عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4112 - 2013 / 6 / 3 - 16:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدكتور علي الوردي
وأشكالية الحكم على العقل ج2
لقد أسس الدكتور الوردي فكرته العامة في دراسة المجتمع العراقي على نقد العقل العراقي الذي لم يوفق في الكثير من مضامين نتاجه المعرفي على أدراك أساسيات التوافق بين العقل المجرد والنتائج السلوكية بأعتبارها الممثل الحقيقي لما يمكن أن تكون علية من أنعكاس صادق وحقيقي له,وحَمَلَ العقل الجمعي والذاتي مسئولية هذا الفشل رابطا بينه وبين الفيما حولية التي أعزى لها علة التعطيل وأحال عليها المردود والموروث النسقي في أشكالية الأزدواج في شخصية الفرد العراقي.
إن نظرة الدكتور على الوردي لقيمة العقل تتراوح بين التمجيد للعقل المجرد كقيمة ذاتية تنبع من كونه الحاكم المطلق على التصديقات والتقريرات السلوكية ومن خلال كونه معيارا خالي من الإنحياز والتحيز,وبين موقف أحر أستهان به بالعقل الأجتماعي الديني التقليدي كصورة يتحسسها من خلال المعايشة والدراسة والتحليل فيسخر من هذا العقل واصفا إياه بالغالب من نتاجه المعرفي بالمهزلة,لم يترك الدكتور الوردي خطوط فاصلة بين النظام العقلي المنتج وبين العقل كقيمة مجرده فهو ينسب الوصف لكليهما على أنهم واحد,وهذا ما طبع الشائع من أفكاره ورؤاه الخاصة,لذا نجد أحيانا يحوي الكثير من التناقضات كأحكام في ما نسبها للشخصية العراقية وخاصة في صورتها النخبويه الدينية والفكرية.
إن نظرة الدكتور الوردي للعقل البشري في المستوى العام والعراقي في المستوى الخاص لم تكن كشفا وأختراعا خارج الواقع المعاش ولا أظن أنه أنطلق من تأملات ميتافيزيقية صرفه,لكنها بالحدة التي صورها وبالجرأة على هتك أسرار القداسة التي يتمنطق بها دعاة التعقل,شكلت عنده رد فعل قوي ومباشر للاستمرار في نقد تلك التصورات,ودفعه أيضا لأن يتطرف في الكثير من الأراء التي فيها أمكانية للتبرير والخوض في مقارنه خاصة مع مثيلاتها في مواضع أخرى لا تقل تناقضا ولا تزيفيا مما وجده في عقلية الفرد العراقي عموما.
إن موقف الهجوم الصارخ والرفض المبدئي المبني على مقدمات أسلمت لها اعلام المدرسة المحافظة ودعاتها في المجتمع العراقي وخاصة النخبوية منها,كان موقفا أنهزاميا غير مبال بالواقع ولا يستند في عقلانيته وأدعاءته المنطقية التي يزعم بها إلى الركون إلى الحقيقة أو الحوار الجاد والعلمي المفترض أن تبنى عليه قيم النقد والنقد المتبادل,لا سيما وأن المجتمع العراقي قد تعرض إلى مخاضات فكرية وتوافد أيديلوجيات ومدارس فكرية صاحبت انتقال عام للمجتمع العالمي والمحلي من منطق التراث والماضوية وتمجيد الشخصية الفردية,مقابل كونية عالمية وتقارب حقيقي في كليات وتفصيلات كانت من الممكن أن تساعد في التعجيل من التحرر والنهوض من الكبوة التأريخية والسبات الأستاتيكي الأجتماعي.
مارس الدكتور الوردي أسلوبي الهجوم والدفاع الفكري في النقد الأجتماعي والسيسيولوجي والديني أيضا,ليتناسب مع قدرة المؤسسة الاجتماعية والدينية التقليدية في محاربة أفكارة والدعوة ضدها,وخاصة في المؤسسة التعليمية والجامعة والتي وفرت له بيئة قادرة بالقوة والفعل أت تحتضن هذه الأفكار وتجد لها في أطروحته تبريرا للتناقض والعجز السائد في فهم أشكالية النهوض والتنوير العقلي, هنا نجد أن طبقة الشباب والفكر اليساري والتقدمي أخذ الفكرة وأطارها العام لتكون منهجا تقويميا وأعتقاديا لا زالت أصداءه تتردد وتتسع ليومنا هذا والى أجل ممتد لتعطيه مشروعيى ومقدمة حقيقية لنضاله في تحرير الإنسان.
إن الصورة التي رسمتها فكرة الدكتور الوردي للعقل تتركز في ملاحظة النقاط التالية وتبني عليها ما يمكن أن يعجل في تطوير بناء قواعد المنهج الأفتراضي ليتحول هذا الأفتراض إلى واقع ملموس يدير عملية الأنتقال من التراث إلى المعاصرة وبذلك يتخلص من تلم الأسباب والمؤديات التي شخصها وهاجم ركائزها وهي :.
• العقل عند الوردي ليس أداة طيعة لتثبيت صورة التزييف التأريخي وتبرير التناقض السلفي بما يمتلك أصلا من حرية للخروج عن أسس التناقض بين قيمة الإنسان العاقل,وواقعه المتمارض,فهو أداة قيادة وليس أداة أنقياد.
• التسليمات العقلية في العقل البشري لا تبنى أيضا على الواقعية النسبية ولكن تبنى على الواقعية المنطقية المجردة والتي تستند إلى تأثيرات الزمن وقدرته الخاصة على التحرك والتحريك,وبالتالي التغافل عن الشرط الزمكاني هو خروج عن منطق العقل السليم أصلا.
• إن نظرة العقل للدين عند الوردي هي نظرة تبادلية ومركبة لا تقتنع بأن المنقول الديني يقيد العقل ويجعله عبدا له ,بل هدف الدين الرسالي تحفيز العقل والمضي به لأن يكون متحررا في تقريراته وتسليماته قبل الإيمان بها,وأن موارد الدين الرسالي لا بد لها ان تشجع العقل على رفض مبدأ خضوعه للواقع كيفا وكونا حتى يصل العقل بنظامه المركب والمتعدد المحسوسات إلى أحقية التسليم وسلامته من التوهم أو الأحتمال الظني.
• ينكر الدكتور الوردي على المجتمع أسر العقل على النخبة ومقوماتها ويرى أن من أحقية العقل التخلص من الأستعمار الفردي النخبوي لنظامه وحق في التخلص من إلزاميات العقل النخبوي لكون الإنسان كائن عاقل بالفطرة فهو مستعد ودوما أن يكون على درجة مهمة من الكمالات العقلية لو تخلص من سطوة هذا الأسر والأستعمار.
• كما أنه ينكر دعوة التفاضل الخاص في التعقل وحصريته في نطاقه المحدد له عرفيا وأثريا,ويرى أن ذاتية العقل التكوينية تتناقض مع هذه الدعوى وأن المعرفة والعلم والفكر هي تشاركية مشروعة تمتد زمنيا ومكانيا لصناعة ما يسمى بالفكر العام الأجتماعي أو ما يطلق عليه بالعقل الكلي الاجتماعي,لذا فأن محاربته للأفكار الدينية والعقلية الباليىة تنطلق من نكران هذه الدعوى,وأن من حق كل إنسان أن يكون عاقلا ومتعلقا ومشاركا لعقول الأخرين في وصوله للإيمان وفهمه للرسالة الدينية ومستلزماتها ومنها العبادة.
• ويرى الدكتور الوردي أن الفيما حولية التي صنعت قيم النفس السلوكية الخاصة والعامة ما كان لها أن تدرك نجاحاتها في ما رسمته ورسخته لولا تعطيل العقل الإنساني الجمعي عن الفعل وأن المؤسسة الفكرية والعقيدية هي المسئولة عن نتائج هذا الظلم الاجتماعي والنفسي,وعلة التخلف تنبع من تخلف وعجز هاتيين المؤسستين من أن تتحول من قوة وقيادة قادرة على التحرر إلى دعاة للعبودية والأنحطاط والتسليم لليأس الفكري والخنوع للسلطة التي همها في ترسيخ قوتها بالقيم المحافظة والتقليدية المهادنة والمضحية بمصلحة المجتمع للخفاظ على مصلحتها المرتبطة بمصلحة مؤسسة السلطة ورهانها على البقاء المشترك والمحافظة على الروابط التبادلية بينهما.
• وأخيرا يرى الدكتور الوردي أن السبيل الرئيسي للخلاص من هذا المرض الأجتماعي والأزمة الفكرية البنيوية يتجلى في أنتفاضة العقل وثورته على المحددات التقليدية والعودة إلى التجريدية الطبيعية للنظام العقلي وتحفيز العقل لأسترداد وعيه الأصولي نحو فهم الواقع الخارجي بتقديم وتفعيل لكل المقدمات الضرورية التي أولها أعادة فهم الوظيفة الإنسانية وأدراك متجدد لحقيقة الدين والفكر والعلم وتأطير ذلك دوما بدوافه التحرر والنهوض والتنوير العقلي الذي يسبق ذلك كله نقد العقل لذاته والتخلص من سطوة الوهم والقداسة والحرام المزيف.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟