|
مرة ثالثة عن عزلة اليسار وانقسامه .. بعيدا عن المواعظ ولحاقا بالمعارك الراهنة
بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 4110 - 2013 / 6 / 1 - 12:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
للحوار بشأن الأسباب الحقيقية لانعزال اليسار المصرى وانقسامه ينبغى التطرق لعدد من الأمور البديهية التى تشكل الأساس الفعلى لكيف تأسست ونشطت الفصائل المكونة له وللصلة التى كانت تربط فصائله بالجمهور وببعضها البعض وقبله بالنظام القائم آنذاك فى عهوده المتتالية ثم بعد ذلك بالنتائج الناجمة عن هذا النشاط وعن الاستراتيجية السياسية التى وجهته. 1- وفى هذا السياق يهمنا- المرور سريعا –على ذلك الأساس الذى حكم تأسيسها ونشاطها ؛ والمسار الذى اتخذته والمعارك الرئيسية التى خاضتها ، لنصل فى النهاية إلى النتئج المتحصلة. 2- من أول تلك الأسس التى وصفناها بالبديهية يأتى الخط السياسى فى البدء فهو الذى يمثل نقطة الانطلاق ويرسم – كروكيا – المسار لكل منها. وفى الخط السياسى يأتى تحديد طبيعة النظام الحاكم القائم ؛ وطبيعة الثورة المقبلة ؛ والأسلحة المفترض توافرها او توفيرها للنضال ؛ علاوة على القوى الاجتماعية ومن ثم السياسية المعبرة أو التى تدعى التعبيرعنها – أى الجيش – التى يتشكل منها قوام الأداة البشرية التى يتم إعدادعا لتلك المهمة. باختصار.. تحديد الأعداء والحلفاء الأساسيين ، ومَن يمكن أن يظل حليفا حتى النهاية ومن الذى تدفعه ظروف النشاط ليتحول لحليف.، ومن هنا فأى خطأ فى إضافة جزء من الأعدء إلى الحلفاء أو أى استبعاد لجزء من الحلفاء أواختصامه يشكل عقبة هائلة على مجمل النشاط الحزبى والعمل الكفاحى ربما لا يمكن علاجه . 3- كذلك يتخلق الخط التنظيمى بشكل يكاد يكون مباشرا من الخط السياسى ويتمثل فى تحديد كيفية توجيه وقيادة ذلك الجيش وقبلها معاييره و كيفية بنائه وتعليمه وتدريبه وتثقيفه ومستوى أفراده – سياسيا وفكريا – وكفاءاتهم العملية - السرية والعلنية – وكيفية إدارة الحوار داخله .. باختصار جملة القواعد الحاكمة لتوجيه ذلك الجيش عموما وأدوارهيئة أركانه وهيئاته المختلفة وأفراده ومهامهم الفنية والعملية .. كل فى اختصاصه .. ومن ثم لا يمكن أن يتضمن ذلك الجيش عناصر من الأعداء أو ممن يمكن أن يتحولوا لأعداء. 4- كذلك فإن الخط الجماهيرى – أو السياسة الجماهيرية- يرتبط كذلك بالخط السياسى ويستجيب له.. ويتناول مجالات الكفاح والنشاط وأساليبهما وطرقهما وكذا طبيعة المعارك . 5- وعلاوة على كونه – أى الخط الجماهيرى - معبراعن ذلك الفصيل ( الحزب ) ومترجما عمليا لخطه السياسى فى صفوف الجمهور عموما ووسط الطبقات والفئات الاجتماعية التى يستهدفها بشكل خاص فإن له دورا آخر هو التمهيد لتحويل الفئات الشعبية من أفراد متناثرين إلى هيئات سياسية ونقابية وثقافية واجتماعية...إلخ من خلال المعارك الجماهيرية المتنوعة فضلا عن دورفائق الحساسية هو دوره كمجسّ ( ترمومتر ) ينقل نبض الجمهور وقضاياه ومشاكله ومزاجه وتجلياتها إلى الحزب ليساهم بدوره فى قراءة أنضج وأحدث لما يعتمل فى أحشاء المجتمع تؤثر بشكل أو بآخر على إعطاء الخط السياسى ملامحه الأدق والأدق ؛ فتنعكس كذلك على التاكتيك الذى يتخذه الحزب ( الفصيل ) فى اللحظات المختلفة لمسار النضال ، كما تساهم فى تحديد الاستجابات التنظيمية بل والفكرية المتجدده لما يتطلبه دفع النضال لمستويات أرقى. 6- وكجملة اعتراضية يمثل الخط الفكرى الحاضنة الرءوم للخطوط الثلاثة السياسية والتنظيمية والجماهيرية فيمدها بالتأصيلات الفكرية النظرية عن طريق مايسمى بمهمة الدعاية .. بمعنى أن الخط الفكرى هو الجندى الذى يبدو مجهولا والراعى لجملة أنشطة الحزب المتنوعة. 7- من ناحية أخرى يشكل التاكتيك أداة هامة فى ترجمة الخط السياسى والجماهيرى إلى تصورات مرحلية محددة بعضها يتعلق بالمسار العام وبعضها يتخلق من خلال التطورات التى يفرضها النضال. وعلى سبيل المثال ( هل ستكون الثورة القادمة رأسمالية أم اشتراكية ؟ وإن كانت اشتراكية مثلا فهل هناك مهام يلزم القيام بها لاستكمال الأدوات والأسلحة التى يتطلبها النضال لإنجازها ؟ وما هى؟ وهل الحصول على تلك الأدوات أو الأسلحة يحتاج إلى ثورة سياسية فى الطريق نحو الثورة الاجتماعية- الإشتراكية- أم ماذا ؟ 8- وتهمنا الإشارة إلى قضية فى غاية الأهمية هى أن صحة الخط السياسى ليس من المحتم أن تُترجَم فى الخط التنظيمى والجماهيرى ترجمة صحيحة ، لكن صحة الأخيرين مشروطة بصحة الخط السياسى هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى فصحتهما ليس من الضرورى أيضا أن تتم ترجمتهما فى الممارسة العملية ترجمة صحيحة. فكم من أحزاب خذلتها قدرة أعضائها فى الممارسة العملية فتتعرض لضربات بوليسية مثلا أو انكسارات تنظيمية أوتتعرض لخسائر هائلة فى الكفاح الجماهيرى رغم صحة خطوطها الثلاثة، وكم من أحزاب تسببت أخطاؤها فى التاكتيك لجرائم تاريخية نتيجة دخولها فى جبهة مع حلفاء أو خصوم ليسوا محل ثقة أو لا يتناسبون مع المهمة أو بسبب توقيت خاطئ ، أو بسبب تقاعسها – أى الأحزاب –عن الدخول فى جبهة كان مطلوبا أن تدخل فيها .. لأن كلا التاكتيكين – الدخول والتقاعس - كان خاطئا فى لحظته.. وهكذا. 9- وعليه فأخطاء الخط السياسى ستؤدى حتما إلى توجهات خاطئة مهما كان شرف من يتبنونه وأيا كان إخلاصهم وهو ما يلزم أن نتعقبه من أول لحظة إذا ما شرعنا فى البحث عن أسباب العزلة والانقسام فى صفوف الحركة اليسارية.. وتبقى جملة التضحيات التى بُذلت والدماء التى سالت تضحيات حقيقية تضرب المثل على التفانى اللامحدود والإخلاص النادر لكنها بكل أسف صبت فى الطريق الخطأ. 10- وفيما يتصل بالحوار الدائر حول أزمة اليسار .. أعتقد أن الأقدر على التوصل إلى نتائج مفيدة بشأنه هو جمع بين أداتين؛ الأولى هى دراسة متأنية بفريق عمل تتوفر فيه شروط معاصرة الحقبة محل الدراسة والأمانة والكفاءة الشخصية والسياسية؛ والثانية هى حوار مباشر حى بين فرقاء مختارين بعناية بالغة تتوفر فيهم شروط حسن النية والرغبة الحقيقية فى التوصل لنتائج تفيد الأجيال القادمة من اليساريين. 11- لذلك فإن ما تفجر على صفحات الحوار المتمدن إثر نشر الأستاذ إبراهيم فتحى مقا له الأول عن أسباب عزلة اليسار المصرى وانقسامه كان شيئا منطقيا ومتوقعا لأسباب شتى منها عدم معاصرة الأغلبية الساحقة للمتحاورين لأحداث الحقبة محل المناقشة ( من بداية أربعينات القرن الماضى وحتى الآن ) ، وثانيها الليبرالية التى كان يدار بها الحوار ويسأل عنها موقع الحوار المتمدن ، وثالثها هو استمرار آثار الحلقية حية وفعالة. وبدلا من قيام المتحاورين- باستثناءات نادرة – بمناقشة الأسس والأسباب الحقيقية لتلك العزلة انبرى البعض للدفاع عن فصائلهم التى انتموا إليها ،وأصر البعض الآخرعلى الدفاع عن أشخاص لا يحتاجون أصلا للدفاع عنهم لأنهم أقدر منا جميعا على تلك المهمة. كذلك فاستغراق النقاش فى جانب كبير منه فى تبيان وتوضيح المقاصد يوضح كيف كانت البداية- وليس المقال الافتتاحى- غير موفقة وكيف كانت الحساسية القديمة أسرع من الأهداف النبيلة ومن حسن النية فى استقبال معظم ما كُتب. كذلك فهناك ضرورة.. بعد مناقشة الأسس والأسباب العميقة للعزلة والانقسام للانتقال لمناقشة كيفية النهوض والاشتباك مع الوضع الراهن فى مجتمعنا المصرى ، وذلك - إن سمح موقع الحوار المتمدن – لأنه بدونه فإن حصيلة النقاش الإيجابية تكون محدودة أو ربما تتبدد؛ بينما تكون أغلبيتها قد نجحت فى تقليب المرارات الهامدة.
#بشير_صقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مساهمة أخرى فى الحوار حول أسباب عزلة اليسار المصرى وانقسامه
-
رسالة للحوار المتمدن والأستاذ إبراهيم فتحى .. حول أسباب انعز
...
-
منتدى الأرض بتونس - كلمة لجنة التضامن الفلاحى - مصر
-
استئنافا لسياسات أمين أباظة :تصريحات لوزير الزراعة المصرى..
...
-
الفلاحون والزراعة المصرية :كيف يمكن وضعهما على خريطة المستقب
...
-
شعارات سياسية مصرية للمظاهرات .. من واقع الأزمة الراهنة
-
إلى المحبطين والمتشائمين من مستقبل الثورة المصرية
-
المنابع الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين
-
نهايتهم تلوح فى الأفق .. فاستعدوا لكن لا تتعجلوا
-
تيار الإسلام السياسى .. والعلل النفسية
-
عما نشر بشأن إسقاط ديون الفلاحين المصريين
-
الشعارات.. ضابط إيقاع المظاهرة.. فنون المظاهرة وتمهيد الطريق
...
-
فنون المظاهرة .. وتمهيد الطريق إلى الثورة ( 1 – 2 ) .. قراءة
...
-
تفسيران مختلفان لتنصيب رئيس جديد على مصر
-
من دروس الثورة المصرية : انتهت البروفة.. وبات الإعداد للجولة
...
-
السيناريو القادم فى مصر .. لا عزاء للثوار
-
ما حك جلدَك مثلُ ظفرك.. يا جماهير الثورة المصرية
-
مخاطر حقيقية تنتظر الثورة المصرية
-
الطريق الثالث.. بين التزامات البناء الحقيقية.. ومراوحات النخ
...
-
الأزمة تمسك بتلابيب أطراف العملية السياسية فى مصر
المزيد.....
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
-
الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|