|
غزو الحبشة..و احتلال مصر!
شوكت جميل
الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 11:00
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعي: (تكبدت مصر في هذه الحرب العقيمة خسائر فادحة في الرجال و المال, وتصدعت هيبتها لما أصابها من الهزائم المتوالية, وكلفت الخزانة المصرية نحو ثلاثة ملايين من الجنيهات, في وقت كانت تنوء فيه بالديون الجسيمة, وتعاني أشد ضروب الارتباك المالي). ..الرجل هنا يؤرخ للحملة على الحبشة و غزو مصر لها (1868_1876م) بعهد الخديوي اسماعيل،و التي فشلت فشلا ذريعا مدويا،و اورثت مصر البلايا،وما برحت تعاني بعض اوزارها الى وقتنا هذا.
و اما الان و في مؤتمر السد الذي دعت اليه الرئاسة المصرية بغية الحوار ومناقشة تداعيات سد النهضة الاثيوبي،فقد اثبتت المعارضة المصرية _او ما يسمون انفسهم الان بالنخبة السياسية_انها على الدرب لسائرة،وانها ليست باكثر فطنة من النظام الحاكم الذي تنعى عليه غباءه، و اثبتت اننا لا نعاني الفقر المائي وحده، بل و الفقر السياسي و الغوغائية التي طالت اناسا كنا نحسبهم اكثر الشعب وعيا ،و كنا نحسبهم قاطرة الشعب التي يرجوها ؛و لربما كان النظام الحاكم اكثر مكرا ودهاءا فبث الحوار على الملأ ليعرفه الحادي و البادي،فبدت المعارضة عارية بلا تحفظ ولا احتياط.وبالادق ليس المعارضة وحدها ،بل كل القوى السياسية المصرية المشاركة حليقة ام ملتحية على حد السواء. .و اذ بنا نسمع ما كنا نراهم عقلاء، يصيحون صياح الاوز الاحمق و هم يقرعون للحرب طبولها:انها الحرب اذن!أين الجنود و الطائرات؟أين القبائل و المخابرات؟و ويصيح صائحهم: فلتغلقوا القناة (العالمية) في وجه سفن الدول الداعمة للسد! و يصخب اخر :كلا...بل عليكم بالقبائل فنحرضها على النظام الاثيوبي،و عليكم بدعم المتمردين المناوئين له... ويصيح اخر:كلا..بل نحرض الانظمة الاخرى و التي في حالة توتر وعداء مع اثيوبيا كاريتيريا و الصومال و نوءلبها علي اثيوبيا!وفي الطرف الاخر كان النظام الحاكم يتخذ لنفسه دور العاقل الرشيد ! ،رابط الجأش أمام الكاميرات، ويرتدي ثوب رجل الدولة الحكيم الاريب!.و لربما كان ذاك هو الغرض من الحوار و اللقاء برمته!.
والحق..لقد قدمت المعارضة المصرية عرضا رثا و مجانيا لمن يبغي دمغ السلوك المصري بالعدائية و العنصرية.. هذا من ناحية ،ومن ناحية اخرى يكشف لاثيوبيا عن الاداء المصري الضئيل البئيل الهزيل ،فاصبحت اثيوبيا على يقين بأننا اصحاب اقوال لا افعال،و لربما فكرت بعد استمتاعها بهذا العرض الهزلي في ان تقيم بدلا من السد سدودا. و حتى لا يوؤل الكلام على غير مقصده؛نقول ما من شك في حقنا و حق من سيخلفنا من اجيال و حق الوطن علينا في اتخاذ كل التدابير العادلة و العقلانية و المناسبة و الواقعية لحفظ الحقوق و الكرامة الوطنية...اقول العقلانية التي من المفترض ان تمتاز بها النخبة عن السبيل الغوغائي و الشعبوي العاطفى التى يتخذه الدهماء سبيلا ومنهجا!،و على من يضع نفسه في موضع الزعامة و القيادة ان يرى اين موقع قدمه و يقدر للامور عواقبها ويحسب تبعاتها. مخطيء من يتحدث عن الحرب كانها نزهة المنتزهين، ومخطيء من يظن ان معاداة الدول امرا يسيرا هينا، ومخطيء من يظن ان زعزعة انظمة سياسية في دولة ما بدعم المنشقين و المتمردين سيمر بلا كلفة او ثمن،و اشد ضلال من هؤلاء جميعا،من يخال انه وحيد على كوكبنا هذا،فيتخذ ما شاء من القرارات الجسام كما يملي عليه هواه او حماسته ،فيغفل عن المجتمع الدولي و ما قد يقبله منه وما قد ينكره عليه. و في التاريخ عبرة لمن يعتبر،والحق ان مثل هذا السلوك الذي لا تحكمه روية ولا اناة و لا تبصر ، قد اورد مصر المهالك غير مرة.ام ترى قد نسيتم حزيران الاسود؟!
واذ كنا نتحدث عن اثيوبيا فان الحديث بمثله يذكر، والحديث هنا عن غزو أو فتح (الخديوي اسماعيل) للحبشة،و مغامراته الفاشلة هناك،التي انهكت الجيش المصري،و أثقلت مصر بالديون،و بعد هزيمة الجيش المصري هناك فقد هيبته التي اكتسبها أبان الجد العظيم محمد علي، فبدا معروقا نحيلا،و لم تعد القوى الاجنبية تلقي له بالا و لا تكترث له ،تلك التي كانت تهابه اشد الهيبة وقد وصل محمد علي به الى تهديد الاستانة نفسها،مما شجع هذة القوى في النهاية بعد انهاكه،الى اجهاض مشروع اسماعيل العظيم في تحديث مصر،وانتهت بان تفقد مصر استقلالها و حريتها. و يكفي ان تعرف ان سياسة اسماعيل انذاك لا تختلف عما تدعو بعض قوى المعارضة اليه الان ،فقد دأب على دعم المتمردين على امبراطورها(يوحنس الرابع)،و شراء رءوس القبائل الثائرين، ،ومضى في خطته دون ان يرى اين تقع قدمه، وكان تقديره و ظنه انما هو ازاء دولة من البرابرة الهمجيين،ولن يتصل الوقت به طويل حتى يخضعهم تماما، فصاح الصائح يومها كما يصيح البعض اليوم: هي الحرب اذن!! بيد انها لم تكن حربا كعهدنا بالحروب ،بل هي اقرب لاباده القوات المصرية منها الى الحرب،و يكفي ان تعرف ان في واقعة من هذه الوقائع زحف ثلاثة الاف من المشاة المصريين المسلحين بالبنادق و المدافع،يخبطون خبط العشواء،بلا قيادة حكيمة ولا دراية بالطرق و الدروب في المنطقة،و لا حجم القوات التي سيبلونها و لا طبوغرافية تلك الارض،ومن ثم وقعت في كمين من الخلف و الامام،فلم ينج منها سوى نحو ثلاث مئة ،انسحبوا بعدها و غنم الاثيوبيون الفي و مئتي بندقية،و ستة عشر مدفعا،ما برح أثنان منها باقيان كرمز في مدينة أكسوم الحبشية،و أطلقت اسم المعركة(جوندت)1875م على اعلى وسام عسكري لديها! والعبرة من هذا كله: الا تستهين بخصمك ابدا و الا تبخسه قدره و قوته،هذا اذا ما رغبت ان تبلغ منه غاية،اما التعالي و الاستعلاء فاوسع الطرق الى الخسران.و الخير ان يقدر الانسان لقدمه موقعها قبل ان يخطو. بيت القصيد،يقول طرفة بن العبد من شعراء ما يسمونه العصر الجاهلي(وما احسبه كذلك!): للفتى عقل يعيش به***حيث تهدي ساقه قدمه
#شوكت_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|