|
ما معنى -بُعْد المكان الرابع- Hyperspace؟
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4119 - 2013 / 6 / 10 - 09:18
المحور:
الطب , والعلوم
افتراضٌ (ليس إلاَّ) أنْ نقول إنَّ الكون هو كوننا فحسب، وإنَّ الكون الآخر (أو الأكوان الأخرى) لا وجود له. وافتراضٌ، أيضاً، أنْ نقول إنَّ كوننا هو أحد الأكوان. افْتَرِضْ أنَّ كوننا هو أحد الأكوان، فما هو هذا "الشيء" الذي يَضُمُّ الأكوان جميعاً؟ دَعونا نسميه "الوجود" إلى أنْ نتواضع على تسمية أفضل. ثمَّة مثال شهير يعيننا على فَهْم الأمر، وهو "مثال النملة". إنَّها نملة تسير على سطح كرة مُنَقَّط (مليء بالنُّقَط). وهذا السَّطح هو مكان من بُعْديْن اثنين (الطول والعرض). وكَوْن هذه النملة إنَّما هو "سطح" الكرة فحسب. أرادت النملة أنْ تسير حتى تصل إلى "نهاية" كَوْنها، فسارت في مسارٍ مستقيم، تارةً في بُعْد الطول، وطوراً في بُعْد العَرْض، فعادت، أخيراً، إلى النقطة (أو الموضع) التي منها بدأت السَّيْر، فتأكَّد لها أنْ لا نهاية لكَوْنِها (فلا نهاية للسطح الكروي). الكرة كانت تَكْبُر حجماً في استمرار؛ ولقد رَأَت النملة "النتيجة"؛ فالمسافة بين كلِّ نقطتين تتَّسِع، في استمرار، وكلُّ النُّقَط التي حولها، أيْ حَوْل النقطة التي فيها تُوْجَد النملة، تبتعد (وترتد) عنها، والنقطة الأبعد (عنها) هي الأسرع في ابتعادها، أو ارتدادها، عن نقطتها. وبهذا المعنى، قالت النملة بـ "تمدُّد الكون"، مُعَرِّفةً الكون (أيْ كونها) على أنَّه "سطح مِنْ بُعْدين اثنين (طول وعرض) ويتمدَّد في استمرار". نِسْبَةً إلى النملة (وإنَّ من الأهمية بمكان ألاَّ نَضْرِب صفحاً عن عبارة "نِسْبَةً إلى..") لا معنى، ولا وجود، لـ "البُعْد الثالث (من أبعاد المكان)"، وهو "الارتفاع"؛ أمَّا أنتَ (الكائن البشري) فترى هذا البُعْد في كَوْن النملة، ويسهل عليكَ، من ثمَّ، تفسير وتعليل ظاهرة "اتِّساع كَوْنِها، والتباعُد بين كل نقطتين (على سطح الكرة)". إنَّكَ ترى هذا "البُعْد الثالث" في "الفضاء الذي فيه تتموضَع هذه الكرة، وتَكْبُر حجماً"؛ وتراه، أيضاً، في "جَوْف وباطن الكرة؛ في مركزها، وفي قطرها، أونصف قطرها"؛ فالكرة ليست سطحاً فحسب؛ وسبب تمدُّد سطحها إنَّما يكمن في هذا "البُعْد الثالث (بوجهيه)". وأنتَ، الكائن البشري، تستطيع أنْ ترى الكرة كلها، وأنْ تقول إنَّها جسم، أو شيء، محدود، وتتمدَّد في "البُعْد الثالث"، وإنَّ "الانفجار الكبير" Big Bang الخاص بكَوْن النملة يَكْمُن، أو يتموضع، في "مركز" الكرة، الذي هو، أيضاً، يُمثِّل "البُعْد (المكاني) الثالث". هذا "السَّطْح"، أو هذا المكان المجرَّد من "البُعْد الثالث"، أيْ من "الارتفاع (أو السُّمْك)"، إنَّما هو شيء لا وجود له في "الواقع الموضوعي"، فالذِّهن، فحسب، هو مكان وجوده. "السَّطح"، في "الواقع الموضوعي"، إنَّما هو سطح لشيءٍ؛ والشيء مهما رَقَّ يظل له "سُمْك"؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ أبعاد المكان الثلاثة متَّحِدة دائماً اتِّحاداً لا انفصام فيه. النملة، في وجودها، لا تحتاج أبداً إلى أنْ تعي وجود "البُعْد الثالث"، ولا إلى أنْ تكون لها صلة به؛ وهي بحُكْم تكوينها عاجزة تماماً عن وعي وجوده، والاتِّصال به؛ فليس كل ما هو موجود يُمكننا (أَكنَّا نملاً أم بشراً) إدراك وجوده، والاتِّصال به. هذا "البُعْد الثالث"، ومن وجهة نظر النملة، لا وجود له، وليس بجزء من كَوْنها؛ إنَّه المكان، أو الفضاء، المنفصل تماماً عن كَوْنِها. والدليل على ذلك أنَّ كَوْناً آخر (أو أكوان أخرى) يمكن أنْ يكون موجوداً على مقربة من كَوْن النملة، أو بعيداً عنه، من غير أنْ تعي وجوده. أمَّا كَوْننا (أو الكون) فيختلف عن كَوْن النملة في أنَّ له ثلاثة أبعاد (طول وعرض وارتفاع). وهذه الأبعاد (المكانية) الثلاثة يشتمل عليها "السَّطْح" من "كُرَتنا (أو بالوننا) الكونية"؛ فَكَوْننا، أيْ الكون كله، إنَّما هو "السَّطح"، والسَّطح فحسب، من "الكرة الكونية". وكَوْننا يتمدَّد في "البُعْد المكاني الرابع (Hyperspace)"؛ أمَّا "الانفجار الكبير" Big Bang الخاص بكَوْننا فيَكْمُن، ويتموضع، في "المركز" من "كُرَتنا الكونية"، والذي هو، أيضاً، يُمثِّل "البُعْد (المكاني) الرابع". وإذا كانت النملة لا تعي وجود "البُعْد الثالث" فإنَّ البشر لا يَعون وجود "البُعْد الرابع"؛ فهذا البُعْد ليس بجزء من كَوْننا، الذي كله، وبكل ما فيه، يَقَع على "السَّطْح" من "كُرَتنا الكونية". و"الكرة الكونية" ليست كـ "الكرة الأرضية"؛ فالسَّيْر في "البُعْد (الكوني) الثالث"، في مسارٍ مستقيم يُعيدكَ، في آخر المطاف، إلى النقطة التي منها ابتدأ سَيْرك. أنتَ الآن في مركبة فضائية تسير في الفضاء بين النجوم، أو بين المجرَّات. إنَّكَ تستطيع السَّيْر إلى الأمام، وإلى الوراء؛ إلى اليمين، وإلى اليسار؛ كما تستطيع السَّيْر إلى أعلى، وإلى أسفل؛ فإذا سِرْتَ، في مسارٍ مستقيم، في أيِّ اتِّجاه من هذه الاتِّجاهات، فإنَّكَ تعود، في آخر المطاف، إلى النقطة التي منها بدأ سَيْرَك. مهما تقدَّمْتَ في سَيْرِكَ إلى أعلى، فإنَّك لن تغادِر الكون؛ ومهما تقدَّمْتَ في سَيْرِكَ إلى أسفل، فإنَّكَ لن تصل إلى مركز الكرة الكونية؛ فسَيْركَ (في مسارٍ مستقيم) في "البُعْد الثالث (الارتفاع)" إنَّما يماثِل، في نتيجته النهائية، سَيْركَ (في مسارٍ مستقيم) في "بُعْد الطول"، أو في "بُعْد العرض". والفضاء الذي تسير فيه إلى الأمام، وإلى الوراء، إلى اليمين، وإلى اليسار، إلى أعلى، وإلى أسفل، إنَّما هو جزء من كَوْننا، الذي يَقَع كله على "السَّطح (بأبعاده المكانية الثلاثة)" من "كُرَتنا الكونية"، التي على مقربة منها، أو بعيداً عنها، قد يَقَع "كَوْن آخر (أو أكوان أخرى)"، في "البُعْد (المكاني) الرابع" Hyperspace؛ فإذا وُجِد فلن نعي وجود؛ كما لا يمكننا أبداً الاتِّصال به. إنَّ "البُعْد الرابع"، وبكل ما فيه، ليس بجزء من كَوْننا؛ لا صلة لنا به، ولا يمكننا إدراكه؛ فَنِسْبَةً إلينا يستوي وجوده وعدم وجوده. إنَّ الإنسان (وعقله) لا يمكنه أنْ يتخيَّل، أو يتصوَّر، شيئاً في الكون مِنْ بُعْدَيْن اثنين (طول وعرض) فلا شيء له سطح وليس له عُمْق؛ حتى ما يُسمَّى "الجسيم الأوَّلي (كالإلكترون)"، أو "الخيط (أو الوتر)"، لا بدَّ من أنْ يشتمل على ثلاثة أبعاد (مكانية) في الوقت نفسه؛ كما لا يمكنه أنْ يتخيَّل، أو يتصوَّر، "البُعْد (المكاني) الرابع"؛ ومع ذلك، تحدَّثوا عنه، وقالوا بوجوده (العصيِّ على الإدراك البشري). وأحسبُ أنَّ رأس الإنسان (أو ذهنه) لا يمكنه أنْ يشتمل إلاَّ على "صُوَرٍ ذهنية"، لها "أُصول" في "الواقع الموضوعي"، أو "مُركَّبة من عناصر لها وجود في الواقع الموضوعي"؛ إنَّ لـ "شجرة التُّفاح" صورة ذهنية في رأسكَ، وإنَّ لـ "معدن الذهب" صورة ذهنية في رأسك؛ لأنَّهما (شجرة التُّفاح، ومعدن الذهب) موجودان في "الواقع الموضوعي"، أيْ في خارج ذهنكَ، وفي استقلال عنه. وإنَّ لـ "شجرة تُفَّاح من معدن الذهب" صورة ذهنية في رأسكَ؛ لأنَّ "عنصريها (شجرة التفاح والذهب)" موجودان في "الواقع الموضوعي"؛ مع أنَّها هي نفسها (شجرة تفَّاح من ذهب) غير موجود في "الواقع الموضوعي". والشيء المستحيل التخيُّل إنَّما هو شيء لا وجود له، ولا وجود حتى لعناصره، في "الواقع الموضوعي"؛ فكيف لنا أنْ نفترض وجود مكانٍ من بُعْدين اثنين، أو من أربعة أبعاد؟! فيزيائياً فحسب يمكن أنْ نَفْهَم، ونتخيَّل، ونتصوَّر، ما يسمَّى "البُعْد (المكاني) الرابع" Hyperspace. تخيَّل أنَّكَ تعيش في العمق من "ثقب أسود"؛ فكيف ترى، وتَفْهَم، الكون؟ إنَّكَ ترى "الكون"، وترى موضعكَ، أو مكانكَ، مركزاً لهذا الكون المحيط بكَ. لقد أعددتَ مركبة فضائية، يمكنها السَّير بسرعة تُقارِب سرعة الضوء؛ لا بَلْ يمكنها السَّير بسرعة الضوء نفسها؛ وها أنتَ قد انطلقتَ في رحلتكَ صعوداً (أيْ في "البُعْد الثالث") للخروج من "الثقب الأسود"، والانتقال في الفضاء الكوني؛ فما هي "النتيجة النهائية"؟ لقد عادت مركبتكَ، في آخر المطاف، إلى النقطة التي انطلقت منها صعوداً، مع أنَّكَ سِرْتَ بسرعة الضوء، وفي مسارٍ مستقيم. إنَّ الفضاء الذي سِرْت فيه كان منحنياً بما يكفي لإعادتكَ إلى النقطة التي منها انطلقتَ. الآن وَسِّعْ هذا التخيُّل أكثر، وتخيَّل أنْ لا وجود في الكون كله إلاَّ لنُسَخٍ من "ثقبكَ الأسود". إنَّكَ لن ترى، عندئذٍ، من الكون كله إلاَّ "ثقبكَ الأسود"، فَتَفْتَرِض، من ثمَّ، أنَّ "ثقبكَ الأسود" هو الكون كله؛ وقد تَفْتَرِض، أيضاً، وجود "كَوْنٍ آخر (أو أكوان أخرى)"، مِنْ جِنْس "كَوْنكَ (الذي هو "ثقب أسود")"، على مقربة من كَوْنكَ، أو بعيداً عنه؛ وربَّما تقول إنَّ هذا الكون الآخر موجود في "البُعْد (المكاني) الرابع" Hyperspace، الذي لا يُمْكنكَ إدراك وجوده، أو الاتِّصال به. إنَّني لا أزعم أنَّ كوننا هو "ثقب أسود"؛ لكنني أزعم فحسب أنَّ كوننا يشبه "الثقب الأسود" لجهة أنْ لا شيء يمكنه مغادرته. "البُعْد (المكاني) الرابع" لا وجود له؛ فهو نفسه "البُعْد (المكاني) الثالث"؛ لكنَّ الانحناء الشديد لفضائنا الكوني هو ما يمنعنا من السَّيْر قُدُماً في "البُعْد (المكاني) الثالث".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الخطأ- الذي تحدَّث عنه عريقات!
-
ما سَقَط في سقوط القصير!
-
الصحافي والسلطة!
-
أين -الربيع العربي- من -السلطة القضائية-؟!
-
مصر هِبَة النِّيل لا هِبَة أثيوبيا!
-
جوهر التفاهم بين كيري ولافروف
-
أسئلة -جنيف 2-
-
ما معنى -الآن-؟
-
كيف تؤسِّس حزباً سياسياً.. في الأردن؟
-
لا خلاص إلاَّ ب -لا المُثَلَّثَة-!
-
أعداء الديمقراطية الأربعة
-
خطاب يؤسِّس لعهد جديد من الصراع!
-
عَبْر -القصير- إلى -الجنَّة-!
-
تعلَّموا من إبيكوروس معنى -الحياة-!
-
-القبطان- بشَّار!
-
سيناء تطلب مزيداً من السيادة المصرية!
-
ما معنى أنْ ينجح -المؤتمر الدولي-؟
-
-نظام التصويت- الذي يؤسِّس لمجتمع ديمقراطي
-
فلسفة -الإرادة-
-
في فِقْهِ -الاستبداد الدِّيني-
المزيد.....
-
مسيّرةتقصف الكوادر الطبية بمستشفى كمال عدوان لدى محاولةانتشا
...
-
عادات يومية بسيطة للحفاظ على صحة الكلى
-
لماذا يسبب القلق انتفاخ الحلق؟..أعرف العلاقة وطرق العلاج
-
تأجيل عودة رائدي فضاء -ناسا- العالقين في محطة الفضاء الدولية
...
-
جرثومة المعدة.. كيف تتسبب الأوانى غير النظيفة فى نقل العدوى؟
...
-
علاج القولون العصبى.. تغييرات في يومك وعاداتك تساعدك فى تخف
...
-
الشعور بالوحدة يزيد خطر الإصابة بالخرف.. كيف تتغلب عليه؟
-
لمرضى الصدفية.. كيف تسيطر على الأعراض بنظامك الغذائي؟
-
لعبة التجمد مع لولو.. استقبل الآن على جهازك قناة وناسة كيدز
...
-
اختبار المشي لمدة 6 دقائق.. طريقة بسيطة لقياس صحة قلبك ورئتي
...
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|