|
ألغاز السياحة الدينية في زمن المفخخات
سلام عبود
الحوار المتمدن-العدد: 4110 - 2013 / 6 / 1 - 10:40
المحور:
المجتمع المدني
بعض ملامح الواقع العراقي على ضوء المنهج الفرويدي وعلم الاجتماع الجزء الخامس 5/ 10 القطيع المستنفر يجتاز نهر التماسيح إذا أردنا التحقق من طبيعة الأجواء الأمنية، ومعرفة الجوانب المعلنة من الواقع الأمني، الذي جرت فيه الزيارة الملونية، فما علينا سوى العودة الى بيانات الجهات الرسمية نفسها، وهي تتحدث عن انتصاراتها العسكرية. ففي الخبر الذي نقلته جريدة الصباح في 14 كانون الثاني، نقلا عن " وكالة أنباء السومرية نيوز"، تم رسم صورة متكاملة للأجواء الأمنية، التي رافقت الزيارة الأربعينية. توضح الصورة، بشكل جلي، عملية الصراع السياسي والأمني، التي اتخذت من مناسبة الزيارة ومن حياة الزائرين مادة لتأكيد مبدأ القوة، وأضحت وسيلة لإثبات مقدرة الفريقين المتصارعين على انتهاك حرمة الإنسان. وكما هو واضح، يتخذ الفريقان من جسد المواطن الشيعي، المشحون عاطفيا، لوحة إعلان دموية، ولوحة تصويب، يسجلان عليهما انتصاراتهما الإعلامية والعسكرية. "اعتقلت قوات امنية امس 25 مطلوباً بينهم ارهابيان انتحاريان كانا يستهدفان زائري الأربعينية بحزامين ناسفين، وستة عناصر من القاعدة خططوا لمهاجمة الزائرين، وفيما اصيب اربعة من الزائرين بانفجار عبوة ناسفة في بغداد، استشهد ثلاثة من شرطة الانبار بينهم نقيب من جراء هجوم مسلح اسفر ايضاً عن مقتل احد المهاجمين وإصابة ثانٍ بجروح. ونقلت وكالة انباء "السومرية نيوز"، عن قائد الفرقة 17 في الجيش اللواء الركن ناصر الغنام قوله إن "قوة من فرقته تمكنت، ظهر امس من إحباط محاولة لاستهداف الزوار المتجهين مشيا نحو كربلاء ، عندما ضبطت انتحاريين يرتديان حزامين ناسفين في منطقة اللطيفية "، مؤكدا"اعتقال الانتحاريين وستة آخرين خططوا ايضاً للهجوم على الزوار". وألقت مفارز المديرية العامة للاستخبارات في وزارة الداخلية القبض على مجموعة إرهابية متورطة بعمليات قتل وسطو مسلح وتهجير وزرع عبوات ناسفة وإطلاق صواريخ على مناطق عديدة منها حي الجهاد، وذكر بيان للوزارة ان "المجموعة كانت تقوم ايضا بضرب الحسينيات والجوامع وغيرها من الأعمال الإرهابية الأخرى منذ عام 2006 حتى 2010 لخلق الفتنة الطائفية". واعتقلت قوة من شرطة ديالى شخصين احدهما محام يشتبه بمسؤوليتهما عن مهاجمة مختار منطقة الجزيرة في قرى عرب جبور واصابته بجروح في اثناء خروجه من منزله. والقت قوة اخرى القبض على تسعة أشخاص بينهم أربعة مطلوبين بينهم مطلوبون في مناطق متفرقة من بعقوبة و العظيم. واعتقلت شرطة صلاح الدين مسلحا يخفي بنادق ومتفجرات في سيارته بطريقة سرية لدى مروره بنقطة تفتيش في بيجي. من جهة ثانية، أعلن مصدر في الشرطة امس الاربعاء استشهاد ثلاثة من الشرطة أحدهم ضابط برتبة نقيب في اشتباك مسلح وقع مساء الثلاثاء في الأنبار. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن النقيب مهند مخلف حمادي من شرطة القائم قوله ان "مسلحين مجهولين هاجموا مركز شرطة سعدة فقتلوا ثلاثة من رجال الشرطة بينهم ضابط برتبة نقيب، لكن عناصر الشرطة اشتبكوا مع المهاجمين واستطاعوا قتل احدهم واعتقال آخر بعد اصابته فيما لاذ ثالث بالفرار". وأفاد ضابط في شرطة القائم بأن "اعترافات الارهابي المعتقل قادت الشرطة الى جماعة ارهابية خطيرة توجهت الشرطة على الفور لملاحقتهم. وأصيب أربعة من الزوار لدى انفجار عبوة ناسفة استهدفت مركبتهم فجر امس في منطقة الرضوانية ببغداد." وفي 16 كانون الثاني " أعلن قائد عمليات الفرات الأوسط الفريق الركن عثمان الغانمي نجاح الخطة الأمنية الخاصة بالزيارة، التي شارك فيها أكثر من 32 ألف عنصر أمني في مدينة كربلاء، اضافة الى القطعات الأمنية في المحافظات الأخرى. وأكد انه تم تفكيك سيارة مفخخة و6 عبوات ناسفة على محور بغداد، وتم العثور على ستة أكداس عتاد، كما تم احباط عمليتي تفجير انتحاريتين، فضلا عن اعتقال 75 إرهابيا بينهم منفذ عملية تفجير سيارة مفخخة بالقرب من منطقة الوند على محور المسيب".
ألغاز السياحة الدينية: أرقام وجثث ودولارات عقب " نجاح الزيارة"، انفجرت أرقام الدعاية بشكل صاخب. لكن القائمين على الدعاية، لفرط انفصالهم عن المجتمع، وجهلهم بقوانين العلم وبسبل بناء الوعي الاجتماعي، أغفلوا إدراك أن هذه الأرقام (الانتصارات) تدينهم إدانة مطلقة من الناحية السياسية والقضائية. وتضعهم، سواء علموا أو جهلوا، في موضع المتهم الرئيسي، وفي موضع المنظم الرسمي والفعلي لأحداث القتل وإزهاق الأرواح. إن ما حدث أمنيا تطابق تطابقا تاما مع عملية تصعيد التوتر السياسي. ولكن، في المقابل، تناقض تناقضا جوهريا مع فكرة البحث عن " أكبر زيارة أربعينية في تاريخ العراق". لأن التوتر الأمني، الذي أظهرته بيانات القيادات العسكرية ونشرته مواقع السلطة الإعلامية على أنه انتصارات، والتوتر السياسي (الأقاليم، والهاشمي، ومقاطعة وزراء ونواب العراقية، والتهديدات التركية، والقلق في الوضع السوري) تؤكد على أن تهدئة العواطف، وتقليص حجم حركة المواطنين غير الضرورية، الى أدنى مستوياتها، هو الحل الأمثل للمحافظة على أرواح البشر من جانب، ولتأدية الطقوس بثقة أكبر وبخسائر أقل، من جانب آخر. بيد أن الأمر لم يكن كذك في تقدير المسؤولين عن الأحداث من الطرفين. كان سباق الأرقام، وإحصاء الجثث، هو الطريقة المثلى لتأكيد الذات. وكان المواطن العراقي الضحية الأولى لهذه السياسة البشعة، الخالية من القيم الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية. بعد مرور تسع سنوات على سقوط سلطة صدام، وتزامنا مع موجهة التصعيد هذه، يتذكر القضاء العراقي وجود حزب اسمه حزب البعث (الصدامي)، فتصدر محكمة جنايات الناصرية ( المكان نفسه الذي جرت فيه تظاهرات شهداء البطحاء) في ثاني جلساتها الخاصة بمحاكمة خمسة متهمين، عقدت في العاشر من الشهر الجاري، حكما بالسجن المؤبد على أحد المتهمين، لإدانته بالتخطيط والترويج لفكر حزب البعث المحظور". وأضاف المصدر ان المحكمة قررت الإفراج عن المتهمين الأربعة الآخرين لعدم كفاية الأدلة المستحصلة ضدهم، وأكدت على أن المتهمين جميعهم من أعضاء حزب البعث الصدامي كان قد القي القبض عليهم في أوقات متفرقة ضمن لائحة تضم أسماء 22 شخصا ممن هم بدرجة عضو شعبة فما دون." (الصباح 17-1-2012) وللمرة الأولى في تاريخ العراق، يقوم الإعلام الرسمي بتصنيف المتهمين بطريقة طائفية ومناطقية وعشائرية. فقد صاغ بيان " وكالة السومرية نيوز" أسماء المتهمين على النحو التالي: "ان المعتقلين هم (ن ع ا ف السامرائي) و (ا ع إ ن الجنابي) و(ض ع ح ع الخالدي) و (ا ج ح ح الحمداني) و (ع ع س ش العجيلي). قائمة الأسماء الطائفية المناطقية قابلها طارق الهاشمي بتوصيف جغرافي أكثر طائفية، حينما رد على الاعتقالات، التي وقعت لأعضاء مكتبه وحماياته، مكتفيا من البصرة بالزبير، ومن بغداد بالغزالية. مبرزا الجانب السني باعتباره ضحية طائفية: " إن حكومة المالكي تشن حملة اعتقالات لأنصاره في الزبير والعامرية والغزالية وشمال بغداد واليرموك " ( كتابات – 16-1-2012) أما صحيفة الصباح الحكومية فقد كرست صفحات الأدب والثقافة والرأي لموضوع واحد: الزيارة الأربعينية. فقد خصصت صفحة ثقافة موضوعاتها الأربعة لهذا الغرض، كما لو أن كتابها اكتشفوا، للمرة الأولى في حياتهم، وجود شخص اسمه الحسين:" لا"، و"لمن البيعة"، و"كربلاء ومتبنياتها الثقافية"، و"في ليلة عاشوراء". واحتلت الموضوعات التالية صفحة آراء وأفكار: "قافلة العشق"، "معركة الطف الثانية"، "عبق وألق"، "ما الذي أراده الإمام الحسين؟". حقا، ما الذي أراده الإمام الحسين؟ كيف تقدّر القوى السياسية اجتماعيا وسياسيا هذه التضحية؟ هل يتم ذلك بإهدار دم المواطن البريء؟ أو بإهدار طاقاته العاطفية والمادية والروحية؟ أو باستنزاف موارد وطاقات المجتمع وتسخيرها للجانب المظلم من الحدث؟ ما نتيجة هذه الأرقام، عدا استخدام الشيعي كرقم سياسي، في مواجهة الخصوم السياسيين، وفي مواجهة الأزمات الحزبية والحكومية؟ إن الجهات الطائفية، ذات المصالح الحزبية الخاصة، تريد أن تضرب شيعيين بطلقة واحدة: التصعيد العاطفي لأغراض سياسية، والضغط على البرلمان والحكومة بغية الحصول على مغانم خاصة. فلم تمر سوى ساعات على انتهاء الزيارة حتى فاجأنا محافط كربلاء بطلب يرمي الى دعوة " مجلس النواب للتصويت على طلب محافظة كربلاء تشكيل هيئة خاصة تعنى بالزيارات الدينية، كون هذه الزيارات تحتاج إلى جهد امني وخدمي لا تستطيع المحافظة إدارته لوحدها." ( الصباح 16-1- 2012) ولا بد من التنويه هنا الى أن خلط السياسي بالديني بالمالي أمر يثير الدهشة حقا، لكنه لا يثير دهشة أولي الأمر. لأنه واقع فعلي معروف لهم. ففي ظل تصاعد أزمة الكتل السياسية ومحاولة إعادة اصطفاف الكتل لغرض إسقاط المالكي، التي وصلت ذروتها بالهجوم العلني للبارزاني وأردوغان وعلاوي على المالكي في منتصف نسيان 2012، نشرت صحيفة الصباح الرسمية 21 نيسان 2012 خبرا طريفا في صفحتها الأولى عنوانه: " المرجعية الدينية تدعو البنك المركزي الى وضع حل لتدهور الدينار". وبرغم أن الدعوة تضمنت نقاطا عديدة منها تدهور الوضع الأمني والخلاف بين الكتل، إلا أن الصحيفة آثرت أن تبرز، في العنوان وفي الحيثيات، الجانب الأهم من وجهة نظرها، ألا وهو صلة المرجعية بسعر صرف الدولار. وقد جاء في الخبر: " دعا معتمد المرجعية الدينية في كربلاء الأمين العام للعتبة الحسينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي إلى وضع آليات جديدة للحد من تدهور سعر الدينار ". وقال في خطبة الجمعة أمام الآلاف من المصلين في الصحن الحسيني: "حصل في الآونة الأخيرة انخفاض في سعر الدينار العراقي أمام الدولار وهذا له تأثير سلبي في القوة الشرائية للمواطن وفي التضخم في العراق". وأضاف ان "البنك المركزي العراقي اتخذ خطوات في بعضها جوانب ايجابية تمثلت بالتقليل من الإقبال على شراء الدولار من خلال وضع شروط صعبة على الشراء وتهريب الدولار إلى دول أخرى". ما صلة المرجعية بسعر صرف الدولار؟ إن اتحاد المؤسسة الحزبية الطائفية والعرقية بالمصالح التجارية وبالعنف، هي الصيغة الحقيقية، المعبرة عن جوهر ما يجري في العراق من أزمات سياسية. بيد أن أكثر الأخبار إثارة للعجب، نظرا لجسامة ما تتضمنه من استهتار بأرواح الشعب، هي أخبار التسابق على تسطير العمليات الاستباقية الناجحة، التي أضحت تعقب كل نوبة ناجحة من أعمال العنف الإرهابية. قائد الفرقة السابعة عشرة في الجيش، اللواء الركن ناصر الغانمي، يؤكد اعتقال ستة إرهابيين خلال عملية استباقية بعد ورود معلومات عن نيتهم استهداف الزائرين في منطقة اللطيفية باستخدام أحزمة ناسفة. ( موقع أخبار العراق 12-1-2012) أما قاسم عطا فقد رسم صورة مرعبة لحجم العمليات الاستباقية (الفيحاء 16-1-2012)، وإذا صحت أرقام العمليات الاستباقية، فإنها تكون وثيقة رسمية دامغة تثبت حجم الاستهتار بأرواح سبعة عشر مليون زائر تعلم السلطات السياسية والأمنية مسبقا حجم الخطر المحتمل، الذي يمكن أن يقعوا فيه. في الثاني والعشرين من كانون أول، وتزامنا مع خروج القوات الأميركية، كانت العاصمة العراقية نفسها هدفا مباشرا لسلسلة من العميات المنسقة، بلغت أكثر من عشر عمليات، في مناطق تسكنها أغلبية شيعية من العاصمة حصدت 73 قتيلا و مئتي جريح. إذاً، كيف جرؤ المسؤولون على تجييش العواطف بهذا القدر الجنوني (17 مليون شيعي)، في ظل مناخ صالح تماما – طبقا لبيانات العمليات الاستباقية والمتحققة- لقيام مجازر جماعية؟ هذا الفعل لا يعني سوى أمر واحد: لقد اتخذ الفريقان من أرواح الشيعي المسالم والمضلل مادة دعائية لحرب سياسية قذرة، أضحى المواطن الشيعي فيها هدفا مجانيا، مباشرا. حدث طارئ وقع يوم السبت، الرابع من شباط 2012، كشف عن وقائع مثيرة يختلط فيها السياسي بالديني بالحزبي بالمالي، ويفسر لنا بعض أوجه ألغاز التصعيد المليوني، واتخاذ موضوع الزيارات مادة لبناء واقع جديد في العراق، قوامه تخريب مكونات الوعي الإجتماعي، وشحذها طائفيا، بهدف الحصول على منافع حزبية وسلطوية. يقول الخبر، الذي نشرته صحيفة الصباح الحكومية يوم الخميس التاسع من شباط، أي بعد خمسة أيام على وقوعه: " مصدر طبي اعلن ان حادثا وقع صباح السبت بين باص يقل 45 راكبا مع سيارة حمل كبيرة عاطلة واسفر عن مقتل 18 شابا على الفور وجرح العشرات معظمهم من الطلاب، بعد عودتهم من زيارة كانت معدة لهم من جهات دينية مجهولة الى مرقد الامامين العسكريين في سامراء." أما تفصيلات الحادث فتشير الى أمر آخر، أقل براءة. الإشارات جميعها تؤكد على شدة التنافس الحزبي بين أفرقاء طائفيين، هدفه إعادة قوانين التعبئة الصدامية، ولكن بثوب ديني، على غرار التعبئة الكردية، ذات الزي القومي والعرقي، والتعبئة السنية بثوب القاعدة أو بثوب "الجيش السني". إن طريقة وصف حادث اصطدام الباص من قبل بعض الناجين من الحادث، تفسر لنا سبب هذا الصراع بشكل مثير . يقول الجريح حيدر الأسدي إن "السفرة الدينية تم الاعلان لها عبر مكبرات الصوت والاعلانات التي ملأت حي الشهداء والمناطق المجاورة لها ولم تعترض الجهات الحكومية عليها". أمّا الطالب الجريح، أحمد عبدالرضا، الراقد بمستشفى الحسين فقد قال إن "رجل دين يدعى سجاد اختفى بعد وقوع حادث تصادم بين احدى الحافلات التي كانت تقل طلبة من اعدادية محمد باقر الصدر بحي الشهداء شمالي الناصرية، اثناء عودتهم من بغداد بعد رفضهم المشاركة بنشاط سياسي كان يقام السبت (4/2) في منطقة البلديات، يخالف ما اتفقوا عليه مع منظمها بزيارة الائمة في سامراء والتي لم يتمكنوا من دخولها بعد ان حذرتهم الاجهزة الامنية من خطورة الاستمرار بطريقها بساعات متأخرة من الليل، مضيفا: فضلنا الرجوع لبغداد بعد ان كان رجل الدين تعهد أمامنا بوجود دعم من مرجعيات مختلفة وبمبلغ 800 مليون دينار عراقي ووفر من خلالها مبيت بالفنادق والبيوت لقرابة 1500 شخص، أغلبهم من الطلبة، أقلتهم 28 حافلة من الناصرية. واوضح:عند وصولنا للكاظمية ببغداد لم نجد اي شيء واضطررنا للجلوس بالشوارع وللتجمع حول النيران التي كانت تحرقها السيطرات، بعد ان رفض سواق الحافلات مبيتنا داخلها خوفا على إطارات سياراتهم في ليلة شهدت سقوط الامطار وانخفاضا بدرجات الحرارة، وبعدها قررنا العودة للناصرية في الساعة الثالثة فجرا." الرواية ذاتها، ولكن من منظور آخر: " مدير مكتب الشهيد الصدر نفى وجود اي دعم من مكتبه او معرفة بمنظم السفرة. وقال السيد نصير الموسوي "لم نقدم اي دعم عبر مكاتبنا المختلفة لأي شخص لتنظيم الزيارة لان مكتبنا نظم زيارة قبلها وبأسلوب ناجح حيث وفر السكن للزائرين في بغداد وتوجهوا في اليوم الثاني لسامراء برفقة حماية كافية، ورجعوا للناصرية ولم يتعرضوا لأي حادث او مضايقة". هذا الحادث العرضي يجعلنا نؤكد أن التصعيد الأمني، والتصعيد الطائفي، يعملان بإرادة سياسية واحدة، ويسيران جنبا الى جنب، باعتبارهما حدثين متناقضين ظاهريا، لكنهما متحدان جوهريا، هدفهما استخدام إمكانيات الدولة والمجتمع، واستغلال مشاعر المواطنين الدينية، وحاجاتهم النفسية والإقتصادية، لغرض تحقيق أهداف حزبية، دعائية. في هذا الحدث، المخطط تخطيطا متقنا، تشترك مرجعيات دينية، وهيئات أمنية مركزية ومحلية، وسلطات تربوية، وأجهزة عسكرية ومالية. هنا لا يخرج التوجه الديني عن مساره الإيماني حسب، بل يذهب بعيدا، متجاوزا حدود سوء التقدير الديني، الى ما يمكن تسميته بالجريمة السياسية المنظمة. وهي جريمة جنائية خالصة. لكنها جريمة تنفذ باسم الدين والمظلومية والحق الشخصي في التعبير والتصرف. ففي العراق يجري سباق محموم يهدف الى إعادة بناء المجتمع، وتثبيت تغيّرات الأدوار السياسية، من طريق تجييش العواطف وشحن المشاعر، لغرض تسجيل المزيد من نقاط التفوق، ولكن ليس في لوحة التقدم الاجتماعي، وإنما على جسد المواطن العراقي وفي وجوده وأناه الجريح. يقول فرويد: " ثمة دوافع غريزية أخرى قادرة على أن تتغير، إذا ما بدلت وجهتها، الشروط اللازمة لتلبيتها، على أن تعين لها طرقا أخرى، وهذا ما يتطابق في معظم الحالات مع أوالية معروفة جيدا لدينا: التصعيد (لهدف الدوافع الغريزية)، لكنه يفترق في حالات أخرى. ويشكل تصعيد الغرائز واحدة من أبرز سمات التطور الثقافي؛ فهو الذي يسمح للنشاطات النفسية الرفيعة، العلمية او الفنية او الايديولوجية، بأن تلعب دورا بالغ الأهمية في حياة الكائنات المتحضرة. وقد نميل ، للوهلة الأولى الى أن نرى فيه بصورة أساسية المصير الذي تفرضه الحضارة على الغرائز" (قلق في الحارة – ص52 ) إن توجيه الغرائز فن، ولكنه ليس في مستطاع الجميع. وهو نقلات ممكنة في السلوك الجماعي تحدث بطرق عفوية تاريخيا، أو بطرق مخططة. إن تبدل ارتباطات الغرائز تتم، تاريخيا عند الجنس البشري عامة بطرق فطرية، كما هو في مثال تبدل طرق الإثارة الجنسية. فقد كانت إثارة الرجل جنسيا تتم بالشم، ككل الحيوانات، عند الطمث. لكن اختفاء حاسة الشم، جعل الاثارة بصرية. كانت إثارة الشم دورية، لكن الإثارة البصرية أضحت عامة وشاملة ودائميّة، على الرغم من أن الجميل ليس بالضرورة هو المثير جنسيا، فالاعضاء التناسلية ليست جميلة عند الغالبية من الناس. وهذا تبدل نوعي يخص الجنس البشري كله. لكن تبدل مسارات الدوافع تشمل أيضا التغييرات لدى الكتل والأفراد أيضا، وتشمل التغييرات المبرمجة والمخططة أيضا. ومن المعروف أن المستبدين هم أذكى من يقوم باستغلال الشحنات العاطفية، لغرض تقوية ارتباطهم بالجماهير وسرقة مشاعرها. وبهذا الصدد يذكر غوستاف لوبون عن نابليون قوله: "لم أستطع إنهاء حرب الفاندي (منطقة فرنسية كاثوليكية متعصبة، معادية للثورة) إلا بعد أن تظاهرت بأني كاثوليكي حقيقي. ولم أستطع الاستقرار في مصر إلا بعد أن تظاهرت بأنني مسلم تقي. وعندما تظاهرت بأني بابوي متطرف استطعت ان أكسب ثقة الكهنة في إيطاليا. ولو أتيح لي أن أحكم شعبا من اليهود لأعدت من جديد معبد سليمان" (سيكولوجية الجماهير- دار الساقي- ص88) إن ربط فكرة تغيير الدوافع بظاهرة دينية، قد يثير عواطف الطائفة المعنيّة. وربما يُربط النقد الموجه الى السلوك والى تقنيات ووسائل إدارة وتوجيه الغرائز ربطا فجّا وقصديّا بالمعتقد والألهيات ومبادئ الإيمان، من أجل الحصول على مزيد من الإثارة السلبية، واستسهال الاتهام والتكفير والتجريم، وهو أمر متوقع. لأن العاجز والمتعصب والجاهل يميل الى الحلول الأكثر مباشرة والاكثر قربا من نفسه، وأولها إلغاء العقل والعودة الى سلطة الغريزة: القوة. ولكن، لو أردنا أن ننزع الغلالة الدينية عن الدوافع نستطيع العثور على مئات الأمثلة، غير الدينية، التي تدعم حججنا، والتي رآها بعضنا واندهش لحدوثها، وظن خطأ أنه محصّن "شخصيا" ضد عوارضها المخجلة. بعض الأحداث تبدو لنا غريبة، لأنها تحدث في بيئة أخرى غير بيئتنا، ولبشر آخرين غيرنا، ناسين أننا نعيش الحالة ذاتها، ولكن بطرق مختلفة. فمن منا، عدا المصريين والجزائريين، من لم يندهش من الطريقة، التي قامت بها أعلى أجهزة إدارة المجتمع المصري والجزائري، بتحويل نزاع كروي الى عنف دولي وإقتتال "مصيري!"، أسماه البعض: إقتتال حياة أو موت! وقال بعضهم إنه اقتتال ثقافي وفني وروائي وقصصي أيضا. لماذا استطاعت مجتمعات أخرى، أمثال فرنسا وايرلندا، التغلب على مشكلة كروية أكثر عمقا، حدثت في الوقت نفسه، وللمناسبة عينها، وبطريقة أكثر استفزازا. ولكن، تمت تسويتها بطرق تربوية سامية، قوامها توجيه الإحساس الغريزي العدواني، والسلوك العنفي، وما يرافقه من مشاعر الكراهية والنفور والقطيعة، وجهة جديدة سوية وإيجابية. أي تمّ تصعيد المشاعر حضاريا من طريق التسامح والتعلم من الأخطاء ونقد الذات والاحتكام الى القانون. قال أحد الفرنسيين، في استطلاع أجري يوم الحدث: لقد فرحت لفوز بلدي بهدف احتسب لنا خطأ، لكنني لن أرضى أن يتعلم ابني من هذا المثل السعيد كيف يحصل على سعادته بالغش. إن تصعيد الدوافع جزء من بناء ومكونات الحضارة، لأن الطريقة التي نصعد بها دوافعنا تحدد مقدار تحضرنا. إن السعادة لا تتحقق بالانتصار للألم، ولا بكبت اللذة، ولكنها تتحقق من طريق توجيه الغرائز وجهة صحيحة. إن تغليف العدوانية بالسعادة الزائفة، أو بالتطهير السلبي، أو بتكفير الذنب المرضي، جزء من بقايا الأزمنة البائدة، أزمنة ما قبل الحضارة. (جزء من الفصل الرابع- الباب الأول من كتاب: الثقافة العراقية تحت ظلال الاحتلال)
#سلام_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسم صيد الطرائد الشيعيّة
-
مواكب عزاء لحماية الإثم السياسي!
-
الطائفيّة أفيون الشعوب الإسلاميّة! (خطر احتكار الحقيقة دينيّ
...
-
بعض ملامح الواقع العراقي على ضوء المنهج الفرويدي وعلم الاجتم
...
-
ثورة عراقية في فن التزوير
-
لقد ابتلع السنة الطُعم الشيعي، وابتلع اليسار الخيبة والتشرذم
...
-
الثورة والكرامة بين الفلسفة والأخلاق والسياسة
-
شاعر لكل البشر
-
عدن: مرثية البحث عن الجنة!
-
دور الاحتلال في رسم صورة الحاكم العراقي
-
من يرسم حدود العراق ج2
-
من يرسم حدود العراق؟
-
باربي ربّانية!
-
الشروط الأخلاقية للحرية
-
الى مظفر النوّاب آخر الصعاليك
-
المثقف العراقي المستقل تحت ظلال الاحتلال
-
للّغة ثوراتها وثوّارها أيضا
-
المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال(الجزء الثامن)
-
المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال(الجزء السابع)
-
المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال(الجزء السادس)
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|