أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الياسين - الوطنية .. معيار أخلاقي















المزيد.....

الوطنية .. معيار أخلاقي


ياسين الياسين

الحوار المتمدن-العدد: 4110 - 2013 / 6 / 1 - 14:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لاشك أن الوطنية أو مفهوم الوطنية هو الشعور بالأنتماء إلى أرض معيّنة الحدود ، وهذه الأرض هي الوطن ، والحال هذا أن كل بقعة أرض لها خصوصيتها الجغرافية تشكل وطناً ، وياء النسب التي تتصل بهذه الكلمة هي التي تعني الأنتساب إلى هذا الوطن دوناً عن غيره ، وهذا الأنتساب ينم عن أمرين أولاهما أن دلالة اللفظ تلبي الغرض ، فحينما نقول مثلاً أن هذا المنتوج محلي ، فهنا دلالة كافية بمقدار وافي من الكلام بأنتساب هذا المصنوع إلى هذه البقعة الجغرافية ، وإلى هذا المحل أو المنطقة أوبعبارة أعم وأشمل الوطن ، ولكن الأمر ربما إختلف كثيراً حين نعرّج بالكلام فنقول هذا رجل وطني ، فهنا الأمر تحوّل إلى أكثر من دلالة الأنتماء إلى وطن ، وتعداها إلى الأرتباط العاطفي بهذه البقعة من الأرض دوناً عن غيرها ، وإن إرتباط الفرد بالوطن شرطاً ضرورياً لكنّه ليس كافياً أبداً لتحقيق مفهوم الوطنية .
إن حب الفرد لوطنه يخضع لأشتراطات عديدة ، ولايمكن بأي شكل تحديد وطنية الفرد من خلال مديات حبه لوطنه أومن عدمها أو التفاوت بين الأمرين ، فحب الوطن من قبل الفرد كحب الفرد لأصدقائه والآخرين الذين يقاسمونه العيش على أرض ذات الوطن ، فهو لن يحبهم جميعاً بنفس الدرجة ، ولاينظر إليهم جميعاً بمقياس واحد ، وحدود الرضا عن كل واحد منهم مختلفة ، ومقاييس حبه لهم مختلفة أيضاً ، ولكن السلاطين وأرباب الحكم الشمولي من طغاة الأرض أشاعوا مفهوماً آخر للوطنية فيه إسفاف وتعسّف ، فكانوا قد جعلوا حب الملك أو السلطان أوالرئيس الجائر مرتبط بالوطن إرتباطاً أزلياً أي بمعنى أن الوطنية تعني في أول ماتعنيه عندهم هي حب الرئيس والأخلاص لنظامه ، وكل من يخالف الرئيس ولم يبدي حبه له ، ولم يطع النظام فهو خائناً وليس وطنياً ، ولذلك نشأ في داخل النفس المتمردة على الواقع الفاسد إيّاه إبّان مرحلة حكم الطغاة لغطاً وشيئاً من ضبابية لمفهوم الوطنية أو هي على الأقل سارت بهذا الأتجاه ونحت إليه ، وشاعت بين الناس خطأً بأعتبار أنها تكريس جبري لحب الرئيس والأنظمة الشمولية القبيحة .
إن المفهوم الحقيقي للوطنية هو في حقيبة إستحقاقات فضلاً عن الواجبات وتجسيد ذلك في نظرية التوازن بين الفرد والجماعة ، ولابد أن يكون المعيار الحقيقي لوطنية الفرد هو الحب لوطنه بعيداً عن صورة الرئيس الحاكم أوالحزب الحاكم أوالطائفة ، فربّما كانت تلك الجهة أوالطائفة لاتمثّل بالضرورة إرادة الشعب ، ولاتمثل آماله وتطلعاته نحو غد تحلم به جموع الجماهير وتشرئب أعناقها إلى حياة حرة كريمة ، والوطنية الحقّة تتجسّد على الأرض من خلال تخليص المواطن من إملاءات حب الرئيس والجهة أو الفئة والنفاذ به وتحريره من سيطرتها وسطوتها عليه ، إلى أجواء خضوع أخرى وفق مفهوم الدولة العصرانية الحديثة من خلال إخضاع الجميع لطائلة المسائلة القانونية ، وتجسيد سلطة القانون وسيادة العدل على الجميع والكل أمام القانون سواء ، وإحترام القانون والعودة إلى المرجعية الدستورية ، وعدم إختراق الأنظمة والألتزام بقواعد وأنظمة تحددها تشريعات وقوانين لحماية الجميع ولسلامة الجميع ، والدفاع عنها أمام كل المسيئين للنظام والمارقين هو المعيار الحقيقي للوطنية ومقياسها الواعي والأخلاقي ، وهنا فقط تندرج المعايير الوطنية مع المعايير الأخلاقية وتتوائم معها ، فتصبح لازمة لها ماانفك المواطن ماسكاً بها فهو مازال في بحبوحة من الأمن والأستقرار ، وما أن أرخى أطرافاً من ذلك الوثاق حتى صار الأمر إلى تسيّب وضاع معه الأمان وإنفلت الأمن في الشارع وكل مكان .
إذاً وفي كل ماتقدم من كلام نفهم أن الوطنية مفهوم مرادف للولاء والأخلاص لتربة الوطن ، وللذين يتشاركون العيش فيه بعيداً عن النظر إلى إثنياتهم وطوائفهم ومذاهبهم وألوان عباداتهم ، ويفترض أن يكون الجميع في عيش آمن وسلام في تلك البقعة من الأرض يجمعهم فيها التاريخ المشترك والمصير المشترك والأهداف والمصالح المشتركة التي ترنو كآمال وطموحات موحدة للجميع في حياة حرة مستقرّة وآمنة .
إذاً الولاء وكما تقدم ليس مفهوماً مرادفاً وحسب بل هو واحداً من تلك الأستحقاقات الناتجة عن الأنتماء إلى الوطن ، ولكن الأشكالية التي ستنبري لنا هي لمن سيكون هذا الولاء تحديداً ، ونحن نعرف تماماً أن الولاء في الدول والأنظمة الديمقراطية هو للوطن أي ولاء للأرض والشعب ، ونعرف أيضاً أن في الأنظمة الديمقراطية لاديمومة لحكم الرئيس حقبة طويلة من الزمن يجثم على صدور أبناء شعبه كرهاً ، ولذلك يكون الولاء فيها حصراً للوطن والأمة ، ويرتفع سقف ولاء المواطن لوطنه كلّما سطّر له شريط حياته أحداثاً أكثر تأثيراً في شخصه ، وكلّما كان ذلك الشريط مليء بذكريات جميلة وخاصة تنم عن شخصيته ومدى إرتباطه بالآخرين وتعلّقه بهم ومدى إرتباطه بأرضه .
أما في أنظمة الحكم الشمولية ، فمسلّم أمر الولاء جبراً وكرهاً بها على الناس إلى الرئيس الرمز والقائد الضرورة ، ومايشجع صنع أولائك الطواغيت فئات من الناس يتجنّدون متطوّعين ومنتفعين يطبّلون له إعلامياً وإرتضوا لأنفسهم أن يكونوا أبواقاً ودعاة بلا أخلاق على أنه الفرد المتفرّد والصوت المغرّد في عالم القوة والسطوة والبلاغة والفصاحة ، وأنّه السيف الذي لايبتر والمارد الذي لايقهر ، وتفنى أمامه إرادات تحلم في أن تقول له لا ، وبذلك يجيّر الولاء المطلق هنا للرئيس الضرورة الذي يرتفع شأنه والأرض معاً فيتصيّر الأمر ويتبلور إلى باكورة صيرورة إله جديد وأنا ربكم الأعلى فأعبدون ، ويصبح الغاية من عبارة الوطنية وحصراً به وحده ولاغير .
وفي ظرف إستثناء يمر به العراق ، ودورة حكم إستثناء ، ومجلس نواب إستثناء ، تكون فيه الوطنية ومعاييرها الأخلاقية على المحك لهذا الوضع الشاذ الغير متعارف عليه في كل ديمقراطيات العالم ، ولم تكن له سابقة في خيانة مجلس النواب لقضية بلده ، ومحاولة بيعه لأرادات خارجية بأجندات مريضة تحلم بأعادة أمجاد إمبراطورية عليلة عجوز شمطاء عفا عليها الزمن من خلال أراذل القوم من العراقيين ، ومن الذين لاشرف لهم ، فأوصلتهم تلك الأجندات بدفوعات مالية خليجية ضخمة إلى قبة البرلمان ، ولهذا فأن مفهوم الوطنية ومعيارها الأخلاقي لاسبيل إلى تجسيدها واقعاً حيّاً في نفوس العراقيين إلاّ في أمر واحد لاحياد عنه ولامحيص ، وإلاّ فأن أي تفسير آخر هو محاولة للتملّص من هذا الأشتراط الوطني والواجب المصيري والأخلاقي ، ويتلخص هذا الأمر في تكريس كل الجهود للأصطفاف صفّاً واحداً متناسين كل الحسابات الجانبية الأخرى ، ومؤجلين كل المحاولات البائسة في النيل من البعض على مستوى الأفراد كعراقيين أوعلى مستوى المؤسسات ، ونبذ كل محاولات الهدم والتهديم بها لحساب أجندات معروفة مدفوع لها الثمن في الخارج مقدماً وهي تعشعش هناك ، وتحاول جاهدة تحريك أصابع خبيثة هنا وهناك للنيل من إرث هذه الأمة والنيل من أمنها وإستقرارها الفكري والعقائدي والأجتماعي ، وترك كل تينك الهرطقات في الوقت الحاضر ، والأصطفاف لمواجهة الأرهاب الدموي الذي إستنزف ومازال يستنزف كل يوم دماء العراقيين الأبرياء ليس لشيء ، وإنما فقط لكونهم أصحاب دين ومباديء ورسالة إنسانية حقيقية ، وبخلاف هذا الأمر وهذا الأصطفاف ، فسيكون كل من يخرج عنه خارجاً عن كل المعايير الأخلاقية والوطنية ، وسيكون خائناً لوطنه بحق ، ويستحق اللعنة وعذاب الضمير في الدنيا ، وعذاب جهنّم وسوء مآب في الآخرة . وأخيراً نقول أن أكبر البلدان تطوّراً وتقدّماً وعزّاً ورفاه هي أكثرها حبّاً وتعلّقاً وتهيم شعوبها شغفاً بحب أوطانها ، ومثال ذلك في واحدة منها على سبيل المثال لا الحصر بريطانيا التي يستميت فيها أبناء الشعب في وطنيّتهم حد النخاع .



#ياسين_الياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثوية .. مظهر تجديد حقيقي أم مظهر إنحرافي خطير
- مسلسل القتل في العراق .. إلى أين ؟ ..
- مامعنى ان يكون الكاتب مبدعاً .. وأن يكون مأجوراً ومنافقاً
- إنتهاك الدستور والقانون .. منهج إحترافي أم حذاقة لصوص
- الأكراد .. هل هم قادمون ؟
- الأنفجارات .. وثقافة الأستقالة
- المحافظات .. ونتائج الأنتخابات
- مشاركة وطنية .. أم شراكة حرامية ؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الياسين - الوطنية .. معيار أخلاقي