محمود جابر
الحوار المتمدن-العدد: 4120 - 2013 / 6 / 11 - 17:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مؤتمر مكة
مؤتمـر مكــة 1926م:
كان احتلال الحجاز وخاصة مكة والمدينة يحتاج إلى إرسال رسائل للأقطار والممالك المهمة في العالم الاسلامى، وفى هذا السياق أبلغ حافظ وهبه الوفد مصر الذي زار ابن سعود في شهر سبتمبر 1925 (قبيل احتلال جدة بثلاثة شهور) برئاسة الشيخ مصطفى المراغي, أبلغه بالآتي وذلك حسب رواية حافظ وهبه نفسه:
- أن الحجاز للحجازيين من جهة الحكم, وللعالم الإسلامي من جهة الحقوق التي لهم في البقاع المقدسة.
- إجراء استفتاء عام لاختيار حاكم الحجاز تحت إشراف مندوبي العالم الإسلامي.
- تجديد الحدود الحجازية, أما وضع النظم المالية والاقتصادية والإدارية فهي موكولة لمندوبي الممالك والشعوب الإسلامية.
يؤكد حافظ وهبة أن ابن سعود وافق على هذا الأساس, فسر الوفد كثيراً, وسافر إلى القاهرة حاملاً معه كتاب سلطان نجد المتضمن هذا الأساس وجاء بعد الوفد المصري، أما عن ابن سعود نفسه فقد كرر المعنى ذاته في مناسبات عديدة أنه:
أولاً في رسالته التي بعث بها إلي المللك رداً على رسالته هذا الأخير باقتراحه بحث سبيل السلام بين نجد والحجاز وفي 16 نوفمبر 1924، وثانياً: لأمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالقدس خلال نفس الفترة، وثالثاً قبل مغادرته الرياض وهو في طريقه إلى مكة المكرمة أوائل نوفمبر 1924، ورابعاً في رسالته التي بعث بها إلى قناصل الدول الأجنبية في مدينة جدة في 23 نوفمبر 1924، وخامساً بعد وصوله مكة المكرمة وأثناء اجتماعه بعلمائها في ديسمبر 1924، وسادساً في رسائله التي بعث بها بعثته إلى جدة التي ضمت فيليب- الريحاني - النقيب أثناء تواجدهم في جدة بحجة الوساطة في ديسمبر 1924، وسابعاً خلال رده على الوساطة البريطانية المزعومة لتسوية النزاع بينه وبين الملك على بن الحسين في اليوم الأول من أغسطس 1925، وثامناً في الرسالة التي كان قد أرسلها للملك يحيى ملك اليمن حينما اقترح الأخير إرسال وفد للسعي إلى الصلح في شهر أكتوبر 1925، وتاسعاً في تأكيداته للسيد إدريس السنوسي وإمام مسقط وإمام عمان وعاشراً وأخيرا بمناسبة دخلوه إلى مدينة جدة, بعد استسلام الملك على يوم 24 ديسمبر 1925 حيث أصدر منشوراً عاماً وجهه لأهل الحجاز ختمه بالجملة التالية "وإما مستقبل البلاد فلابد لتقريره من مؤتمر يشترك المسلمون جميعاً فيه لينظروا في مستقبل الحجاز ومصالحه " ولكنه رغم تلك التأكيدات السابقة, فإن ابن سعود أخرج لسانه وسخر من العالم العربي والإسلامي كله, إذا أصدر بعد أسبوعين من صدور منشوره الأخير, بلاغاً عاماً بتاريخ 22 جمادى/7 يناير 1926 يعلن فيه عدوله عن فكرة المؤتمر الإسلامي.
وفي اليوم التالي من هذا البلاغ جمادى الأخر/ 8 يناير أصبح يلقب بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها.
وخاصة أن مسلمي الهند, حسبما ذكرته المصادر السعودية, كانوا يطالبون بأن يكون الحكم في الحجاز جمهورياً, وقد ألحوا في طلبهم هذا بحكم أن الفضل الأول يرجع إليهم في إبعاد الحسين فكان لابد من إلغاء المؤتمر ومع أن الملك عبد العزيز يدافع عن نفسه بقوله: أنا لست ملكاً بمشيئة أجنبية, بل أنا ملك بمشيئة الله, ثم بمشيئة العرب الذين اختاروني وبايعوني.
وبالنسبة لموقف مصر في هذه المرحلة, فإنها في الواقع, قد تخلت عن دورها التقليدي المتمثل في حماية الحجاز, بسبب الاحتلال البريطاني من جهة, ومن جهة أخرى فإن فؤاد نفسه (على عكس محمد علي باشا ) كان معيناً من قبل الإنجليز, وكان يحكم في ظل حمايتهم.
ويشهد على ذلك السفير البريطاني, اللورد كيللرن, فإنه: كان بمقدورنا أن نجعله يتحرك وفق الإطار العام لسياستنا.
ويمكننا القول, أن الملك فؤاد, قد غض الطرف عن احتلال ابن سعود للحجاز, مقابل بعض الصفقات, التي خسرها جميعا, وكان يمثل الطرف المخدوع وأن ما وعد به كان فقط من أجل ضمان سكوته, وتعاونه لإنجاز المشروع البريطاني- السعودي المشترك وبالإمكان إيجاز تلك الصفقات فيما يلي:
أولا: مصير الحجاز: فحسبما أفادت جريدة المقطم الموالية للإنجليز, فإنه قبل سقوط الحجاز بثلاثة أشهر, قام الشيخ المراغي, رئيس المحكمة الشرعية العليا, بزيارة سلطان نجد في "الشميسي" بالقرب من مكة في الفترة من 15 - 30 سبتمبر 1925.
وحسبما ذكره المستر جوردان jordan الوزير البريطاني في جدة, فإن المراغي طلب منه عندما التقى به في مقره أن تحاط زيارته بالسرية.
وفي ختام الزيارة حمل المراغي معه كتابا إلى الملك فؤاد, تضمن التزام ابن سعود:بأن يكون الحجاز للحجازيين من جهة الحكم, وللعالم الإسلامي من جهة الحقوق المقدسة التي له في هذا البلاد, وأن يجري استفتاء لاختيار حاكم للحجاز, تحت إشراف مندوبي العالم الإسلامي, على أن يحدد الوقت اللازم لذلك فيما بعد, وسنسلم الوديعة التي بأيدينا لهذا الحاكم.
وعليه فقد صرح الشيخ المراغي, عقب مقابلة الملك فؤاد:أن مندوب جلالته (فؤاد)هو الذي سيرأس مؤتمر مندوبي العالم الإسلامي, بعد اجتماعهم في مكة, بعد انقضاء الحكومة الهاشمية, وأن الكلمة العليا ستكون لمصر، وقد أكد ابن سعود أنه " لا غاية له في الحجاز ولا مطمع, وأنه سيسلمه للعالم الإسلامي".
والحقيقة أن سلطان نجد ما أنفك يصرح قبل احتلاله للحجاز:بأنه ما جاء إلا مفوضاً من العالم الإسلامي لتطهير الحجاز من الظلم والعدوان, وأن العالم الإسلامي هو صاحب الحق في تقرير مصير الحجاز".
ولقد ترددت هذه العبارة على مسامعنا أكثر من عشر مرات, في مناسبات مختلفة كان أخرها يوم 24 ديسمبر 1925 بمناسبة دخوله جدة, حيت وزع منشوراً على السكان جاء فيه:لابد من مؤتمر يشترك فيه المسلمون جميعاً, لينظروا في مستقبل الحجاز ومصالحه.
ولكن سلطان نجد ما إن احتل جدة حتى أصدر منشوراً ثانياً يوم 7 يناير 1926 أعلن فيه:"عدوله عن فكرة المؤتمر الإسلامي".
وفي اليوم التالي 8 يناير أصدر منشوراً ثالثاً أعلن فيه تلقيب نفسه بملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها.
وعلى هذه الخلفية, وبسبب هياج الرأي العام الإسلامي, وخاصة في مصر والهند اضطر الملك عبد العزيز إلى عقد المؤتمر في مكة, في يونيه 1926, على أن يكون مؤتمراً صورياً, وأن يقصر نشاطه على الصدقات والمساعدات للحجاز كما اشترط على لسان حافظ وهبه, عدم التعرض لمسألة الحكم, كما اشترط أيضاً عدم الخوض في أية مواضيع سياسية.
وكما هو متوقع, فلقد شهد المؤتمر مواجهه حادة بين الشيخ الظواهري, شيخ جامع الأزهر ورئيس وفد مصر وبين الملك عبد العزيز .
فرداً على ما جاء في كلمة الملك, التي أفتتح بها المؤتمر, والتي قال فيها:إننا لا نقبل أي تدخل أجنبي في هذه البلاد الطاهرة, أيا كان نوعه "قال الشيخ الظواهري:أن كلمة الأجنبي هذه مجملة, فإذا كان المراد بها من لا يدين بالإسلام فذلك ما يؤيده فيه كل العالم الإسلامي, ألا أن تطبيق ذلك مع الجمع بين سلطة نجد ومملكة الحجاز يحتاج إلى دراسة المعاهدات التي عقدتها نجد مع الدول الأجنبية, خشية أن يكون فيها ما يحمل إقرار الجمع بوجه من وجوه التدخل الذي نهى عنه هذا البند. ومضى الظواهري يقول:فمثلاً إذا فرض أن لدولة أجنبية حق التدخل في تعيين سلطان نجد من بين آل سعود.
كان معنى ذلك, أن لهذه الدولة حق التدخل في تعيين ملك الحجاز, مادام سلطان نجد هو ملك الحجاز, وإذا كان المراد بالأجنبي من ليس من أهل الحجاز, وإن كان مسلماً, فلا ندري كيف كان إقرار ذلك و الحجاز لجميع المسلمين, ولا ندري كيف صاغ حينئذ تدخل نجد في الحجاز باسم الدين.
ولم يكتف الظواهري بالتعرض لعلاقات الملك بالقوى الأجنبية, بل وجه انتقاده للملك لفرضه المذهب الوهابي على قاصدي الحجاز مشيراً إلى الخطر الشديد الذي سيتعرضون له لأن ما يجيزه المذاهب الإسلامية يعده النجديين شركاً أو دون الشرك بقليل على حد تعبير الظواهري.
ولما حاول الملك توجيه نشاط المؤتمر, كي يبحث فقط موضوعات المساعدات, وتحسين الطرق المؤدية إلى الأماكن المقدسة, وكيفية إنفاق أموال الأوقاف المخصصة لها تصدى له الشيخ الظواهري قائلاً:إن الصدقات والمبرات التي يرغب صاحبها في توزيعها على وجه خاص بنفسه أو بنائبه لا سبيل إلى إقرار تدخل الحكومة فيها, بل أمرها موكول إلى محض إرادة المتصدق, ثم أردف " إننا لم نفهم معنى لذكر هذا البند كركن من الخطة السياسية .
مع أن الملك عبد العزيز هو الذي كان يطالب المؤتمرين بعدم الخوض في السياسة, إلا أنه أوعز لرشيد رضا – الضالع في نشر الوهابية بمصر، والشيخ أبو الحسن الندوي (هندي) باقتراح أن تقوم الدول الإسلامية بالسعي لإعادة العقبة ومعان إلى ولي الأمر في الحجاز فأنبري له الشيخ الظواهري ورفض مناقشة المشروع في أساسه, لأنه خارج اختصاص المؤتمر كما قال.
وما إن قام أحد الهنود وقال أن ابن سعود باعتباره حاكم الحجاز يجب أن تكون له سيادة نوعية على العالم الإسلامي أجمع حتى قاطعه الشيخ الظواهري ولم يمكنه من الاسترسال في كلامه، وقال الشيخ الظواهري: "إنني أريد أن أتكلم لك يا عبد العزيز في شئ مهم وهو أننا زرنا اليوم المآثر والمقابر فرأينا ما فتت أكبادنا وأسال دموعنا ومالا يقره دين ولا شرف ولا إنسانية.
فقد رأينا الكلاب ترتع وتبول على أرض مسها جسم النبي العربي عليه السلام وهدمتم كل آثار هذا النبي ومآثر جهاده في سبيل إعلاء شريعة العدل والسماحة والمساواة والحرية وأصبحت كل هذه المآثر قاعا بلقعا تتكاثر فيه الكلاب وقلنا: لا شك أن حاكم فعل هذا باسم الدين هو من الدين براء، بل هو لم يأت إلا لخراب الدين وقواعده وأساسه وكل ما يدل على تاريخه، يا عبد العزيز…
إن من كان قبلكم من الفاتحين المسلمين كانوا يحولون معابد غير الله إلى مساجد ومنابر لحرية الرأي ومهما قلتم في أسباب هدمكم لمآثر النبوة والرسالة الإنسانية فلن يبلغ إلى مرتبة التصديق".
وبعد أن شنّ العالم الأزهري الشيخ الظواهري هجوماً لاذعاً على الحكومة السعودية في مؤتمر مكة عام 1926، كتبت مجلة (الأزهر) ما نصه: "إن السعوديين هم الخوارج المارقون الذين قال فى شأنهم رسول الله"، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" وأنهم كفار وقطاع طرق وإنهم شرار الخلق والخليقة عند اللّه وإنهم أضر الناس على الإسلام" .
ونتيجة للمعارضة القوية والموقف المصري المشرف الذي أبداه الشيخ الأحمدي الظواهري اضطر عبد العزيز إلى سحب خطابه والإعلان عن ذلك وسط المؤتمر .
رابط الحلقة الثالثة عشر :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=361392
البريد الالكترونى :
[email protected]
#محمود_جابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟