|
المصالحة الحقيقية الحلّ الوحيد لسوريا والعراق
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 4104 - 2013 / 5 / 26 - 00:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقال أن إمرأتين حضرتا عند سليمان الحكيم ليحكم بينهن في أمومة طفل تدعي كل منهما بشدة أنها أمه، ولم يجد الملك مناصا من أن يعرض عليهن قسمة الطفل إلى نصفين وإعطاء كل واحدة منهن نصفا، فسأل إحداهما ماذا تقول، فردت بالقبول، أما الأخرى فصاحت بأعلى صوتها: لا يا مولاى، أعطها إياه، ولا تقسمه. وعندها إكتشف الملك الحكيم الأم الحقيقية.
لم أستطع إلا إن أقارن بين هاتين المرأتين وبين الأطراف المتنازعة على حكم بلدان هذا "الخريف" العربي، ولكن الفرق الوحيد والمهم أنه في الحالة الأولى كانت احدى المرأتين صادقة والأخرى كاذبة، وأما في الحالة الثانية، فكلا الجانبين كاذب، يدّعي أن الوطن له وليس للجانب الآخر، ويسمي قتلاه شهداء، وقتلى الجانب الآخر "جيف." لماذا يدّعي الرئيس السوري أن سوريا ملكه وحده ويصر على ذبحها من الوريد إلى الوريد حتي لا تكون من نصيب الذين يعارضونه؟ ومن الناحية الأخرى، لماذا تدعي المعارضة السورية أن سوريا ملك لها وحدها وتصر على ذبحها حتى لا تكون من نصيب الذين يؤيدون النظام؟ هل يريد هؤلاء، من الجانبيين، أن يقتسموا الشعب السوري المذبوح والوطن السوري المدمر بعد أن تنتهي هذه الحرب؟ لماذا كل هذا الحقد والكراهية؟
أيهما أفضل: أن يحكم الأسد، على علاّته، وتحكم طائفتة، مهما تكن هذه الطائفة، أم يقتل الملايين وتدمر بيوتهم ويصبحوا متسولين على أبواب أمم العالم وتهان نساؤهم ويذل رجالهم، وتتأخر سوريا في جميع الميادن جيلا أو جيلين؟ أيهما أفضل أن تتستمركل هذه المآسي بهدف حرمان سوريين آخرين من الحكم أم قبول حكم طرف من الطرفين؟ لو أني رأيتُ أخي مصمما على قتالي وقتال أفراد العائلة الآخرين ما لم نقبل بأن يكون هو الآمر الناهى في البيت، فإني حتما سأعطيه ما يريد حتى يبقى البيت سالما ومتحدا، على أمل أن يعود إلى رشده؟ صدقونى أنه لو لم تلجاء بعض أطراف المعارضة لاستعمال السلاح لعاد بشار الأسد إلى رشده تدريجيا ولاجتنب الشعب السوري هذه الحرب الأهلية التي لم ير تاريخ العالم الحديث أسوأ منها.
لقد إنتقدنا بشار الأسد ونظامه أكثر من مرة. إنتقدنا الطريقة التي جاء بها إلى الحكم. كان حافظ الأسد يُعدّ ابنه باسل لخلافته ولكن باسل قتل في حادث سيارة، وبدأ بإعداد ابنه الآخر، بشار، وكأن سوريا خلت من المؤهلين لقيادة البلاد. ولكن عُمر بشاركان أقل مما يسمح به الدستور، فاضطر مجلس الشعب لعقد جلسه خاصة في 30 حزيران 2000 ويعدل الدستور بطرح بعض السنوات من العمر الدستوري حتى يتطابق عمر بشّار مع ما يقوله الدستور. ولم يحصل أي معارضه أو احتجاج على هذا الإجراء، لا في البرلمان ولا خارج البرلمان، ولم يجرؤ أحد أن ينتقد، أو حتى يعلّق، على ما حصل، ولكن أحد الأعضاء، منذر الموصلي، اقترح أثناء النقاش أن تذكر في القرار "الأسباب الموجبة" للتعديل فاعتقد بعض البرلمانيين، ومنهم رئيس المجلس عبد القادر قدّوره، أنه يتهكم أو أن هذا اعتراض، فوبخه قدّورة واتهمه "بأن نفسه أمرته بالسوء،" و"لكنه ردعها." ونُسيت المسألة وكأن شيئا لم يكن وكأن المرشح للرئاسة هو الله عز وجل. وانتقدنا الطريقة التي قضى بها حافظ الأسد في عام 1982 على ثورة حماه بدون رحمة وقتل الآلاف أمام سمع العالم وبصره. ولكن ثأرالإسلاميين، كما رأينا، جاء بعدً 30 سنة، ليبرهن أن الظلم مرتعه وخيم والدموية تورث الدموية. وانتقدنا أيضا خطاب بشار الذى ألقاه في مجلس الشعب في 30 آذار2011 في أعقاب مقتل عدد من المتظاهرين السلميين من أبناء درعا وقلنا إن الخطاب كان إهانة لهم واستهتارا بالشعب السوري.
صحيح، ما زلنا نؤمن بما قلناه، ولكن مأساة سوريا لن تتوقف لأن النظام لن يسقط، ويجب على المعارضة السورية أن تقبل شروط روسيا ونتائج مؤتمر جنيف ويحصل وقف إطلاق نار في أقرب وقت، فهذا أكبر ما يمكن أن تحصل عليه، فيظهر أن الولايات المتحدة والغرب قد قبلوا إقتراحات روسيا لأنهم يعتبرون أن البديل سيكون أسوأ، لهم ولغيرهم.
الوضع في العراق غاية في المأساوية ايضا وعلى الشعب العراقي أن يصل إلى التصالح حتى لو ربحت إحدى الطوائف على حساب الأخرى. إن الطائفة الشيعية في العراق هي الأغلبية، وخاصة إذا أسقطنا السنّة الأكراد من المعادلة لأن لهم وضعا خاصا، فلماذا لايسلّم السنة بهذا ويصلوا إلى إتفاق مع الشيعة، حتى لو كان غير عادل، فعندما تهدأ العراق ويُقضى علي المجموعات الإرهابية سيكون كل باب مفتوحا للتغيير، وستصرف عوائد النفط على التقدم لا على محاربة الإرهاب والتفجيرات وجهود إستتباب الأمن، ومع الوقت سينسى الناس الطائفية وسينسى شيعةالعراق إيران، الذين حاربوها مع صدام أكثر من ثماني سنوات وأجبروا الخميني "على تجرع السم،" كما قال عندما قبلت إيران وقف إطلاق النار. ومن يدري، فربما تحسن إيران مواقفها الحالية في المستقبل القريب. ولا بد لنا أن ندعو الإعلام العربي المستقل -- هل هو فعلا مستقل؟ -- الذي تقوده الجزيرة والعربية، أن يلتزم بعض الحياد وأن لا يميل لهذه الجهه أو لتلك، وندعوا الدول العربية "السنية" المجاورة أن لا تسمح للمعارضين العراقيين الذين نفوا انفسهم إلى دول الجوار بدعم الإرهابيين في العراق وكذلك في سوريا.
إن تقسيم سوريا والعراق هو أسواء شيء يمكن أن يحصل، لأنه سيضعف البلدين ويؤدي إلى تقسيم بلدان عربية أخرى، ويسمح باستمرار النزاعات ،ويشجع إسرائيل على سلب الحقوق الفلسطينية والعربية والسيطرة على المنطقة.
إذا كان توقف العنف وتحقيق الإستقرار وحقن الدماء يعتمد على التسامح الذى ذكرناه في بداية هذا المقال، فلماذا لا يكون الشعبان السوري والعراقي متسامحين تجاه أبناء أوطانهم؟ لماذا يفضلون مصالحهم الضيقة على مصالح شعوبهم؟ على الذين يدعون أن مايحصل هو مؤامرات خارجية أن يكفوا عن ذلك فهذا الإدعاء مضلل للشعوب، وعلى جميع الشعوب العربية الأخرى، ممثلين بمثقفيهم وكتابهم، ورجال الدين الأتقيا الحقيقيين، أن يحثوا الناس في سوريا والعراق على أن يجنحوا للسلم لأنه لم يبق لديهم شيء يخسرونه الأن، فكل شيء مدمر، وأن يستوعبوا الدروس التي تعلموها، وتعلمها العرب جميعا، من هذا "الخريف العربي" الكئيب الذي يبعث على اليأس.
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا أسود يا أبيض
-
من الغزو اللغوي إلى الغزو الثقافي
-
أوقفوا تسليح المعارضة السورية
-
هل قَتلُ الإرهابيين يقضي على الإرهاب؟
-
هل بإمكاننا أن نكون أقل تشاؤما؟
-
من قتل محمد سعيد البوطي؟
-
طفح الكيل وبلغ السيل الزبى!!
-
فشل دول الخليج في سوريا وبهلوانيات قطر
-
المعذرة يا -دكتور-
-
الهجاء في الشعر .. والردح في السياسة
-
كما تكونوا يولّ عليكم
-
عباءه لبشار
-
القوائم الإنتخابية العديدة في الأردن عكست حب الظهور، لا حب ا
...
-
هل خدم حزب الله لبنان أو القضية الفلسطينية؟
-
فاروق القدومي يصر على إرجاع الضفة الغربية للأردن!!
-
هل لعب المفكرون العرب أي دور في ثورات الشعوب العربية؟
-
هل هذه صحوة الضمير اليهودي؟
-
الحكم الديني يُفضي حتما إلى الدكتاتورية
-
اليهود إذا إنتقدوا إسرائيل
-
عندما يتكالب على الأردن القريب قبل الغريب
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|