أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها - سعيد الوجاني - المسار الاعرج لمنظمة ( التحرير ) الفلسطينية















المزيد.....



المسار الاعرج لمنظمة ( التحرير ) الفلسطينية


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4116 - 2013 / 6 / 7 - 19:34
المحور: ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها
    



من يتابع صيرورة ومسار منظمة التحرير الفلسطينية منذ انطلاقتها في منتصف الستينات من القرن الماضي والى اليوم سيطرح جملة اسئلة ابرزها ، ماذا حققت هذه المنظمة في كفاحية الشعب الفلسطيني ، وفي سبيل القضية الفلسطينية التي استعملت في تصفية الحسابات ، وفي الاثراء الفاحش ، ولو بالتدجيل والتحنيط ، وممارسة التعتيم التي طال هذه المرة الرئيس ياسر عرفات نفسه بعد ان طال شعبه ، حيث تحول وفي ظرف وجيز ، اغلب اطر المنظمة الى مالكين للدولار واليورو ، ومنهم من يملك الفنادق والمحلات الفخمة في العديد من الدول الاوربية . اذن ما هي اسباب ازمة منظمة التحرير الفلسطيني ؟
1 – شكل الكفاح الفلسطيني العربي ضد المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين المحتلة ، حتى قبل التأسيس الرسمي للدولة العبرية في سنة 1944 ، بل منذ فرض الانتداب البريطاني في سنة 1920 بوجه خاص ، عنصرا مركزيا في النضال القومي العربي ضد الوصاية الغربية الاستعمارية . وقد دشّنت حرب 1948 بين الدولة الجديدة وجيرانها ، مرحلة اخذت فيها الدول العربية على عاتقها وبصورة مباشرة ، هدف تحرير فلسطين . بيد ان الهزيمة التي لحقت بهذه الدول قد اثارت موجة اولى من التجدر المعادي للامبريالية بالمنطقة العربية ، ادت الى انقلابات يقودها قوميون في مصر وسورية والعراق ( تجربة جمال عبد الناصر وتجربة حزب البعث العربي الاشتراكي وتجربة اليمن الجنوبي ) . وقد اعلنت الانظمة الجديدة جميعها عزمها على الثأر من اهانة سنة 1948 المنسوبة الى الانظمة العشائرية السابقة ، لا سيما ان اشتراك الدولة اليهودية في العدوان الفرنسي – البريطاني على مصر سنة 1956 جاء يؤكد تماما دورها ككلب حراسة للامبريالية العالمية في الشرق الاوسط وبالعالم العربي بوجه عام
لكن التقاعس الذي ابدته الانظمة القومية العربية في وجه استفزازات الصهاينة المتغطرسة ، قد غدى التشكيك بها . ومن جهة اخرى فان الانتصار النهائي لحرب التحرير الجزائرية بدعم جيش التحرير المغربي والمقاومة المغربية في سنة 1962 ، روّج لمفهوم " الكفاح المسلح " و " الحرب الشعبية "، وحثّ على تحميلها مهمة تحرير فلسطين . وقد انتظمت شتى تعبيرات الحركة القومية العربية من اجل ذلك ، فجرى خلق منظمة التحرير الفلسطينية ( م . ت . ف ) تحت الوصاية المصرية ، وبقرار من القمة العربية الاولى في سنة 1964 ، لأجل احتواء الدول لموجة التجدر الشعبية الجديدة التي بدأت ترتسم معالمها بالمنطقة العربية . هذا وقد دخلت العديد من اتجاهات الحركة القومية العربية غير الحاكمة ، هي ايضا ، ميدان المنافسة . والحال ان اكثرها تخلفا من حيث الايدولوجيا ، حركة ( فتح ) ، المستوحية بالإسلام ، وذات الاصول السلفية ( اخوان مسلمون قبل تحرك المخابرات الصهيونية بخلق حماس لمزاحمة منظمة التحرير الفلسطينية ) ، كان لها الفضل في تدشين الكفاح المسلح في اول يناير 1965 . وكانت الممارسة – بالرغم من ايديولوجيتها الرجعية الغارقة في اليمينية والمحافظة الكهنوتية ، تنفي اي وجه اجتماعي للنضال – كافية لعزل فتح عن الانظمة العربية ، باستثناء اكثرها جذرية ، نظام يسار البعث الذي استولى على الحكم في سورية سنة 1966 .
ان الهزيمة الساحقة التي منيت بها جيوش الانظمة العربية ، في وجه الجيش الصهيوني في شهر يونيو 1967 ، قد اكملت تجريد الانظمة السياسية العربية القومية من مصداقيتها ، وسمحت لموجة التجدر الثانية بالتدفق على صعيد حركة الجماهير هذه المرة . هكذا اضحى عنوان المرحلة المعبر عن هذه الموجة متمثلا في منظمات الكفاح المسلح المشار اليها باسم " المقاومة الفلسطينية " التي شهدت نموا كبيرا جدا في سنتي 1968 و 1969 ، وبالأخص في الاردن . وقد وضعت يدها سنة 1969 على ( م . ت . ف ) الرسمية ، جاعلة من تلك المنظمات ، عبارة عن امتدادات فلسطينية لشتى اتجاهات القومية العربية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة . فعدا حركة ( فتح ) سابقة الذكر ، كانت المنظمات الرئيسية هي ( الصاعقة البعثية ) التابعة لسورية ، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تزعمها الحكيم الدكتور جورج حبش ، والتي انبثقت عن حركة القوميين العرب الناصرية . وقد عرفت هذه الاخيرة تجدرا ايديولوجيا نتيجة ازمة الناصرية عقب هزيمة عام 1967 ، وانتهى الامر بالجبهة الشعبية الى تبنيها الماركسية اللينينية ، بعد ان سبقها الى ذلك في سنة 1969 جناحها اليساري المنشق عنها بزعامة ناييف حواتمة ( الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين ) ( لاحقا الجبهة الديمقراطية ) . ولم يبق خارج نطاق المقاومة الفلسطينية ، بين المنظمات المضادة للامبريالية في المنطقة ، سوى الستالينيين ، على الرغم من محاولة خجولة تم اجهاضها بسرعة ( الحزب الشيوعي ) . ان وضع هؤلاء يجد تفسيره بسببين : خطيئة الستالينية الاصلية بتأييدهم قرار تقسيم فلسطين عام 1947 ، ودعمهم للتسوية السلمية التي نص عليها القرار 242 في نونبر 1967 الصادر عن مجلس الامن الدولي ، وهما موقفان نبعا كلاهما حصرا من خضوع الستالينيين للاتحاد السوفيتي المنحل
هذا وقد شكل اقتحام منظمات المقاومة الفلسطينية للساحتين الاقليمية والعالمية ، بعد عام 1967 واقعا غير قابل للارتداد و التراجع ، واضحى ذا بعد سياسي هام وعظيم ، تجسد في اعتراف الشعوب والدول والمنظمات السياسية والحقوقية الدولية وتأكيدها على وجود شعب ، هو الشعب الفلسطيني ، رغم جهود الدولة العبرية وجارتها الاردنية لمحاولتهم طمس هويته طيلة اكثر من عشرين سنة ، بتحويله الى عرب اسرائيل في جانب من الحدود ، وأردنيين غربيين في الجانب الآخر . هذا وقد جندت المنظمات الفلسطينية معظم الويتها اصلا في صفوف الجزء الثالث من اجزاء الشعب الفلسطيني – لاجئي مخيمات شرق الاردن ولبنان وسورية المطرودين من المناطق التي احتلتها الدولة الصهيونية في عامي 1947 و 1948 -- . ان ( م . ت . ف ) ،بضمها مجمل تلك المنظمات في عام 1969 ، تكون قد فرضت نفسها عبر السنين ، كقيادة للنضال القومي لمجموع الشعب الفلسطيني ، وبالتالي كتعبير عن هوية وكرامة وطنيتين طالما تعرضا للإهانة من العرب اكثر من الاسرائيليين والغربيين
2 -- بالرغم من التنوع الايديولوجي الكبير لمنظمات المقاومة الفلسطينية -- التنوع بين المنظمات ، ولكن ايضا داخل اوسعها ، حركة ( فتح ) ، حيث تعايشت تيارات تراوحت بين السلفية ( فتح ) والماوية والستالينية ( الديمقراطية والشعبية ) – ،فان عدة سمات سياسية وعملية كانت مشتركة بينها ، وشكلت في الواقع حدودها العضوية . ان هذه السمات تتعلق بميزتين سياسيتين :
--- القصوية : ان تحرير فلسطين ، وهو الهدف المشترك الوارد في اسم جميع المنظمات الفلسطينية ، لا يمكن مماثلته مثلا بتحرير الجزائر . ففي هذه الحالة الاخيرة كان ميزان القوى على الارض ، ميالا لصاح الشعب ، بحيث ظهر الهدف معقولا . بينما الهدف في الحالة الفلسطينية كان يتعدى حجمه بكثير ، امكانات الشعب الفلسطيني وحده ، لا سيما وان 60/00 من الفلسطينيين يقيمون خارج وطنهم التاريخي ، وهم خاضعون لحكومات عربية شتى . ومن جهة اخرى ، فان تمسك السكان اليهود الاسرائيليين ب " ارض الميعاد " ، هؤلاء السكان المطرودين من بلدانهم الاصلية من قبل الاضطهاد العنصري الاوربي والنازي ، والمزروعين في فلسطين من قبل الحركة الصهيونية ، هو تمسك اقوى لا يمكن قياسه لدا المستعمرين الاوربيين في الجزائر ، الذين كان لهم وطن اصلي هو فرنسا . علاوة على ذلك فان الدولة الصهيونية ، بالإضافة الى القوة العسكرية الضخمة التي تملكها وتميزها ، هي في نظر الامبريالية الامريكية جزء لا يتجزأ من ارضها الخاصة بها . ان تحرير فلسطين في تلك الشروط مجتمعة ، والتمكن من تفكيك الدولة الصهيونية ، مهمة صعبة جدا ، لا يمكن تحقيقها بحرب الشعب الطويلة الامد التي دعت اليها المنظمات الفلسطينية بمجملها . لذا فمع افتقادها لأهداف انتقالية كالانسحاب الاسرائيلي غير المشروط من الاراضي المحتلة سنة 1967، اقتصرت هيمنة المقاومة الفلسطينية ، خلال سنواتها الاولى ، على سكان المخيمات للاجئين الفلسطينيين ، الذين جعلهم وضعهم الاجتماعي الهامشي يتقبلون القصوية اي التطرف . هذا وقد اتسم مفهوم الكفاح المسلح الفلسطيني ذاته بالأوهام القصوية ، فبدل تصور نشاطات المقاومة المسلحة كعنصر من عناصر استراتيجية ثورية شاملة ، ’مكمّل لمختلف اشكال تعبئة الجماهير ، درج تصورها على " الطريقة الجزائرية " ، اي كوسيلة ملائمة لهدف التحرير وقادرة على تحقيقه . وقد حتم ذلك التصور بلوغ مأزق في امد قصير ، يفسره لجوء المنظمات الفلسطينية المتزايد منذ عام 1968 ، الى نشاطات من النمط الارهابي خارج ارض فلسطين وخارج المنطقة العربية اضر بالقضية الفلسطينية .
--- القطرية الفلسطينية : لقد اقترنت قصوية المقاومة الفلسطينية ، بعجزها عن الانخراط في استراتيجية ثورية اقليمية شاملة . بل وبحفز من الاوهام التي نجمت عن نموها البالغ السرعة في عامي 1968 و 1969 ، آمنت المقاومة بإمكانية ، ان لم يكن بقرب ، انتصارها الساحق على الدولة الصهيونية . فلم تبد بالتالي ، وفي احسن الاحوال ، سوى اهتمام ثانوي جدا بما كان يفترض ، ان يشكل طليعة ثورية عقلانية في مهامها الاستراتيجية ، اي تعبئة الحلفاء الذين بدونهم لن يكون ليس لنضال المقاومة الفلسطينية ، اي افق لانجاز انتصار حقيقي وواقعي على الدولة العبرية .
اولا ، ظلت الجماهير الكادحة في البلدان العربية ، خاصة البلدان حيث يتركز اللاجئون الفلسطينيون ( الاردن ) ، وحيث كانت قواعد الكفاح المسلح موجودة ، مهمشة وبعيدة عن ان تقرر في شؤونها حسب مصلحتها . والحال ان ( م . ت . ف ) بوضعها المصالح المباشرة لنشاطها الخاص بها فوق اي اعتبار ، وهو خيار تبين لاحقا انه خاطئ كليا ، اتفقت مع الحكومات العربية ، باسم النضال المقدس ضد العدو القومي المشترك ، بدل دمج قواها بقوى الجماهير الكادحة من اجل الاطاحة الثورية بالأنظمة المعادية للقضية الفلسطينية ، ومن ثم قيام حكومات مستعدة حقا لدعم النضال التحرري للشعب الفلسطيني .
واما الجماهير الكادحة اليهودية ، ولا سيما جماهير اليهود الشرقيين الاكثر اضطهادا ، فكانت مغيبة من جدول الصراع العربي الاسرائيلي من قبل جميع المنظمات الفلسطينية. والحال ان " نزع الصهيونية " عن قسم جدير بالذكر من السكان اليهود الاسرائيليين ، يقتضي ان يبين بوضوح ، من جهة ، التناقض بين مصالح الشّغيلة اليهودية ، ومصالح المؤسسة الصهيونية البرجوازية ، ومن جهة اخرى ، وحدة مصالحهم التاريخية مع مصالح مجمل شغيلة المنطقة المحلية والعربية . ويتطلب هذان الهدفان السياسيان تصورا برنامجيا أمميا للمسالة الاسرائيلية ، يعترف بالواقع القومي الذي خلقه الاستعمار الصهيوني ، مع ممارسة سياسية وعسكرية تأخذ هذا التصور بعين الاعتبار . لكن وبسوء تقدير وارتجال ، فان السلوك العسكري المشترك بين المنظمات الفلسطينية جميعها ، وتصورها السياسي والبرنامجي المهيمن – عابر وهامشي في حالة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ( حبش ) والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ( حواتمة ) – تعارضا بالضبط مع الاعتبارات المذكورة ، فتم حرمان النضال الفلسطيني من زخم اساسي مؤثر في العملية السياسية من داخل الدولة الصهيونية .
لقد كانت اوخم عواقب قطرية وشوفينية المقاومة الفلسطينية ، هي ارتهانها بالأنظمة العربية . فسواء حركة ( فتح ) التي جعلت من " عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية " ايديولوجية رسمية ، او الجبهتان الشعبية والديمقراطية اللتان تتكلمان باسم الثورة العربية – ناهيكم عن الصاعقة وهي افراز مباشر للدولة السورية – ، فان جميع المنظمات الفلسطينية قد ارتهنت منذ نشأتها بهذه او تلك الدولة بالمنطقة : فارتبطت الجبهة الشعبية بالعراق ، والديمقراطية بسورية ، وارتبطت حركة فتح بمجمل الدول العربية وعلى الاخص بأكثرها يمينية ورجعية ، اي الاردن والمملكة العربية السعودية ، حيث قامت هذه الاخيرة بإغراق محروستها ( فتح ) بأموال البترول الطائلة ، حتى تتحكم في قرارها ، وتتحكم من ثم في تحديد نفوذ القوة ، بين الانظمة العربية التي كانت تستعمل ادواتها بالساحة الفلسطينية لخوض معارك بالوكالة ، او من اجل تصفية حسابات ضيقة ، هذا رغم ان ( فتح ) تدعي انها منظمة ثورية . اذن جميع المنظمات كانت تابعة ماليا الى احدى الدول العربية بالرغم من محاولات الجهد الذاتي المسلح التي بذلتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
3 – يلاحظ ان حركة ( فتح ) قد حملت جميع الاوصاف اعلاه الى حدها الاقصى . وبفضل مرونة ايديولوجيتها الاخوانية الرجعية ، والمجد الناجم عن دورها الراشد ، وأخرا وليس اخيرا ، بفضل وسائل مالية خليجية وأوربية فاقت بكثير وسائل منافسيها ، فرضت حركة ( فتح ) نفسها سريعا في الساحة الفلسطينية . ومع تضخمها الذي تجلى في التزايد الهائل لجيشها من " المقاتلين المحترفين " ، ولعدد المستفيدين من اعاناتها بشتى الدواعي ، عرفت فتح سيرورة تبقرط سريعة ، تغذيها وفرة مواردها في اطار من التبذير الخارق . وقد تدعّمت تلك السيرورة من خلال الاندماج عام 1969 ، بين منظمات الكفاح المسلح ، و ( م . ت . ف ) التي غدت هكذا تحت هيمنة ( فتح ) . ان ذاك الاندماج لم يكن في حقيقة الامر إلا تعبيرا ساطعا عن نوع القوى التي بدأت تستأثر بالعمل الفلسطيني في الساحة الفلسطينية . انه زواج ( فتح الاخوان المسلمين ) ، مع البرجوازية الفلسطينية الممثلة داخل المجلس الوطني الفلسطيني الذي كان ’يعّين منذ تأسيسه سنة 1964 ولم ’ينتخب قط في تاريخه .
لقد التفّت مجمل الرجعية العربية والفلسطينية حول منظمة ياسر عرفات بغية تقزيم الخطر الذي شكله الصعود الزاخر لحركة اللاجئين الفلسطينيين المسلحة في العديد من البلاد العربية خاصة منها الاردن ولبنان بعد حرب 1970 . هكذا فان قيادة ( فتح ) ، غدت مرتهنة بصورة دائمة ، بالتوازن بالغ التقلب ، بين ضغط الجماهير التي كانت تؤطّرها ، وضغوطات مموليها العرب . كما ان تبر’جزها ( برجوازي ) البيروقراطي المتسارع ، هو الذي كان يحدد قراراتها في التعيينات التي كانت تحصل في مختلف القيادات و كلما اضطرت الى الخيار بين الضغوطات المتناقضة ( تفضيل الاستبداد بدل الديمقراطية في تولي المناصب التقريرية ) .
تلك كانت الحال على الاخص في الاردن في فترة 1969 – 1971 ، حيث اخذت قيادة ( فتح ) على عاتقها قمع اي تدخل من قبيل منافسيها اليساريين في الشؤون السياسية والاجتماعية للمملكة الاردنية ، وذلك باسم الاولوية المطلقة ل " التناقض الرئيسي " مع العدو الصهيوني . هكذا جرّدت قيادة فتح ، المقاومة الفلسطينية من سلاحها المعنوي في وجه الملكية الهاشمية ، التي كانت تستعد وتعد العدة بكل وضوح لإجتثات حركة الجماهيرية المسلحة التي تحملتها رغم انفها ، رغم علمها بأنها متناقضة موضوعيا مع سلطتها ونموذج . فلم يكن ممكنا ان تبقى ازدواجية السلطة الى الابد في الاردن ، بالرغم من اوهام التعايش التي روجتها قيادة فتح البرجوازية . بيد انه من الطرفين ، كان الطرف الوحيد العازم على حسم تلك الازدواجية لصالحه هو الملكية . هكذا فعندما شنت الاخيرة هجومها الكبير ضد المقاومة الفلسطينية في عام 1970 ، وجدت بوجهها قيادة ( فتح ) مترددة وملتزمة بموقف دفاعي صرف ، وحريصة فوق ذلك على التمايز عن منافسيها اليساريين ( الشعبية والديمقراطية ) ، الى حد القائها بمسؤولية المعارك عليهما . هكذا والى جانب التجريد من السلاح المعنوي ، انضاف التجريد من السلاح بحصر المعنى ، عندما وافقت قيادة فتح على نزع سلاح الميليشيات ، وسحب المقاتلين من المدن ، وجمعهم في مناطق معزولة ، لم يجد الجيش الاردني صعوبة كبيرة في طردهم منها في عام 1971 ، منهيا بالتالي الوجود الفلسطيني المسلح داخل المملكة . ان تلك الهزيمة الخطيرة لم تكن نتيجة ميزان قوى موضوعي ، بل كانت نتيجة سياسة محددة ، لا سيما وان فلسطيني الاصل ، لا يشكلون غالبية سكان الاردن ( الضفة الشرقية ) المدنيين وحسب ، بل يشكلون ايضا غالبية جنود الجيش الملكي ( جيش التحرير الفسطيني الذي شارك الجيش الاردني في طرد م ت ف من الاردن في سنة 1971 ). لقد انجز سحق ( م . ت . ف )في الاردن ، سيرورة انحطاطها البيروقراطي من عدة نواحي : من خلال استشهاد خيرة مقاتليها في المعارك وأكثرهم اخلاصا لقضية شعبهم . من خلال انقطاع علاقاتها المباشرة بأهم قاعدة جماهيرية كانت تتواجد بها . من خلال هبوط المعنويات الذي اعقب الهزيمة . ومن خلال انكفاء مؤسساتها الى بلد هو لبنان ، حيث كان بالإمكان التمتع بالامتيازات البيروقراطية على اكمل وجه
4 – كان حتميا ان يترافق التحول البيروقراطي ، والبرجوازي فيما يخص منظمة ( فتح ) ، الذي عرفته المنظمات الفلسطينية بمراجعة برنامجية نقدية . وقد ’نسبت الهزيمة الاردنية الى المنظمات اليسارية ، و’اعيد النظر تدريجيا في قصوية سنوات العز ،فأضيفت لها نظريا – حلت محلها في الواقع – ’ادنوية ( من ادنى ) اكثر انسجاما بكثير مع طموحات البيروقراطية الفلسطينية الجديدة . فبعد ان اكتسبت طابع جهاز دولة حقيقي ، لكنه في المنفى ، اخذت تلك الاخيرة تبحث منذ ذاك ، عن السبيل الاقصر للحصول على ارض خاصة بها ، تستطيع ان تنعم عليها بدون موانع بامتيازاتها التي تغذيها الهبة النفطية والدولار . وقد ’ابقي على هدف تحرير فلسطين كأفق بعيد ، اقرب الى الطوباوية الرسمية منه الى البرنامج الحقيقي . وغدا الهدف المباشر الجديد الذي ’وصف بالواقعي والقابل للتطبيق والتحقيق ، هو انشاء " دولة فلسطينية مستقلة " في الضفة الغربية وقطاع غزة ، الأرضين الفلسطينيتين اللتين احتلهما الجيش الاسرائيلي عام 1967 . كان الهدف الجديد واقعيا في ذهن دعاته ، حيث يمكن بلوغه بدون التغلب عسكريا على الدولة الصهيونية : اي بالوسائل السياسية والدبلوماسية المرفقة بكفاح مسلح فقد هكذا طابعه الاساسي ، ليصبح وسيلة ضغط اضافية ( طالت المراجعة دور الكفاح المسلح وليس اشكاله ، فهذه لا زالت على حالها الى اليوم ) .
ان ( الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ) التي اتخذ انحطاطها شكلا خصوصيا هو الستلنة ( اي التحول الى الستالينية ) والاصطفاف وراء الاتحاد السوفيتي السابق ، كانت الاولى في الدعوة للمراجعة البرنامجية . اما قيادة ( فتح ) ، فلم تتبن علانية تلك المراجعة إلا بعد الحرب العربية الاسرائيلية في اكتوبر 1973 ، وبعد ان قدّرت ان الظروف السياسية الجديدة التي خلقتها الحرب ، و لا سيما التعاظم الكبير لثقل الدول العربية الدبلوماسي ، بفضل القفزة الهائلة للمداخل النفطية ، بالإضافة الى مؤتمر جنيف ، بين الدول المتحاربة تحت رعاية الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي السابق ، جعلت " تسوية سياسية " للنزاع العربي الاسرائيلي معقولة ، فقررت قيادة ( فتح ) المطالبة بحصتها من الحلوى المتمثلة في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، والتي يشكل ردها من قبل اسرائيل الشرط المطلق لأي " تسوية شاملة " . لقد تم تبني برنامج " الدولة الفلسطينية "من قبل ( م . ت . ف ) التي تهيمن فتح عليها منذ عام 1974 ، غير ان التبني كان بصياغات تدريجية : من " السلطة الوطنية على كل ارض محررة 1974 " الى " الدولة المستقلة 1977 ". هذا وآيا كانت الصياغة ، فان البرنامج الجديد كان مبنيا على الخيال والحلم والسفسطة : بالفعل ، فإذا كان الهدف حقا هو انشاء سلطة وطنية فلسطينية مستقلة وذات سيادة ، كتعبير جزئي عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، وذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة ( عدا انه لمن الوهم بالكامل ادعاء الحصول على الاستقلال في دويلة واقعة كليا بين فكي الكماشة الاسرائيلية ، ظهرها في الاردن ، الضفة الغربية ، والى البحر والصحراء في الجانب الآخر ، قطاع غزة ، وإسرائيل تفصل بين الجانبين ) عندئذ يكون من المستحيل بشكل مطلق بلوغ ذاك الهدف من خلال انسحاب بالتراضي ( بالتفاوض ) للجيش الاسرائيلي من الاراضي المحتلة سنة 1967 . ففي اكثر الاحتمالات تفاؤلا ، قد ترضى الدولة العبرية بانسحاب جزئي جدا من الضفة الغربية التي تملكت حتى الآن ما يقارب نصف مساحتها التي زاد في تقليصها خريطة الطريق الامريكية ، مرفق بشروط تعسفية سوف تجعل من تلك الاراضي ( الضفة وغزة ) نوعا من الدويلات الكرتونية التي خلها النظام العنصري في جنوب افريقيا ضمن حدود دولته . ان الانسحاب الاسرائيلي الجزئي سيكون لقاء استسلام سياسي كامل من قبل الدول العربية على طريقة انوار السادات .
ان تقرير مصير فلسطيني حقيقي ، حتى لو اقتصر على الضفة الغربية المزمع دمجها المفترض مع قطاع غزة ، لا يمكن تحقيقه عبر التفاوض مع الدولة العبرية ، بل لا بد من فرضه بالنضال . بهذا المعنى ، فان هذا الهدف الذي تكمن اهميته في انه يتيح تعبئة اكثر كثافة للجماهير الفلسطينية في الاراضي المعنية ، كما يتيح كسب دعم غير هزيل من السكان اليهود الاسرائيليين . ان هذا الهدف اذن يكتسي طابعا انتقاليا . انه ’مكمّل لمطلب الانسحاب الكامل وغير المشروط للجيش الصهيوني من الاراضي المحتلة سنة 1967 . و لابد من اكماله هو ايضا بذلك التقرير للمصير الجزئي الآخر للشعب الفلسطيني الذي يمر عبر الاطاحة بالدور الاردني ثاني المضطهدين الرئيسيين لذاك الشعب بعد الدولة الصهيونية . ان تقريري المصير الجزئيين هما مرحلتان انتقاليتان نحو الهدف الاستراتيجي ، ألا وهو تحطيم الدولة الصهيونية الذي يقتضي الشروط الموضوعية اعلاه
وبالرغم من ان قيادة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية كانت تدعي سنة 1974 انها تتبنى التفسير " الانتقالي " للهدف الجديد ، فان السياق السياسي لمشيئتها بذاته ، لم يترك مجالا للشك في نواياها الحقيقية ، المتجهة نحو الحل " التفاوضي " . وهذا بالأصل ما اكدت عليه ، في تلك الفترة الجبهة الشعبية التي قررت مقاطعة الهيئات القيادية في ( م . ت . ف ) وأسست جبهة الرفض مع منظمات ثانوية . وقد اعطت قيادة ( م ت ف ) اكثر فأكثر اولوية اهتمامها للنشاط الدبلوماسي بدءا من عام 1973، مستفيدة من الشروط الجديدة التي خلقتها حرب تحريك اوراق المفاوضات التي اطلق عليها كذبا بحرب اكتوبر . لذا فان برنامجها الجديد الاكثر " مشروعية " قد حظي بكثير من الاهتمام من قبل موسكو والأنظمة العربية والدول غير " المنحازة " ، وحتى بعض القطاعات الامبريالية ، مما مكنها من تحقيق خطوات مهمة في المجال الدبلوماسي . وهكذا فان ( م . ت . ف ) بعد ان " عقْلنت " ممارستها ، حصلت سنة 1974 على الاعتراف بها بصفة " الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني " من قمة لاهور الاسلامية ، وقمة الرباط العربية . والحال ان المقاومة الفلسطينية لم تجد من ينافسها بعد عام 1967 في مجال الكفاح ضد الصهيونية ( لم تكن حماس والجهاد الاسلامي قد انشئتا بعد ) ، لكن ما ان وضعت ( م . ت . ف ) نفسها في افق الاشتراك في تسوية تفاوضية حتى اصطدمت بمنافسة حقيقية من الحكم الاردني الذي كان يريد الاستئثار بقضية القدس والضفة الغربية . لذا ولسحب البساط من تحت الكمبرادور الاردني اصرت ( م . ت . ف ) على حقها المطلق والمشروع في تمثيل الشعب الفلسطيني ، حيث اعترفت لمنظمة التحرير بهذا الحق جميع الدول العربية والإسلامية ودول اوربة الشيوعية والاتحاد السوفيتي المنحل اضافة الى الصين والغالبية العظمى من دول عدم الانحياز
5 -- ان اختيار م . ت . ف لإستراتيجية المفاوضات السلمية والسياسية والدبلوماسية ، حتى لو تضمنت تركيبا من اشكال النضال المختلفة ، قد ادى بصورة حتمية الى رسم مسارها السياسي اللاحق . لذا فان هدف " الدولة الفلسطينية " ذاته لا يمكن بلوغه بقوى الشعب الفلسطيني وحدها ، حيث ان المؤسسة الصهيونية لو اضطرت الى الاختيار بين احتمالي الانسحاب غير المشروط من الاراضي المحتلة عام 1967 ، او ضمها رسميا مثل الجولان مع طرد معظم سكانها ، فإنها لن تتردد في اختيار الاحتمال الثاني . لذا يقتضي الهدف المدكور اعلاه ، دينامكية قوى تسير في اتجاه الهدف الاستراتيجي الاقصى ، وهو ما لم تكن قيادة ( فتح ) ومنظمة التحرير الفلسطينية اطلاقا مستعدتان للبحث عن وسائل هذا السياسة الاخيرة المتناقضة مع طبيعتها البيروقراطية البرجوازية ، مع ارتهانها المالي بالمملكة العربية السعودية . فعوض السعي لنيل دعم الجماهير الكادحة في البلدان العربية ، وإسرائيل ، والاندماج الكامل وبدون لبس في النضال العالمي ضد الامبريالية أنداك ، سعت قيادة عرفات وراء وسائل سياستها الخاصة بها لدى الدول العربية والامبريالية الاوربية ، وجماعات صهيونية " معتدلة " . ووضعت في طليعة اهدافها الحصول على اعتراف بها من قبل الامبريالية الامريكية ، باعتبارها في نظرها الوحيدة القادرة على فرض " تسوية " على الدولة الصهيونية رغم انف هذه الاخيرة .
ومع ذلك فان الازدواجية ذاتها التي اتسمت بها مواقف قيادة م . ت . ف ، وهي تركيب من التصريحات المعادية للامبريالية وغمزات العين لها ، اي للامبريالية نفسها ، تلك الازدواجية التي تعكس ازدواجية موقعها الاجتماعي السياسي كقيادة برجوازية مرتهنة بالتوازن ، بين حركة الجماهير التي تستمد منها قوتها السياسية ، من جهة ، الحكام العرب الذين تستمد منهم مواردها المالية الضخمة من جهة اخرى ،،، ان هاتين الازدواجيات اذن لم يكن اطلاقا بمسطاعهما ارضاء الامبريالية الامريكية ، فبالأحرى الدولة الصهيونية . لذلك سعى الطرفان الاخيران بلا كلل ، وعبر شتى الوسائل المباشرة وغير المباشرة ، لتحطيم العنصر الاكثر جذرية في المعادلة برمتها : ألا وهو حركة الجماهير الفلسطينية المسلحة ، التي بات لبنان بعد 1971 ملاذها الرئيسي
هذا وقد اضحى واضحا منذ عام 1973 ، ان الجيش اللبناني بتركيبته اليمينية ، كان عاجزا عن انجاز المهمة القدرة بقواه الذاتية وحدها . وقد ظنت واشنطن ان الانجاز سيصبح ممكنا لو اضيفت الى القوى المذكورة ، قوى المليشيات المسيحية الرجعية ، فأقحمت بذلك هذه الاخيرة في المعركة سنة 1975 ، تلك المعركة التي لم تفلح سوى في اثارة رد فعل قومي – طائفي من قبل اغلبية سكان لبنان المسلمة ، الامر الذي ادى الى تفجر الدولة اللبنانية والى تقوية سلطة م . ت . ف في لبنان بشكل بالغ . بيد ان قيادة هذه الاخيرة اعطت دوما الاولوية لشتى الزعامات البرجوازية المسلمة ، سواء كانت سنية او شيعية ( حركة امل ومن بعد حزب الله) او درزية ( الحزب التقدمي الاشتراكي ). وقد ذهبت منظمة التحرير مرارا عديدة ، وبدون جدوى ، لمد يدها الى اقصى اليمين المسيحي آملة عقد سلم معه . ولما اصبحت القوى المسيحية الرجعية المتحالفة مع اسرائيل على وشك الانهزام الكامل سنة 1976 ، تفاوضت واشنطن مع الحكم السوري واعدة اياه بالكف عن الالتفاف عليه في سعيها وراء سلم منفرد مصري اسرائيلي ، وهو الهدف الذي جهد هنري كيسنجر من اجله منذ سنة 1975 . وقد تكلفت دمشق لقاء ذلك بإنقاذ حلفاء الامبريالية اللبنانيين ، وبالعادة النظام البرجوازي في لبنان . إلا ان المحاولة السورية اصطدمت بمقاومة عنيفة جدا من قبل الجماهير اللبنانية والفلسطينية . ورغم ذلك افضت الحرب الى هيمنة سورية على مجمل الاراضي اللبنانية شمالي الخط الاحمر الذي حددته اسرائيل ، هيمنة تحققت بموجب اتفاق عقد مع قيادة م . ت . ف ، تحت رعاية سعودية ( مؤتمر الرياض في اكتوبر 1976 ) وهنا فان الانظمة العربية كانت قد اختارت التريث عشية الانتخابات الرئاسية الامريكية وهو ما درج عليه النظام السياسي العربي عشية كل انتخابات امريكية .
لكن التغيير هذه المرة جاء من الانتخابات الاسرائيلية عام 1977 ، مع وصول متطرفي الليكود الى السلطة بقيادة الارهابي بيغن . فلما اتضح ان آفاق " تسوية شاملة " تفاوضية اصبحت معدومة ، انطلق السادات في عملية " السلام " الشهيرة الى توجت بعد بضعة شهور في سبتنبر 1978 على اتفاقية كمبد يفد . وقد وجدت سورية نفسها من جديد ، وبحكم الظروف ، في المعسكر المضاد للأمريكيين ، فجددت تحالفها مع م ت ف واليسار اللبناني على حساب المعسكر المسيحي الرجعي . ولم يبق سوى التدخل الاسرائيلي المباشر كوسيلة اخيرة ضد المقاومة الفلسطينية المتحالفة مع اليسار اللبناني وسورية . فجرى اجتياح اسرائيلي اول سنة 1978 اقتصر على لبنان الجنوبي وأفضى الى انتشار قوات الامم المتحدة في تلك المنطقة . هذه القوات بدل ازعاج م ت ف وحلفائها شكلت بالأحرى – موضوعيا – درعا لها ، فتحتم اجتياح ثان ، اوسع نطاق وأطول مدة بكثير ، وجرى بالفعل في يونيو 1982 عندما اكتملت شروطه : ريغان في الحكم في واشنطن والانسحاب الاسرائيلي من سيناء منجز في ابريل 1982 بحيث لا يعيق الاجتياح " السلام " المصري – الاسرائيلي .
6 – ان حصار بيروت من قبل الجيش الاسرائيلي قد وضع قيادة م ت ف امام خيار بين احتمالين لا ثالث لهما : اما خيار المقاومة العتيدة مع الاخطار الاكيدة التي انطوى عليها ، لكن مع امكانية حقيقية في النجاح ، حيث ان الجيش الاسرائيلي بعيدا عن ان يكون جيشا لا يتزعزع ، كما جرى لاحقا انهزامه امام مقاومة الجماهير في جنوب لبنان ،،، او استسلام سياسي بحيث تحافظ قيادة م ت ف على اثاثها بنقله الى مكان خارج لبنان . ان هذا الخيار الاخير – الذي كانت قيادة عرفات مستعدة لاختياره بسبب طبيعتها الاجتماعية والسياسية البرجوازية غير المقاتلة – هو الذي ساد منذ ايام الحصار الاولى عندما بدأت مفاوضاتها مع مبعوث ريغان ، حول شروط اجلاء المقاتلين الفلسطينيين من بيروت . وبعد مساع جهيدة ، توصلت قيادة م ت ف الى الخضوع لكافة الإملاءات والشروط الامريكية ( خطة فليب حبيب ) ، بما فيها تدخل قوات متعددة الجنسيات الامبريالية ، وحصلت بالمقابل على وعد باعتراف ادارة ريغن بضرورة انسحاب اسرائيلي من الضفة الغربية وغزة لأجل قيام " حكم ذاتي فلسطيني " فيهما ، بشرط جازم فرضته الادارة الامريكية ، هو ان يكون ذلك الكيان مرتبطا بالأردن . وقد اعلن هذا الموقف الرسمي الامريكي الجديد ، غير المنصوص عليه في اتفاقية كمد يفد ، في اليوم ذاته الذي اكتمل فيه جلاء قوات م ت ف من بيروت . انه مشروع ريغان ( اول سبتنبر 1982 ) .
بجلائها عن العاصمة اللبنانية ، خسرت قيادة م ت ف المكان الاخير ، حيث اصبح بإمكان المقاتلين الفلسطينيين العمل بشكل مستقل عن المنظمة التي قبلت بتوزيعهم على ارجاء المنطقة العربية ، فكانت بذلك قد تبوأت الهدف الاساسي من العدوان الاسرائيلي الامريكي ، ألا وهو نسف القوة مانعة الاستقرار التي شكلتها حركة الجماهير الفلسطينية المسلحة ، حيث وجدت القيادة ذاتها في الامر ما يناسبها ، حيث انها تحررت في الوقت نفسه من الضغط المحرج الذي ارتهنت به حتى ذلك التاريخ . ومنذ ذاك اعتبرت ان ايديها باتت اكثر طلاقا بكثير للسير ، حتى نهاية خيارها السياسي الاستسلامي الذي بدا في السبعينات من القرن الماضي ، لا بل لتعديه ، حيث ان منطق الاستسلامات القسري ، قد جرها الى التخلي عن برنامج " الدولة الفلسطينية المستقلة " -- الذي بدا في نهاية المطاف ، وكأنه يكاد لا يكون اكثر " واقعية " من قصوية الماضي – لأجل تبني " الخيار الاردني " الذي فرضه رونالد ريغان . هكذا فلما تجاوب الملك الاردني مع المشروع الامريكي الجديد بالمنطقة ، بضعة ايام بعد اعلانه ، واقترح اقامة " كنفدرالية اردنية فلسطينية " ، لم يتردد عرفات في الاستجابة لدعوته ، وذهب بنفسه الى عمان لبدء محادثات حول حيثيات تعاونه الجديد مع الملك الهاشمي
هذا وحتى بعد بيروت ، وفي اطار سياسة برجوازية ، لم يكن الخيار الاردني وحده مفتوحا امام قيادة عرفات ، بل كان ثمة خيار آخر لا يزال ممكنا ، ألا وهو الخيار السوري . غير ان هذا الاخير كان يحتم مواجهة مع واشنطن في تواصل مع السنوات السابقة لاجتياح عام 1982 ( لم يرد حتى ذكر بالاسم لهضبة الجولان السورية التي احتلتها اسرائيل سنة 1967 في مشروع ريغان ) . وكان الخيار ذاته يعني ايضا ، بالنسبة لقيادة عرفات ، القبول بالوصاية السورية ، وتأجيل احتمال الحصول على دولة خاصة بها – حتى ولو كانت ملكيتها مشتركة مع الاردن – الى اجل غير مسمى . هذا في حين ان عرفات آمن بوعود مشروع ريغان ، دون ان يخلو الامر من سذاجة يمينية . فاختار بالتالي الانخراط في الاطار الذي حدده هذا الاخير ، وتوصل في ابريل سنة 1983 الى مسودة اتفاق مع حسين . انما عرفات كان يعلم ان خياره الجديد لا بد ان يثير معارضة واسعة من قبل سورية اولا ، وكذلك من قبل ليبيا المعارضتين للسياسة الامريكية ، ثم من قبل اليسار الفلسطيني ( الشعبية والديمقراطية مع الشيوعي والقيادة العامة )، بما فيه الجناح الراديكالي داخل منظمته الخاصة ، فتح . هكذا اختار عرفات عمدا قطع الجسور مع اعداء الخيار الاردني الاشد حزما منذ مايو 1983 ، بحيث تمكن من المضي قدما في علاقاته مع الملك حسين . وقد ادت الاشتباكات مع سورية وحلفاءها التي تلت ذلك ( حرب المخيمات في لبنان ) الى جلاء انصار عرفات في ديسمبر 1983 من الاراضي اللبنانية التي بقيت تحت السيطرة السورية . وإثر مغادرته طرابلس ( شمال لبنان ) توجه عرفات رأسا الى القاهرة ليلتقي فيها الرئيس المصري مبارك ، خارقا بذلك المقاطعة العربية الرسمية للنظام المصري التي اقرت منذ توقيع السادات على معاهدة السلام مع اسرائيل . كان عرفات يشير بذلك السلوك ، ودون اي لبس ، الى انه اختار وضع نفسه في السلة الامريكية في الشرق الاوسط . وبقي له الامل بان تؤدي الجهود المرّكبة لمبارك وحسين والملك السعودي فهد ، الى الحصول على اعتراف رسمي به من قبل واشنطن مكافأة له على سلوكه .
7 – ان المعارضة الفلسطيني الاكثر جذرية للسياسة الجديدة لقيادة عرفات ، جاءت من صفوف فتح بالذات . فكانت " الانتفاضة " كما جرى تسميتها ، تمثل في الواقع الاستمرار الراديكالي لخط فتح في سنوات 1968 – 1970 ، اي انها اعادت انتاج السمات الاصلية الموصوفة اعلاه ( البند 2 ) ، لكن بشكل اكثر انسجاما مع فتح في تلك الفترة التي كانت ترتبط بالسعودية و تهادن الاردن ، وهما نظامان وثيقا الارتباط بالامبريالية ذاتها التي اشارت اليها مجمل مواقف المقاومة الفلسطينية ، بوصفها عدوا بمثابة الدولة الصهيونية . ذلك يعني ايضا ان انتفاضة فتح التي تزعمها ابو موسى ، لم تشكل بأي حال نهجا جديدا للمقاومة الفلسطينية ، بل اعادت انتاج عيوبها الفطرية . وهذا ما تجلى بوجه خاص في موقفها ازاء النظام السوري ( وأداته الفلسطينية الصاعقة ) ، الذي لم يجد سبيلا الى التمايز عنه في المجالين السياسي والعملي ، وذلك بحجة التحالف " الاستراتيجي " معه . والحال انه على الرغم من الفائدة التي لا جدال فيها بالنسبة لمنظمة فلسطينية مسلحة تعمل انطلاقا من لبنان ، في عقد تحالف مع النظام السوري ، يمكن ابقاء هذا التحالف عند مستوى تكتيك جبهة موحدة مع الاحتفاظ باستقلالية سياسية تتجلى بإبراز الفروقات بدل طمسها كما هي الحال . وقد مارست م ت ف بمجملها هذا النوع من التحالف بدون تواطؤ بين عامي 1977 و 1982 ، و ذلك لما كانت قوات النظام السوري تسيطر مباشرة على قسم من الاراضي اللبنانية ( بما فيه بيروت الغربية ومنطقة المقرات الفلسطينية ) اوسع بكثير مما هي عليه اليوم . وحتى لو افترضنا ان دمشق باتت ترفض الآن ان تتكيف مع تحالف كذلك ، وتسعى لفرض هيمنتها بالقوة في الساحة ، فان خيار اليسار الفلسطيني الراديكالي في بناء نفسه بالرغم من القمع السوري ، كان امرا متاحا وممكنا ، لان هذا القمع الذي نهجه النظام السوري لم يمنع التيار " العرفاتي " من اعادة بناء نفسه في لبنان . اما ( فتح ) " الانتفاضة " فبتفاديها اي احراج مع النظام السوري ، فهي لا تفقد اعتبارها في نظر الجماهير السورية وحسب ، بل وأيضا وخاصة في نظر اكثرية الجماهير الفلسطينية لن يكون لفتح الانتفاضة من وجود بدونها .
واما يسار المقاومة التقليدية -- الجبهتان الشعبية والديمقراطية المجتمعتان سنة 1973 في " قيادة مشتركة " – فقد تبنيا في بداية الصراع بين عرفات وخصومه ، موقفا توفيقيا منسجما مع موقف الاتحاد السوفيتي المنحل الحريص على عدم قطع الجسور مع قيادة م ت ف الرسمية ، آملا ان تتخلى يوما عن الخيار الاردني الامريكي ، سواء عن قناعة او عن خيبة تطلعات وأمل . ان هذا الموقف قد نسفه سلوك قيادة عرفات بذاته ، عندما دعت بغطرسة كلية ومن جانب واحد ، الى انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الذي طالما ضمن تشكيلته بالتعيين لأكثرية مريحة للقيادة المذكورة . وهنا لابد ان نشير الى الموقف المخزي لقيادة عرفات حين طالبت من جزار ايلول الاسود الملك حسين افتتاح المجلس في نونبر 1984 ، كما لا يجب ان ننسى موقف عرفات من ادخال ارهابيي البوليساريو لحضور اشغال برلمان المنفى بالجزائر تحت ضغط الجيش الجزائري. لقد انقطع التحالف بين الجبهتين الديمقراطية والشعبية ، اثر قرار الاخيرة التخلي عن الموقف التوفيقي بعد ان فقد مصداقيته ، والانضمام الى فتح الانتفاضة والصاعقة ومنظمات اخرى ثانوية لتشكل جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني ، وهي جبهة قومية تحت الوصاية السورية . اما الجبهة الديمقراطية فقد بقيت بالتحالف مع الحزب الشيوعي الفلسطيني وفية للاتحاد السوفيتي المنحل الذي وإن عبر اكثر من مرة عن استيائه من عرفات ، إلا انه لم يكن يعمل على قطع تلك الشعرة التي كانت تجمعه بعرفات ، كونه على راس اكبر تنظيم اخواني مؤثر في الساحة الفلسطينية هو حركة فتح ، او على الاقل استعادت م ت ف الرسمية التي كان يرأسها .
8 – ان اهمية م ت ف بقيادة عرفات ، في نظر موسكو لا تنجم فقط عن صفتها الرسمية ك " ممثل شرعي ووحيد لشعب الفلسطيني " ، وهي صفة ساهمت موسكو مساهمة كبيرة في ترسيخها من قبل الامم المتحدة . صفة قد تخول عرفات وحده التصديق على " سلام امريكي " . ان تلك الاهمية تنجم ايضا وعلى الاخص من واقع لا جدال فيه ، هو ان الصفة تلك تتناسب مع تأييد اكثرية الشعب الفلسطيني لقيادة عرفات و لا سيما اكثرية السكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع قبل بروز حماس والجهاد . وبالفعل فان الجانب الوحيد الايجابي نسبيا في منعطف قيادة م ت ف سنة 1974 ، كان زيادة الاهتمام بتعبئة جماهير الاراضي المحتلة في عام 1967 التي باتت القيادة الفلسطينية تطالب بها لإقامة " دولة مستقلة " فيها . ان اهمية برنامج م ت ف الجديد ، بالرغم من قراءته اليمينية ( يجب ان لا يغيب عن البال انها لم تكن صريحة في البدء ) كان اكثر قدرة بكثير على كسب اكثرية سكان الاراضي المحتلة مما كانت تنجزه القصوى السابقة . والحال ان اولى المصالح المباشرة لهؤلاء السكان ، هي في التخلص من الاحتلال الاسرائيلي : انهم بالتالي وباستثناء -- اقلية راديكالية نقدية ، خاصة بين الشباب – مدفوعين بصورة طبيعية الى تأييد ما يظهر لهم انه السبيل الاقصر لتحرير ارضهم من الاحتلال الاسرائيلي ، سواء كان السبيل اردنيا او فلسطينيا ، او منذ 1983 اردنيا فلسطينيا . وتتضافر مع هذا الضغط الموضوعي عوامل اجتماعية ومادية تربط جزءا من الوجهاء الفلسطينيين بالعرش الهاشمي ، وجزءا آخر بقيادة م ت ف ، مع حيازة كل جزء على انصاره الخاصين به
هذا وبالرغم من اتفاق حسين – عرفات الذي عقد رسميا في فبراير 1985 ، لم ينفك التنافس بين الطرفين يتجلى في اراضي عام 1967 ( القدس ) . وبتحديد اكثر ، فان الملكية الهاشمية لم تنفك لحظة واحدة تناور بأزلامها الخاصين بها ، بشكل مستقل ، بالتعاون فعليا مع شركاءها القدامى في حزب العمل الصهيوني الذين عادوا الى الحكم في عام 1984 بقيادة شيمون بيريز .
لقد ادى التواطؤ بين الطرفين الى تعيين رجل الاعمال المؤيد للحكم الهاشمي ، ظافر المصري ، على راس بلدية نابلس محل القومي بسام الشكعة الذي فقد ساقيه على اثر عملية تفجير اسرائيلي لسيارته الخاصة ، والذي اقاله الاحتلال الصهيوني من هذا المنصب عام 1982 . و انضاف الى تلك العملية السياسية التي كانت النية قائمة على تعميمها في الضفة الغربية ، اعلان الملك حسين في عام 1986 وقف تعاونه مع قيادة م ت ف المتهمة بالمماطلة والمراوغة واللعب على الوقت قصد ربحه . بيد ان اغتيال المصري في مارس من نفس السنة قد عرقل – لوهلة – مناورة بيريز وحسين المشتركة ، دون منع هذا الاخير في المضي قدما بإثارة انشقاق فلسطيني عميل في ابريل من نفس السنة ، يتزعمه احد اكثر قادة م ت ف فسادا : ابو الزعيم . هكذا وجدت قيادة عرفات البرجوازية الاسلاموية نفسها خاسرة على كافة الاصعدة الاممية ، بعد ان وقعت في فخ خيانتها الخاصة التي غدتها الاوهام . وللخروج ما النفق المآزق ، تحركت الجزائر وبمباركة موسكو ، مادّين خشبة الخلاص لعرفات ومن معه ، و ذلك بالدعوة الى اعادة توحيد م ت ف الفكرة التي راقت بعض معاوني عرفات الاكثر تشكيكا في نهجه . غير ان هذا الاخير الذي رمى بكل بيضه في السلة الامريكية بسبب الطابع الاسلاموي الاخواني والبرجوازي ، فضل الاتكال على مبارك المخلوع وصدام حسين دكتاتور العراق الدموي حلفاءه في الصف الامريكي ، كما اعتمد على الملك فهد سنده الدائم ، ليضغطوا على الحكم الاردني ويجبروه على التعاون معه من جديد . فعرفات يعلم انه ، بخلاف الملك الحسين منافسه المباشر ، لا يزال سائر الحكام العرب يحتاجون اليه كحليف سياسي ، دون ان يمنعهم هذا الواقع من الضغط عليه كي يمضي حتى النهاية في استسلامه و يعترف رسميا بالقرار 242 الصادر عن مجلس الامن الدولي ( نونبر 1967 ) كما تطالبه بذلك واشنطن . ان هذا الاعتراف يعني بالنسبة لعرفات رمي ورقته الاخيرة ، الامر الذي يطالب لقاءه بضمان رسمي لاعتراف واشنطن به . ومهما تكن نتيجة هذه المساعي ، فان محصلة وحصيلة نشاط قيادة عرفات ومن معه ، هي افلاس تام وكامل في النهج الاستسلامي الرجعي الاخواني واليسراوي الذي اختارته م ت ف طوعا وعمدا .
9 -- ان المقاومة الفلسطينية ، بعد ستة وأربعين سنة من الوجود ( 1965 – 2012 ) تعيش اليوم ازمة عميقة جدا ، حيث لا احد من مكوناتها وبما فيها اليسارية ( الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة والشيوعي ) يحمل برنامج التخطي للمعضلة التي افقدت النضال الفلسطيني زخمه المعتاد . وقد زادت الازمة استفحالا منذ الدخول في مرطون المفاوضات العقيمة ، من مفاوضات واي ريفر ، الى مفاوضات واي بلايتيشين ، الى مفاوضات اوسلو التي رسخت الانهزامية والتصدع والهرولة ، وراء انظمة سياسية عاجزة ، منها من كنسته جماهير التصحر ( الربيع ) العربي ، ومنها من هو في طريقه الى الزوال (سورية ) ،مما يجعل الوجود الفلسطيني في العديد من الدول ، وبالضبط بالنسبة للمنظمات الموالية للأنظمة ، محط تساؤل من قبل القوى الجديدة ، المرتهنة في برامجها ، للاختيارات الامريكية والغربية ، ومن وراءهما الصهيونية . وربما هذا ما يفسر السر الكامن وراء التصريحات الجديدة لمنظمة التحرير وقياديها ، سواء من منهم محسوب على التيار العرفاتي الرجعي الانتهازي الذي يدور في الفلك الامريكي والفلك السعودي القطري الذي يوفر لهم الدولار الكافي ، او يحسب على التيار اليساري واليسراوي او القومجي العروبي الذي كان ملحقة للسفارات العربية ( بغداد ، دمشق ، ليبيا ، الجزائر واليمن ) . وقد زاد من تعقيد هذا الوضع غير المحسود عليه ، بروز تيارات ومنظمات اسلاموية ( حماس ، الجهاد والحركة السلفية المتطرفة ) التي اخلطت الاوراق ، وأربكت الاوضاع بما تستفيد منه الدولة العبرية باطمئنان . وهذا ما يجعل كل متتبع للتطورات التي تعرفها المنطقة ، وبالأخص القضية الفلسطينية التي ضاعت ، بسبب التسرع والاندفاع ، وبسبب الانتهازية والخيانات المتوالية ، يصاب بالغثيان ، حين يسمع تصريحات قيادة م ت ف من ابو العباس ، الى قريع ، الى دحلان ، الى ياسر عبد ربه ، الى عزام الاحمد ، الى عريقات ، الى والى ... التي تخلت عن فلسطين التاريخية ، كما تخلت عن يهودا والسامرة قبل ان تصبح الضفة والقطاع ، وكأن الذي يتحدث ليس فلسطينيا وإنما اسرائيليا . وإذا كانت قيادة م ت ف تنتظر سقوط النظام البعثي الطائفي في سورية الذي استعمل الهم والمآسي الفلسطينية لتدعيم نظامه غير الممانع ( سلم الجولان لإسرائيل وضرب القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية في الحرب اللبنانية بدعم من واشنطن – هنري كيسنجر- وبمباركة تل ابيب للدخول العسكري السوري الى المستنقع اللبناني ) ولتصفية الحسابات مع الخصوم الداخليين بدعوى ( خدمة الاجندة الخارجية والصهيونية ) ، فان سقوط نظام الاسد سيكون رحمة على قيادة م ت ف لتصفية آخر جيب مقاومة ( المنظمات الفلسطينية في دمشق ولبنان ) ، ومن الارتماء التام وبدون هوادة او اشكال في المشروع الامريكي الصهيوني الذي اختصر من خارطة الطريق اكثر من 70 في المائة من الاراضي المحتلة في حرب 1967 . لذا فان الجواب العملي عن هذه المشاريع التصفوية الخيانية تتمثل في انجاز ربيع فلسطيني حقيقي لتشطيب منظمات ( التحرير ) الفلسطينية بدءا من فتح الى الجبهتين ( الشعبية والديمقراطية ) الى القيادة العامة الى حماس فالجهاد ...لخ لأنها تعفنت جميعها بأموال البترول العربي الخليجي وبالدولار الاوربي والأمريكي ، على ان يتجه المسار نحو خلق تيار ثوري جديد قاعدي من الشعب يمزج بين الحل الدبلوماسي والسياسي ( المنظمات الدولية ) وبين الحراك الشعبي اليومي ( انتفاضة جديدة ضد القيادات الفلسطينية العميلة والخائنة ) وبين الحراك الوطني الجماهيري الكثيف الحركة ( اعادة تنظيم الانتفاضات الجماهيرية ، لأنها ’تؤدي الاحتلال ، وترهقه ، وتشوه سمعته المشوهة اصلا ) هذا الى جانب الكفاح المسلح الشرعي لاسترداد ما احتله العدو بقوة السلاح .ان هذا الحل وحده سيسمح للقضية الفلسطينية كرأس حربة بالنسبة لجميع التناقضات الرئيسية والثانوية بالمنطقة ، بالخروج من مأزقه التاريخي الحالي ، لان نضال الشعب الفلسطيني لن يتمكن من الانتصار إلا بتداخل هذه المحاور مجتمعة مع تزوده بتطلعات اممية وليست رجعية شوفينية .
ان دورة العنف التي ’ولدت في فلسطين مع الاحتلال الصهيوني لن تنتهي إلا عندما ’يزال عن فلسطين كل شكل من اشكال الاضطهاد القومي ، عربي اسلامي او صهيوني يهودي ، اي عندما يلغى عنها كل تمييز قومي او ديني ، اي عندما تنتصر في فلسطين الاممية وليست القطرية . اما الحلول التجزيئية والقطرية مع تحويل الصراع الى ديني او قومي او ستاليني ، فقد ابانت عن افلاسها سواء بالنسبة للخط الاسلاموي الاخواني البرجوازي والاستسلامي الذي نهجته قيادة عرفات و م ت ف ، او نقد الخط المغامر اليسراوي الذي وصل ذروته بالإرهاب الاعمى والمنهجي الذي مارسته جماعة ابونضال الذي اغتالته المخابرات العراقية عشية دخول همج المارينز الى بغداد ، بغية اخفاء حقائق ارهابية كانت تجمع ابونضال بصدام حسين . او عملية مينشين (ميونيخ ) بألمانيا الاتحادية التي قام بها جناح راديكالي من فتح ، او خطف الطائرات التي قامت بها الشعبية في سبعينات القرن الماضي .
فبدون دمج المحاور الفلسطينية اعلاه مع نضالات الشعوب العربية و اليهودية والعالمية التي تعاني من بطش الصهيونية والمستغلة في اوربة وأمريكا ، فان مصير القضية الفلسطينية سيكون في كف عفريت ، اي ضياع فلسطين التاريخية ، وضياع الاراضي العربية التي احتلتها الدولة الصهيونية غداة حرب 1967 ، التي فقد فيها العرب 80 الف كيلومتر مربع في ستة ايام .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين جبهة وجبهة خمسة وثلاثون سنة مرت
- برنامج حركة 3 مارس
- كتمان العلم والحق في الاسلام ( علماء ) فقهاء السوء
- اساطير الاولين
- مشروعية الملكية اساس استمرارها
- الاتجار بالديمقراطية يضر القضايا الوطنية
- البطالة
- الجهة المتقدمة -- الحكم الذاتي
- سوق ترويج الوعود والآمال
- اللغة وفن التمويه والتضليل
- هل تخلت واشنطن عن تدعيم مقترح الحكم الذاتي باتجاه الاستفتاء ...
- الدولة والعنف في الدول العالم ثالثية
- استراتيجية الجماعات واستراتيجية السلطة
- ماذا يحمل كريستوفر رووس في جعبته ؟
- الحركة الماركسية اللينينة التونسية
- منظمة 23 مارس - مناقشات للتقرير الايديولوجي للاتحاد الاشتراك ...
- رسالة مفتوحة الى السيد وزير العدل المغربي الاستاذ مصطفى الرم ...
- الاسرة في المجتمع البطريركي الرعوي العربي
- الديمقراطية وديمقراطية الجماعات السياسية
- لو انّ بغْلة عثرتْ في حفرة ...


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....



الصفحة الرئيسية - ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها - سعيد الوجاني - المسار الاعرج لمنظمة ( التحرير ) الفلسطينية