أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسن علي - مساهمة في توثيق تجربة - لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية - ( الحلقة الثانية :الاعتقال والتحقيق والسجن ـ القسم الأول )















المزيد.....



مساهمة في توثيق تجربة - لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية - ( الحلقة الثانية :الاعتقال والتحقيق والسجن ـ القسم الأول )


حسن علي

الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 10:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


قبل أن أبدأ هذه الحلقة ، أريد أن أشير إلى أنني تلقيت عدة رسائل ، بعضها بمدحني وبعضها يقدحني على ما جاء في الحلقة الأولى . وهذا أمر طبيعي حين يتعلق الأمر بتوثيق تجربة يكتب عنها للمرة الأولى . وأنا أحترم جميع الآراء التي وردت . لكن من الضروري أن أشير إلى إحدى الرسائل التي وردتني من عضو حالي في " اللجان " وصفني فيها واتهمني بالعبارة الحرفية التالية : "
الأخ العزيز حسن علي المحترم،
شكرا جزيلا على ما كتبته حول المحامي اكثم نعيسة، فانت بحق اثبتت انك افضل اذناب النظام البائد، وانك جحش يجب ان يمتطى دائما لكي تبقى الشعوب العربية ذليلة لانظمتها الاستبدادية " !!
وأنا أشكر الأخ عضو " اللجان " على هذا التهذيب العالي . وأحب أن أؤكد له أني لست ذنب لا النظام ولغيره . ولو كنت ذنب للنظام ما وضعني في السجن خمس أعوام . كما أني لست جحش . وعيب على مناضل حقوقي أن يكتب بهذه اللغة . وإذا كان عنده تعقيب وتصحيح يستند إلى حقائق أخرى ، يا أهلا به .
وهناك ملاحظة أخرى تتعلق بالسيد صلاح نيوف . فقد فهم البعض من كلامي أنني كنت أنا واياه معا حين توزيع البيان التأسيسي للمنظمة . والحقيقة أن الأمر ليس هكذا . فنحن لم نشترك معا في أي نشاط مشترك . والعتب على اللغة وأسلوب التعبير. كما أن بعض الزملاء السابقين نبهوني إلى أن صلاح لم يشارك في توزيع البيان التأسيسي أبدا . ولكن كانت له علاقة بـ " اللجان " ظهرت في مراحل لاحقة من عمل اللجان بعد اعتقال أعضائها ، وهو ما كنت سأذكره في الحلقات القادمة . والمعلومة التي تتعلق به كنت حصلت عليها من زوجة نزار السابقة السيدة ندى شحود . فالمعذرة على هذا الخطأ الغير مقصود ، والشكر لكل من يساعد في تدقيق المعلومات التي تعتمد بالدرجة الأولى على تذكر أحداث عمرها 15 سنة ، وبالدرجة الثانية على بعض الملاحظات المكتوبة وما أخبرني به زملائي السابقين حين كنا معا في سجن صيدنايا (1992 ـ 1997 ) ، إضافة طبعا لإفادات أعضاء " اللجان " أمام محكمة أمن الدولة . وهي موجودة بمتناول الجميع ويستطيع من يريد أن يحصل عليها من المحامين الذين دافعوا عنا ( عبد الهادي عباس ، خليل معتوق ، فايز جلاحج ، فؤاد البني ، سمير عباس ... إلخ ) . وفيما يلي الحلقة الثانية .
الحلقة الثانية :
في الحلقة الأولى من هذه المساهمة في التوثيق (*) انتهيت عند اعتقال المحامي أكثم نعيسة في 18 كانون الأول 1991 ، وافتتاح حملة الاعتقالات ضد " اللجان " بعد أسبوع من توزيع بيانها حول الذكرى الثانية لتأسيسها ، والاستفتاء على رئاسة الجمهورية . وأشرت إلى أن اعتقال أكثم كان وهو في طريقه إلى اجتماع استثنائي لقيادة " اللجان " في بيت محمد حبيب باللاذقية ، لبحث أبعاد مرسوم العفو الذي كان صدر في اليوم السابق وشمل 2864 معتقل حسب الصحف الرسمية . فكيف اعتقل أكثم ؟ أو بالأحرى كيف اكتشفت السلطة علاقته باللجان بعد عامين من العمل السري ؟ وهل كانت اللجان مخترقة أمنيا كما يبدو من بعض وقائع التحقيق ؟
حين صدر مرسوم العفو المشار إليه ، كان محمد حبيب قد رزق بابنه خالد قبل حوالي أسبوع أو أكثر . وقد اتفق أعضاء قيادة اللجان أن " يضربوا عصفورين بحجر واحد " : أن يعقدوا اجتماع استثنائي ، وأن يزوروا محمد حبيب وزوجته المهندسة السيدة نوال غانم لتهنئتمها بمولودهما الأول . وقد تقرر أن يكون الاجتماع في بيت محمد حبيب في اللاذقية بطبيعة الحال .
آنذاك طلب نزار نيوف من زوجته السيدة ندى شحود أن تسبقه مع طفلتهما الرضيعة سارة إلى اللاذقية لأنه سيتوقف في حمص لنصف يوم أو حتى اليوم التالي ليجتمع مع المهندس( أبو النور ) مسؤول " اللجان " في حمص ، من أجل الحصول منه على معلومات حول المطلق سراحهم في المدينة ، ومناقشة بعض الترتيبات المتعلقة بالتنظيم الموازي للجان " تنظيم الظل " الذي أشرت إلى أن نزار ربطه بشكل خيطي به شخصيا. وقد سافر نزار وعفيف مزهر والسيدة ندى والطفلة سارة نيوف في حافلة واحدة ، حيث نزل نزار في حمص وتابع الثلاثة الباقين رحلتهم إلى اللاذقية حيث وصلوا بعد الظهر .
كان من المقرر أن يأتي أكثم ، وزوجته آنذاك المحامية السيدة زبيدة محمود ، إلى بيت محمد حبيب للسلام على عفيف وندى ( زوجة نزار ) في حوالي الساعة الخامسة مساء . وقد طلب أكثم من زوجته أن تسبقه إلى منزل محمد حبيب لأنه سيمر إلى مكتبه بعض الوقت للقيام ببعض الأشغال وإحضار بعض الأوراق معه . وهذا ما حصل .
عند خروج أكثم من مكتبه كانت دورية من المخابرات العسكرية بانتظاره على زاوية الشارع . حيث قامت باعتقاله ونقله إلى فرع المخابرات العسكرية باللاذقية . وحسب ما روى لنا أكثم في السجن لاحقا ، فإنهم " لم يدخلوه إلى الفرع . وإنما جرى استبدال السيارة بسيارة أخرى تم نقله بها إلى فرع فلسطين بدمشق على الفور وهو مقيد اليدين إلى الخلف طيلة الطريق " ، أي حوالي ثلاثة ساعات ونصف . وعند وصوله إلى فرع فلسطين تولى معه التحقيق العميد مصطفى التاجر والعقيد عبد المحسن هلال . وسنعود إلى هذا التحقيق لاحقا .
في التاسعة من صباح اليوم التالي ، 19 كانون الأول ، وصل نزار إلى بيت محمد حبيب ليجد الوجوم والحزن والخوف والقلق على وجوه جميع من في البيت . وحين سأل عن السبب ، أخبرته زوجة أكثم ، وكانت حاضرة في بيت محمد حبيب ، أن أكثم " اختفى منذ مساء أمس . وأن أهله فتشوا جميع المشافي وأخبروا الشرطة باختفائه . لكن لم يجدوا له أي أثر ". لأنهم كانوا يعتقدون أنه إما تعرض لحادث مروري وهو يعبر الشارع ، أو أن عصابة " شبيحة " تعرضت له . وقد كان بعض أفراد أسرته يميلون إلى هذا الاحتمال بسبب وضع مدينة اللاذقية المليئة بعصابات من هذا النوع ، معظمها يتبع لعائلات متنفذة قريبة من السلطة وعلى خلاف مع آل نعيسة لأسباب سياسية أو اجتماعية. فأجابهم نزار " صحيح أننا في شيكاغو ، ولكن أرجح أن أن أكثم اعتقل ، وهذه أفضل فرصة لاعتقالنا دون ضجة لأن العالم مشغول بالعفو . وعلينا أن نتصرف بسرعة على هذا الأساس " . وفي الآن نفسه طلب نزار من زوجة أكثم ( المحامية زبيدة محمود ) أن تذهب فورا إلى مكتب أكثم وتحرق جميع الأوراق الموجودة في مكتبه ، التي لها علاقة بعمل المنظمة . وهذا ما فعلته السيدة . وفي نفس الوقت عقدت الأمانة العامة للجان اجتماع استثنائي ضم : محمد حبيب وعفيف مزهر ونزار نيوف و المهندسة " سهيلة أحمد " . وهنا لا بد من تسجيل ملاحظة حول هذه السيدة . فأنا لا أعرف إن كان هذا هو اسمها الحقيقي . والأهم من ذلك أن عفيف مزهر أكد لنا لاحقا أنه شاهدها في فرع فلسطين بعد اعتقاله ، وأنه أطلق سراحها فورا . غير أن أكثم ومحمد حبيب كانوا يصرون دوما على أنها لم تعتقل ، ويرفضون الحديث عن وضعها . رغم أنه كان من حق اللجان أن تفخر أن في قيادتها امرأة !! وحين سألت نزار في السجن عن حقيقة اعتقالها ، قال لي " أنا لا أعرف إن كانوا اعتقلوها أم لا . فأنا كنت متخفيا ، وحيت اعتقلوني وضعوني في فرع المنطقة ( فرع دمشق ) كما تعرف ، وليس في فرع فلسطين الذي لم ينقلوني إليه إلا لاحقا. ولكن عفيف مزهر ليس له مصلحة في أن يكذب في مسألة اعتقالها . وأنا أصدقه في هذا الموضوع " . ولكن على ما يبدو ، فإن رفض أكثم ومحمد التحدث في موضوعها ناتج عن الإحراج . فهما المسؤولين عن تزكيتها ووضعها في قيادة المنظمة .!؟
في الاجتماع الاستثنائي في بيت محمد حبيب كان من الواضح أن نزار في جبهة وحده ، والآخرين في جبهة أخرى . أو بتعبير آخر : هو الاقلية وهم الأكثرية. ففي حين أكد الثلاثة بأنهم لن يتخفوا وغير مستعدين للعمل السري وأنهم سيبقون في بيوتهم حتى تأتي المخابرات لتعتقلهم ، إذا كانت لدى السلطة نية في ذلك ، أكد نزار أنه سيتخفى وسينشط بشكل سري . وقد أكدت التجربة سابقا ولاحقا أنه الوحيد بيننا الذي كان يأخذ خطورة ما نقوم به على محمل الجد ، وان السلطة ستتعامل بقسوة مع منظمة لحقوق الإنسان أكثر من الأحزاب السياسية . بينما نحن كانت لدينا أفكار رومانسية وخرافية تقول بأن السلطة " لن تعتقلنا لأننا منظمة غير سياسية . وإذا اعتقلتنا ، سيكون ذلك لفترة بسيطة " !! وهذه نقطة تسجل لصالح نزار، ولو أنه ـ من زاوية احترام القرارات ـ كان عليه أن يلتزم رأي الأكثرية أو يقنعهم بتبني رأيه .
بعد الاجتماع سافر عفيف مزهر راجعا إلى دمشق ، ليتم اعتقاله في منزله في أشرفية صحنايا بعد وصوله مباشرة . وفي الصباح الباكر من اليوم التالي ( الخميس ، 19 كانون الأول 1991 ) ذهب محمد حبيب إلى عمله كمدرس ، كما يذهب كل يوم ، وكأن كل شيء طبيعي ولا يوجد هناك حملة اعتقالات ! ولكن المخابرات كانت بانتظاره على باب البناية . فلم يصل المدرسة ، ولم يدخلها أبدا بعد ذلك اليوم . فقد حكم بالسجن لاحقا لمدة تسعة سنوات قضاها كلها في السجن . كما أنه فصل من عمله لاحقا بسبب الاعتقال والحكم الصادر ضده من محكمة أمن الدولة . وفي يوم الجمعة ، 20 كانون الأول 1991 ، قامت السيدة ماري أم حسين ( والدة محمد حبيب ) وابنها ابراهيم ، بتهريب نزار من البيت المحاصر بالمخابرات ! وهنا يقضي الواجب أن نقف عن شخصية هذه المرأة ، رغم أنني لم أتشرف بمعرفتها ، ولا أعرف إن كانت لم تزال على قيد الحياة ، أطال الله في عمرها وأعطاها الصحة . فمن الملاحظ أن معظم السجناء السياسيين الذين كتبوا مذكرات بعد الاعتقال ، أو شهادات ، لم يعطوا " الجنود المجهولين " ، وهم الأهل ، حقهم . فالحقيقة هؤلاء كانوا هم السجناء الحقيقيون وليس نحن !
أم حسين ، كما وصفها لي نزار لاحقا وزوجته السابقة ندى ، شخصية لا شبيه لها إلا شخصية " أم إيفان" في رواية " الأم " لمكسيم غوركي .. حتى في الملامح التي تحدث عنها غوركي في الرواية! وبحسب ما وصفها لي نزار فإنها " امرأة جميلة المحيا على نحو لافت ، رغم أنها كانت تجاوزت الستين وتعاني من بعض الأمراض ، وفعل بها الزمن والتعب ما فعله . حديثها آثر ، ومجلسها يشد الكبير والصغير . أكرم من حاتم الطائي وأرقّ من رابعة العدوية وأشجع من عنترة بن شداد " ! وكان نزار ، لهذه الأسباب ، ولسبب آخر خاص جدا ، مولع بها ولعا غريبا ويحبها بطريقة عجيبة كما يحب أمه . فقد كانت أم حسين في الوقت نفسه أما لزوجته ندى من الرضاعة ( بسبب جيرة الأسرتين في القنيطرة قبل الاحتلال . فقد أشرت إلى أن أسرة زوجة نزار السابقة وأسرة محمد حبيب تعرفان بعضهما البعض من أكثر من ثلاثين سنة ) . وكانت " أم حسين " تعتبر زوجة نزار ، ندى ، واحدة من بناتها تماما ، إلى درجة أنها كانت ترسل لها " حصتها " السنوية من " المونة " إلى دمشق كما ترسلها لبناتها المتزوجات ( المكدوس ، وماء الزهر ودبس الرمان الذي تصنعه بيدها ) . وكان نزار قد اصطلح على تسميتها بـ " القديسة " . ولا يتحدث عنها إلا بهذا الاسم .
هذه القديسة تولت مع ابنها ابراهيم ، كما قلنا ، تهريب نزار من بيت ابنها محمد حبيب المحاصر بالمخابرات والمراقب على مدى 24 ساعة . وكانت خطة التهريب من إبداعها . فقد قامت مع ابنها ابراهيم بحمل نزار الذي تظاهر بالمرض وإطلاق صرخات الألم ، وأخرجاه على هذه الحالة إلى الشارع لنقله إلى " المشفى " ( حسب الخطة). والعجيب أن " أم حسين " طلبت من عناصر المخابرات الذين كانوا في سيارتهم عند مدخل البناية مساعدتها في إيقاف سيارة تكسي لنقل نزار إلى " المشفى " . وهذا ما حصل . ومن الواضح أن " أم حسين " كانت تراهن ، بشجاعتها وبرودة أعصابها وذكائها ، على أن أي واحد من عناصر المخابرات المرابطين عند باب البناية لن يخطر في باله أن تطلب منهم سيدة عجوز المساعدة في تهريب شخص مطلوب لهم وينتظرون دخوله إلى البناية أو خروجه منها . فلم يكونوا متأكدين أن نزار داخل البناية ، لأن محمد حبيب لم يتحدث عن ذلك في التحقيق . بل على العكس ، أخبر المحققين أن نزار هرب وبقيت زوجته وابنته فقط في منزله . أما أكثم فكان أخبر المحققين أن نزار في مدينة حمص ، ولم يكن يعرف أنه تبع زوجته إلى اللاذقية ! وقد ساعد " أم حسين " في ذلك الوقت عدة أشياء ، منها أن الوقت كان متأخر ( حوالي التاسعة ليلا) ، والمطر غزير جدا والكهرباء مقطوعة عن الحي ، وصرخات الألم المصطنعة التي كان يطلقها نزار بأعلى صوته و " ولاويل " أم حسين على " ابنها نزار" الذي " يكاد أن يموت " ! في هذا الجو الدرامي الذي خلقته أم حسين ، استطاع نزار أن يهرب بسيارة أجرة أوقفتها له دورية المخابرات كما قلنا ، ورافقه في السيارة ابراهيم (شقيق محمد ) إلى خارج مدينة اللاذقية ، وبالتحديد إلى أمام جامعة تشرين . ومن هناك ركب نزارفي باص شعبي متوجه إلى دمشق ، يسمى في سورية " باص الهوب هوب" . وكان من المستحيل أن يركب في الباص من محطة الانطلاق في اللاذقية ، لأن جميع الركاب كان عليهم أن يسجلوا أسماءهم في المحطة قبل الانطلاق لتطلع عليها مفرزة مخابرات موجودة بشكل دائم في المحطة . وهذا من بقايا الإجراءات الأمنية التي استخدمتها السلطة منذ أيام الاصطدام مع جماعة الاخوان المسلمين قبل ذلك بعشر سنوات . وكان على كل مطلوب في سورية أن يخرج خارج المدينة التي يسافر منها ويوقف الباص أو السيارة على الطريق ، أي " أوتو ستوب" .
في ذلك اليوم ( الجمعة 20 كانون الأول 1991) لم يكمل نزار طريقه إلى دمشق ، بل نزل من السيارة بالقرب من مصفاة بانياس القريبة من البحر ، وتابع من هناك مشيا ( حوالي 3 كم) إلى حي القصور في مدينة بانياس حيث يسكن نبيل ناعوس ( وكان حسب علمي من عناصر " تنظيم الظل" في اللجان ) . وفي اليوم الثاني ، ارتكب نزار أحد أكبر أخطائه الأمنية . فقد استخدم هوية نبيل ناعوس الشخصية لارسال برقية " مشفرة " إلى أهله في القرية أراد أن يبلغهم فيها أنه بخير وأن زوجته وابنتها في مدينة اللاذقية . وفات نزار أن البريد في سورية مراقب ، وأن مفارز المخابرات في مراكز البريد تقرأ جميع البرقيات في الحالات العادية ، فكيف إذا كانت هناك حملة اعتقالات !؟
على أي حال ، حين وقعت البرقية في أيدي مفرزة البريد في مدينة جبلة اعتقدوا أنهم مسكوا طرف خيط مهم لاعتقال نزار ، أعني عنوان نبيل ناعوس الموجود على الهوية . ولكن قبل أن يذهبوا إلى هناك ( أي من قرية نزار في منطقة جبلة التي تبعد عن بانياس حوالي 30 كم ) ، اصطحبوا معهم في سيارات الدورية والد نزار الذي كان أخبرهم بأنه لا يعرف نبيل ناعوس ولم يسمع به من قبل ، ولا يعرف أي صديق لابنه بهذا الاسم .
خلال ذلك الوقت كان نزار ونبيل ناعوس قد غادرا مدينة بانياس إلى قرية نبيل التي تقع قرب بلدة القدموس في أعلى الجبال ، وتدعى " حمّام واصل" . وهي تبعد عن بانياس حوالي 25 كم . واختبأ الاثنان في بيت صهر نبيل ( زوج اخته ) . وهو بيت غير مسكون لأن صاحبه مساعد في فرع مخابرات دير الزور العسكري ! ( ملاحقان من قبل المخابرات يختبئان في بيت عنصر مخابرات !! وهذه من العجائب في سورية ، التي لا يعرف معناها إلا السوريين ) . وحين وصلت دورية المخابرات إلى قرية حمّام واصل ( يوم السبت 21 كانون الأول 1991) ، ذهبت إلى بيت أهل نبيل مباشرة ، وهو لا يبعد عن بيت صهره الذي يختبئان فيه إلا عشرات الأمتار . وكان من الطبيعي أن لا تفكر الدورية في تفتيش بيت الصهر ، فهو بيت " زميلهم في الأمن " ! ومن نافذة هذا البيت كان نزار ونبيل يراقبان سيارات الدورية التي كان بقودها ضابط في فرع المخابرات العسكري في اللاذقية برتبة عقيد ، اسمه ماهر . ولا أعرف اسمه الثاني . وبعد مغادرة الدورية للقرية مباشرة ، غادرها نزار على الفور إلى دمشق عن الطريق الداخلي ( مصياف ، حماة ، حمص ، دمشق ) . ولكن قبل انطلاقه في سفرته التي لن يرى بعدها الساحل السوري إلا بعد حوالي عشر سنين ، اتصل نزار من هاتف عمومي في الشارع بالمحامية زبيدة محمود ( زوجة أكثم في ذلك الوقت ) فأخبرته أن المخابرات العسكرية في اللاذقية جاءت صباح اليوم إلى منزل محمد حبيب ، واعتقلت زوجته ندى وابنته ساره ( كانت طفلة رضيعة عمرها أقل من عام ) !
· التحقيق مع أكثم :
أشرت في الحلقة الأولى إلى أن أكثم ، وكما أخبرنا هو شخصيا فيما بعد ، نقل من فرع اللاذقية إلى فرع فلسطين في دمشق فور اعتقاله . وفي الحقيقة فإن بعض جوانب التحقيق مع أكثم لا تزال مجهولة حتى الآن بعد 14 سنة ، وبشكل خاص ما يتعلق باعتقال الدكتور عبد العزيز الخير عضو المكتب السياسي لحزب العمل الشيوعي الذي كان متخفي ومطلوب منذ أكثر من عشر سنين . وما سأذكره هنا عن التحقيق مع أكثم مأخوذ من عدة مصادر ، بما فيها أكثم نفسه .
بعد أن نقلونا إلى سجن صيدنايا ، راح كل واحد منا يخبر الآخرين ما جرى معه في التحقيق . وقد أخبرنا أكثم أن الضابط الذي تولى التحقيق معه في فرع فلسطين ( الأرجح أنه العقيد عبد المحسن هلال) واجهه بأول سؤال له وكان يتضمن اتهام بأنه " ينشط لصالح منظمة مسلحة " ! والغريب في الأمر أن أكثم ، وباعترافه لنا ، أخذ اتهام الضابط بشكل جدي ، رغم أنه عنده تجربة سابقة في الاعتقال ( على ذمة حزب العمل الشيوعي في العام 1981 ) ويعرف أساليب التحقيق . وقد أخبرنا أكثم ، بعظمة لسانه ، أن هذا الاتهام أصابه بالرعب ! فبادر إلى القول للمحقق " لا . هذا غير صحيح . أنا أنشط لصالح منظمة حقوقية اسمها لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية " . وعندها قال له الضابط المحقق بما معناه : " تمام . هدا يلي عم ندوّر عليه من زمان " ! وبدأ عندها سيل الأسئلة عن جميع التفاصيل . فحكى لهم قصة " اللجان " وتأسيسها كما رويتها أنا في السطور السابقة . وهذا مثبت في إفادة أكثم عند المخابرات وفي محكمة أمن الدولة . وكل من يقرأ قرار وحيثيات القضية والحكم ( التي طبعتها المحكمة في حوالي 29 صفحة وموجود منها نسخ مع جميع المحامين الذين دافعوا عنا ) يجد إفادة أكثم كما ذكرتها ! وبالتالي لا داعي أن يتصنع البطولات بعد خروجه من السجن ويقول أنه مؤسس اللجان ورئيس اللجان وناطق باسم اللجان .. إلخ . فقد كان الأولى به أن يعترف بهذه الأمور أمام المحققين . ولكن لم يفعل . بل بالعكس من ذلك ، فقد أعلن ندمه أمام المحكمة . وفي التحقيق رمى كل شيء برقبة نزار ، وحكى أمام المحققين أشياء لم تكون ضرورية ، ولم يجبره أحد أصلا على ذكرها . والدليل ليس فقط ما ورد في إفادته ، بل الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين اعترف بعلاقتهم مع " اللجان " في اللاذقية . ومعظمهم في الحقيقة لم يكون لهم أي علاقة . قسم منهم خرج بعد التحقيق مباشرة ، وقسم خرج في لاحقا أثناء جلسات المحكمة مثل المحامي محمد الصوفي وياسر اسكيف وشخص أخر اسمه خالد الذي كان يمثل دور الأهبل .. إلخ .
التحقيق مع أكثم أكد بشكل قاطع أن المخابرات لم يكن عندها أي معلومات عن الجهة أو الاشخاص الذين يقفون وراء " اللجان " . وكل ما كان عند المخابرات هو مطبوعات المنظمة . ولو امتص أكثم الهجوم الأول للمحقق ( أعني حكاية التنظيم المسلح المفبركة من قبل الأمن ) لكان الأمر انتهى وأغلق الملف وتم أطلاق سراح أكثم لعدم وجود أدلة عليه . ولكن هذا مجرد تخمين مني ، قد يكون صحيح وقد يكون خاطىء . ودليلي أن المخابرات لم يكن لديها أي معلومات عمن يقف وراء " اللجان " ، أنها اعتقلت ( في العام 1990 حسب معلوماتي ) المحامي موفق الكزبري عندما كان قادما من السعودية ، فقد ظنت أنه هو من يقف وراء " اللجان " ، نظرا لأنه كان أسس في السبعينيات الرابطة السورية لحقوق الإنسان ، التي ماتت بعد ذلك بعدة سنوات .
حكى أكثم أيضا أمام المحققين أن صلاح ( شقيق نزار ) هو عضو في " تنظيم الظل في اللجان " . وقد أدى هذا إلى اعتقال صلاح من المعهد العالي للعلوم السياسي ، وتعرضه لتعذيب وحشي لإجباره على الاعتراف بأشياء غير صحيحة ، كما أخبرني زميل كان في زنزانة مواجهة لزنزانة صلاح في فرع فلسطين . وقد خسر سنته الجامعية بسبب ذلك . ولكن أطلقوا سراحه بعد أن فشلوا في إثبات أي شيء عليه . ولكن الأخطر من ذلك أن أكثم تحدث عن أن " الملحق الثقافي في السفارة الفرنسية ، ورئيس مركز الدراسات العربية الفرنسي بدمشق كريستيان فيلو كان يزور نزار في منزله " . وكاد أن يتسبب هذا الكلام في اتهام " اللجان " بالعلاقة مع جهات خارجية . ولكن الله ستر وتم اسقاط هذه التهمة . لأن السلطة اكتشفت أن كريستيان فيلو كام مجرد صديق وزميل جامعي للدكتورة فادية منصف استاذة التاريخ في الجامعة اليسوعية في لبنان ، وهي خالة السيدة ندى ( زوجة نزار السابقة ) . وكانت فادية زميلة كريستين وزوجته منذ أن كانت تدرس في فرنسا . لكن كريستيان فيلو تم إبعاده من سورية فورا بالاتفاق بين الحكومة السورية والفرنسية ، وبدون ضجة إعلامية ، كشخص غير مرغوب فيه ، كما علمت لاحقا من ندى .
الجزء الأساسي من التحقيق مع أكثم ومع زملائه في قيادة " اللجان " ، كما يظهر من الإفادة أمام المخابرات والمحكمة ، ومن ملف اعتقال الدكتور عبد العزيز الخير عضو قيادة حزب العمل الشيوعي ، كان يدور حول محاولة المخابرات إثبات وجود علاقة بين " اللجان " وحزب العمل الشيوعي بالدرجة الأولى ، والحصول على طرف خيط يوصلهم إلى عبد العزيز الخير الذي كان متخفي منذ عام 1981 . وكان ظن المخابرات في هذا الأمر يقوم على عدة افتراضات : أولا ـ أن أكثم كان ذات يوم عضو في حزب العمل الشيوعي وصديق لعبد العزيز الخير . وثانيا ـ أن حزب العمل كان عنده تجربة سابقة في خلق منظمات أهلية مستقلة عن الحزب ولو جزئيا ، مثل منظمة " اللجان الشعبية " . ولكن في الحقيقة لم يكن للجان أي علاقة ، لا بحزب العمل ولا بغيره . ولكن هذا لا ينفي وجود تدخلات من أحزاب المعارضة ، ولو بشكل غير مباشر . فقد كان جميع أعضاء قيادة اللجان ، وبعض أعضاء الصف الثاني فيها ، أعضاء في أحزاب معارضة في يوم من الأيام . فأكثم كان في العام 1981 عضو في حزب العمل الشيوعي واعتقل لهذا السبب في ذلك الوقت . وكان نزار عضو في الحزب الشيوعي السوري ( جناح رياض الترك ) ، واعتقل لهذا السبب نهاية العام 1997 . وكان ثابت مراد ( سيأتي الحديث عنه لاحقا ) عضو في الحزب الشيوعي ( جناح رياض أيضا ) .وكان محمد حبيب و سهيلة أحمد ( بافتراض أن هذا اسمها الحقيقي ) مقربان من حزب العمل الشيوعي والحزب الشيوعي ( جناح رياض ) والمعارضة السرية ووسطها الثقافي بشكل عام . وهنا أحب أن ألفت الانتباه إلى أن أكثم ، وفي مقابلته مع برنامج " زيارة خاصة " في الجزيرة ، الذي تحدثت عنه في الحلقة الأولى ، لم يذكر أبدا أنه كان عضو يوما في حزب العمل حين تحدث عن تجربة اعتقاله الأولى في عام 1981 ، واكتفي بالقول " اعتقلت بسبب عضويتي في حزب يساري " . وكأن حزب العمل عنزة جربانة أو عصابة لا تشرف أحد ! رغم أن تجربة حزب العمل ، بما لها ( وهو كثير )وما عليها ( وهو كثير أيضا ) ، واحدة من أهم تجارب العمل السياسي في تاريخ سورية ، وتستحق البحث العميق والدراسة الجدية .
لقد تحدث أكثم في أكثر من مناسبة ، بشكل شفهي وكتابي ، عن " التعذيب الذي تعرض له أثناء التحقيق بسبب " اللجان " . والحقيقة ، وكما يعرف معظم الزملاء ، لم يتعرض ولو لضربة كف واحدة طيلة فترة اعتقاله . لأنه ، ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله ، اعترف بكل شيء ( اللازم وغير اللازم ) . وقد ساعده على نشر هذه الإشاعة بين الناس أن معظم من يعتقلون من قبل المخابرات يتعرضون للتعذيب . ثم أن الناس شاهدوه عندما كان يذهب إلى المحكمة لا يستطيع المشي على رجله اليمنى ، وبقي شهرين لا يستطيع أن يستخدم يده اليمنى ، وكان محمد حبيب والزملاء الآخرين يساعدوه دائما في السجن على القيام بحاجاته الخاصة ( كحلاقة الذقن ، وتناول الطعام ، والحمام .. إلخ ) . والحقيقة أن أكثم ، عنده مشكلة نفسية اسمها " رهاب المخابرات والاعتقال " أو الخوف من الامخابرات والاعتقال ، حسب ما أخبرنا بعض رفاقه السابقين في حزب العمل الشيوعي حين التقيناهم في سجن صيدنايا . وضاعف عنده هذه المشكلة أنه يعاني من بعض أمراض القلب ( شفاه الله ) . وحين يتعرض للاعتقال تختلط المشكلتين ، النفسية والعضوية ، ويتعرض إلى شلل جزئي مؤقت في أطرافه اليمنى . هذا ما حصل معه حين اعتقل في العام 1981 كما أخبرنا رفاقه السابقون في حزب العمل . وهذا ما حصل معه حين اعتقل بسبب " اللجان " في العام 1991 . وهذا ما حصل معه أثناء الاعتقال الأخير السنة الماضية . وللأمانة ليس أكثم وحده الذي لم يتعرض للتعذيب حين اعتقلنا ، ولكن معظم زملائنا الآخرين . ليس لأن المخابرات رحمتهم وشفقت عليهم ، ولكن لأنه لم تكن ملفاتهم تقضي ذلك . ثم أن هؤلاء جاوبوا على أسئلة التحقيق بشكل دقيق . وأنا شخصيا يمكن أن أصنف نفسي مع هؤلاء ولو بشكل جزئي . فالتعذيب الأساسي الذي تعرضت له لم يكن أثناء التحقيق بسبب العضوية في اللجان ، ولكن لأنهم ضبطوني في فرع فلسطين أتحدث بعد منتصف الليل مع امرأة لبنانية كانت في الزنزانة الملاصقة لزنزانتي واسمها مريم فحص . فقد كانت ترمي لي سجائر من تحت الباب . وكانت تعطي نزار أيضا ، الذي كان في الزنزانة المواجهة لزنزانتها مباشرة ( المسافة بين صفيّ الزنازين أقل من متر ) . والتعذيب " الخفبف " الذي تعرضت له أثناء التحقيق كان لإجباري على تقديم اعترافات ضد نزار وعلاقاته داخل سورية وخارجها . والحقيقة أني لم أعرف عن هذا أي شيء . وما عرفته تكلمت عنه . فاعترفت على بعض الأشخاص الذين كانوا على علاقة بنزار ، مثل ناظم الحسين . وهؤلاء حكموا ثلاث سنوات . لكن بعد صدور الأحكام في 17 آذار 1992 بحوالي أسبوعين ، صدر عفو في سورية شمل زملائنا الذي كانوا محكومين ثلاث سنوات ( مثل نبيل ناعوس وناظم الحسين ... ) .
ولكن كيف وصلت المخابرات إلى أكثم ؟ أعني : لماذا كان أول شخص تم اعتقاله ؟ وهل كانت " اللجان " مخروقة أمنيا ؟
هناك أكثر من نظرية حول الخيط الذي قاد المخابرات إلى شن حملة الاعتقالات :
ـ النظرية الأولى : أن أكثم ، كما أخبرنا ، اتصل هاتفيا بشقيقه غياث في فرنسا عند صدور العفو في كانون الأول 1991 وأخبره بموضوع العفو . وأشار في حديثه مع شقيقه إلى أن " اللجان " . وكان رقم الهاتف مراقب من المخابرات .
ـ النظرية الثانية : كان هناك شخص في اللاذقية ، وهو مهندس ، اسمه ( ح . ع ) [ وهو بالمناسبة يكتب في الحوار المتمدن دائما !!] ، وزوجته السيدة ( أ ) . وهذا الشخص وزوجته كانا يحصلان من أكثم على مطبوعات " اللجان " . وقم هو ، أو زوجته ، بإبلاغ المخابرات . وقد راجت مؤخرا إشاعة أن هذا الشخص لعب دور مشابه في اعتقال الكاتب جهاد نصرة والكاتب نبيل فياض !!؟
ـ النظرية الثالثة : اعترف لنا المحامي حسن رفاعة ( أبو يسار) في السجن ، وكان عضو في الحزب الشيوعي السوري ( منظمات القاعدة برئاسة مراد يوسف ) ، أنه أخبر مراد يوسف بأنه يعمل مع " اللجان" . فقال له مراد يوسف " نحن ضد هذا العمل . ولكن يمكنك أن تبقى داخل اللجان وتخبرنا ماذا يجري في داخلها وماهي توجهاتها " . وحسب معلوماتي فإن مراد يوسف هو من توسط لدى السلطة لحسن رفاعة وأطلق سراحه بعد الاعتقال بفترة بسيطة ، وأخبر السلطة " أن حسن رفاعة كان موجود في اللجان بمعرفة حزبه وبتكليف منه " ! ولكن هل قام مراد يوسف بإخبار السلطة عن " اللجان " ؟ من المستبعد هذا جدا . فمن المعروف عن مراد يوسف أنه صاحب أخلاق رفيعة على المستوى الشخصي . ولا يقوم بهكذا أعمال . ولو كان أخبر السلطة ، لكانت المخابرات بادرت إلى حملة الاعتقال منذ العام 1990 ، أي منذ أن عرف مراد يوسف بالموضوع .
ـ النظرية الثالثة : كان نزار ، وبسبب شكوكه المرضية ، وذهنيته التي تشبه ذهنية رجل مباحث ، يضع علامة (+ ) صغيرة جدا على نسخ مجلة " اللجان " وبياناتها التي كانت تخصص لبعض أصدقاء المنظمة أو لأشخاص تكون المنظمة مهتمة بتوصيل مطبوعاتها لهم . ( وللانصاف عنده ذكاء غير طبيعي في التحقيق الجنائي . وأظن أنه لو اشتغل في سلك التحقيق الجنائي لكان أبدع ) !!
كان لنزار صديق لاجيء سياسي أردني في سورية اسمه محجوب . وأكثم تعرف على محجوب عن طريق نزار . وكان محجوب أيضا يعرف معظم كوادر الأحزاب السياسية والوسط الثقافي اليساري في سورية . وذات يوم كان نزار ومحجوب وأكثم في دمشق . وقد قرر أكثم ومحجوب أن يزورا المحامي سمير عباس . فقال لهما نزار " خذوا له بطريقكم العدد الجديد من مجلة المنظمة " . وهذا ما حصل ، بعد أن وضع نزار علامة (+) صغيرة جدا لا يلاحظها أحد في صفحة من الصفحات الداخلية في المجلة . وحين اعتقل نزار واجهه اللواء مصطفى التاجر ( رئيس فرع فلسطين ) بهذا العدد من المجلة ، وسأله إذا ما كان فعلا هو المسؤول عن طباعتها . وعندها طلب نزار من اللواء مصطفى التاجر أن يسمح له بالتدقيق في المجلة . وكان نزار يريد أن يعرف إذا كانت تحوي " علامته " الخاصة . وقد اكتشف نزار أن هذا العدد من المجلة هو نفسه الذي أعطاه أكثم ومحجوب للمحامي سمير عباس ! وما يلفت الانتباه أنه في اللحظة التي اعتقل فيها أكثم ، أخذت المخابرات تبحث عن محجوب . ولكن أكثم لم يكن يعرف مكان سكنه . وحين علم محجوب بالأمر هرب إلى الأردن ولم يعود إلى سورية بعد ذلك أبدا !
ولكن هل سمير عباس هو الذي أوصل المجلة للمخابرات وقال لهم إنه حصل عليها من أكثم ؟ إنه سؤال هام . وقبل الإجابة عليه علينا أن نعرف القارئ على هوية سمير عباس . كان سمير عباس ( وهو من محافظة طرطوس وأبوه كان رئيس لمحكمة النقض في سورية ) من معتقلي حزب العمل الشيوعي في سجن تدمر أوائل الثمانينيات . وبعد أربع سنوات من السجن تصالح مع السلطة وخرج ، وانضم إلى الحزب الشيوعي السوري ( جناح بكداش ) . وقد قام الدكتور قدري جميل ( صهر خالد بكداش في ذلك الوقت ) بتعيين سمير عباس عضو في قيادة منطقية الحزب في دمشق . وحين توكل سمير عباس من قبل بعض الزملاء للدفاع عنهم ، التقى بنزار في محكمة أمن الدولة وجها لوجه . ويذكر بعض المحامين والزملاء أن نزار حاول أن يهجم عليه في المحكمة ( قبل بداية الجلسة ) ، وقال له " ولا ! أنت شو يلي جايبك لهون ما بتخجل ؟ لهون لاحقنا " ؟ فأجابه سمير " أنا ما إلي علاقة . العلاقة علاقة أبو حازم " . وأبو حازم هو قدري جميل . وقد سمع بعض المحامين والزملاء جواب سمير لنزار .
حين عدنا إلى السجن من المحكمة ، سألت نزار عن الذي جرى في المحكمة ، وطلبت منه أن يشرح لي لي الموضوع . فقال لي حرفيا " سمير عباس هو الذي أوصل عدد المجلة إلى قدري جميل وأخبره أن أخذه من أكثم ومحجوب ( وكان قدري يعرف محجوب أيضا). وقام قدري جميل بتوصيله إلى المخابرات ، باعتبار أن وجود حزبه ( الحزب الشيوعي ) في الجبهة الوطنية يفرض عليهم رسميا إخبار السلطة بأي معلومات عن حركات معارضة . وكان قدري مسؤول التنظيم في الحزب ( قبل أن ينشق ويؤسس حركة وحدة الشيوعيين ) . ومن المعلوم أن موقع مسؤول التنظيم في الحزب مشابه لمنصب وزير الداخلية في الدولة " .
وما يرجح الكلام الذي أخبرني به نزار ، شيئين : أولا ـ بعد أن أخذ قدري جميل المجلة من سمير عباس وعرف أنها من أكثم ، قام بزيارة أكثم في اللاذقية ونصحه بأن يترك هذا العمل ، وعرض عليه أن ينضم إلى الحزب الشيوعي ( جناح بكداش ) وأن يوضع فورا في مرتبة قيادية كما فعل سمير عباس . ثانيا ـ حين اعتقل أكثم قام قدري جميل ، كما يعرف الجميع ، وكما أخبرني نزار أيضا ، بنشر إشاعه في جميع أنحاء سورية عن طريق حزبه يدعي فيها أن " نزار يعمل مع المخابرات ، وقد سلم زملائه وهرب إلى لبنان " . كما أخبرني نزار حين جاء ليتخفى في بيتي بدمشق أثناء الملاحقة . وللأمانة فإن نزارأخبرني أيضا أن السيدة مها محمود ، زوجة أكثم السابقة ، قد ساهمت بنشر هذه الإشاعة بعد اعتقال شقيقها المهندس وائل محمود ( أبوزياد ) في مدينة جبلة . ( حين فشلت المخابرات باعتقال نزار بعد اعتقال زملائه في قيادة اللجان ، بدأ تعتقل ما هب ودب من الناس . أي كل من عرفت أنه كان على علاقة ولو شخصية يوما ما مع نزار ، من أجل معرفة أين اخنفى . وقد اكتشفت المخابرات أن آخر مرة التقى فيها نزار مع وائل محمود ، كانت قبل حوالي سنتين من الحادثة . فأطلقت سراح وائل فورا ) .
ما يرجح كلام نزار أيضا ، أن قدري جميل ، حسب ما أخبرني به نزار في السجن ، جاء إلى فرع فلسطين بعد اعتقال نزار ، وقدم شهادة مكتوبة ضد نزار إلى اللواء مصطفى التاجر ، قال فيها " إن نزار طرد من الحزب الشيوعي ( جناح بكداش) مع الدكتور عبد الرزاق عيد والكاتب نهاد سيريس وأخرون لأنهم مع البروسترويكا ويروجون لأفكار سمير أمين التروتسكية داخل الحزب " . ومن الثابت أن جزء مهم من التحقيق مع نزار كان حول علاقته بالتروتسكية وبسمير أمين !
في الحلقة الثالثة نتابع تفاصيل التحقيق والمحاكمة والسجن .
حلب
25نيسان 2005
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ـ الحلقة الأولى : http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=36074



#حسن_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساهمة في توثيق تجربة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحق ...


المزيد.....




- لحظة قفز رجل من مقعده أثناء ركوبه لعبة -الأفعوانية-.. شاهد م ...
- للحصول على السلام بالقوة.. ترامب يعين جنرالا سابقا موفدا إلى ...
- فرنسا تحدد موقفها بشكل واضح بشأن مذكرة توقيف نتنياهو
- الداخلية الكويتية توضح بعد فيديو كميات كبيرة من -الحطب- تحت ...
- مقتل نحو 100 شخص في معارك عنيفة على مشارف حلب السورية بين قو ...
- تحذير استخباراتي ألماني من تصعيد روسي محتمل ضد ألمانيا والنا ...
- مشاركة عزاء للرفيق رائد حجاج بوفاة خالته
- الجيش السوري يعلن عن -هجوم كبير- تشنه تنظيمات إرهابية على من ...
- سيارة شرطة تصطدم بسيارة تقل رئيس وزراء نيوزيلندا
- الصين تدعو إلى ضبط النفس بخصوص تسليم أسلحة نووية إلى أوكراني ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حسن علي - مساهمة في توثيق تجربة - لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية - ( الحلقة الثانية :الاعتقال والتحقيق والسجن ـ القسم الأول )