|
بين سروش وخلجي: الساحة العامة ملك للجميع
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 4104 - 2013 / 5 / 26 - 13:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"الساحة العامة ملكٌ للجميع" هو عنوان مقال للباحث الإيراني مهدي خلجي، في ردّ له على المفكر الإيراني عبدالكريم سروش الذي اعترض على الهجوم الناقد ضد الدين الإسلامي من قبل العديد من الصحافيين والكتاب والباحثين والسياسيين الإيرانيين ممن يعيشون في خارج إيران. ويأتي الهجوم كردة فعل منهم على السياسات "الاستبدادية" لقادة الجمهورية الإسلامية في ايران، والتي اعتبروها انعكاسا للدين. وقال سروش في بيان أصدره حول ذلك إن الإيمان الديني يمثّل رأس مال اجتماعي مهم داخل المجتمع الإيراني، معتبرا بأنه من الأفضل استغلال هذا الإيمان لدعم النضال الديموقراطي بدلا من التضحية بالدين في المعركة ضد الاستبداد، مؤكدا بأن الدين الإسلامي محفوظ وغير قابل للفناء وبالتالي لا توجد أي مصلحة لإشعال نار العداوة ضده. واعتبر سروش بأنه لا يخالف "النقد العلمي" للدين لأنه يصب في النهاية في صالح الدين، وأكد بأنه يخالف مساعي الكثيرين في معاداة الدين ونفيه وإلغائه من الوسط الاجتماعي العام تحت مسمى الحرية ومواجهة الاستبداد الديني. وقد طرح خلجي نقاطا عدة في مقاله الذي نشره موقع "نيلغون"، ردّ من خلاله على اعتراض سروش. ونعرض هنا (وفي مقالات أخرى) جانبا من تلك النقاط: يؤكد خلجي بأن سروش يرفض النقد "غير العلمي" للدين ولطقوسه ولفقهه الذي يمارسه بعض الناس العاديين ممن لم يكملوا تعليمهم الجامعي. ويعتبر خلجي السخرية جزءا أساسيا من النقد. ويتساءل: لماذا يُمنع هؤلاء - أي الناس العاديون - من ممارسة النقد بصورة طبيعية وحرة وعفوية؟ وهل الفقهاء ورجال الدين المسلمون هم من يحدّد مستوى الحريات وصور النقد، المباح وغير المباح؟ معروف أن معظم مجتمعات المسلمين تتميز بتنوع ديني ومذهبي وفكري واسع، ما بين منتمين إلى مذاهب دينية متعددة، ومنتمين إلى مدارس دينية مختلفة داخل المذهب الواحد، وبين توجهات داخل تلك المدارس، وكذلك توجهات رافضة أن تؤمن بالأديان والمذاهب. كيف يمكن ترسيخ نقد الدين داخل تلك المجتمعات في حين أن رجال الدين فيها يرفضون ذلك، ويستطيعون عن طريق استغلال القوانين المناهضة للحريات والمعادية للتنوع الفكري أن يسجنوا الناقد؟ (وكانت الكويت على موعد مع الكثير من أحكام السجن ضد مغردين في الفترة الأخيرة لأنهم انتقدوا مفاهيم وطقوس دينية معينة). يطرح خلجي عدة أمثلة في إطار شرحه للأحكام الدينية الحاثة على التقيد بظاهر الدين لا الوصول إلى الايمان القلبي، معتبرا أن ذلك يشجع استبداد رجال الدين ويقوي وصايتهم الأخلاقية على المجتمع مما يساهم، وبقوة القانون، في إلغاء مختلف صور النقد ضد أرائهم وضد الظروف غير الطبيعية التي تحيط بممارسة الطقوس، ومنها "إجبار" غير المؤمن على ممارسة تلك الطقوس في مشهد تمثيلي غير واقعي وكأنه يتظاهر بالإيمان، أو بكلمات أخرى تشجع غير المؤمن على الكذب. من ذلك، مسألة الصيام في شهر رمضان. فقوانين العديد من المجتمعات المسلمة تعاقب المفطر علنا في هذا الشهر. لماذا؟ لأن على الجميع أن يكونوا صائمين في خارج بيوتهم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يميّز المسلم عن غير المسلم والمؤمن عن غير المؤمن والصائم عن غير الصائم، أو الكاذب عن غير الكاذب - رغم أن الصدق والكذب لا يتدخلان في العلاقة الإيمانية - بل المهم لدى رجال الدين هو أن يخلقوا هيبة اجتماعية غير واقعية للطقوس الدينية، وفي المقابل أن يجعلوا غير المؤمن معبّرا عن الصيام ولو بصورة تمثيلية غير واقعية. وهذا الأمر ينطبق على الحجاب أيضا. إن الدفع لأن يكون للدين هيبة وسطوة اجتماعية، ساهم في سيطرة رجال الدين المسلمين على الدين وعلى المجتمع، وتسبّب في هلع الآخرين من عدم تنفيذهم الأحكام الدينية، فبات هؤلاء مجبرين على ممارسة الكذب والتمثيل بدعمٍ وتشجيعٍ من رجال الدين وقوانينهم. فهذه القوانين إما يتم تنفيذها قربة إلى الله، أو يتم تنفيذها خوفا ورهبة وتمثيلا، ما ينتج عن ذلك مجتمع غير أخلاقي. فالمجتمع لابد أن يكون ملكا لهم، وتحت وصايتهم، وبالتالي فأي رأي مناهض لفهمهم الديني وأي سلوك فاسق في نظرهم يجب أن يكون مخفيا وبعيدا عن آذان وأنظار أفراد المجتمع. وبعبارة أخرى، لا يمكن لرجال الدين في ظل مفاهيم السطوة والهيبة ومزاعم المحافظة على الأخلاق، إلا أن يسعوا للسيطرة على المجتمع بصورة استبدادية، وأن يظهروا الدين وسط الحياة العامة بأنه ضد مختلف صور الحرية الفردية. وفي الواقع فإن الشأن العام في العصر الحديث لا يمكن أن يكون تحت عهدة المسلمين فقط، ولا تحت وصاية رجال الدين وقوانينهم. وبالتالي لا علاج لهذه المسألة إلا بتبني منهج التسامح. أي أن يكون الشأن العام ملكا للجميع. فالجميع - لا فحسب من ينتمي إلى النهج العلمي - أحرار في أن يصبحوا مؤمنين وفي أن يكونوا غير مؤمنين بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى ومن ممارسة، وقادرين على نقد النص الديني ومهاجمة الفهم الديني بكل حرية وبمختلف الطرق ودون خوف من عنف أو مسعى للترهيب والإقصاء. وبنفس المقدار، على المتديّن أن يكون قادرا على نقد الأفكار والأيديولوجيات غير الدينية.
كاتب كويتي
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا رُفضت أهلية رفسنجاني ومشائي؟
-
خطر يهدد مطالب الحراك
-
انقسام المحافظين يحرج خامنئي
-
التكهن بمن سيفوز في الانتخابات الإيرانية.. صعب
-
أن تكوني إمرأة
-
تجميد القانون؟
-
الحرية المريضة
-
نقد المادة التي تحبس الناقد
-
القرآن بوصفه خطابا (2-2)
-
القرآن بوصفه خطابا (1-2)
-
الحجاب مجددا..
-
لابد من سقف جديد
-
كرامة وطن...*
-
النظرة الشمولية
-
-كونا-... أولا
-
نقد الحراك.. والإسلام -المعتدل-
-
التيار الوصولي
-
الحراك.. ووقوده
-
دور مبهم
-
هل مقاطعة الانتخابات في صالح الديمقراطية؟
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|