التفاهم الروسي - الأمريكي حول سوريّة بين الشكّ واليقين

محمود جديد

الحوار المتمدن-العدد: 4104 - 2013 / 5 / 26 - 13:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

   - بعد أنْ اشتدّت الأزمة السورية وتعقّدت ، وتشابكت مع ملفّات وتدخّلات أطراف عربيّة ، وإقليمية ، ودوليّة أصبح التفاهم الروسي - الأمريكي مربط الفرس لأيّ حلّ سياسيّ للأوضاع المأساوية التي تعيشها سوريّة، وقد  ظهرت البذرة الأولى لهذا التفاهم  أثناء لقاء بوتين - أوباما في الصيف الماضي قبل الانتخابات الأمريكية ، وما رشح منه أثناء لقطة إعلامية على الهواء ، عندما قال أوباما لبوتين : انتظرني إلى مابعد الانتخابات .. ويُضاف إلى ذلك ما تمّ إنجازه في لقاء وزيري خارجيتهما في جنيف بتاريخ 30 / 6 / 2012 والذي تُوّج بالبيان الهامّ الصادرعنه ، والصالح للبناء عليه وتفعيله لإيجاد حلّ سياسيّ يحمي سورية من التفتيت ، ويُوقف استكمال تدميرها ، ويُنهي معاناة الجماهير  السورية ،  ويضع القطر بشكل جدّي على طريق التغيير الديمقراطي  ...وعندما زار جون كيري موسكو في بداية هذا الشهر أجرى مباحثات هامّة مع لافروف نجم عنها تفاهم أمريكي - روسي أفرز اتّفاقاًعلى عقد مؤتمر جنيڤ-;- 2 ، واعتماد الحلّ السياسي أسلوباً لمعالجة الأزمة السورية ..
- لقد شكّل اللقاء الأخير محطة بارزة في العلاقات الأمريكية - الروسيّة في عهد أوباما ، وما بدا من نتائجها ليس إلّا القليل ، ولذلك سنحاول التفتيش عن المستور منها من خلال تجميع أجزاء الصورة وربط الأحداث والتصريحات مع بعضها البعض لتفسير سبب البهجة الغامرة التي ارتسمت على محيّا كلّ من الوزيرين أثناء المؤتمر الصحفي بعد اللقاء ، وما تنبئ به عن تحقيق إنجاز مهمّ  عبّرت عنه تصرّفاتهما الودّية التي تجاوزت البروتوكولات الرسمية المعهودة .. وبهذا الصدد نقول : 
إنّ اللقاء لا يمكن أنْ يكون مقتصراً على دراسة الوضع السوري فقط ، وإنّما من المرجّح أن يكون شمل ملفّات هامّة في العالم : سورية ، فلسطين ، إيران ، أفغانستان ، كوريا الشمالية ، الدرع الصاروخي .. الخ 
ونحن على قناعة بأنّ المستور من هذا اللقاء هو الأهمّ ، وخاصّة حول الأزمة السورية .. ويبدو أنّ أمريكا قد استوعبت مقولة إنّ عصر الأحاديّة القطبية قد انتهى ، وأنّ النظام العالمي لا يمكن أنْ يستقرّ ويستقيم ، وينطلق بشكل جدّي بدون الأخذ بعين الاعتبار موقف روسيا والصين في حلّ مشاكل العالم ، وخاصّة بعد أن استخدمتا الڤ-;-يتو المزدوج ثلاث مرّات متعاقبة في مجلس الأمن حول المسألة السوريّة ، وفي ظلّ قدراتهما العسكرية والاقتصادية والبشرية ، وأهميّة تحالفاتهما الدولية ، ولذلك أقرّت الإدارة الأمريكية بضرورة التسليم بدور رئيسي لروسيا  في سورية ، وقبلت بتفسيرها  لمضمون بيان جنيڤ-;- ، واقتنعت أنّ شرط التنحّي المسبق لبشّار الأسد غير قابل للتنفيذ في ظلّ المعطيات التي تجسّدت على الساحة السوريّة خلال العامين الماضيين ، وأنّه لا أفقاً قريباً لأيّ حسم عسكري من قِبَل أيّ طرف ، وصعوبة التدخّل العسكري الخارجي المباشر وانعكاساته الخطيرة على الجوار السوري ، ومنطقة الخليج العربي ، ومخاطر تزايد التطرّف الديني والفصائل التي تمثّله وتصاعد دورها الملموس في سورية والمرصود جيّداً ... 
وفي السياق المذكور سابقاً ، يبدو أنّ الطرفين : الأمريكي والروسي اتّفقا وتكفّلا بتدوير الزوايا وتأهيل حلفائهما لتقبّل التفاهم الجديد وتبليعه لهما بشكل متدرّج ، وهنا نلحظ مايلي : 
1 - استدعاء حلفاء أمريكا وأتباعها المعنييّن في الأزمة السورية إلى واشنطن فرادى ، وكان النموذج الأبرز زيارة أوردغان وخيبة الأمل التي تجرّعها هناك ، وعودته خالي الوفاض .. ووفقاً لما نشرته جريدة الرأي الكويتية نقلاً عن مصادر أمريكية أنّ أوردغان أشار إلى تراجع واضح لأوباما وأردف " إنّ الحلفاء المطالبين برحيل الاسد صارت مصداقيتهم في الحضيض بسبب التذبذب الاميركي، وانه كان من الافضل لو لم تأخذ اميركا اي موقف على ان تتخذ مواقف وتتراجع عنها في ما بعد».
وقد انعكست تلك الخيبة سريعاً على الموقف السياسي لأوردغان عقب عودته حيث طرح رؤية جديدة للحلّ في سورية تقوم على نقل صلاحيات الأسد إلى رئيس وزراء المرحلة الانتقالية ، ومقابل ذلك يحقّ له المشاركة في الانتخابات القادمة .. وهكذا تراجع عن شرط التنحّي المسبق لأيّ حلّ سياسيّ في سوريّة ...كما أكّد غول أمام مؤتمر الفدرالية الدوليّة لحقوق الإنسان على "ضرورة إيقاف النزاع المسلح في سوريا في أسرع وقت، وفتح الطريق أمام عملية سياسية انتقالية تستوعب جميع السوريين".
2 - عقد اجتماع ( أصدقاء سوريّة ) في عمّان الذي اقتصر على الدول المعنيّة / 11 / مباشرة بالأزمة السوريّة ،بالإضافة إلى جورج صبرا وسليم إدريس ،  وهناك ، وفي الجلسة العلنية أشار كيري بوضوح إلى أنّ مصير الأسد يقرّره الشعب السوري وهذا الكلام كان يردّده لافروف دائماً ، وهذا يعني أنّه سيشارك في الانتخابات القادمة ، وأصبح المطلب الأساسي لكيري هو الضغط على النظام السوري للقبول بحضور مؤتمر جنيڤ-;- 2 ،  واعتبر أنّه " إذا لم يكن الأسد مستعدا للتفاوض على حل سياسي سلمي لإنهاء الحرب الأهلية فستبحث الولايات المتحدة ودول أخرى زيادة الدعم لمقاتلي المعارضة، من اجل مساعدتهم في القتال من اجل حرية بلدهم " ، وربّما استهدف التأثير المسبق على الحاضرين قبل بدء الجلسة السرّية ، غير أنّ التوجّه الأمريكي الجديد خيّب أيضاً أمل المشاركين الآخرين ومن المحتمل أن يكون قد جرى نقاش حاد حول الموضوع من قبل معظم المشاركين في اللقاء المغلق   ، ممّا أدخل أفكاراً إلى البيان الختامي عن اللقاء وصفها البعض بأنّها تفخيخ لمؤتمر جنيڤ-;- ، وخاصة في ما تضمّنته الفقرة التالية «شدد الوزراء على أهمية الوصول إلى حل سياسي يلبّي  طموحات الشعب السوري، وكما نص عليه الاتفاق المشترك الصادر عن اجتماع أبو ظبي في 13 أيار الحالي والذي يشير إلى أن الرئيس الأسد ونظامه ومساعديه المقربين والذين تلطخت أياديهم بدماء السوريين يجب ألا يكون لهم أي دور في مستقبل سوريا ." وعلى كلّ حال ، رحّب الحاضرون بمؤتمر جنيڤ-;- وضرورة إيجاد حلّ سياسي للأوضاع في سورية ...الخ 
3 - في التاريخ نفسه الذي التقى فيه كيري مع حلفائه وأتباعه في عمّان ، كان لافروف يلتقي مع وفد النظام السوري برئاسة فيصل المقداد في موسكو ، ويُطلعه على بعض القُطَب المخفيّة في التفاهم الروسي - الأمريكي ، ويسلّمه المطالب الروسية للنظام السوري المفروض تنفيذها ، وفي نهاية اللقاء ثمّن المقداد النتائج التي تمّ التوصّل إليها خلال الاتصالات الأخيرة لروسيّا بالجانب الأمريكي ، وما أحسب أنّه كان يثمّن تلك النتائج لو كانت تتعرّض لمستقبل بشّار الأسد .. 
4 - اجتماع لجنة الجامعة العربية المكلّفة بمتابعة الملفّ السوري عقب لقاء عمّان مباشرة ، وتغيّب ثلاث دول ( الجزائر - السودان - العراق ) ولأوّل مرّة بعد تشكيل تلك اللجنة ، وغياب شرط التنحّي ، وتجنّب عقد مؤتمر صحفي للتعتيم على موقف الجامعة العربية التراجعي الجديد ، وللتهرّب من أسئلة الصحفيّين المحرجة .. 
5 - عقد اجتماع الهيئة العامّة للإئتلاف في استانبول يوم 23 أيّار لتوسيع نفسه بناءً على الرغبة الأمريكية  ، وتنفيذ المطلوب منه ، والتكيّف مع المعطيات الجديدة ...
6 - اتّصال الخارجية الروسية بإيران والطلب منها عدم تأخير اجتماع الدول ( 6+ 1 ) حول الملفّ النووي الإيراني إلى الخريف المقبل وضرورة عقده بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الإيرانية مباشرة والتنبيه على الآثار السلبية لأيّ تأجيل .. وفي الوقت نفسه ، أعلنت إيران أنّها بُلّغَت من قبل روسيا بموافقة أمريكا على حضور مؤتمر جنيڤ-;- بعد أنْ كانت  تعارض مشاركتها فيه ... 
7 - توجّه كيري من عمّان إلى ( إسرائيل ) ، والضفّة الغربية لإحياء وتنشيط المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية للتوصّل إلى حلّ .. 
8 - إعلان الخارجية الروسية يوم الجمعة /24 أيّار / " بأن موسكو تلقت بترحاب المعلومات القائلة باعتزام كوريا الشمالية استئناف المشاركة في المفاوضات الخاصة بإشكالية شبه الجزيرة الكورية. وصرح سفير المهام الخاصة بوزارة الخارجية الروسية غريغوري لوغينوف إن ما يستوجب التقييم الايجابي، أن بيونغ يانغ، بعد اسابيع من التهديد بإنزال ضربات نووية، والتوجيه بالانتهاء من الاعداد الفني لإنزال الضربات الصاروخية، بعد كل هذه الخطابات والنغمة العسكرية، أعلنت عن استعدادها ورغبتها في العودة إلى طاولة المفاوضات". وقبيل الجمعة توجّه مبعوث الزعيم الكوري إلى بكّين لإبلاغها " إن جمهورية كوريا الشمالية الديمقراطية الشعبية تعتزم قبول اقتراح الجانب الصيني والبدء في الحوار مع كافة الأطراف المعنية. 
ومن الدلائل التي نضيفها في هذا المجال الاتّصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي مع الرئيس الروسي بعد لقاء كيري - لافروف في موسكو ليبلغه دعمه الكامل لما تمّ الاتّفاق حوله بين الوزيرين .. ولسان حاله يقول : ها أنا قد وفيت ما وعدت به قبل حوالي عام ... وتكتمل اللوحة بتحديد لقاء جديد بين كيري ولافروف في باريس يوم 27 أيار للتباحث بما تمّ إنجازه وما هو مطلوب لإزالة النتوءات المتبقية في طريق الحلّ السياسيّ .. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل كلّ تلك المعطيات والمؤشّرات جاءت صدفة خلال شهر أيّار ؟ أم هي تعبير وانعكاس لتفاهم أمريكي روسي خرج من دائرة الشكّ ليدخل في دائرة اليقين ...
وأخيراً ، نستطيع القول : إنّ التفاهم الروسي - الأمريكي بخطوطه العريضة أصبح حقيقة ، ولكنّ الخوض في تفاصيله سيكون مليئاً  بالعقبات والمصاعب ، وخاصّة في ظلّ وجود أولئك الذين قبلوه مرغمين ومطلوب منهم إجراءات تنفيذية ضرورية لإنجاحه ، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا صادقين ، وسيدفعوا مَنْ موّلوهم وسلّحوهم ، ودعموهم سياسيّاً وإعلاميّاً من المعارضة السورية لكي يضعوا شروطاً جديدة تعجيزية في التفاصيل لإفشاله .. وهناك المجموعات المسلّحة المتطرّفة بكافّة أشكالها ستقف بشدة في طريقه لأنّها أدمنت على القتل والذبح وتكفير الناس ، وتحليل الحرام ...  كما أنّ المتشدّدين من أصحاب القرار في النظام ، ومن أجهزته القمعية لن يروق لهم السير باتجاه الحلّ السياسي والدخول في عمليّة التغيير الديمقراطي الحقيقي وبضمانات دولية ، فهؤلاء يدركون جيّداً أنّه لامكاناً لهم في ظلّ نظام ديمقراطي ، وأنّ استمرار دورهم مرهون بدوام الصراع الدامي المرير الذي تعيشه سوريّة .. وإزاء هذا الواقع الجديد يتطلّب من كلّ المؤمنين بالحلّ السياسي من المعارضة الداخلية والخارجية التكاتف والتضامن والتوحّد ، وبذل أقصى الجهود لإنجاحه ، لأنًّ فشله يعني الاستمرار في العنف المزدوج الدامي والمدمّر والدخول في مرحلة جديدة  أكثر قساوة ودماراً ، ولن يكون أحد فيها  منتصراً سوى أعداء أمتنا ..
في : 26 / 6 / 2013    
 
 

#محمود_جديد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات