستوطنة في أوروبا وأمريكا وكذلك في "الجنات الجبائية" ليست
حصيلة تبادلات تجارية لمواد صناعية أو أرباح ناتجة عن اختراعات
تكنولوجية بالعالم العربي بل هي أموال ناتجة عن اختلاس واردات
الموارد الطبيعية من بترول وغاز بدول الخليج ومهربة للخارج من طرف مافيا
البترودولار.
وبعد الإقالة المفاجئة لإدريس البصري ، والخوف
الذي انتشر وسط الفئات المحافظة داخل التكتل الطبقي الحاكم (خاصة البرجوازية
الإدارية المختلسة للمال العام) من الانفتاح الديمقراطي المفترض، دفعت هذه الفئات
بوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى الواجهة السياسية بهدف توقيف مسلسل
الإقالات في الجهاز الأمني خاصة، عبر مهاجمة خطة إدماج المرأة في
التنمية لإحباط تطلعات الشعب نحو الديمقراطية والمساواة. فمن خلال تنظيم مسيرة
الدار البيضاء بمشاركة حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان إلى جانب كل من
الاتحاد الدستوري والحركات الشعبية، عملت المافيا المخزنية المخططة لهذا التجمهر
على توفير اللوجيستيك من وسائل التنقل والمعدات لإلتقاط الصور بالطائرات وتوزيعها
على وسائل الإعلام الدولي بهدف توقيف المد الديمقراطي والترويج لسلعة "الخطر
الإسلامي" مما يحافظ على الاستبداد بالحكم وتكريس للخيار الأمني.
و بعد هذه النازلة لم يسمع حس لفريق حزب العدالة والتنمية
داخل البرلمان إلا مع اقتراب نهاية الولاية التشريعية عندما خلق ضوضاء
حول لباس صحفية بقبة البرلمان عملت وسائل الإعلام الرسمية على نقلها مباشرة
للمشاهدين.
كيف يمكن لهذا الحزب الذي تمرن وتمرس على
التعامل مع القوى الرجعية وكيف يمكن لأطره المهتمة بالتفاهات مواجهة التحديات
الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تواجهها البلاد والتطلعات التي
ينتظرها المغاربة ؟
أما فيما يتعلق بالاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية الذي تحول إلى سند إيديولوجي للفئات المسماة بالمتنورة داخل التكتل
الطبقي الحاكم، فالملاحظ أن عدم تعيين الوزير الأول في صفوفه هو بمثابة صدرية
للإسعاف يجب عليه أن يلتقطها إن كان ما يزال يعتبر نفسه من القوى الاجتماعية-
الديمقراطية. فهذا الحزب سيعيش مخاضا جديدا بين التوجه الذي يطمح إلى الاستفادة من
مقاليد السلطة كيفما كانت أطرافها(كما هو الحال بالنسبة للتقدم والاشتراكية
والاشتراكي الديمقراطي) والتوجه الذي مازال يتمسك ببعض المبادئ والذي ربما لا يرضى
عن كل ما حصل للحزب. إن مصلحة هذا الحزب هو عدم المشاركة في الحكومة المقبلة للحفاظ
على الحد الأدنى من الرمزية النضالية التي لا زالت عالقة في أدهان المواطنين.
غير أن عدم المشاركة لن تكون مفيدة إذا اكتفى فريق الاتحاد
الاشتراكي بما يسمى بالمعارضة النقدية لحكومة رجعية. لكن كيف سينتقل الاتحاد
الاشتراكي من حزب حكومي ساهم في تمرير عدة قوانين تراجعية وبارك منع الصحف واعتقال
النشطاء الحقوقيين وسكت عن التسريح اللاقانوني للعديد من العمال والتنكيل بالمعطلين
في جميع أنحاء المغرب ، إلى حزب فاعل في المعارضة؟
ويبقى الأساسي هو
الدور الذي ستلعبه القوى الاشتراكية والقوى الديمقراطية الجذرية في هذه المرحلة
الدقيقة التي تتطلب النضال الميداني والجماهيري من أجل إقرار الديمقراطية الحقيقية
بوضع حد للاستبداد المخزني وذلك بتفكيك المافيا المخزنية المتورطة في الجرائم
الاقتصادية والسياسية ووضع حد للحكم الفردي بوضع دستور ديمقراطي منبثق من الشعب
صياغة ومضمونا وتصديقا. كما يجب في هذه المرحلة بالذات مواجهة الايديولوجية
الرجعية التي تتغير تلاوينها بتغير المراحل التاريخية التي يمر منها المغرب،
ومناهضة الليبرالية المتوحشة بالدعوة إلى تأميم المرافق الاجتماعية التي لها علاقة
مباشرة بالمواطنين والقطاعات الاستراتيجية الأساسية بالنسبة للاقتصاد الوطني
والمطالبة بالاصلاح الزراعي وذلك بإعادة توزيع الأراضي وموارد المياه على الفلاحين
الفقراء والكادحين النازحين من القرى إلى المدن ووضع مدونه للشغل ديمقراطية وعصرية
تحافظ على مكتسبات الطبقة العاملة وتعزز كرامتها كمنتج للثروة الوطنية. وكذلك
المطالبة بتأسيس لجنة وطنية مستقلة عن الدولة للتحقيق في مصير الاقتراضات
الخارجية.