|
الإنسان الكوني ومفهومنا للعولمة
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4119 - 2013 / 6 / 10 - 01:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإنسان الكوني ومفهومنا للعولمة شكلت العولمة مظهرا ثوريا في ضوء توصيفات الوجود جاءت بعد سلسلة من المفاهيم والنظريات التي رافقت حركة المجتمع العالمي بعد عصر النهضة وبروز الحركات التنويرية على المستوى الأممي وما رافق ذلك من تبدلات جوهرية وتحولات جيوفكريه ,مست الكثير من المفاهيم والطروحات وتجاوزت حدود الجغرافيه لتتجه وتصطف مع عامل الزمان وحركته واستحقاقاته, نحن شهدنا مثلا بروز الحداثة مفهوم وقيم وما بعد الحداثة وشهدنا أيضا جدلا غير محدود بين متفهم وفاهم للمعاني والدلالات ومتحفظ عليه بل ومن ينكر كل ما جاءت به القواعد الحداثية الفكرية وافرازتها والمعطيات التي تقوم عليه,إلا أن الملفت للنظر أن كل الحركات الفكرية والفلسفات التي نتجت عن تبدلات الفكر نجدها سرعان ما تتوالد افكار غير نسقية مع اصلها التكويني وقد تتناقض تلك الافكار بل وحتى تتصارع معها وجوديا ليس لأن الإنسان هو الذي يبتكر تلك الصراعات وإنما أظن ان السبب في جذور تلك التبدلات نفسها ومن خصائصها الذاتيه. نشأة فكرة الحداثة وما تلاها من فلسفات لاحقة أو تابعة لها من مضمونيه الغاية أو أساسية التفكير المادي في نهايات القرن السابع عشر الميلادي في مجتمع يتحول تدريجيا من القيم التقليدية الفكرية والدينية والفلسفية ذات الطابع المحلي أو الإقليمي وذو طابع أوتوقراطي مستبد في فرض قيمه وتصوراته على المجتمع من خلال سطوة الدين والخوف والحذر من النزعات المادية والإلحادية التي كانت هبت على القارة الأوربية خلال ذلك القرن وما قبله إلى مجتمع يرغب فعليا من التخلص من تلك السطوة واستبدال القواعد تلك بما يتناسب مع واقع مادي وفكري وسياسي تبدلت جذوره وأسسه كثيرا وأصبحت تلك القيم البالية عبء عليه ولا تتناسب مع مستحقات العوامل الزمنية والروحية التي نشأت ما بعد عصر الصناعة. وبالرغم من عدم قطعنا بالقول إن القارة الأوربية كانت تنخر فيها المادية والإلحادية منذ أمد بعيد ولكن ليس بهذه الحده من الصراعات. لقد ولدت الحداثة أصلا ليس كمنتج فكري منعزل عن استحقاقات حتمية ولكن كانت قبل كونها نظريات فلسفية بشر بها البعض حتما تأريخيا لا بد من تبلوره بالصورة التي عرفناها,بل اجزم أنها ولادة حقيقية للاستجابة الضرورية لحركة المجتمعات وتوقها للتحرر من ربقة الماضي زمن والماضي مكان.وهذا الجزم ليس أتيا من جهل بالمعطيات ولكن أستدلالا من النتائج المجسده واقعا ومن مظاهر التحول الحتمي في المجتمعات التي عرفت مفهوم الحداثة أولا. هذا المجتمع في تحوله الطبيعي من هذه الكيفية الجيوفكرية والذي فقدت فيه الهوية الفكرية تميزها وخصيصتها المحدودة وضاع فيه الوعي الجمعي بين عشرات التيارات الفكرية والفلسفية والدينية نراه يتحول تدريجيا بفعل ارتدادات الثورة الصناعية والتكنولوجية العلمية التي مضى عليها أكثر من قرن من الزمان نحو إستجابة بدية لهذه الارتداد من نفس قوة التأثير وليس من خارجها وتحديدا من التنظير المجرد بل أن هذا التنظير هي وليد الارتداد أيضا. لكن التأثير الروحي والوعي بالتغير لم يتجلى في المجتمعات الصناعية إلا أواخر القرن التاسع عشر الذي تغلغلت في ثنايا روحه قيم التقنية والتصنيع الواسع وجنوح العالم الصناعي للتوسع الأفقي والعمودي في مجال الصناعة والتقنية وخاصة خارج القارة وخارج عالم يتميز بمحدودية الموارد البشرية والمادية فكانت الأراضي الجديدة والمستعمرات هدف التوسع الاستيطاني والاقتصادي وما فرض من صراعات فكرية وأيدلوجية محددة بين قوى الصناعة والتقنية حتميتها قضية البحث عن موارد تكفي إشباع النقص ولا بد من تبرير لهذا البحث تحت مسميات له ظواهر معلنة ولكنها أيضا تخفي محددات باطنية مناقضة أيضا للأولى. أفرزت هذه الصراعات صراعات فكرية مؤيدة ومناقضة لها وفي نفس الفترات الزمنية بنيت أولا على الأخلاقيات إنسانية التي جعلت الإنسان قضية مركزيه أو هكذا بدت للبعض,ثم تحولت إلى صراعات أيدلوجية فكرية فلسفية تنبع من طبيعة هذا التحول واستجابة لمتطلبات هذا التحول متجاهلة حقيقة أصل الصراع وهو الإنسان الكوني ومستقبله الذي لا بد أن يكون في صياغة تتبلور وفق معطيات الافكار الأخلاقية . نجد هذا الصدى في التحول وأثاره الفكرية خاصة في مبدأ الحرية بجميع أنواعها وخاصة الحرية الاقتصادية التي تجد جذورها وأسسها في الحرية العامة للمجتمع ككل واعتقاد دعاة الحرية من الفلاسفة والمفكرين الذين أمنوا بالحرية المطلقة للشعوب الأوربية حتى لو تناقضت مع مفهوم الإنسان الكون الإنسان الواحد بغير هوية تفريقية أو عنصريه أو أثنية بتبرير ينطلق من كونهم أصحاب رسالة أخلاقية تتمثل في قيادة العالم والتفكير بدلا عنه وبموجب فهمهم ووعيهم الخاص دون الرجوع إلى محددات الزمان والمكان والظروف الفيما حولية للشعوب والأمم .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العولمة وصورة الإنسان الكوني ج1
-
العولمة والإنسان الكوني _ج2
-
العولمة والإنسان الكوني _ج3
-
العولمة والإنسان الكوني _ج4
-
مصدرية الوعي الفكر اولا
-
مقام التسليم
-
الدكتور علي الوردي وأشكالية الحكم على العقل ج1
-
الدكتور علي الوردي وأشكالية الحكم على العقل ج2
-
في نقد القراءة التاريخية لعبد الكريم سروش للدين المحمدي _ ج1
-
في نقد القراءة التاريخية لعبد الكريم سروش للدين المحمدي _ ج2
-
الدكتور علي الوردي وإشكالية الحكم على العقل
-
عصر الحرية ومفهوم الذاكرة
-
الدين نحن
-
ما هو الدين
-
مصادر القوة ومضاعفات التفرد
-
الانفصام بين الصورة والأصل ج2
-
الانفصام بين الصورة والأصل ج1
-
خصيصة الأبدية للفكر الرسالي
-
آدم الإنسان والحيوان شبيه الإنسان
-
حوارية الخلق والجعل في النقل المقدس ,دراسة في قصدية النص
المزيد.....
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|