|
صناعة الأخبار
حيدر محمد الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 4118 - 2013 / 6 / 9 - 19:54
المحور:
الصحافة والاعلام
قبل أيام قادني الريموت كونترول صدفة لقناة (BBC) الأنكليزية حيث أحياناً كثيرة أستمتع بتقليب القنوات أكثر من متابعتها. كانت القناة تغطي أحداث القصير في سوريا، حيث سألت المراسلة البريطانية مواطناً سورياً من سكان القصير كان عائد لها بعد سيطرة الجيش السوري عليها وإخراجه للمعارضين منها، سألته حول رأيه بالوضع فأجاب الرجل من داخل سيارته وكانت لغته العربية مسموعة مع صوت الترجمة الأنكليزية في استوديو الـ(BBC) أنه فرح بخروج (الأرهابيين) (Terrorists) من مدينته، ولكن كانت الترجمة الأنكليزية في الأستوديو (Rebellions) المتمردين، وطبعاً هنالك فرق بين المعنيين ولا يوجد أي ترادف بينهما فالأول يحمل معنى الأرهاب والأجرام والثاني يحمل معنى التمرد والثورة. بغض النظر من مع المعارضة السورية ومن مع النظام الحاكم، فينبغي أن ينقل الخبر كما هو أليس كذلك...! وإذا كانت مؤسسة إعلامية مرموقة ومعتمدة مثل الـ(BBC) تقع بهذا الخطأ أو تحرف الخبر فهو أمر يثير الريبة.
ذات مرة دخل رجل عراقي أعرفه لمحل مواطن بريطاني من أصل باكستاني في أحدى مدن بريطانيا ولمعرفة سابقة للباكستاني أن الرجل عراقي وربما لتصوره أن كل عراقي شيعي فأثار موضوع أن الحكومة الشيعية (هكذا قال بالأنكليزي) (Shia Government) في العراق تقتل السنة وتقتل كل من إسمها عائشة...؟! رد العراقي عليه بأن هذا ليس صحيح بالمرة وأن هنالك الكثيرين من الوزراء السنة في الحكومة والبرلمان وأن الكثير من المناطق مختلطة يسكنها السنة والشيعة ويعيشون بسلام معاً. عندها رد الباكستاني بأن قناة الجزيرة إنكليزي (Aljazeera English) نقلت تلك المعلومات...! فأخذ العراقي يوضح له خطأءه بوثوقه بقناة الجزيرة وتوجهاتها ومؤمراتها الخبيثة ومن ثم تركه وإنصرف حيث سكت فبدا له أنه قد فهم، ربما فهو لم يكن متأكداً من ذلك...! إعتاد المتابع الواعي أن يرصد الكثير من المؤمرات الأعلامية بحجة نشرة الأخبار أو برنامج حواري بين عدة ضيوف أو تغطية صحفية أو برنامج وثائقي تقدمه قناة الجزيرة والعربية وبعض القنوات العربية و(الخليجية) على وجه الخصوص ومن خلال النشرة الأخبارية والبرنامج تبث سمومها وتصنع الحديث والحدث وتهوله وترسل بالرسائل التصعيدية بحجة إعلامية فتصير صناعة الأخبار هي السائدة عندها أكثر من نقل الأخبار.
كما كانت ولازالت صناعة الهولوكوست ذريعة وحجة لكل مكاسب إسرائيل اليوم والتي إرتكبت فضائع وجرائم في فلسطين ولبنان أكثر بكثير من حيث عدد الضحايا وطريقة التنفيذ مما حصل لليهود في الهولوكوست على يد هتلر والنازية. وكما صارت أحداث 11 سبتمبر حجة لأحتلال (أفغانستان والعراق) وزيادة القواعد الأمريكية حول العالم وإنزال عقوبات بحق دول وتغيير سياسات دول أخرى وجعل صناعة الأرهاب ذريعة وحجة لكل مكاسب أمريكا اليوم. برزت صناعة الخبر والحدث وبثه إعلامياً منذ زمن بعيد ولكنه إزداد بعد التقدم الهائل بالتغطية الأعلامية من خلال تطور وسائل الأتصال فصارت القنوات الفضائية والأنترنت وسيلة مذهلة لهذه الصناعة.
في العراق برزت بشكل كبير بعد سقوط نظام حكم صدام وإحتلال العراق حيث تصدرت المشهد الأعلامي قناتي الجزيرة والعربية. كان المُلاحظ كثيراً وأكرر (للواعين فقط) أن هاتين القناتين بدأتا تصنعان الأخبار أكثر مما تنقلانها وصارت إستوديهاتها تصنع المخططات وترسل الرسائل المباشرة وغير المباشرة للتحريض والأقتتال الطائفي مرة ولأحداث فتنة سياسية ومذهبية في العراق مرة أخرى وإفتعال أزمات وقد نجحوا كثيراً بذلك خصوصاً مع وجود لاعبين عراقيين وعرب كثيراً ما كانوا يظهرون في تلك البرامج ويتم إختيارهم بعناية لزيادة الفتن والعنف والأقتتال ومن يتسنى له الفرصة لفضح هاتين القناتين فربما لن تكتب له فرصة الظهور من على شاشتها مرة ثانية.
ومع تقادم الأيام برزت قنوات عراقية إستلهمت من هاتين القناتين أسلوب صناعة الخبر والحدث وليس نقله، وإعتمدوا أسلوب الخبث والتحريض ونشر الأكاذيب والأفتراءات وتلفيق التهم وتحريف وإقتطاع التصريحات السياسية والدينية والتلاعب بها كما دأبت الجزيرة والعربية على فعل ذلك وكانت بدعم من عدة جهات بعضها مجهول وكان أبرزها قناة (الشرقية) وقنوات عراقية أخرى لم تحظى بالشهرة التي حظت بها (الشرقية) في العراق.
ولما تفجر الوضع العربي بثورة تونس البيضاء لأسقاط نظام زين العابدين بن علي برزت للساحة بشكل بارز وكبير جداً أكبر مما كانت عليه سابقاً دور الجزيرة والعربية في صناعة الأخبار والأحداث في مصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا والعراق أكيداً ببرامج وتغطيات كان لها نصيبها من التحريض والتحشيد الطائفي وتهويل المشاكل وإفتعال الأزمات وشق وحدة أبناء المجتمع وإبتداع فتن ومشاحنات ومواضيع كان أكثرها أما منسياً أو لا وجود له أو لا يُكترث له ولكنهم بدهائهم وخبثهم وتمويلهم المنقطع النظير تسنى لهم أن يخطفوا الأضواء ويصنعوا الأحداث وإنخدع بهم وببرامجهم وبمقاطع الهاتف النقال التي يعدون منها أخبار وبشهود عيان مجهولين ومصنوعين أصبحوا كالمراسلين لهم وشبكات تواصل إجتماعية مرتبطة بهم وإستطلاعات للرأي من صناعتهم وأتباعهم بالأضافة لبرامجهم المعتادة ونشرات أخبارهم وتغطياتهم فكل ذلك ساهم بخداع جمهور كبير ممن سلمهم عقله وصار يتلقن منهم الدين والسياسة والتاريخ والفكر وحتى طريقة الكلام.
قناة الجزيرة تمويلها أميري قطري والعربية أميري سعودي، ولو عُرِف التمويل بطل العجب. حيث تغفل وتتغاضى عن أي حدث يحصل في الخليج ويمس الأسر الحاكمة وأنظمة الحكم القابعة على صدور شعوبها منذ عشرات السنين ولا يسمح بالمرة لا بالأنتقاد ولا بدعم أو نقل خبر كما هو حول حركات ضد الحكم القطري والسعودي على وجه التحديد، كما تم التغاضي عن القواعد الأمريكية الرئيسية والدائمة في الخليج وركزوا على الموجودة في العراق فقط والمقاومة والجهاد ضد القواعد الأمريكية المؤقتة في العراق فقط، ليتسمر القتل والتفجيرات في العراق حتى بعد خروج تلك القواعد بصورة كاملة ونهائية والتي لم يمسها الكثير من الضرر بجنودها وممتلكاتها حيث كان المتضرر الرئيسي المواطن العراقي. وبعد خروج المحتل الأمريكي أستمر العنف والقتل في العراق حيث نجحت سياسات وسياسيين وبترويج وتهريج معتاد من كلا القناتين الجزيرة والعربية وقنوات عراقية أبرزها (الشرقية) بتحوير مسار القتل لنهج طائفي وسياسي ومضت بركبها لتصعيد أزمات الطائفية والحكومة.
صارت صناعة الأخبار رائجة اليوم وطريقة صياغتها وتلقينها للمشاهدين ممنهجة فالألتفات لذلك مهم للغاية فلقد صارت متابعة الأخبار هواية يهواها الشيخ الكبير والشاب الصغير، ولكي لا يقع بالفخ من يتصور أن قنوات مثل الجزيرة والعربية وغيرها تنقل الأخبار والأحداث، فالحقيقة أنها تصنعها.
#حيدر_محمد_الوائلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الفتحة والكسرة فضيحة
-
من المستفيدين من قتل العراقيين
-
الفرق بين مسلمي بورما والعراق
-
ما كان الدين رخيصاً مثل اليوم
-
قراءة في تداعيات خسارة برشلونة والوضع العراقي
-
على قدر الوعي تأتي نتائج الأنتخابات
-
النجاح في الأدارة وليس بالفوز في الأنتخابات
-
لماذا ننتخب؟! ومن ننتخب؟!
-
صوتك كرامتك فلا تهدره
-
لا تجعل الأنتخابات من الباطل حق
-
مدير أعوج لمدرسة العدل
-
فتنة سوريا
-
بلكت الله تسمع البلدية
-
حرية الرأي في العراق بالرغم من...
-
الموت أفضل من الحياة
-
حرية الرأي والحياة الشخصية والحشريين
-
فكّر ثم فكّر ثم فكّر حتى يؤمن بك الناس وتؤمن بنفسك
-
صحافة قطعة أرض
-
قصة زعيم يُسمى عبد الكريم
-
شكراً للتدخين فأنت في العراق
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|