|
الدين ..عامل حسم ام صراع في النفس!!
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1181 - 2005 / 4 / 28 - 11:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الواضح تماماً اننا نحن البشر تتفاوت تجاربنا النفسية والحياتية وقوة ايماننا بمعتقداتنا وكذلك اراؤنا وتصوراتنا وتمسكنا بها من فرد لاخر ، ليس في فهم هذه التجارب او الاراء او التصورات او قوة التمسك بها فحسب ، بل في تشعب نواحيها واختلاف الموجبات الداعية لمصادرها ، وربما تتفاوت ايضا مقدرتنا الذاتية على التحسس بتلك المتغيرات وفي ادراك قيمتها الفعالة في حياتنا النفسية ، والاعظم من ذلك اننا نختلف نحن البشر في مقدرتنا على التعبير عن تلك المعتقدات او الاراء او التجارب من حيث عمقها في التأثير فينا وفي طبيعة تفاعلها مع عوامل الشخصية الاخرى ذات المساس بنا ، ولهذا فأن المحبة عامل نسبي فينا يختلف من فرد لآخر ، والكره هو الآخر عامل نسبي ايضاً والكرم والبخل هما ايضاً عوامل نسبية في دواخلنا ، تارة تقف عند الطرف المتطرف وتارة اخرى تأخذ طرف الاعتدال ، وكذلك التسامح والمسالمة والتقارب او التباعد ، ويبقى متغير الدين هو الشاغل الاعظم في نفوس البشر جميعها سواء ممن امنوا به كمعتقد سماوي ام افكار متناثرة شكلت قيم ومعتقدات كما هو الحال عند البوذية والهندوسية والكونفوشيوسية في قارة اسيا .. انها صعوبة ليست في التسمية فحسب ، وانما في عمق التأثير في النفس او سطحيتها ، فأن اخذت طابع العمق ( Deep) سيكون لها حتماً قوة التاثير في النفس وتغيير العادات السلوكية عند الانسان وفي تعاملاته ، واحيانا نقرأ كل تلك في سلوك الفرد المتدين ، ايأ كان دينه ، سماوياً ام افكار دنيوية متآلفة حتى شكلت معتقداً . اذا ما اخذت طابع السطحية فان علماء النفس يسميها ( Shallow ) السطحية في تعاملات الدماغ مع متغيرات الواقع ومنها الدين الذي يعد احد العوامل المهمة التي يدركها الفرد ثم يفكر بما ادركه ، ثم يتذكر بخبراته السابقة قوة التاثيرات على تكوينه النفسي او شخصيته او سلوكه ، حتى يتكون ما يسمى بالمثلث المعرفي داخل الدماغ البشري وهو يشكل ثلاثة اعمدة هي : [ الادراك – التفكير – التذكر ] يبدأ بمعالجة اية معلومة في منظومة الدماغ ، فالدين احد العوامل المؤثرة في ذات الانسان ، اذا احسن ادراكه استقامت حياته التالية ، وان نفرّ من تعاليمه واعتبرها من القساوة بما لاطاقة له به ، تعامل معه بسطحية ، فلم يتجاوز تعامله الادراك السطحي له ، ثم يختفي من قوة التاثير على السلوك او في التعاملات الحياتية ، ولم يعد حينئذ موجها ايجابياً نحو الافعال السامية بل عكسها تماما فيأخذ طابع الاعذار الملتوية في التعامل . ان العقل البشري يدرك الافعال او الافكار ويخزن ما يدركه ثم يفكر بما ادركه بعد ذلك ويستعيد من خبراته المتراكمة التي تم تشفيرها Incoding في ملفات داخل الدماغ وخزنها بآلية لم تصنع اعظم تكنولوجيا متقدمة لحد الان شبيها لها وربما حتى في القرون القريبة القادمة آلية شبيهة لآلية عمل الد ماغ البشري وكيفية خزن وتشفير المفهوم والمعلومة او الفكرة داخل هذا الدماغ البشري ثم استدعاؤها بحيث تصبح موقفاً جديداً يختلف عما خزنه من معلومات في المرة الاولى او حين تم خزنه ، فحين تتراكم المخزونات وتتسع المدركات وتكثر المعالجة داخل الدماغ وبقدرة فائقة بالتفكير ، ستتكون منظومة معقدة من النتائج منها العادات السيئة او الحسنة ، التطرف اوالاعتدال ، القدرة على الادراك السريع او البطء " الذكاء وما يتصل به " ، المرونة مقابل التصلب والجمود ، المعالجة الناجحة والمعالجة الفاشلة لقضايا الفرد اليومية ، تكوين نمط الشخصية وانواعها ، الهادئة ، المتفجرة ، العدوانية ، التابعة ، القلقة ، الهستيرية ، الانطوائية .. الخ وهنا تدخل منظومة قيم الدين كعامل مؤثر في النفس الانسانية ايضاً .. وتساؤلنا : - هل تم خزن افكار الدين السامية ومفاهيمه ومفرداته سطحياً ام بعمق داخل الدماغ ؟ - هل أخذ طابع المرونة ام التصلب والجمود داخل النفس ؟ - هل اخذ منحى التطرف ام الاعتدال داخل النفس حتى كان تأثيره واضحاً على الشخصية ؟
لابد هنا من وقفة نسجل فيها وقائع تبين لنا مقدار اثر الدين كعامل حسم او عامل صراع في النفس اذا ما اختلت التوازنات في ادراك مفاهيمه وفي تعاملاته داخل النفس وفي تأثيراته على الشخصية من التطرف الى الاعتدال . علينا ان نقرر الان ان الافكار الدينية هي احساسات وانفعالات بالدرجة الاولى وهي بنفس الوقت كما عبر عنها "كارل يونغ " بقوله ان الافكار الدينية ما هي الا تعبيرات عن استبصارات عميقة ، ونحن نقول ان الميول الدينية عوامل مهمة تنبت وتنمو تحت غشاء الشعور ، ويضيف " زيعور " بقوله القرآن كتاب ذو تأثير يومي في حياة الفرد يوجه سلوكه وآدابه وفكره وحياته ليكون الى حد بعيد جداً الشخصية الفردية ولاشعورها الجماعي ، ويقود اللاشعور الفردي في شتى النشاطات الاجتماعية والذاتية ، والمفاهيم القرآنية تغطي اذن الذات في علاقتها مع الأنت ومع النحن وهي تلف يوم الانسان وغده ونظرته للكون وللظواهر والخلود ، انها ركيزة اولى في الثقافة وفي الحضارة وفي التاريخ وفي الواقع الراهن ورسم صورة المستقبل ويضيف " بركات " بقوله يلعب الدين الاسلامي دوراً اساسياً في صياغة سلوك الافراد والجماعات في العالم العربي سواء اكان ديناً رسمياً او شعبياً ، وتبرز في الدين الرسمي الكلمة والسنة فيما تبرز في الدين الشعبي الشخص والوجدان ، ويطرح بعض علماء النفس مقاربات بين النص السيكولوجي والنص القرآني مثلا ، بين :" ولا اقسم بالنفس اللوامة " وبين الضمير الخلقي عند فرويد كما اورده (عيسوي) ويعبر التعبير القرآني " يخادعون الله .. وبما كانوا يكذبون " عن وسائل وآليات الدفاع عن النفس ، " مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء " بانها تعبير عن الصراع النفسي . ان الصراع النفسي ينشأ حينما يتنافس هدفان او حاجتان او نوعان من انواع المواقف ولهما نفس قوة التأثير تقريباً ، ويسببان لدى الانسان شعوراً بالانجذاب نحو مهمتين مختلفتين مما يترتب عليه شعور بعدم الارتياح ، وبما ان اختيار احد البديلين في موقف الصراع يحجب اختيار البديل الآخر او على الاقل وقتياً ، فأن الصراعات تعد احياناً احباطات ، وتصنف في علم النفس الصراعات الى حد كبير على انها صراعات داخلية واخرى خارجية طبقاً للاختيارات الداخلة فيها ، ويقول علماء النفس في الصراع الداخلي تكمن الاهداف داخل الفرد الذي يعاني من الصراع ، فالفرد الذي نشأ وتربى في حضن ابوين متدينين اتقياء يشعر بالتمزق بين الرغبات المحرمة والممنوعة الجارفة باعتبارها مصدراً للذة والسرور وبين القيم الخلقية التي اكتسبها حتى انها شكلت لصرامتها الماً مقبولا لديه وتعايش معها ، انها دوامة بين ان ينساق نحو اللذة وينظر الى الاحساسات الدينية وانفعالاتها بألم غير محسوم ، فالدين في هذا الدور خلق الصراع ولحد الان لم يحسمه ، بين لسان الحال الذي يقول :
- اريد ان افعل ما اشاء - يجب ان افعل ما اشاء - اشاء ان افعل ما يجب
هذه الجدلية تستمر ولم تحسم ويقول علماء النفس ان هناك عوامل عديدة تؤثر في عملية ترجيح القرار في موقف الصراع ، فقوة الحوافز التي تثيرها البدائل مهمة جداً ، فالاهداف التي تثيرها الحوافز القوية تؤدي الى عملية جذب اكثر من تلك التي تثيرها الحوافز الضعيفة . ففي حالة الانسان المتدين الذي لا يستطيع ان يقرر ما اذا كان يجب ان يشارك بالعنف بأسم الدين ام يظل مسالماً ويدعو الى التقوى وعبادة الخالق بطرق اكثر مرونة وشفافية بدون عنف او قسوة ، حتى تتصارع لديه دوافع الميل الى القتل بأسم مسميات مثل الجهاد او نصرة جيش الحق او نصرة جيش الرب او اسناد الصليب او القتل المقدس لاجل احياء الدين الى ما لانهاية له من تسميات وعلى العكس من ذلك المتمثل بمنهج المسالمة الذي يعده العقلاء الطريق الاوفر لكسب قلوب الناس من المسلمين وغير المسلمين ، وهذا الامر لا يقتصر على الدين الاسلامي فحسب ، فالامر سيان لدى المسيحية بشقيها المعتدلة والمتطرفة ، والديانة اليهودية بشقيها المتعصبة والمعتدلة وحتى لدى الاديان غير السماوية مثل الهندوسية في تطرفها المميت والقاتل تجاه الاديان الاخرى واعتدالها المسالم او البوذية في نزعاتها نحو الفرض او الترهيب والمسالمة . لا ننسى هنا ان البعد الزماني والبعد المكاني الذين يشكلان القوة في بعديهما ولهما قوة التاثير في النفس سواءاً في تأجيج الصراع او حسمه ، ويقول علماء النفس ان الاختيار يعد مؤثراً قوياً في القبول او الرفض ، فالميل الى احدهما يعني تجنب الآخر ، وهي عودة مرة اخرى الى بزوغ العقل من جديد وقوة تأثير الدين المعمق في الشخصية وليس السطحي في المعالجة النفسية ، فالدين المعمق " العميق " العميق في معالجة النصوص الدينية " ربما يقود الى سعة الوعي وادراك الجوانب الواسعة في الرؤية وهو يخلق تفاعلات ذاتية في النفس بين متغيرات عديدة اهمها الدين السوي – المسالم ، القائم على النظر الى الدنيا باعتبارها دار مؤقتة وضرورة التكيف السوي معها "اعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً " ونظرة بعيدة الى دار الاخرة باعتبارها دار الحق الابدية ، هنا نستذكر تساؤلاتنا بين التطرف والاعتدال ، وبين المرونة والتصلب – الجمود في تفاعلات النفس حتى تنتج فروق واضحة في التعاملات مع هذه المتغيرات ذات الاثار المتشابكة على الشخصية والتكوين السلوكي والخلقي حتى يمتد لنجد في مواضع اخرى داخل النفس ان معالجة القيم والمعتقدات الدينية العميقة لا تتحسن فحسب او تتأثر بالضرورة مع هبوب الرياح الصادرة من مختلف الاتجاهات المتعصبة او المتطرفة او التي تأخذ سمات التصلب والجمود ، بل انها ثابتة في توازن مع قوة المعتقد .. ويبقى التساؤل قائماً في جدلية الدين الازلية نحو الاكتساب السطحي والاكتساب العميق للمعالجة داخل النفس ونحن نستند في ذلك الى قول الله سبحانه وتعالى : وفي نفوسهم مرضاً وزادهم الله مرضا !!
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف ...سرطان الحضارة المعاصرة
-
السلوك غير الاجتماعي لدى الاطفال
-
الشخصية الاعتمادية Dependent Personlity
-
التدين الجديد..التدين الوسواسي
-
العلاقة الزوجية ..اللذة وعبث الخلاص
-
الشخصية الهستيرية
-
الشخصية الانبساطية
-
الدماغ وسيكولوجية الادراك والتفكير
-
الاطفال والتشتت الذهني
-
الشخصية الناقصة -الضئيلة-
-
خطوات نحو التوافق النفسي
-
الشخصية الشيزية -الفصامية-
-
الشخصية القلقة
-
الكبت والقمع هل هما عوامل قوة ام ضعف في الشخصية؟
-
الشخصية الشكاكة
-
التعصب ..اشكالية في التفكير، اشكالية في السلوك
-
الشخصية العدوانيةالمضادة للمجتمع - السيكوباتية-
-
اللاعنف قمة التوافق النفسي
-
الارهاب ..نزاع ضد الابرياء
-
المعقول واللامعقول في العنف
المزيد.....
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|