|
هل يُلْدغ الغرب من جحر مرتين؟
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 11:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أعتقد أن البرجماتية بتطبيقها المنحرف الانتهازي، ولا الليبرالية المطلقة الساذجة، التي لا تفرق بين العقرب والعصفور، وراء هذا الغباء منقطع النظير، الذي نراه من الحكومات والمنظمات الإنسانية الغربية، ولقد ترددت كثيراً في استخدام كلمة "غباء"، لاندراجها ضمن قاموس السباب، لكن ما باليد حيلة، وهي التوصيف الحقيقي لما نراه من الغرب مُنتِج العلم ومصدِّره، ونحن نراه يخالف بفجاجة أبسط مناهج العلم، وهو منهج التعلم من الأخطاء، والذي على أساسه تم تصميم أنظمة توجيه الصواريخ، لتتجه نحو أهدافها على هدي الإشارات التي تحدد قدر الانحراف بين مسارها الآني، والمسار الصحيح إلى الهدف. عاد الحديث قوياً عن إشراك جماعات التأسلم السياسي فيما يسمونه العملية الديموقراطية، لم يتعلم الغرب بما يكفي، من احتضانه واستغلاله للذئاب (غير) البشرية، في حربه ضد الشيوعية في أفغانستان، وما نتج عن ذلك ونعرفه ويعرفونه معنا، وذاقوا مرارته بقدر ما ذقنا وما زلنا نذوق، ولم يتعلموا من احتضان الخوميني في عاصمة النور، حتى عاد محمولاً على الأعناق، ليسحق الحرية والإنسانية في إيران، وليظل نظامه يشكل أعظم تهديد للحضارة والبشرية، ولم يتعلموا من احتضان رؤوس الإرهاب الفارة من العدالة المصرية، وتوفير التمويل والملاذ الآمن لها، لتخطط للإرهاب الأسود في مصر، وقد بح صوت الرئيس حسني مبارك (الذي يتحدثون الآن عن بقائه في الحكم أطول مما ينبغي)، في مناشدته لهم لتسليم هؤلاء للعدالة، والمطالبة بمؤتمر عالمي لمواجهة خطر الإرهاب المشترك، والغرب مصر على معاملة الذئاب المسعورة كما لو كانوا ثواراً أحراراً يحتاجون إلى الحماية، ورأينا منظمات حقوق الإنسان تمارس نشاطها كمنظمات "لحقوق القتلة"، ففي الوقت الذي كنا نتجرع فيه الحزن على دماء أبنائنا التي سفكها الإرهابيون داخل الكنائس والمدارس والمقاهي، وعلى دماء شهدائنا من رجال البوليس، كنا نسمع عن تهديدات للحكومة المصرية بقطع المعونات الاقتصادية، لانتهاك الحكومة لحقوق المجرمين، ولم يكن من المدهش والحالة هذه، أن تؤسس في مصر على ذات النهج، منظمة خاصة للدفاع عن "حقوق القتلة"، تحت ذات المسمى الذي صار مراوغاً وملتبساً بفضل السذاجة إلى حد الحماقة، مسمى حقوق الإنسان، وعندما وصل الحال إلى تدهور يفوق كل تصور في حادثة الأقصر، التي كان أغلب ضحاياها من السياح السويسريين، اضطر الرئيس مبارك بعد نفاد صبره، إلى التخلي عن دبلوماسية الأحاديث، وواجههم مباشرة بأن ما حدث هو النتيجة الطبيعية لرعايتهم لتنين الإرهاب!! يحزنني أن أجدني مضطراً لتكرار ما يعرفه الجميع، وأن أُذَكِّر أحداً أن "الإنسان حيوان له تاريخ"، وإذا تخلى الإنسان عن دروس التاريخ، فَقَدَ ما يميزه عن سائر الكائنات، فمن منا لا يعرف مصير السادات الذي أخرج الإخوان من السجون، وترك لهم مصر ساحة يعيثون فيها فساداً، وعدَّلَ لهم الدستور ليحوِّل مصر من دولة علمانية تستمد قوانينها من مشيئة شعبها، إلى دولة تستمد القوانين من الشريعة الإسلامية، ومزق ثوب الحاكم المصري الذي ارتداه من قبله أسلافه على مدى خمسة آلاف عام، وهو ثوب "الحاكم المصري لدولة مصرية"، معلناً أنه "حاكم مسلم لدولة إسلامية"، هل شفع له ذلك لديهم، أو هل ساهم ذلك في تليين خطابهم، والاندماج في الانفتاح السياسي الذي حاوله، أم أنهم من الطراز الذي "إذا مددت له إصبعك التهم ذراعك"، أو التهمك كلك، كما فعل به صبيانهم بعد ذلك؟!! أليست منظمة حماس صناعة إسرائيلية، حاولت بها إسرائيل خلق توازن مع منظمة التحرير وفتح، فماذا كانت النتيجة، غير الاستجارة من الرمضاء بالنار؟! تصورنا بعد 11 سبتمبر 2001 أن الغرب قد تلقى ما يكفي من الدروس وربما أزيد، وبدأت أمريكا في إصلاح ما أفسدته، رغم التكلفة الباهظة التي تدفعها شعوبنا والشعوب الغربية، في مطاردة العقارب التي تكاثرت وتناسلت حتى افترشت الكوكب، وصارت مرشحة - بدلاً من القرود – لتلعب دور وريث الإنسان في أفلام هوليود. لكن كما يقول المصريون "عادت ريمة لعادتها القديمة"، ها هو الغرب يعود لمحاولته الحمقاء "تدجين الذئاب"، فمن يخبرهم عن البدوي الذي رعى ذئباً صغيراً، وأرضعه من لبن شاة، لكنه ما أن نمت مخالبه حتى افترسها، فنطق البدوي بعبارته الخالدة: "رضعت شويهاتها وفجعتنيها، فمن أدراك أن أباك كان ذئباً؟!!". ها هو الحديث يعود عن مناشدة ذئاب الزرقاوي في العراق، لإلقاء السلاح والانخراط في العملية الديموقراطية (هكذا!)، وفي فلسطين يجري تقبيل أيادي وأرجل حماس والجهاد، للتفضل والتكرم بقبول المشاركة في الحكم، والموافقة على ديموقراطية صناديق الانتخاب الطريفة، أما حزب الله في لبنان فإن عيوننا جميعاً شاخصة إلى شفاه السيد حسن نصر الله، وهو يصطنع خطاباً ليناً، يحوي في ثنياته تعصباً مرعباً، منتظرين كرمه، بالتفضل والقبول بدخول عالم الليبرالية السياسية اللبنانية (الذي كان). أما في مصر، البلد الأكثر ابتلاء بالتأسلم السياسي والإرهابي، وليس سراً أو اعترافاً تراجيدياً، أنها البلد الذي لعب الدور الأساسي في تصدير هذا البلاء إلى العالم، ليأتي الدور الثانوي للسعودية، والدولارات النفطية من مصادرها المتعددة، يعود الحديث الآن، وبعد أن نجحت الحكومة المصرية، بمساندة الشعب المصري الطيب والمسالم، في كبح جماح التأسلم السياسي الإرهابي، بفضل التشخيص الدقيق والواقعي للموقف، حيث جماعة الإخوان المسلمين هي الوجه السياسي، لعملة وجهها الآخر جماعات الذبح والإرهاب، هذا ما يسجله تاريخ هذه الجماعة، ونعرفه جيداً عنهم، ويعرفونه جيداً عن أنفسهم، ولكي تقضي على هذا لابد وأن تصادر ذاك، هذا هو السر وراء النجاح الباهر الذي حققته مصر في مواجهة تنين الإرهاب، يعود الحديث الآن عن اتصالات بين الغرب وجماعة الإخوان، الأمريكان يلتمسون، والإخوان يتدللون، يُسيِّرون المظاهرات لمغازلة أمريكا، لإظهار مفاتنهم الجماهيرية، لأمريكا الديموقراطية، وإلى الجحيم للحرية والمستقبل والأمل في مصير يختلف ولو بعض الشيء، عن مصير الفلوجة والحلة!! أيها السيدات والسادة في كل أنحاء الأرض، أيها الحكماء والجهلاء، وكل من هب ودب: · قبل القتل الكراهية. · لكي لا تضطر لمطاردة قاتل، عليك أن تجفف منابع الكراهية. · الكراهية هي العمود الفقري لخطاب التأسلم السياسي، حتى أكثره اصطناعاً للاستنارة. · أبله من يتصور أن المتأسلمين متى وصلوا إلى الحكم، يمكن أن يتخلوا عن عماد فكرهم، الذي أجلسهم على العرش. · من الحماقة الإصرار، أو مجرد التفكير في "تدجين الذئاب". لست ممن يدمنون تعليق مشاكلهم على شماعة الآخر، الإمبريالي أو الصهيوني أو ما شابه، ولست ممن يرفضون الانفتاح على العالم تأثيراً وتأثراً، ولست ممن يدعون إلى الانغلاق تحت مسمى رفض الإصلاح من الخارج، ولست من الذين يسمحون لأنفسهم أو يحاولون مصادرة الآخر، الداخلي أو الخارجي، إلا أنني أرفض حتى الموت أن أسير خطوة واحدة مع من لا يتمسك بالمبادئ التالية: · جميع ما ورد في وثيقة حقوق الإنسان، دون استثناء أو تهميش للفظ واحد. · الفصل التام بين الدين والدولة. · الانتماء الديني مسألة شخصية بحتة، يحميها القانون من الاختراق، كما يحمي المجتمع من تجاوزها للحدود الشخصية. · العلم وحده هو أساس الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أسمح لنفسي في النهاية بأن أتوجه بمناشدة للإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي: ارفعوا أيديكم عنا، وكفاكم ما أفسدتم من أمورنا، ولو بحسن نيَّة
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البرجماتية غائبة. . ولكن
-
وطنية نعم، فاشية لا
-
الليبرالية الجديدة والتناول المغلوط
-
يحكى أن . . . . . .
-
الليبرالية الجديدة وثنائية الشكل والمضمون
-
الخطاب الإعلامي العربي بين الوصاية والتضليل والليبرالية المف
...
-
د. سيار الجميل . . عفواً
-
ثوابت الأمة والخلط بين الواقعية والانهزامية
-
مستنقع الكذب وضبابه
-
فيصل القاسم يسفر عن وجهه الليبرالي
-
الاتجاه المعاكس- والإجهاز على المشكاة
-
فيصل القاسم . . من وإلى أين؟
-
مشهدان من مسرحية عروبية ساقطة
-
أمريكا أمريكا . . تلك الأرض المقدسة
-
البعض يريد كليباً حياً
-
إبراهيم نافع والفاشيون العرب
-
حوار مع صديقي الملحد -2
-
الليبراليون الجدد يوقدون الشموع
-
المسألة القبطية ومنهج الرقعة الجديدة على ثوب عتيق
-
حوار مع صديقي الملحد
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|