|
السلم وحتمية الانصياع للدولة عند اسبينوزا
رفقة رعد
الحوار المتمدن-العدد: 4104 - 2013 / 5 / 26 - 16:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
السلم انفعال نفسيّ يقترن مع الإنسان، ترافقه حالة من الهدوء الذاتي والطمأنينة، والذي عمم ليتحول إلى انفعال سياسي يرافق الدول بعد مرورها بأزمات الحرب، فالسلم كما يعرف انه المدة الزمنية بين حربين، نجد أن مونتسكيو يحدده على انه الحالة التي يعد فيها الملك كل عدته العسكرية والجيوش إذا ما حاق بشعوبه خطر الإبادة. اذن هو في كل الحالات نوع من أنواع السكون المشوب بالحذر والقلق والذي يمكن لأي عارض أن يسبب بتحوله من سلم إلى حرب أو صراع، وهذا القلق المرافق هو الدافع الأول الذي جعل الكثير من الفلاسفة يقنون السلم كما قننوا الحرب ليأخذ اكبر مساحة زمنية ممكنة خلال عمر الفرد والدولة. وتأخذ تشريعات السلم أشكالا عدة تتنوع بين علاقة الفرد بنفسه وتنتهي بعلاقة الفرد مع الدولة من جهة، والعلاقات الخارجية التي تبنيها الدولة مع الدول الاخرى وفق مصالحها المشتركة في ادامة السلم من جهة أخرى. قد اخذ اسبينوزا بالحسبان كل هذه الأوجه لتقييم نظرية السلم داخل الدولة التي اعتمدها كأفضل أنواع الدول، تلك الدولة التي يكون دور الحاكم فيها مطلقاً في تدبير شؤون الدولة أياً كانت شكل قوانينه، متبنيا فكرة ان الشعوب عليها ان تخضع لمشيئة الحاكم لانها غير قادرة على الدفاع عن حقها دون ان تحدث فرقة وإسقاط لنظام الحكم، فخضوعهم سواء أكان من ضرورة أو من العقل فإن المنطق يستدعي الإبقاء على الحاكم لان في بقائهِ ((تجنب لشر أعظم وأملاً في خير أكبر)). من جانب آخر يبين اسبينوزا أن فكرة خضوع الفرد وإطاعته المطلقة للحاكم هي فكرة قابلة للتغيير، فيستطيع الفرد أن يواجهه خطر الخضوع بسهولة، لان الحاكم لا يكتسب الحق في ان يأمر بما يشاء إلا بقدر ما يملك السلطة العليا بالفعل، فإذا فقدها فقد في الوقت ذاته الحق في الامر، وتحول هذا الحق إلى من يستطيع المحافظة عليه. وقد ركز اسبينوزا على تعريف مفهوم العدو لينطلق من تعرفيه في تحديد شرعية أي تمرد على الحكومة وقوانينها، بالقول إن العدو ((هو الذي يعيش خارج أمة معينة، ولا يعترف بسلطتها بوصفه حليفاً لها، أو واحداً من رعاياها))، فأذن العدو يمكن له أن يأخذ شكل مواطن أو دولة، مواطن عندما تكون قوانين الدولة ضده ، ودولة عندما لا تعترف بسلطة الأخرى أو تلحق بها الضرر، هنا يظهر دور الحرب حيث يحق للدولة أن ترغم معارضيها على إطاعتها أو التحالف معها بكل ما لديها من وسائل. مما جعل مسألة الطعن بالسيادة أو التمرد على الدولة من الأفعال المرفوضة في نظرية اسبينوزا للسلم، سواء أكانت النتيجة سلبية أم ايجابية يبقى من مارس فعل الطعن مجرم يستحق العقاب بالقانون، ولا يرتكب هكذا نوع من التمرد إلا المواطنين الذين فوضوا مسبقاً كل حقهم لذات الدولة أو السلطة، فهذا التخويل الذي منحه الفرد للدولة لا يحق له الإخلال به لأنه التزام مطلق، وكل من يعمل خلاف ذلك مدان، لذلك على الفرد تحمل مسؤولية اختياره وتنازله عن حقه في تسييس الدولة إلى السلطة العليا المسؤولة. في المقابل ركز على حق الفرد ذاته في حريته وأولها حريته الفكرية لان سياق عمل الحرية الاسبينوزية يتجه نحو إنتاج السلام الذي يكفل الأمن والأمان للمجتمعات، فكما أعطى سلطة متنفذة طالب بالمقابل بحرية متنفذة أيضاً للفرد باعتبارها حقا طبيعيا لا يتعارض مع نظام الطبيعة وضرورتها، بالتالي لن يتعارض مع نظام الدولة ونوع حكمها بل على العكس سيوفر لأمن الدولة الاستمرارية في عملهِ ويكون الولاء هو الصفة الغالبية ضمن هكذا مجتمع أو حكومة، ذلك الولاء الممنوح لا الولاء المغصوب، الذي تكون من نتائجه السلم وأول خطواته هي الاستماع. وهذا ما جعل اهتمام اسبينوزا ينصب بشكل كبير في مسألة الدين والدولة وشكل العلاقة التي تربط بينهما، وحدود شرعية الدين، فهو يرى أن الجدل الديني قد سير الدول إلى الفتن والانقلابات، حينما يكون خاضع التقييم القضائي على معتقدات المحكومين لا على مواقفهم واتجاهاتهم الإنسانية، فقد تعمد على جعل من صلاحيات السلطة العليا اي الدولة تدبير الامور الدينية والدنيوية على السواء، لان السلطة العليا الحاكمة هي المنظم الأخير لتفسير وحماية القانون الإلهي ذلك القانون المنظم لشؤون الدين، لان حكم الله في الأرض لا يباشر كحكم على البشر إلا بواسطة السلطة السياسية، فالقانون الإلهي يطلب نفوذه عندما يأخذ العمل بالعدل والإحسان قوة القانون والأمر، وتصبح الحريات الدينية متاحة فلا يتغلب دين على دين أو طائفة على طائفة ، والكل في هذه الحالة يتمتع بحماية قانون الدولة دون استثناءات تذكر، فتغدو التقوى والدين مقتصرة على العدل والإحسان مع احتفاظ كل فرد بحرية في التفكير والتعبير، وبهذه الطريقة يمكن للسلام أن يصبح هو الميزة الغالبة للبيئة السياسية للدولة وفق إستراتيجية الانصياع الكامل للسلطة في مقابل أن تفسح السلطة العليا المجال للحرية الفردية في ان تأخذ مساحتها في التعبير.
#رفقة_رعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد صوت الباب
-
ذاكرة بطعم الخبز
-
خارج اطار مشروع السلام الدائم
-
ذاكرة بطعم التمر
-
أمنية فخارية
-
ما زال هناك ثلج
-
حمراءُ الشَعر
-
حكاية لحظة
-
أهداء الى كل نساء الثورة
-
لما أنا بنية العينين
-
السلام وضمان الطبيعة له عند الفيلسوف كانط
-
رمالُ أنا
-
أمنيات رجل
-
صحوة صوت
-
الموقف الأسطوري من طبيعة الحرب:
-
قديسة
-
ثمرةُ غير صالحة لأكل
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|