أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - محاكمـة البعـــث















المزيد.....

محاكمـة البعـــث


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1178 - 2005 / 4 / 25 - 11:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كما هو معروف لتلاميذ المرحلة الابتدائية,ويحسبون له ألف حساب, أنه عندما يفشل طالب في النجاح ,والانتقال لصف أعلى لمدة عامين دراسيين متتاليين ,يتم فصله من المدارس نهائيا,وذلك بسبب عدم قدرته على تخطي هذه المرحلة الدراسية ,وتواضع مؤهلاته,وصغر عقله وندرة ذكائه,ولذلك يذهب ويبحث له عن شغلة أو صنعة تعود بالنفع عليه ,وعلى والديه وأسرته و"ينضّب",و"يلفلفها "ويتزوج و"ينستر" ,ويخلف بنات وبنين, ربما يكونوا أكثر ذكاء منه,و أوفر حظا في نيل شهادة الدراسة الإبتدائية,واكتساب ذلك الشرف العظيم.هذا إذا كان كسولا وفاشل كليا. أما إذا كان طموحا وشجاعا مقداما ,فإنه يتقدم للدراسة الحرة خارج المدرسة وإذا نجح كان به ,وإذا لم ينجح وكان عنده دم ,واستحى على نفسه ,فما عليه سوى الخجل والإنسحاب وإعلان استقالته ,وتوفير الوقت والجهد والمال في أشياء أنفع.وبذلك يقدم خدمة جليلة لنفسه ولمجتمعه ولأولئك الذين يتابعون استذكاءاته وشطاراته بقهر ,وعذاب, وألم.

فقد اعترف عضو بارز في القيادة القطرية لحزب البعث ,ورئيس قدري مزمن لمجلس الشعب ,في تصريحات صحافية بأن حزب البعث الحاكم ارتكب خطأ كبيراً أثناء سنوات حكمه الطويل، انه يجب فسح المجال للديمقراطية والرأي والرأي الآخر وامكانية جعل الإنسان يتحدث ويقول ما يشاء لتضييق هامش الفساد، واعترف ان لنا بعض الأخطاء ومنها اننا اعتبرنا أنفسنا نحن الدنيا، لكن الدنيا لكل الآخرين ونحن شركاء معهم. وحول إذا كانت ستشكل لجان لمحاسبة المخطئين والمفسدين، قال إن ذلك قرار يجب ان يتخذه المؤتمر القطري المقبل للحزب.

وأخيرا شهد شاهد تاريخي "مزمن" من أهله والحمد لله ,وهذه بداية صحوة وتعاف ,ووضع لليد على الجرح ,ونبذ لغة العنتريات ,والمزايدات ,والدوران في الفراغ.ومن يتذكر هذا المناضل الثوري في أيام "العز"والشباب لأدركته الحيرة وانتابه العجب العجاب.

ويتم الآن ,وبشكل حثيث,الترويج لانعقاد المؤتمر القطري للحزب القومي العريق ذي الأهداف العريضة ,وكأن ذلك خلاصا وهبة نازلة من السماء ,ذلك الحزب الذي تحول مع الأيام إلى مجرد نشرة إعلانية محفوظة عن ظهر قلب,وديكور ذي مؤثرات صوتية "خاصة" بدون أي إنجاز يذكر على الساحة,ممهور بأسماء تاريخية بدت وكأنها قدرية,لاينافسها في ذلك سوى كاسترو كوبا ,والقليلون جدا ممن تبقوا من "الخردة" الشمولية الأشهر في تاريخ البشرية . وبفعل الممارسة السلطوية المطلقة ,ورفض الآخر ,وادعاء العصمة السياسية,وقيادة الدولة والمجتمع نحو حتفهما الأسود المحزن ولاعزاء,وادعاء امتلاك أدوات الخلاص الوطني بشكل منفرد,والاستمرار,استفزازيا, في عزف السيمفونيات القومية الصاخبة في مجتمعات متعددة الفسيفساءات ,والتيارات ,والميول والاتجاهات,وفي ظل احتكار السلطة والعمل السياسي لعقود طويلة ,وعدم وجود أي منافس آخر ,مدعوما بقبضة فولاذية,وأجهزة قمعية مستبدة تمنع أي شكل من أشكال التعبير والرأي الآخر, فقد تحول إلى حالة من النمطية والتكرار, والاستسلام لهذا الإنجاز, والترفل بنعيم السلطة المطلقة, في ظل عدم وجود آلية للمحاسبة والتجدد والمراجعة,وظروف دولية مؤاتية ساهمت في بناء وتعزيز ,وبالواقع تدعيم هذا الوضع , وهذا ما أصابه في النهاية في حالة من الخدر, والترهل الذي تطور مع الزمن,ليتحول إلى عجز دائم ,الذي انتقل بدوره إلى حالة موت سريري, وفي الواقع توقف كامل وتام عن الحياة,والركون إلى أوهام الاستمرار إلى أجل غير مسمى على ماهو عليه الحال.وقد اعتمد في آليات الحكم على بنى وأشكال صورية ,وكرتونية ديكوراتية غايتها أمنية ورقابية وتسلطية, أكثر من كونها عملية تحقق الأهداف التي طالما رفعها عاليا في السماء, ورددها الصغار والكبار في حفلات الرقص الوطنية زمن انتشار ظاهرة الدبكة السياسية, والدباكين والمصفقين.ولن ينسى المواطن المقهور الغلبان فصول الوقوف والتصفيق الطويل بورع وطني أمام الكاميرات لساعات وساعات لتنتهي المؤتمرات بمزيد من الخطب اللاهبة الحمراء, وسباقات محمومة لتقديم فروض الولاء والطاعة العمياء,وينفض الاجتماع ويعود كل إلى بيته دون أن يتذكر,أو يعرف شيئا مما حصل في اللقاء.وبدا ,لوهلة,أن غاية تلك المؤتمرات هي التصفيق فقط, وسماع معلقات الولاء.

وإن تربع القادة التاريخيين على قمة الهرم الحزبي لعقود طويلة ,دون القدرة على اتخاذ أي مبادرة خلاقة,أو تطوير ,أو نجاح محلي أو خارجي, مستمدين شرعية ثورية أبدية لا تنافس,وأضحوا مع الزمن كالأضرحة المقدسة التي يجب ألا تمس ,ولايمكن بنفس الوقت , للرعاع و"العوام" الاقتراب منها, والمحاطة بهالة من الباطنية النضالية الصارمة ,والغامضة ,وبحيث لاينبغي لأحد أن يفكر يوما ما بمنافستها,أو مجرد التفكير والإعتقاد بأنها ستسلم الروح إلى باريها في يوم من الأيام.لأن ذلك كان يعتبر هرطقة وكفرا ثوريا ,والعياذ بالله,عقوبته إقامة الحد الأمني عليه,وما أدراك ماالحدود الأمنية ياصاح. وأدى في النهاية إلى حالة من الإحباط الشديد , والعام عند أجيال الشباب ,والكوادر الجديدة الصاعدة التي كانت تُنسب للحزب إما طوعا أو إكراها ,أو فهلوة وشطارة ,وانتهازية لتحقيق مآرب شخصية,وهي التي ولدت وعاشت ومنها من مات ولم يعرف سوى هذه الوجوه والقيادات .وهذا ماخلق لديها حالة من اليأس والروتينية والنمطنية التقليدية القاتلة, أدت إلى تفكك ذاك الإلتزام المعنوي, والأدبي ,والأخلاقي رافقه حالة من التململ الصامت أولا ,ثم الهامس لاحقا ,والصارخ صخبا وضجيجا أخيرا ,في ظل عدم وجود أية رغبة عملية في إحداث أي نوع من التطوير, وخلق آفاق وصيغ جديدة,وبنى أكثر قوة تواكب الزلازل الإقليمية والعالمية التي كانت تحدث عن قرب أو بعد, ولم يأبه لها أحد ,متكئين في ذلك على الذراع الأمنية الضارية التي حلت محل كل شيء وألغت الحالة الإجتماعية, والحراك السياسي, والنشاط الإقتصادي بشكل كلي.مع العلم اليقين والجازم بأن الحل الأمني ثبت فشله في غير مكان ,وفي أكثر من مناسبة ,فيما لا يزال البعض يراهن عليه وبقوة,ويعتمده كخيار وحيد في مواجهة أي عقبة أو مشكلة تأتي في الطريق.

لذلك حصل الفشل تلو الفشل والخسارة تلو الخسارة,وفي مختلف مناحي الحياة بسبب عدم القدرة على التجدد والتكيف والعطاء,والارتجالية في معظم الأحيان ,لابل انهارت كثير من المقولات ,والشعارات المرفوعة على أرض الواقع ,وكان يتم التصرف بعكسها تماما في كثير من الأحيان,وهذا يثبت فضفاضيتها ولا واقعيتها على الإطلاق,إلا أنه استمر الإلحاح والإصرار على وجودها ولو بشكل رمزي للمحافظة على أدبيات الخطاب التقليدي المعلن ليس إلا ,ولعدم وجود بديل موضوعي حقيقي في أغلب الأوقات.

إذا كتب النجاح, والتأم المؤتمر العتيد المأمول برموزه التاريخيين الأبديين, فلن يكون في الحقيقة سوى محاولة لنفخ الروح فيه,و ماهو في النهاية ,وكما يروج له الآن من كلام, ,وما يرشح من تسريبات معلومة المصادر , إلا محاكمة لجسد ميت فقد كل قدرة على التطور والحركة والانفتاح ومواكبة المتغيرات ,متخذا من فلسفة الثوابت القدرية تبريرا لعدم تحقيق أي تغيير ,ولاسيما بعد السقوط المدوي والمثير لشقيقه التوأم وبنفس المصير في العراق . ومن المعلوم في القانون والشرع أنه لاتجوز محاكمة الأموات,وما ينتظره الميت هو التشييع إلى مثواه الأخير وإقامة مراسم الدفن والعزاء.أما المراهنة على عودته للحياة فهي من عاشر المستحيلات, ولقد علمتنا تجارب الدول التي عانت من نفس الداء العضال ,والتي انتهت بشكل مأساوي ومزر ,وبعد عقود من الدونكيشوتيات والمناطحة في الهواء,والتي حاولت العودة تحت مسميات وأشكال مختلفة لم يكتب لها النجاح في معظم الأحوال,بعد أن خسرت كل رصيد شعبي وسياسي لها,ومصداقية بعد تاريخ طويل من ممارسات القمع والظلم والاستبداد والنفاق . وأصبح مجرد ذكر اسمها ,أو تاريخها يثير الرعب والسخط والهلع في نفوس الناس.وقد علمتنا التجارب ,أيضا,أن من يذهب, ويخرج من أبواب السياسة, وخاصة في هذه المنطقة المنكوبة ,نادرا ماتكتب له العودة ,والإياب.وهل سيعول على نفس من كتب كل هذه "التراجيديات"أن يكتب يوما ما "كوميديا" أو أية ملهاة تسعد الناس,أو أن يلقي مجرد نكتة بسيطة تثير بسمة عابرة في محيطات من المرارة والحزن والخذلان؟

وعودة إلى المثال الذي سقناه في بداية المقال,إذا كان هذا هو القانون المعمول به في المدارس الابتدائية,ويعرفه الصغار والجهال ورواد الحضانات,فما بالكم بمن استمرأ الفشل والرسوب والإخفاق,عقودا وعقودا طوال ,ولم يفلح في نيل أي شهادة,حتى شهادة حسن سلوك ؟ وكانت أفضل شهادة حصل عليها هي شهادة البؤس وفقر الحال .أولم يحن الوقت له لكي يترك "الدراسة" والسياسة,ويذهب لأي مكان, بعد أن فشل في اجتياز أي اختبار ,وخاصة في مادتي "القراءة" و"الحساب"؟ وهناك مثل شعبي عامي معروف في الشام أيضا يقول:"اللي بيجرب المجرب بيكون عقلو مخرب".وإن غدا لناظره قريب.

وستبدي لك الأيام ماكنت جاهلا ويأتيك بالأخبار مالم تزود.

نضال نعيسة كاتب سوري مستقل



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يجرؤ على محاكمة أكثم نعيسة؟
- عِشْ ودعْ الآخـرين يمـوتون
- ثقافـة التسـامح
- في زيارة خاصة لأكثم نعيسة
- ما ليس عرضـيًا
- العجـوزالشمطـاء
- أمـن الأمريــكان
- على من تقرأ مزاميرك ياشالوم؟
- صبـرًا آل دليـلــة
- تكريساَ لمبدأ المواطنـة
- المرحـلة التاريخيـة
- ما أروعـك أيتها العروبـة
- المفســدون في الأرض
- على القـوائم السـوداء
- الحصـاد المُـــر
- المـوت الرحيــم
- كـذبة نيسـان الكبرى
- موسـم إغـلاق الملفـات
- مجــــرد فكــرة
- شُكـر على تعزيـــة


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - محاكمـة البعـــث