|
المناهج التعليمية في سورية و الوحدة الوطنية
آزاد برازي
الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 10:24
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كثيرا ما تحدثنا عن الوحدة الوطنية وعن ضرورة تعزيزها و لم تخلو أي مقالة أو وثيقة تتحدث عن الهم الوطني تقريبا منها حتى شعرت وكأن الوحدة الوطنية يمكن تحقيقها كما يقال ( بكبسة زر) مما بدا لي و كأنها تقع خارج التاريخ و ليست محكومة بالظروف و الأسباب التاريخية و يمكن تحقيقها بقرار يصدر من المعنيين بالأمر دون تهيئة الظروف المطلوبة لجعلها واقعا . على ما أظن إن الأمر لا يتم معالجته بهذا الشكل فبما إننا نتحدث عن أمر المعني به بالدرجة الأولى هو الإنسان فنحن سنبقى في إطار التاريخ أي إن مقدمات معينة يجب أن تتوفر حتى نحصل على الوقائع المطلوبة و انطلاقا من المنطق الأرسطي ( مقدمات صحيحة ستؤدي إلى نتائج صحيحة و مقدمات خاطئة ستؤدي إلى نتائج خاطئة ) ومن المعلوم حالة التعثر الحاصل في مفهوم الوحدة الوطنية في سورية لم تحدث من الفراغ فهناك أسباب و مقدمات أدت إلى هذه الحالة السلبية و هي متعددة و هذه المقدمات ذاتها يمكن تقسيمها إلى مقدمات أساسية و مقدمات ناتجة عنها خاضعة لطبيعة الرؤية و الإيديولوجية ومن أهمها بتصوري المناهج التعليمية المتبعة في مدارسنا و مؤسساتنا التعليمية ذات طبيعة معيقة لأي مشروع يهدف إلى تحقيق أو تعزيز أي وحدة وطنية فكل الأهداف التربوية التي تسعى إلى تحقيقها نابعة من قراءات و رؤى ضيقة و مؤد لجة للتاريخ و الواقع بمقاساتها الخاصة وهي لا تعبر عن حقيقة الحال فهي ذات طابع شوفيني إقصائي منكرة للأخر معبرة عن حالة من الفئوية الضيقة و الأمثلة كثيرة جدا . يستطيع كل متابع للمناهج التدريسية في سورية أن يتلمس كل ما ذكر سابقا و طبعا كل ما ذكر سابقا ينطبق على المواد الأدبية كالتاريخ و الجغرافية و اللغة العربية و أخيرا مادة التربية القومية الاشتراكية ،فالتاريخ في كافة المراحل اعتبارا من الحلقة الثانية للتعليم الأساسي و حتى المراحل العليا تشجع و تغرس في نفوس الطلبة نزعة التعالي و كره اللأخر لأن الصورة التي صور بها الأخر على انه متآمر و لديه الاستعداد الدائم لاقتناص أي فرصة لإلحاق الأذى بالعرب عدا أن كل ما أنجز من مكتشفات و ما مر من حضارات في المنطقة هي عربية الطابع وكل ما لايمكن نسبه للعرب فهو قادم من خارج المنطقة و لا يمت إليها لان المنطقة لا تحتمل إلا العروبة لذلك تم نسب الآشوريين و الآراميين و الفينيقيين و الكنعانيين و الاكاديين و الكلدانيين ......الخ إلى العرب وان كانت هناك محاولات لضم السومريين و لكنها محاولات خجولة باعتبارهم ينتسبون عرقيا إلى العرق الآري و القاعدة الشوفينية تخبرنا إن كل ما هو سامي عربي وكل عربي سامي فبهذه الحالة يشذ السومريين عن القاعدة أما بالنسبة للشعوب الأخرى كالحور يين و السوباريين و الميتانيين .....الخ شعوب مهاجرة من خارج المنطقة إلى الوطن العربي و هي شعوب همجية هذا بالنسبة للتاريخ القديم أما عندما نتحدث عن التأريخ الإسلامي تبدو العقلية الأموية واضحة في قراءة التأريخ المبنية على الشوفينية والكره لكل ما هو غير عربي ( أعجمي ) و تبرر لكل الممارسات الأموية والعباسية السلبية و العنصرية و تقدمها على إنها منزهة عن الأخطاء عدا أن هذه القراءة تفتقد إلى الموضوعية و بعيدة كل البعد عن غاية المعرفة و تتهم و تحمل كل ما هو غير عربي مسؤولية كل ما حل باللاسلام و المسلمين ، و عندما نعرج على التاريخ الحديث و المعاصر نرى انه لا يعكس الحالة الوطنية الحقيقية عند الحديث عن تاريخ سورية في مراحله المختلفة فهناك تغيب كامل لأي دور غير عربي وان تم ذكر شخصيات تاريخية غير عربية في أصولها تقدم على إنها عربية عدا أن النظرة الطاغية على التاريخ الحديث و المعاصر رؤية قومية عربية مفضلة بذلك تاريخ العرب عموما في الوطن العربي على التاريخ الوطني وما ينطبق على سورية من حالة الإقصاء و الإنكار للشعوب الأخرى ينطبق على عموم الشعوب الغير عربية في الأقطار الأخرى . أما بالنسبة لمادة الجغرافية نلاحظ التغيرات الحاصلة في أسماء المواقع الجغرافية وذلك بما يتوافق مع سياسة التعريب ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر ( جبل الكرد ) و ( جبل ليلون) استبدلت ب(جبل حلب) و (جبل سمعان). لا احد يستطيع أن ينكر طبيعة المعاناة التي يعاني منها الطالب في مادة اللغة العربية باعتبارها مادة مرسبة بمفردها إذا لم يحصل الطالب على 50% من الدرجات و لا شك فيه أن أكثر المتضررين من هذا القرار هم المواطنون السوريون من غير العرب ( الأكراد , الأرمن ........الخ ) وطبعا الغاية معروفة من هكذا قرارات بلاضافة إلى ذلك أن المشكلة تجاوزت الغير العرب إلى الطلبة العرب ذاتهم . و أخيرا مادة التربية القومية الاشتراكية التي لم يعد لها ضرورة أصلا فمن المعروف إن هذه المادة هي بعثية بامتياز ولا تعكس إلا رؤية حزب البعث ووجهة نظره للواقع و المستقبل من منظار قومي ضيق ، و المشكلة عندما نتحدث عن الوحدة الوطنية فأي و حدة وطنية يمكن تحقيقها في ظل سيادة أفكار قائمة على التشكيك و إنكار الأخر في ظل عقول تبرمج على الحقد و الكراهية فالوحدة تقوم أساسا على فكرة قبول الأخر لان للوحدة في ثناياها أجزاء مكونة لها و إلا لماذا نطالب بالوحدة إذا كنا نشكل كلا منسجما من حيث القومية و الفكر ......الخ . سنحاول تقديم بعض الأفكار الهدامة و المجهضة لأي مشروع لإقامة الوحدة الوطنية فعلى سبيل المثال تشويه الحقائق التاريخية بما يتعلق بالشعوب الغير العربية التي تعيش فيما يسمى بالوطن العربي باعتبارها شعوب وافدة من الخارج بالتالي هم يعيشون بضيافة الدول العربية وباعتبارهم ليسوا عربا فهم بشكل أوتوماتيكي أدوات بيد الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية و نخص بذلك الشعب الكردي في سورية و الأكثر سذاجة هو تصوير هذه الشعوب بأنها من صنع الاستعمار فتحولت هذه الخزعبلات إلى حقائق غير قابلة للنقاش في أذهان الطلبة وما عزز هذه الرؤية انصراف الطلبة عن مطالعة الكتب و تراجع الحالة الثقافية بشكل خطير جدا فأصبحت هذه المناهج المسمومة هي البوابة التي يتم من خلالها بناء ذهنية الطلبة الموسومة بضيق الأفق . ففي زيارة لأحد المسؤولين لإحدى المدارس أتحفنا هذه المسؤول بآرائه النيرة أثناء حديثه مع مدير المدرسة عندما تحدث عن المدرسة كونها مؤسسة سياسية بعثية وكل طالب و كل مواطن هو بعثي بالفطرة فيجب علينا التركيز على بعثنة الطلاب بالدرجة الأولى ثم انتقل إلى مسالة الشعارات ........الخ من هذه المواضيع و لم يتفوه بأي كلمة حول سير العملية التعليمية و احتياجاتها لغاية إنجاحها على إن هذه المواضيع هي أمور ثانوية لا تستحق الذكر . فالسؤال الذي يطرح نفسه ما الأرضية التي ستخلقها أو تهيئها هذه المناهج وما هي طبيعة الأذهان التي ستنتجها ، اعتقد يمكن الاستعانة بحدث وقع في دمشق للاجابة عن السؤال السابق الذكر وهذا الحدث متعلق بنزول آلاف من الطلبة الجامعيين أمام القصر العدلي في دمشق لضرب المعتصمين المطالبين بالإصلاحات في البلاد فمن هذا الحدث استنتجت إن ما ذكره المسؤول وتجاهله للعملية التربوية ما هي إلا صورة حقيقية للواقع و الرجل كان واقعيا بما فيه الكفاية فمؤسساتنا التعليمية هي عبارة عن دوائر أمنية و مغاسل للأدمغة و لا تمت إلى العلم و المعرفة لا من قريب أو من بعيد .
#آزاد_برازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحية إلى شعب العراق
-
الذكرى الاولى لمؤامرة آذار
-
جدار برلين سقط في الجغرافية
-
السياسة الكردية...فعالية أم تخبط
-
السياسة السورية في تجاهل وتخوين الأكراد
-
حتى أنت يا بروتوس
المزيد.....
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|