|
عدم الثقة في التزام الحكومة بالديمقراطية
سامر أبوالقاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4108 - 2013 / 5 / 30 - 21:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حسب ما تناقلته وسائل الإعلام الوطنية، فقد قررت أحزاب المعارضة مقاطعة الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة يوم الجمعة 31 ماي 2013 بمجلس النواب.
وبهذا، تكون المعارضة قد حددت الشكل التنظيمي المناسب للتعبير عن موقفها، الرافض لأن تجري الجلسة الشهرية في شكلها الحالي، قبل أن يتم الحسم في النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، الذي تقدمت بشأنه مقتضيات تعديلية جديدة تروم منح نَفَس جديد لجلسة مساءلة رئيس الحكومة الشهرية، التي ينص عليها الفصل 100 من الدستور.
والهدف طبعا حسب ما تم التعبير عنه من طرف المعارضة ذاتها، هو إخراج هذه الجلسة من طابعها الاستعراضي الفرجوي، الذي يميز مداخلات رئيس الحكومة، ومنحها طابع مساءلة حقيقية وشاملة لقائد الأغلبية حول قضايا الساعة المرتبطة بتدبير الشأن العام. إضافة إلى أن المعارضة متشبثة بهدف منحها حصة زمنية معقولة، لتقديم أسئلتها حول محور المساءلة مناصفة مع الأغلبية ورئيس الحكومة.
وفيما كان الرأي العام الوطني ينتظر ردا سياسيا لرئيس الحكومة، فإذا به يصرح للقناة المغربية الثانية في أخبار الظهيرة بأن لديه دعوة للحضور إلى البرلمان موجهة إليه من طرف رئيس مجلس النواب، وسيحضر على الساعة الرابعة بعد الزوال كما هو محدد، "وعلى كل حال فإن البرلمان كانت دائما به غيابات".
هذا الرد، الذي جاء يوما واحدا قبل انعقاد الجلسة الشهرية، يثير تساؤلا هاما من حيث تبعات هذا التصعيد الذي سيرخي بضلال تبعاته على الوضع السياسي برمته في الأمد القريب، خاصة من حيث اعتبار عدم الحضور للجلسة الشهرية غيابا أو مقاطعة.
فهل الأمر يدخل في نطاق الأمر الاعتيادي للمؤسسة التشريعية، من حيث استفحال ظاهرة الغياب؟ أم أن الأمر اتخذ أبعادا أخرى فوق اعتيادية، من حيث ديمقراطية التدبير الحكومي في علاقته بالمؤسسة التشريعية؟
ينبغي عدم الاستهانة بقرار مقاطعة الأحزاب المعارضة، وإدخاله في الإطار العادي لسير أشغال المؤسسات الدستورية، لأن الخوف كل الخوف هو أن يُسْقِط رئيس الحكومة الوضع السياسي برمته في محك ضرب الثقة في المؤسسات من جديد. وقد بدأ هذا الشعور يدب في نفوس المتتبعين للشأن السياسي المغربي، خاصة مع بروز الشعور بفقدان الثقة في الأداء الحكومي، على كل الأصعدة.
لذلك وجب التنبيه إلى أن الغياب عن المؤسسة التشريعية بغرفتيها؛ مجلس النواب ومجلس المستشارين، يُعَرَّفُ بأنه عدم حضور النائب أو المستشار إلى البرلمان، دون سبب قانوني أو عذر وجيه. وقد يُعَرَّفُ كذلك، بعدم تواجد الواحد منهما بالمؤسسة البرلمانية خلال اليوم الرسمي للعمل الرقابي والتشريعي أو جزء منه، سواء كان هذا الغياب من بداية اليوم، أو الحضور والانتظام بالبرلمان، ثم مغادرته قبل نهاية أشغاله الرسمية، دون عذر مشروع.
وحتى إذا كان غياب النائب أو المستشار في بعض الأحيان بسبب مقبول، كالغياب لأجل مهام أخرى أو بسبب عوامل صحية يمكن التغلب عليها، أو بسبب عوامل أخرى غير ذات تأثير قوي ولكن يجدها النائب أو المستشار فرصة للغياب، فإن ذلك لا يعتبر مقبولا من الناحية السياسية، لأن تلك الظروف الخاصة يمكن التغلب عليها ومواجهتها، بحيث لا تكون عائقاً في سبيل الحضور إلى البرلمان، ولا حتى مؤثرا بشكل سلبي على العمل الرقابي والتشريعي، الذي هو من صميم اختصاصات المؤسسة التشريعية.
وللتذكير فإن استحضار البعد السياسي للغياب داخل المؤسسة البرلمانية، لا يقتصر على هذا الشكل من التعريف العام وحده، بل يمتد ليشمل الغياب عن المؤسسة ككل، بحيث لا يبذل النائب أو المستشار أي مجهود للوصول إلى المؤسسة أصلا. والغياب عن أشغال اللجان والجلسات العامة، وهو ما يعبر عن عدم قدرة النائب أو المستشار على متابعة الأشغال الرقابية والتشريعية، ومن باب أَوْلَى عدم استطاعته المشاركة الفعالة في هذه الأشغال. و الغياب عن طريق الانشغال الذهني للنائب والمستشار بمجموع القضايا والمشاكل المطروحة داخل المؤسسة، المتمثل في النوم أو الضوضاء أو الشرود الذهني أو عدم التوفر على أدوات ووسائل العمل.
غير أن هذه الظاهرة لا علاقة لها، من قريب أو بعيد، بقرار مقاطعة المعارضة لجلسة المساءلة الشهرية، اللهم إن تم استحضار ذاك الطابع الاستهزائي، الذي يميز تفاعل السيد رئيس الحكومة مع مختلف الوقائع والأحداث والمواقف السياسية الجارية في الساحة الوطنية.
إن مقاطعة الجلسة الشهرية هي الحالة التي تعلن فيها أحزاب المعارضة، وبشكل قانوني، عن قرار تنظيم عدم مشاركتها النشطة في أشغال العمل الرقابي خلال الجلسة الشهرية، وهي بذلك ترفض رفضا قاطعا المشاركة في الطابع الاستعراضي الفرجوي لهذه الجلسة.
والسبب في ذلك، لا يتعدى كونه متمثلا في عدم قدرة الحكومة على ضمان مصداقية ونزاهة وجدية ومسؤولية أشغال هذه الجلسة الشهرية، وفي انخفاض شرعية الحكومة الحالية من خلال تلاعب الحزب الأغلبي بالعمليات ذات الصلة بمراقبة العمل الحكومي، ومن خلال التمويه لصالحه وعرقلة كل الاقتراحات والتعديلات الصادرة عن المعارضة.
كما يكمن السبب، في الضغط على الحزب الأغلبي الذي يدعي التزامه بالديمقراطية وتحقيق معاييرها في سياساته وفي علاقته بالمؤسسة التشريعية، ويكمن في التعبير عن عدم ثقة المعارضة في احتمالية تحقيق الديمقراطية من طرف الحكومة، وفي تكذيب المعارضة الادعاء الحكومي وكشف زيف الالتزام بالديمقراطية. وهكذا تكون المعارضة إزاء القيام بواجب التمثيلية التي تحظى بها أمام الشعب المغربي، وتنبه الرأي العام إلى ضرورة النضال باتجاه جعل الحكومة تتبنى فعلا الديمقراطية خطابا وممارسة.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى سعي الأحزاب المعارضة نحو التغيير، فعدم الحد من الفساد وغلاء الأسعار وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع معدل الجريمة والاعتداء على حقوق الإنسان وعدم القضاء على الرشوة وتدهور الصحة العامة... كلها مؤشرات على فشل التدبير الحكومي الحالي في إيجاد حلول للقضايا المستعصية، التي على أساس معالجتها بنت أحزاب الأغلبية برامجها الانتخابية، وعلى أساس التغلب عليها بنت الحكومة برنامجها الحكومي، وبالتالي فهي كلها عوامل تفرض على أحزاب المعارضة ـ من باب مسؤوليتها السياسية والتاريخية ـ الدفع في اتجاه تغيير هذا الوضع.
إن أحزاب المعارضة مضطرة اليوم، بالنظر إلى الظرفية الدقيقة والصعبة التي يعيشها الشعب المغربي، إلى عدم إضفاء الشرعية على العمل الحكومي العاجز عن امتلاك تصور واضح لما يمكن القيام به، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو تربويا... كما أنها مرغمة على السير في اتجاه الضغط على الحزب الأغلبي لتبني الديمقراطية، وثنيه عن محاولة تحويل العمل الرقابي إلى مسرحية هزلية، والدفع بقرار المقاطعة في اتجاه تعديل سلوك الحكومة من جهة، وتعديل نظام مراقبة العمل الحكومي داخل البرلمان من جهة ثانية، وتوفير ضمانات أكثر للمراقبة والتشريع، حسبما تقتضيه مستويات التعاطي الديمقراطي مع تنزيل محتويات ومضامين الدستور الجديد من جهة ثالثة.
لكن، على أحزاب المعارضة أن تدرك جيدا، بأن تحقيق هذه الأهداف رهين بقوتها وثقلها في الحياة السياسية، ورهين بالانسجام والتناغم فيما بينها حول المواقف المعبر عنها، ورهين بالاستماتة والتشبث بتلك المواقف إلى آخر نَفَس، ورهين بالتوجه إلى الشعب المغربي بالكثافة اللازمة من أجل شرح الموقف وتوضيحه بكل شفافية، لحشد أكبر تأييد.
#سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتنة -الإسلام الحقيقي-
-
فتنة شعار -الإسلام هو الحل-
-
-وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَو
...
-
-المؤمن إذا عاهد وفى-
-
خيار الاندماج وعلاقته بإعادة هيكلة الحقل الحزبي الوطني
-
الأداء الحكومي وإشكال تعزيز الثقة في المؤسسات
-
الأستاذ عصيد وسؤال مراجعة أنماط التفكير في الحقل الديني بالم
...
-
اليوم العالمي للمرأة وطريقة تدبير العيش المشترك
-
علاقة القوانين التنظيمية والعادية بالجدولة الزمنية والسياسية
...
-
عواقب تملص الحكومة من واجب عرض مشاريع القوانين التنظيمية على
...
-
الدستور الجديد وموقع الجهات من معادلة فصل السلط
-
معرفة الواقع شرط لإمكان تغييره
-
التحول الديمقراطي لا يمكن اختزاله في تبويء حزب العدالة والتن
...
-
الحكومة ملزمة بإصدار كل القوانين التنظيمية
-
على الحكومة احترام الدستور لأنه السند الشرعي لوجودها
-
التعاطي مع القوانين التنظيمية بمنطق الدولة لا بمنطق الحزب ال
...
-
قياس تقدم الإصلاح رهين بمشاريع القوانين التنظيمية
-
الحكومة الحالية والعجز عن أجرأة مقتضيات الدستور
-
المنظومة التربوية: كسب رهان الإصلاح عبر إرساء تعاقد جديد مع
...
-
البرنامج الاستعجالي: مقاربة للتعرف على العلاقة بين المنطلقات
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|