أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية















المزيد.....

المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1181 - 2005 / 4 / 28 - 11:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يتناول هذا المقال قضية سياسية وثقافية تطرح نفسها بإلحاح متزايد على الديمقراطيين والمثقفين السوريين، ما نسميه المسألة الأميركية. تتلخص المسألة هذه في التساؤل عن الموقف الصحيح للمثقفين والناشطين السوريين من تبدل السياسة الأميركي في المنطقة وحيال سوريا بالذات، ومن ورائه قد تطل على إعادة نظر محتملة في دور الولايات المتحدة العالمي وإعادة تقييمه. وقد تولدت المسألة الأميركية عن نوعين من التحولات. أولها بالطبع تحول الولايات المتحدة قوة تغيير في المشرق العربي، وثانيها شعور منتشر بعدم صلاحية أو كفاية النزعة المعادية للأميركيين كأرضية لفهم مستجدات السياسة الأميركية بعد 11 أيلول وبعد احتلال العراق، ولا لبلورة السياسات والخطط المناسبة للتفاعل معها.

طوال عقود، كان التأسيس الفكري والإيديولوجي لنزعة العداء السوري والعربي لأميركا قد استند على ثلاث مذاهب: الشيوعية والقومية العربية والإسلامية. لم تنتج تلك المذاهب نزعة العداء العربي للأميركيين، أقرب إلى الواقع أن نقول العكس. إن عداء للسياسة الأميركية نبع من اصول سياسية عقلانية وجد في هذه المذاهب صياغات نسقية جعلته من "الثوابت" التي لا تتبدل.
تقترح تلك التأسيسات تمثيلات أو صورا للولايات المتحدة تتراوح بين كونها رأس الامبريالية العالمية ومرحلة عليا أو العليا من تطور الرأسمالية تتطلع إلى السيطرة على العالم وتعادي الشعوب الساعية إلى التحرر، وبين صورتها كقوة استعمارية معادية للعرب وناهبة لثرواتهم وداعمة لإسرائيل دعما مطلقا، وبين صورتها كنمط حياة انحلالي يضعها وجها لوجه في مواجهة الإسلام وكراس حربة العداء للعرب والمسلمين. ليس غرضنا مناقشة شرعية أي من هذه الصور أو مطابقتها للحقيقة. فمثل كل الإنشاءات الإيديولوجية ايضا تحول هذه الصور ما هو نسبي إلى مطلق وما هو جزئي إلى كلي وما هو وقتي إلى خالد وما هي فوارق كمية إلى حواجز نوعية وما هو مركب وبالغ التعقيد إلى بسيط. هذا ينطبق على الصور الثلاث، الشيوعية والقومية والإسلامية. قد يقول الإسلامي إن الحياة الأميركية مادية ولا ضوابط لها مرتفعا بوقائع لا ريب فيها إلى مرتبة مبدأ شامل، حصري وحاكم، لنمط الحياة الأميركي. وقد يرصد القومي عداء الولايات المتحدة لقضايا عربية عديدة فيجعل من ذلك حقيقة دائمة لا تتبدل. ومثل ذلك عند الشيوعي الذي نقل اعتراضا على الرأسمالية الأميركية إلى موقف ماهوي من الولايات المتحدة.
ومثل كل التمثيلات الإيديولوجية تمزج هذه بين وقائع صحيحة وبين ابتكارات ذهنية تتصل بنوعية أهواء وحساسيات مبتكريها. تعكس هذه التمثيلات ثلاث صور للذات: صورة شعب كادح مستغل يناهض السيطرة الامبريالية ويسعى نحو الاستقلال الوطني والاشتراكية، وصورة امة تصبو إلى التحرر من الاستعمار وتحقيق وحدتها وسيادتها وتحرير أراضيها المحتلة، وصورة جماعة تريد أن تعيش إيمانها في الدنيا وتطابق بين دينها وسياستها ونمط حياتها. ومن الواضح أن هذه الصور أو التمثيلات لم تعد مقاربة للواقع، وبات الانطلاق منها وصفة للتشوش لا دليلا للحائرين. ومن وجهة نظر عملية لم تعد الأهداف التي تقترحها هذه التمثيلات ممكنة أو معقولة. وبعد أن تكشفت تناقضاتها في التطبيق لم تعد حتى مرغوبة.
تتوحد التصورات العربية للولايات المتحدة في تحولها من خصومة مع السياسة الأميركية او اعتراض عليها او عداء لها إلى نزعة عداء لأميركا لا تمايز فيها وغير قابلة للتغير. بعبارة اخرى انتقلنا من موقف بصير حيال هذا الوجه أو ذاك من وجوه السياسة الأميركية إلى موقف شمولي وتعصبي أعمى من الولايات المتحدة كلا وجميعا.
كل شيء واضح على الجبهة العقيدية. ليس ثمة ما هو إشكالي. أميركا عدو وعدوان وخطر مقيم، (أو هي خير محض كما سنرى). لا مشكلات تفرض نفسها على الحساسية، وتاليا لا مسائل فكرية. فالفكر يحول ما يعانيه الشعور من مشكلات (أوضاع غير مستقرة لا شكل لها أو مشوهة الشكل) إلى مسائل عقلانية (ذات شكل مستقر). وإذا كنا اليوم نتحدث عن مسألة اميركية فلأن لدينا مشكلة تولدت عن تهرؤ النظم العقيدية المشار إليها وفقدانها للشكل. وإنما لذلك نقول إن المسألة الأميركية نشات على حساب انحلال تلك الصور والتمثيلات وتقوض أسسها العقيدية وعجزها عن القيام بالوظائف التفسيرية والسياسية المنتظرة منها، قدر ما نشأت من طروء ما يبدو أنه تغير كبير في السياسة الأميركية حيال دول المنطقة ونظمها السياسية: من ضمان الاستقرار والتحالف مع النظمة "المعتدلة" إلى مذهب اللااستقرار البناء أو الفوضى الخلاقة.

هذا هو الوضع الآن: لا نجد بتصرفنا أدوات فكرية وسياسية للتعامل بمرونة واستيعاب مع المسألة الأميركية. ولم تعد العقائد القومية العربية والشيوعية والإسلامية مؤهلة لرسم سياسات فعالة في مواجهة تحول السياسة الأميركية في منطقتنا.
قول بعضنا إن تغير السياسة الأميركية شكلي وأنها تسعى وراء الهداف ذاتها بوسائل واساليب وتحت شعارات جديدة يبدو مهتما بإنقاذ صدقية عقائد وتكوينات نفسية قديمة اكثر مما باستيعاب وقائع جديدة. واستيعاب المستجدات هذا هو المطلوب الأول من أجل أن نقدر مدى التغير الذي اصاب السياسة الأميركية وتطوير استعدادات فكرية ونفسية للتعامل مع هذا الجديد.
ألا يحتمل أننا ونحن نعمل على تخليص عقولنا من أسر العقائديات المغلقة المعادية للأميركيين أن نقع في أحضان عقائدية جديدة محابية للأميركيين، كليلة عن كل عيوب سياساتهم، راضية كل الرضا أو معظمه عما يفعلون بنا ولنا وللعالم من حولنا؟ ليس هذا احتمالا فحسب بل هو واقع محقق. فكل ما سبق قوله على التمثيلات المؤسسة للنزعة الجوهرية المعادية لأميركا ينطبق أيضا على صورة تقريظية للولايات المتحدة تجعل منها البطل المتجرد للديمقراطية وحقوق الإنسان. فهنا أيضا تتحول حقائق سياسية تتميز بكل ما يميز الحقائق السياسية من وقتية وجزئية ونسبية إلى حقائق عقيدية لا تحول ولا تزول. هذه الصورة مرشحة لمزيد من الشيوع بفضل أزمة العقائد الثلاث المؤسسة للنزعة العربية المعادية لأميركا من جهة، وبفضل رغبة قوية عند كثيرين في رؤية نظم الحكم تتغير من جهة أخرى.
وهنا ايضا يتم الانتقال من تقدير إيجابي لهذا الجانب او ذاك من جوانب السياسة الأميركية إلى إضفاء خيرية جوهرية وغير تاريخية على السياسة الأميركية وأميركا كلها. وأقرب شبه إلى "النزعة الأميركانية" التي تعتبر أن أميركا هي الحل هو النزعة "الأنتي أميركانية" المطلقة التي تعتبر أن العداء الجوهري لأميركا هو الحل: كلتاهما لا تناسب كأرضية فكرية لفهم التحولات لدينا وفي السياسة الأميركية، وكلتاهما لا تفيد لوضع سياسة معقولة حيال تغيرات السياسة الأميركية، والأهم أنهما معا تنكران أن ثمة مسألة اميركية.
أميركا مشكلة لنا اليوم، وأول حل المشكلة هو تحويلها إلى مسألة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة المنفية في سوريا البعثية
- دستور السلطة الخالدة
- الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
- في أصل -السينيكية- الشعبية
- وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
- جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
- في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية
- ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
- أمام الأزمة وجهاً لوجه
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...
- السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري ...
- دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟
- في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!
- موجتان لنزع العقيدية في الثقافة السياسية السورية


المزيد.....




- في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً ...
- مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن ...
- مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة ...
- ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا ...
- كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة.. ...
- لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
- صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا ...
- العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط ...
- الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية