أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - احمد ضحية - دارفور :- حول جذور الازمة , و أسبابها ومآلاتها















المزيد.....



دارفور :- حول جذور الازمة , و أسبابها ومآلاتها


احمد ضحية

الحوار المتمدن-العدد: 1178 - 2005 / 4 / 25 - 11:15
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


الفصل الاول :
الأزمة الوطنية الشاملة والأزمة في دارفور
(راهن الأزمة في دارفور والبعد التاريخي )

بلغت الأزمة في دارفور ذروتها , بما تشنه الحكومة الاسلاموعربية في الخرطوم والمليشيات العربية " الجنجويد " , من حملات تطهير عرقي ضد القبائل غير العربية . الامر الذي ادى الى وضع كارثي , نتاج ما ارتكبته الحكومة والمليشيات العربية , من جرائم بشعة ضد الانسانية , وفقا لتقارير المنظمات المعنية بحقوق الانسان , فقد تم قتل المدنيين , وتشريد الاحياء منهم , الى جانب ما مورس من اغتصاب للنساء واحراق للقرى والممتلكات !
بحيث تدفق آلاف اللاجئين , الى دولة تشاد المجاورة لغرب دارفور .( واذا كان لعبارة " ليس مرة اخرى " اى معنى في الشئوون الدولية , فعلى العالم ان يتصرف فورا , لانقاذ سكان دارفور ) هذا ما استهلت به " مجموعة الأزمات الدولية " تقريرها الموسوم ب" الخرطوم ساهمت في حفر مقابر مواطنيها في دارفور (1) لوصف حجم المأساة الانسانية , في غرب السودان . وقد اوردت
UN Office for coordination humanitirian affairs IRIN News.org .في صدر عددها الصادر 24/6/2004"
تستمر مليشيات الجنجويد في قتل المدنيين وحرق القرى , فقد احرقت 6 قرى حول " قولو " ( جنوب دارفور ) في 21/6/2004
وقامت بقتل 6 مدنيين وعلى الرغم من تواجد الشرطة اثناء هجوم " الجنجويد " , الا انها لم تتدخل . وتكرر ذات الشىء في معسكر " كالما "و " بليل " خارج نيالا . / جنوب دارفور , الخ ... وتشير منظمة " اطباء بلا حدود " , الى ان الحكومة طالبت النازحين , بالعودة الى ديارهم , دون ان توفر لهم اى ضمانات للحماية , او للعيش . بعد ان تم تدمير قراهم بالكامل , وبصورة بشعة , وتجد اطباء بلا حدود صعوبة في تقديم خدماتها . فحجم الدمار والخراب اكبر من طاقتها . كما تؤكد ان الهجمات المستمرة , تستهدف الذين يتلقون مساعدات من المنظمات , وتشير اطباء بلا حدود , ان من بين كل خمسة اطفال في " مورني " ( تبعد 70 كيلو من نيالا ) طفلا يعاني من سؤ التغذية , وتعرب عن تخوفاتها , من عدم تمكنها من اداء واجباتها الانسانية , بحلول فصل الخريف , بسبب قطع الامطار للطرق , وتؤكد الامم المتحدة , ان المساعدات ستكون مستحيلة بحلول فصل الخريف . وقدر برنامج الغذاء العالمي , ان الامطار ستجعل الوصول غير ممكن نهائيا ل11 موقعا , بينما يمكن الوصول 48 موقعا جزئيا . وتتنبا اطباء بلا حدود , ان معدل الوفيات بالاسهالات وامراض سؤ التغذية , في معسكر مورني فقط , سيرتفع خلال فصل الخريف , الى 200 حالة وفاة شهريا , وهو رقم قابل للزيادة (2) .
والقارىء لتقرير امنستى انترناشونال ( منظمة العفو الدولية ) , يفجع من بشاعة المخطط الذي تنفذه الحكومة ومليشيات " الجنجويد " , لاستئصال القبائل غير العربية في دارفور (3) .وفي تقرير منظمة مراقبة حقوق الانسان , تتهم المنظمة الحكومة السودانية بالتواطؤ , في جرائم ضد الانسانية , اقترفتها المليشيات التي تساندها الحكومة في دارفور . وقالت المنظمة المدافعة عن حقوق الانسان , في تقرير لها , ان القوات الحكومية , والمليشيات العربية الموالية لها . تقوم باعمال القتل والاغتصاب , والسلب والنهب , ضد المدنيين الافارقة . الذين ينتمون لنفس الطوائف العرقية , التى تنتمي اليها قوات المتمردين . ويمضي التقرير في وصف استراتيجية التطهير العرقي , والتهجير القسري لغير العرب (4) فالمشاهد المأساوية والبؤس الذي يعيشه اللاجئون , والنازحون في دارفور , لهو اكبر في الواقع من كل الكلمات الفادحة .التى حملتها , تقارير المنظمات . وتنطبق على هذا الوضع الكارثي , تلك النكتة التى انطلقت فى عهد الرئيس نميري " قيل ان جهاز امن نميري , القى القبض على رجل يوزع منشورات , ليس عليها اى حرف او كلمة . وحين سألوه , لماذا خلت منشوراته من اى كتابة , قال الرجل : " وهل يحتاج الامر الى بيان ؟!" (5) ولقراءة الازمة المتصاعدة في دارفور , لابد من وضعها في السياق العام للازمة الوطنية الشاملة في السودان .
يشير عدد من الباحثين , الى ان السودان , يمثل نموزجا مصغرا من قارة افريقيا , فقد حظي بموقع وسط , او متوسط . في افريقيا ذات العوالم الثقافية المتعددة ( اي افريقيا / العربية - الافريقية , افريقيا المسلمة / افريقيا المسيحية / افريقيا الناطقة بالفرنسية / افريقيا الناطقة بالانجليزية . الخ ... ) وتعكس التغيرات او التطورات , التي تجري في السودان , ما يحدث في افريقيا عموما , او تاخذ اشباها منها . ويعكس السودان افريقيا بشكل ما . لكن السودان يتميز بفرادته , وسط الاقطار الافريقية , بمعنى انه عربي وافريقي في نفس الوقت . وبينما تقدم التركيبة الداخلية, للسكان السودانيين , نموزجا مصغرا لافريقيا : طبيعيا وثقافيا واثنيا , فان فرادته تواجه ذلك , بهامشيته السياسية المتعددة . بوصفه لا عربي ولا افريقي ولا مسلم ولا مسيحي , وهذا يضع السودان داخليا في وضع مربك وحرج جدا . ترغب نخبته المسيطرة , التي تنحدر غالبا من الشمال النهري العربي , ان يكون عربيا ومسلما , وترغب نخبته الجنوبية ان يكون افريقيا ومنبتا عربيا . ان هاتين الرغبتين المتعارضتين , تقفان في قلب الصراع السياسي , الذي يكمن في مركز تحلل الدولة السودانية (6) ولقد تطورت الازمة التاريخية لدارفور في هذا السياق , بتضافر العديد من العوامل الاخرى , التى سنتناولها لاحقا .
تشير وقائع الوضع الكارثي في دارفور , الى ان انماط العنف الذي مورس , على المدنيين . تؤكد نية الحكومة في السودان , لاجبار السكان الذين ينتمون , الي قبائل غير عربية , على مغادرة اراضيهم , واحلال القبائل العربية محلهم . ففي تقرير " النيران تشتعل في دارفور : الفظائع المرتكبة في غربي السودان " , تصف منظمة مراقبة حقوق الانسان , التدمير المنهجي والغارات الوحشية , لمليشيات الجنجويد , والجيش الحكومي , ضد قبائل( الفور والمساليت والزغاوة) (7) .. وفي تقريرها المؤلف من 77 صفحة :( دارفور قد دمرت : التطهير العرقي من قبل قوات الحكومة والمليشيات في غربي السودان ) , تصف المنظمة المجازر , والاعدام السريع للمدنيين , واحراق القرى , والاخلاء بالقوة لقبائل الفور والمساليت والزغاوة من اراضيهم (8) ويعبر صندوق الامم المتحدة لرعاية الاطفال " اليونسيف" عن قلقه , بشأن وضع آلاف الاطفال المشردين , في اقليم دارفور , الذين يواجهون خطر الامراض , والاستغلال ونقص الغذاء . .. هذا العنف المريع تم التنبؤ به منذ وقت مبكر , فلقد كان للحرب الاهلية في الجنوب , العديد من التداعيات بالنسبة لكل اقاليم السودان , واحد اهم النتائج التى ترتبت على ذلك , الانتشار الواسع النطاق للعنف اللامركزي في الجنوب . وفي الاجزاء الاخرى من القطر . التى تقع خارج النطاق الجحغرافي للجنوب . حيث تمثل المليشيات القبلية , التي تدعمها الحكومة ضمنا , اداة من ادوات انتشار العنف اللامركزي , اذ نظرت الحكومة اعناصر هذه المليشيات , على انهم مقاتلون بالوكالة . ومن ثم فان هذه المليشيات , قد صعدت لاحقا , ومنحت وضعا قانونيا في 1989 , من خلال قانون الدفاع الشعبي . فانتشار المليشيات القبلية في الحرب الاهلية الحالية , لا يحبط فرص التوصل الى حل سلمي فحسب , وانما ينفي دور الحكومة كسلطة وحيدة تملك قوة الاكراه , في ادارة الشئون العامة , اذ تؤدي المليشيات القبلية الى استقطاب المجتمع , بشكل اكثر حدة , وبالتالي فقد تزايدت بشكل بارز , احتمالات التفكك الوطني (10) وفي اقليم دارفور الذي تراكمت عليه , مظالم التهميش . والاقصاء لعهود بعيدة , يتضافر ما هو تاريخي من عوامل الصراع المسلح , مع ما هو آني , ليخلق وضعا كارثيا كالذي نشهده اليوم . فاذا كان سودان الوسط تاريخيا هو الوريث المعنوي لتركة الزبير باشا رحمة (11) فدارفور مثلها مثل مناطق اخرى في الهامش , بمثابة وريث معنوي , لتركة الرق والاسترقاق في السودان . , وبنظرة عجلى الى ما يعنيه ذلك , يشير محمد ابراهيم نقد , الى ان الرقيق مملوك لمالك , وممتلكاته الشخصية ان اغمتلك اصلا تؤول للمالك (..) والقن حر , ليس مملوكا لمالك , ولا يباع ولا يشترى , له حقه وولايته على ممتلكاته , فالتحول من الرق الى القنانة , او تشكل علاقات القنانة , مستقلة عن علاقات الرق (..) وتضافرت عوامل عدة مباشرة وغير مباشرة , اقواها فاعلية نشوء سوق العمل باجر , الى جانب اثر تجنيد الرقيق في الجيش وتسريحه , ومنع تجارة الرق , وتسجيل الارقاء , وضغط الحملة العالمية المناهضة للرق , والسياسة الرسمية خفيضة الصوت والصدى , لادارة الحكم الثنائي بشأن تحرير الرقيق (11) .
نجد تن دارفور عانت من كل النظامين " الرق والقنانة " , ما شكل مناطق مظلمة في وجدانها الثقافي تجاه الوسط . هذا الاحساس التاريخي المعنوي بالظلم , على الرغم من عدم موضوعيته في الراهن الماثل , الا انه يظل عاملا معنويا فعالا تسترده الذاكرة بين ان واخر , في اوقات السخط ضد الوسط النيلي " اولاد البحر " ..فيستعيد في الوجدان الثقافي , بذلك جرائم الماضي وجرائره , عندما يجابه انسان الهامش ( موضوع الاسترقاق في الماضي ) , بما يذكره بتلك الحملات التى كان يقوم بها اسلاف النخب الاسلاموعربية التى تعاقبت على حكم البلاد منذ 1956 .. يشير شريف حرير الى عامل مادي مهم : كيف ان الصراع المحدود على الموارد الطبيعية , يمكن ان يتطور الى حرب اقليمية , لها صفة شبه دولية . ان انتشار الحرب الاهلية في بقاع السودان المختلفة , والرعاية الايديولوجية والمادية , لمليشيات قبلية محددة , من قبل الحكومة , والمصالح التي اظهرتها كل من ليبيا وتشاد , كقوى اقليمية متعارضة , تمثل الاطر التي تتيح هذا التحول , كما يلقي حرير الضؤ على الانقسامات الايديولوجية والعرقية , بين العرب وغير العرب , والتي كانت عاملا ثانيا , طيلة الصراع السوداني , وفي الصراع بين الفور والعرب في دارفور . مؤكدا ان مأساة جنوب السودان , من الممكن ان تتكرر في دارفور (12).
من الجلي ان الحكومات المتعاقبة لم تسع بصورة جادة , لصلب متناقضات الواقع المأزوم في السودان . ما جعل اعادة تدوير الازمة السودانية التاريخية , امرا ميكانيكيا , بين فترة واخرى . فدولة الوسط او ما اسماه حرير بمثلث ( الخرطوم - كوستى - سنار ) , التي تقودها النخبة الاسلاموعربية , انشأت استعمارا محليا بعد خروج المستعمر الانجليزي في 1956 . وكانت دولة عمادها مجموعة صغيرة من البشر , اتخذت استراتيجية سياسية قائمة على العنصرية البنائية , وهي تعني احتكار الممارسة السياسية , وابعاد الاخر عنها . فقد اعطى الاستعمار لنفسه الحق في الحاق البلد المستعمر , بتاريخ البلد المستعمر , اى ان الاستعمار يلغي التاريخ والثقافة الوطنية , ويؤسس الاستلاب الثقافي , وبذلك فان الاستعمار الداخلي , لدولة الوسط , والنخبة الاسلاموعربية , عمل على الحاق الاطراف , ولان هذه الاطراف تم الحاقها , فان تاريخها وثقافتها قد تم الغائها , كمجوعات ذات شخصيات ثقافية مكتملة (13), وتأسيسا على ذلك نجد , ان نظام الجبهة الاسلامية القومية , عبر عن منتهى اشواقه الاستعمارية , وشهوة الهيمنة المستمدة , من عقلية الغزو والسلب والنهب البدوية , منذ الفترة الانتقالية ( بعد انتفاضة مارس /ابريل 1985) , فعناصره في المجلس الانتقالي العسكري ( ممثلين في كامل المجلس ورئيس الوزراء , واغلبية وزارية معه , ذهبوا باتجاه تصعيد الحرب في الجنوب , وكان رئيس الوزراء الجزولي دفع الله , اكبر عائق امام الاتجاه السلمي . فهو كما كشفت الاحداث لاحقا .كان بتصلبه ينفذ برنامج الجبهة الاسلامية القومية بحذافيره (14) اذ سيطرت عبره , عناصر الجبهة الاسلامية القومية , على الترتيبات الانتقالية , قبولا عن مساندة المطالب الشعبية ,التى دفعت بالجماهير الى شوارع الخرطوم , والتى نادت بها طوال الانتفاضة التى اسقطت نظام السفاح نميرى , وتتمثل هذه المطالب في ( الغاء قوانين سبتمبر 1983) ومحاكمة عناصر الجبهة الاسلامية القومية , المسئولة عن وقوع البلاد في الفوضى , بدلا عن ذلك مضى الفريق سوار الدهب , رئيس المجلس العسكري الانتقالي , ودكتور الجزولي دفع الله رئيس الوزراء الانتقالي, وعمر عبد العاطي النائب العام , الى الاتجاه الخاطيء بتصعيد الحرب , وهكذا سيطرت الجبهة الاسلامية القومية على الامور , وجمعت بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية , خلال الفترة الانتقالية (15) وشهوة القتل والحرب , التى سيطرت على نظام 30 يونيو 1989 الاسلاموي , دفعت الكثيرين للتنبؤ , بأن السودان يمضى باتجاه , الصوملة او اللبننة . اذ ساد منذ عقد او اكثر من الزمان , ارهاص قوي ان السودان , مقبل على سيناريو لبناني , ونفذ بعض القدر . فاوضاع السودان في اكثر من اجزاء جنوبه , واقاليم في كردفان ودارفور هي لبننة محضة . من حيث حلف المظالم , وانفلات السلاح , وقد ينسب المعتقدون للسيناريو اللبناني , الجنون الداعي , الى كلمة سواء , للخروج بالسودان من وهدته (16) ومع ذلك لم تابه الجبهة الاسلامية القومية , لتحذيرات التجزئة والتفتيت , , التي يمكن ان تتسبب فيها بسياساتها العدوانية . بل اخذت تسعى حثيثا , منذ مجيئها الى السلطة , عبر انقلاب يونيو 89 , لتطبيق سياسة النخبة الاسلاموعربية , ضد جنوب السودان ودارفور , وجبال النوبة , وجنوب النيل الازرق .محاولة الاستفادة من اخطاء تجربتها في الجنوب . الذي من جهة يختلف عن الشمال في تركيبه الثقافي والاثني . بينما تشترك دارفور, على سبيل المثال, مع الشمال في الثقافة الى حد كبير . ولذلك لم تستطع استخدام الآليات ذاتها , التي طالما استخدمتها ضد الجنوب ( اعني التعريب والأسلمة القسريين , الجهاد , اعلان الاقليم دار حرب ..) , ومن هنا لجأت الى لعبة الاستقطاب العرقي (17) للقبائل العربية , اذ احيت , لتعزيز جهودها الحربية , في الجنوب , ومناطق التداخل . فكرة المليشيات القبلية , التي شكلت لاول مرة في 1956 , باسم حراس الوطن . وبدأت الحكومة , مستخدمة النزاعات الدائمة بين المجموعات الرعوية , في تسليح قبائل العرب الرّحل " البدو " , لحماية نفسها ضد هجمات الجيش الشعبي لتحرير السودان . - كما زعمت - وقد ادى استخدام هذه الاسلحة , الى تأجيج الحروب الاثنية المحلية , وسرقة الماشية , ووصل الامر الى مستويات من البشاعة , غير مسبوق في تاريخ الحروب الاثنية التقليدية , ومذبحة ( الضعين 1987) جنوب دارفور , التي سقط فيها ما بين 400-1000 لاجيء من الدينكا , بنيران البقارة العرب , لهي مثال واضح على ذلك . . لقد كانت تلك اللحظة هي مثال لدولة غير كفء , لم تقنع بالقمع المركزي , كوسيلة لبقائها , بل رعت العنف اللامركزي , بتقديم الاسلحة والدعم الاخلاقي , لمجموعات اثنية مقربة , ضد مجموعات اخرى اقل حظوة .
وتواجه دارفور اليوم , مصيرا مشابها خلال هذه الفترة المظلمة من تاريخ السودان . وعلاوة على ذلك فقد قاد تحلل مؤسسات الدولة , وتآكل آليات السيطرة , ووسائل الضبط القانونية , الى فقدان النظام وسط قوات الامن . وحيث ان قانون الاحكام العرفية , قد اعلن طوال هذه الفترة , اخذت منذ 87 ترد معلومات عن تجاوزات ضد المدنيين في دارفور .
لكن قوات الدولة ترتكب هذه التجاوزات , دون ان تجد عقابا , فقد كانت قضايا المحاكم , تعامل سياسيا . ففي احدى الحالات , في دارفور في 1987 اعدم الجيش ثلاثة مدنيين برأتهم المحكمة , وضرب القاضي الذي تولى التحقيق , على يد حشد غاضب من العسكريين
حشد غاضب من العسكريين استولوا علي اوراقه, ولم يسمع احد بشىء عن هذه القضية , بعد ذلك !!. واستجابة لما خلفه هذا الامر من استفزازات , تكاثرت المجموعات التي تثأر لهذه التجاوزات , في ريف دارفور . وقد اصبحت هذه الظاهرة توصف بالنهب المسلح (18) الامر الذي تطور بمرور الوقت , الى مليشيات مسلحة باجندة مطلبية , في مواجهة الحكومة ومليشياتها العربية . وبالنتيجة الوضع الكارثي الراهن .من عمليات اغتصاب ونهب وتعذيب ,واحراق متعمد للقرى ,والمدنن . في انحاء متفرقة من دارفور , اضافة الى الهجمات التى تشنها مروحيات الحكومة . وطائراتها القاذفة , طيلة الاعوام القليلة الماضية ,فيما يشبه سياسة الارض المحروقة , ما يشعل الخوف في السودان كله , على ضياع الارض الابوية , ويجعل التنبؤ بالمستقبل غير ممكنا (19) وعلى الرغم من سياسة التعتيم والتشويه للحقائق , من قبل النظام الحاكم , وتزامن ذلك مع الصمت العربي الرسمي والمؤسساتي , الا انه , ومنذ تقرير السيد موسيس كابيلا , المنسق المقيم للامم المتحدة بالخرطوم , بدأت ابعاد الازمة الانسانية في دارفور , تتكشف عن حجمها المروع والفظيع (20) وعلى حد تعبير كونداليزا رايس , مستشارة الامن القومي الامريكي " انها كارثة " في وصفها للاوضاع المأساوية في دارفور (21) ما يبرز الى السطح حقيقة ان هناك قوميات مهددة بالابادة الجماعية في دارفور , ويطرح ما توصلت اليه كثير من الاتجاهات , في قناعة ضرورة ان ينص الدستور الانتقالي , والدساتير التالية له , بموجب الاتفاق النهائي للسلام بين الشمال والجنوب , على الحق الدائم , لجميع القوميات الموجودة في السودان , في تقرير المصير , متى ارادت ذلك . باعتباره حقا اساسيا , وضمانا لحقوق الشعوب المهمشة , فذلك هعو السبيل الديموقراطي , لخلق وحدة طوعية , وعادلة في السودان (22).
ولالقاء الضؤ على جذور الازمة في دارفور , لابد من هذه الخلفية المتشابكة , فأزمة دارفور واحدة من تجليات الازمة الوطنية الشاملة , في السودان . منذ الاستقلال وحتى الان . فآباء الاستقلال ( المزعوم) بحكم تكوينهم الطائفي , ووعيهم الانتهازي , فشلوا في مواجهة الكثير من الامور , التى ستظل تحفر عميقا , الى ما بعد الاستقلال بعقود طويلة , ففي قضية مثل محاربة الرق , كان موقفهم مخزيا , على الرغم من انها قضية , وقف العالم كله ضدها . حينها رفع السادة : علي الميرغني , الشريف الهندي وعبد الرحمن المهدي , مذكرة في 6 مارس 1925 , الى مدير المخابرات , حول موقفهم من تحرير العبيد , قائلين : الرق في السودان , لا يمت بصلة الى ما هو متعارف عليه , فالارقاء شركاء لملاك الارض , لهم امتيازات وحقوق , تجعلهم طبقة قائمة بذاتها , واهل السودان يعاملونهم , كما لو كانوا من افراد العائلة , بسبب احتياجاتهم المتعاظمة لهم . والارقاء الذين اعتقوا , لا يصلحون لاى عمل , ويعتبرون ورقة الحرية جوازا للتحلل من اى مسئولية , وخلدوا للخمول والخمر والدعارة (23) وهنا يعلق الاستاذ محمد ابراهيم نقد : ما هي هوية الارقاء اذن ؟ هل هم شركاء للملاك , ولهم امتيازات وحقوق ؟!..لكن سؤ المعاملة بين بين الشركاء لا يستدعي اصدار ورقة الحرية , بل تعديل الشراكة او فضها !واذا كانت مصلحة الحكومة والشركات والافراد , تقتضي ان يبقى الرقيق للعمل في الزراعة , فذات المصلحة تستلزم تعديل او تصفية علاقات الرق , وتحويلها الى قنانة او عمل باجر .
وبأى منطق ووفق اى معيار , تقر المذكرة ملكية الملاك على الارض , وتتغاضى عن ان للرقيق ملاكا ؟!..هذا الموقف المتواطىء للقوى الطائفية , ضد قيم المواطنة وحقوق الانسان , يتكرر كثيرا في العهود المتعاقبة , باشكال وصور مختلفة ( مثل التجربة شبه الاقطاعية لال المهدي في الجزيرة ابا , التى لم يعرف سكانها الخدمات الاساسية او الملكية لمنازلهم التى توارثوها , للمفارقة الا في عهد نظام الجبهة الاسلامية , في اطار محاولاته لتصفية نفوذ حزب الامة في النيل الابيض ) . ولذلك جاء بروتكول ميشاكوس (20 يوليو 2002) بمواصفات خاصة , كاطار لمعالجة الازمة السودانية , التى هي الاطول من نوعها ...
يتميز السودان بموقع جغرافي فريد ( بين خطي طول 37-14 شرقا , وخطي عرض 22- 4 شمال خط الاستواء ) , مجاورا لتسع دول , هي : ( مصر , ليبيا , تشاد , الكنغو , افريقيا الوسطى , اوغندا , كينيا , اثيوبيا واريتريا ) هذا الموقع ( وفقا لكتابات علي مزروعي عن السودان ) يمثل هامشا افريقيا , وهو ما اكد عليه ( حلمي شعراوي ) في احد مقالاته بالاهرام , باعتباره للسودان دولة من دول الاطراف العربية , وهكذا فالسودان طرفي بالنسبة لافريقيا , وطرفي بالنسبة للعرب . اى دولة غير محورية (24) على المستوى الثقافي الافريقي والعربي , ويشير ( عبد الملك عودة ) في احدي دراساته عن السودان , ان الترابي يحاول ان يبني , نموزجا لدولة الاطراف الاسلامية , في دولة المرابطين بالمغرب , بمعنى بناء الاسلام في الاطراف بالقوة , وفقا لشرح ابن خلدون , ومع ذلك , اجتهدت النخبة العربية الاسلامو عربية في السودان , في بناء اسطورة نقائها السلالي العربي , ما انعكس على سياساتها تجاه مواطنيها , اذ تغاضت عن الاسئلة التي يطرحها الواقع الفعلي للسودان , ما آل به الى الازمة الوطنية الشاملة , بكل ملحقاتها , وما ترتب عليها من تمزقات . خاصة على مستوى دارفور الآن .
بلغت هذه الازمة ذروة تعقيداتها , بمجىء الانقاذ في 89 , اذ بدأ واضحا بمجيء الحملة الاسلامية للحكم , ان الحرب في الجنوب ستستمر , وبدرجة كبيرة من احادية الذهن والحماسة الدينية , وان مسالة الشريعة ستظل مطروحة , وكخطوة نحو هذا الاتجاه , قرر الجنرال عمر البشير وطغمته , تقنين وضع المليشيات القبلية , الى وضع وطني شرعي , عبر حلف ما سمى بقوات ( الدفاع الشعبي ) , تحت قيادة ضباط الجيش المحترفين , والمتشبعين بالمباديء الحزبية , والموثوق فيهم .
وقد ثبت النظام قوانين الشريعة ( والتي هى محل صراع ) في قوانين البلاد , منذ 1991.وتم تطهير الجيش وكل مؤسسات الدولة , ممن لا يؤمنون بمباديء الجبهة الاسلامية القومية , او من غير اعضاء " الجبهة " , كما اصبحوا يعرفون ببساطة . ولارضاء العالم اصدر البشير , عفوا شمل الحركة الشعبية , لكنه اكد على حملته الدينية , وقد عبر دكتور ( منصور خالد ) عن عبثية هذا الوضع , على النحو التالي : " ان المفارقة , ليست في حقيقة ان متمردا , يعطي نفسه الحق , في مسامحة متمرد اخر .وانما ايضا في ان المتمرد الصغير (البشير) يسامح نظيره الاكبر (قرنق) , لكن المتمرد الصغير من الناحية الاخرى , من الشمال , والافتراض واضح !..فالحكام الشماليون , ايا تكن طبيعة واصل شرعيتهم , لهم الحق في املاء مصير كل الامة . وتحدد الجملة الاخيرة بدقة , حول اى قضية يدور الصراع في السودان (25) ..
خاصة ان السودان كدولة , لم يتوفر له الاندماج السياسي , الا في فترة الحكم التركي . وحتى هذا الاندماج نفسه , عبغارة عن خليط من خصائص الوجود الاتحادي , في ظل السلطنتين ( الفونج والفور ) , حيث تعاونت نخب دينية وقبلية , حتى لو كان بدون رغبتها احيانا , مع الملوك الذين كانت شرعيتهم , ليست امرا اشكاليا بالنسبة لهم , بدون شجرة النسب والدين . اى القرب والقرابة لرسول الاسلام . وفرض الحكم الاستعماري ( التركي - المصري ) وحدة الاقاليم الواقعة تحت سيطرته السياسية , بالغزو . وحافظ عليها بجيش دائم . لقد تمت المحافظة على وحدة اقاليم المجتمع السوداني . بوسائل السيطرة الاستعمارية , وعومل اى تمرد بقسوة وحسم . وجمعت الضرائب بلا رحمة . وفي الواقع يمكن تلخيص دوافع التوسع الاستعماري , للسيطرة المصرية جنوبا , في مطلبين رئيسيين : الرجال لجيش العبيد , والثروات لخزائن الوالي التركي المصري ( محمد علي باشا ) .
كانت احدى النتائج السياسية للحكم التركي - المصري , هو وضع السودان , بما في ذلك الاجزاء الجنوبية من البلاد , تحت سيطرة مركزية واحدة , وكانت قصبتها مدينة الخرطوم النهرية . وكان لنقل مركز السلطة , الى الخرطوم , من دارفور وسنار , في الاطراف . نتائج كبيرة على التنمية السياسية في السودان . حيث كان ذلك يعني تقوية موقع السودان النهري الاوسط , على حساب الاطراف (26) ولعل اهمية الفترة المهدية ( 85 - 1898) , لمراحل تشكيل الدولة السودانية , لا تكمن في دعوة المهدي لتاسيس دولة اسلامية . وانما في قدرته كقائد كاريزمي , على استغلال ظروف السخط , الذي رسبه الحكم التركي - المصري . وتوحيد السودانيين الهامشيين , لدحر مركز السلطة السياسية في الخرطوم .
ومما له دلالاته هنا , هو حقيقة ان جمهورية السودان الحالية , باميالها المليون .هي من خلق الاستعمار . وان الوحدة والدمج , الذي استمر طوال الفترة الاستعمارية ( 1898 - 1956 ) , كانت بالفرض والاملاءات , حيث سار التحرك العسكري , لقمع نزاعات التمرد يدا بيد , مع الاتفاقيات الدولية , مع القوى الاستعمارية الاخرى , لضمان استبعاد او ضم مجموعات سكانية , في المنطقة المسماة قانونا بالسودان , وحتى داخل هذه المناطق المحددة , اخضع بعضها لقانون المناطق المقفولة لسنة 1922 لمنع التفاعل الحر بين المناطق السكانية , مثل الجنوب وجبال النوبة وبعض مناطق جنوب دارفور . ولمثل هذه القوانين نتائج كبيرة الضرر , على تطور اتجاهات الانتماء للوطن , على اساس شامل , لا تمييزي . وكانت هذه القوانين المقيدة , بالطبع جزء من استراتيجية " فرق تسد " (27) ..
يشتمل السودان على عدة اقاليم مناخية تتدرج من الصحراوي , الى الاستوائي . الى جانب حزام السافنا المتدرجة من الفقيرة الى الغنية . ووفقا للاحصاء السكاني الرابع لسنة 1993 يبلغ عدد سكان السودان 25 مليون نسمة , يمثل اقليم كردفان ودارفور وحدهما 8 مليون نسمة . وقد قسم السودان وفقا للمرسوم الدستوري الثاني عشر لسنة 1994 الى 26 ولاية ( دارفور وحدها ثلاثة ولايات ) , لكل ولاية حكومتها ومجلسها التشريعي , وجاء هذا التقسيم , متوافقا مع تراث التخبط الموروث .
اذ انه من الملاحظ ان روح اتفاقية اديس ابابا 1972, وتم تقويضها تدريجيا وبشكل منتظم , الى ان تم نسفها بالفعل , مع انها تهدت بان يتشكل , من المديريات الجنوبية الثلاث , اقليما واحدا. محكوما ذاتيا . عاصمته جوبا . الا ان رئيس السودان , ولاسباب نفعية , اصدر قرارا , في اول يونيو 1983, اعلن عن قوانين الشريعة سيئة السمعة , بواسطة مرسوم رئاسي , مما عزز من الاختلافات بين الشمال والجنوب , وهكذا انفجرت مرة اخرى الحرب الاهلية .
ومنذ ذلك الوقت اصبح نسف التفاؤل , وتعزيز العدوان , والاحتمالات البارزة للتفكك الوطني في السودان . اكثر وضوحا من اي وقت مضى (28) وفي حالة دارفور , يلاحظ بدء ان السمة الغالبة , لهذا التقسيم , هي التفاوت الشديد , في حظوظ التنمية , بين هذه الولايات الثلاث , وبقية ولايات السودان .
اذ ان دارفور باكملها ليس بها مشروع تنموي واحد يمكن النظر اليه بعين الاعتبار ! على الرغم من كونها , غنية بطبيعتها السياحية , وتنوعها المحصولي والحيواني والمعدني : البترول واليورانيوم , والعناصر النادرة الاخرى ...) .
لقد استطاع هذا الاقليم , الذي تقطنه العشرات من القبائل العربية , وغير العربية , ان يتعايش سلميا . طوال القرون الماضية , ولكن منذ مطلع السبعينيات , تهدده حالة من عدم الاستقرار , المقترنة بانتهاكات جسيمة , لحقوق الانسان ( الحرب في بحر الغزال المجاورة لدارفور ) والصراعات المسلحة في البلدان المجاورة : ( تشاد , ليبيا , افريقيا الوسطى ) والتوظيف الايديولوجي للدين . من قبل النظام الاسلاموي , الحاكم في الخرطوم . اذ وظف تناقضات الاقليم , مستغلا للخلافات الطبيعية , الناتجة عن التعدد الثقافي , والتباين الاثني . الى جانب التراكم التاريخي , لاخطاء الدولة السودانية منذ 1956 , وكل ذلك ادى الى ما نشهده الان من دمار كامل للانسان , والجغرافيا .
وكما يقول دكتور عبد الله على ابراهيم : اردنا ام لم نرد , فقد ورط الحكم الحالي في السودان " الجلابة " , بان جعلهم يقفون على منتهى فكرتهم وهويتهم . وادعاء البعض انهم الفرقة الناجية , من هذه الورطة . هذا اسهل الطرق للفرار , من تبعية ان نرى انفسنا , في مرآة محنتنا الوجودية , التراثية في السودان (29) , وفيما قال الدكتور ( عبد الله علي ابراهيم ) , اشارة للالام المعنوية , الناتجة عن تاريخ " الجلابة " في السودان - ( منذ اطلق عليهم هذا الاسم لجلبهم الرقيق على عهد الاتراك والانجليز , الى عهد صفوتهم الحاكمة , التى ظلت على تعاقبها منذ 1956 تجلب الخراب والدمار للسودان ) - منذ عهد الاتراك , مرورا بمذكرة زعماء الطائفية المتواطئة مع الرق والاسترقاق , في العهد الاستعماري.
ويبدو ان مسألة ارسال الرقيق. قد صارت كالمسابقة بين حكمداريى السودان , واشترك فيها الزبير باشا في بحر الغزال , واسماعيل ايوب في دارفور , وغردون في المديرية الاستوائية ( 30 ) .. ومع ذلك نجد ان الحكومات المتعاقبة , منذ 1956 , لم تفعل شيئا سوى تكريس سلطة الجلابة العصريين !.. اذ جعلت من الحكم , اداة لتكريس سلطة الاقليم الشمالي , او الصفوة العربية الاسلامية (31 ) على حساب الاقاليم الاخرى , خاصة دارفور التى شاركت الشمال في بسط نفوذه على الاقاليم الاخرى . مما انتج اختلالا في توزيع السلطة والثروة . فقد ظلت نسبة التمثيل , لابناء دارفور , في الوزارة الاتحادية ثابتة . رغم التحولات , التى طرأت على الساحة الفكرية , واتساع المعرفة . لابناء الاقليم . فقد ظل التمثيل جهويا , في توزيع المناصب الدستورية , في كل الحكومات , فبينما يتمتع الاقليم الشمالي بثمانية وخمسين منصبا ( 79,5% ) نجد ان دارفور لم تحصل على شىء , في عهد النخبة الاسلاموعربية الحاكمة منذ 1989 , وهذا يعطي فكرة واضحة , عن نصيب دارفور من المناصب الدستورية في الحكومات المتعاقبة (32 ) ومنذ مجىء حكم الجبهة الاسلامية في 30 يونيو 1989 , والذي كان متوقعا قبل مذكرة الجيش ( 33 ) في 20 فبراير 1989 , والتي اعلنت عن خطل سياسات الحكومة , وحددت مهددات الامن القومي في (1) التدهور الاقتصادي (2) الفساد والرشوة والمحسوبية (3) المليشيات الحزبية ( خاصة المليشيات الطائفية لحزب الامة الطائفي ) (4) افرازات الحرب الاهلية في الجنوب (5) الاختلال الامني في دارفور (33) هذا الوضع مهد لانقلاب الجبهة بمشروعها الاسلاموي , الايديولوجي , ببلوغ الازمة ذروتها , وتمظهرها في عدد من الحركات المسلحة , المطلبية . التي تمخض صرؤاعها مع نظام الجبهة , عن الاف القتلى واللاجئين والجرحى والمعاقين .
وبينما تتدهور الاوضاع في دارفور , بشكل مستمر اثر اصرار الدولة على ممارسة كافة اشكال الجرائم ضد الانسانية . تمخض بروتكول ميشاكوس بعد مراوحاته العديدة , بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان , والوسطاء في نيفاشا , عن قرب موعد الاتفاق النهائي للسلام مع جنوب السودان . الذي تم الاعلان عنه في نيروبي من قبل . وليس خافيا ان الوضع في السودان , معقد وشائك . ومحفوف بالمخاطر والمآلات التي تنذر , بتكون مزيد من المليشيات المسلحة ( التململ في شرق وشمال السودان النوبي ) , وباجندة مطلبية وخدمية , تستبطن بعدا اثنيا , بالتالي انفصالات محتملة عن الجغرافيا السودانية المعروفة .
اذ ببروز متغيرات جديدة نتيجة تنامي الوعي الشعبي , كتطور حتمي لتفاعل القمع المركزى مع العنف اللامركزي , خلال الاربعة عشرة عاما الماضية , تتمثل هذه المتغيرات في رفع سقف المطالب , ومع الفشل المستمر للحكومة الراهنة (34) في خلق بنية عقلية مؤيدة لايديولوجيتها في كامل اقليم دارفور , الامر الذي جعل الحكومة تستشعر ان الخطر القادم , يأتي من القبائل غير العربية في دارفور , ومن هنا كان تركيزها على استقطاب القبائل العربية في دارفور , لمجابهة هذا الخطر الذي بدأت تستشعره منذ 1989 .. اذ كان شهر مايو 89 شهر الانفراط الامني , في اطراف السودان النائية , وبالذات في المحافظة الغربية ( دارفور ) , وقد تضافرت بضعة عوامل لتكريس الانفراط الامني في دارفور وكردفان . في قلب هذه العوامل كانت الصدامات القبلية المسلحة , وحركة المليشيات المسلحة , التي نشطت عبر الحدود السودانية / التشادية , اثر الانقلاب الدموي , على حسين هبري 1/4/1989 , اذ تناهت انباء هذه الصدامات للخرطوم . ساعة وقوعها . الا ان الخرطوم كانت مشغولة بقرنق .مما جعل الاهتمام بهذه الصدامات , يبدو كسولا متراخيا . قبل ان يستفحل وينتشر . وتلكأت الحكومة في احتواء الموقف , فقد انتظرت لغاية 20/5/1989 , عند عقد مجلس الدفاع الوطني , جلسة . لبحث الصراع الدموي في دارفور . وبعد عودة الوفد الذي تم ارساله , الى هناك . ذكر بيان الامانة العامة , لمجلس الوزراء , ان ضحايا الاشتباكات بلغوا 453 قتيلا و123 جريحا , وبلغت خسائر قوات الامن 11 جريحا , من رجال الشرطة , واتهم البيان الحكومة التشادية .
وفي برقية اخبارية بثتها وكالة الانباء الفرنسية من الخرطوم ," قام رئيس الوزراء الصادق المهدي , فيى جلسة مجلس الوزراء , التي انعقدت اليوم الاحد 22/5/1989 , بسحب بند من اجندة الاجتماع , تعلقت ببرنامج لدمج مليشيات السودان جميعها في قوة عسكرية موحدة , وكان السيد الصادق المهدي , قد وافق في مارس الماضي , على هذا البند . وتم الاتفاق مع الفعاليات السياسية , انذاك , على ضرورة تنفيذ هذه المسألة , في اطار حكومة الوحدة الوطنية الجديدة .
تجدر هنا الاشارة الى ان السيد الصادق المهدي , ساند وجود هذه المليشيات , ويقول انها توفر للقبائل حماية نفسها . ولذلك فانه استمر على سياسة تسليحها . وكانت مذكرة الجيش , قد طالبت بحل هذه المليشيات القبلية , وقالت انها تشكل خطرا على البلاد .
وفي خطاب اذاعه راديو انجمينا , قال الرئيس التشادي , ان السودان وليبيا يتآمران عليه . وعلى نظامه . ويعملان على تقويضه . واعلنت الخرطوم في بيان , ان بيان حسين هبري , بمثابة اعلان حرب .
وفي 11/6/1989 تقاسمت الاهتمام باخبار هذه الجبهة العسكرية , ثلاثة وسائط اعلامية .. حيث اشارت صحيفة الايام الى فرق استطلاع تشادية في دارفور , اما صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني فقد نقلت عن شهود عيان , ان قوات حسين جاموس تتجمع في شمال دارفور . وان قوات غير معروفة , شوهدت في المنطقة . واوردت وكالة الانباء الفرنسية , ان تشاد بدات فعلا في حشد قواتها , على الحدود السودانية (35) .. وتعكس هذه الوقائع ما بلغته الاوضاع في تلك الفترة , ومدى استهانة الخرطوم بارواح الناس , وتعكس ايضا مدى التقاطعات الامنية بين السودان والجوار , على خلفية التعدد الاثنى والقبائل المشتركة .
ومع ذلك لقد اختزل التعدد الاثني السوداني , من منظور الثقافة الاسلامو عربية السائدة , التى امسكت بالسلكة السياسية والاقتصادية في البلاد , ثقافة المثلث المتطور , الذي افترض تمثيل ما هو "سوداني " الى مجموعات " هوية " رئيسية , مثل المجموعة المهيمنة , تحت عنوان اولاد البلد , واولاد العرب , والسودانيون الشماليون عموما , بمن فيهم النوبة الشماليون والغرابة ( او الفلاتة او التكارنة ) وتشمل كل المجموعات المنحدرة من غرب السودان , الذي تبدا حدوده مما وراء النيل الابيض .. وهذا بالطبع تبسيط فظيع , ان لم يكن اهانة من منظور المجموعات التى جمعت معا .لكنه يخدم اغراض المجموعات الشمالية . لان هذا الاختزال ولو كان يقوم على ابطال نقيضه , قد خدم اغراض التراتب , بمعنى الجدارة النسبية , لمثل هذه الهويات الثنائية .
وغني عن القول ان فئة اولاد البلد , تاتي على قمة مثل هذا التراتب . وتاتي فئة الجنوبيين في القاع , والفئات المتبقية , اى " الغرابة " و" الهدندوة " والنةبة " , هي فئات وسطى تدفع اجيانا الى الشرائح الدنيا .من التراتب الاثني . باستخدام معيار العروبة , واحيانا اخرى تجاه الشرائح الدنيا , باستخدام معيار الاسلام . وتختزل هذه الهويات مرة اخرى , الى هويتين رئيسيتين من ناحية القيمة : هما العرب " مجسدة في اولاد البلد " , وهوية غير العرب , التي تدفع احيانا , الى حدها الاقصى " الزرق " : السود , العبيد , ولهذه التحيزات نتائج سياسية واقتصادية كبيرة , اذ تقنعتها نخبة السلطة ايضا . ذلك انها تحدد في العديد من الحالات , ما الجيد للمرء وما يفترض ان يجيده , وهكذا فهي تعكس بمعنى ما , النصيب الذي تناله هذه الهويات المنقسمة , من ناحية النفوذ والرفاه الاقتصادي , وقولنا هذا يفسر التطورات التاريخية , التي حققت الموقع المسيطر , الذي يتمتع به مثلث الجزيرة المتطور . ومع ذلك على المرء من الناحية المعاصرة , الا يغفل الدور الذي لعبته , هذه التحيزات . في ترسيخ وتعزيز هذا الموقع المسيطر , وللتهميش المستمر للاطراف , ايضا علاقته بهذا الامر , وقد انعكس كل ذلك في تنمية ما بعد الاستعمار . (36) .. واذا كانت تجليات الوضع على مستوى الجنوب , قد افرزت حربا اهلية هي الاطول من نوعها , فان الوضع في دارفور يكشف الان عن وضع مماثل , حيث تعيش دارفور الان كارثة انسانية , مأساوية . وفي حال لم تشمل التسوية السياسية الراهنة , دارفور . قد تصبح دارفور في وضع مماثل للجنوب في نهاية المطاف . خاصة ان دارفور كمشكلة , هي الاكثر تعقيدا , وتشعبا من بين كل مشكلات اطراف السودان .
والمراقب للتصريحات الرسمية للحكومة السودانية , بشأن الوضع الانساني في دارفور , يكاد يجزم انها مثل ( آل بوربون ) لم تنس شيئا ولم تتعلم شيئا !! وهو الحال الذي عليه الشمال تاريخيا , بحيث ينطبق على كل حكوماته المتعاقبة وصف " نهاية السياسة " . وهي حالة نشأت من ضمور ساحة الممارسة السياسية , وتدهورها الى وضع شبيه بعراك العقارب , التى اغلقت عليها زجاجة , وصراع هذه الحشرة الملغومة بالسم قريب من وصف هنتنجتون , لنهاية السياسة في العالم الثالث , حيث تجب في هذا الوضع القوى الاجتماعية , احداها الاخرى .كما ولدتها امهاتها : عارية من تهذيب الابنية السياسية , التى قال عنها غرامشي بانها تهذيب الاطماع .
ففي وصف هنتنجتون ان هذه القوى عارية . عابرة . بلا قادة ممن عركتهم السياسة , وانعقدت لهم شرعية التوسط , لتلطيف النزاعات . ونزاع نهاية السياسة يكاد لا ينتهي , لانه ليس بين القوى المتصارعة , اتفاقات ومواثيق تهدي سبل الشرعية والسلطانية لفض النزاع ..
اما الاحزاب التى جرى وصفها بالعقائدية , فقد بلغت نهاية السياسة بذكائها الخاص (37) وكما نرى ان الحالة السودانية , بتعقيدات السياسي فيها وتداخلاته ,وتشابكه .مع الاجتماعى . والاقتصادي والثقافي , يجعل دراسة ظاهرة الصراع في السودان , مفتوحة على كل المستويات , مما يطرح ضرورة توافر شروط داخلية , في البيئة السياسية , تحث على السلام . ومع ذلك بلوغ السلام هو اسهل من الحفاظ عليه , في ظل هذه التشابكات والتعقيدات ,التي تضرب بجذورها في تاريخ تكون الدولة السودانية . ان الضغط لوحده لن يحقق السلام , رغم انه قد يدفع الاطراف المتحاربة , الى مائدة الاجتماع , فالمجتمع الدولي له دور حيوي ومركزي , يلعبه في الحفاظ على السلام عندما يتحقق .
ذلك ان قضية السلام برمتها لا يمكن فصلها عن واقع التحلل . وضرورة اعادة البناء الكامل لكل البلاد , اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا , وسيكون الاساس الا قتصادي القادر على توصيل السلع العامة , مساندا وحاثا على وجود بيئة من الاستقرار الاجتماعي والسياسي ,
وعلى العكس مهما يكن نبل المثاليات , التى تخلق خلال عملية السلام , فان الاقتصاد الضعيف سيقوضها .ومما تقدم يتضح مثالان للمسئولية الدولية : اعادة البناء والتنمية , وقبل كل ذلك معالجة الاوضاع الانسانية (38) وبالرغم من وجهة النظر المتشائمة , التي يعبر عنها الكثيرون , ويهاجمها القليلون , وبغض النظر عن الواقع الماثل , للوضع الراهن ( اى التعصب الديني والاثني المثير للشقاق , والحرب المتفاقمة وانهيار القانون والنظام , وافلاس الدولة اقتصاديا , والاضطراب الاجتماعي , وتحلل مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية ...) بالرغم من كل ذلك يبدو ان هناك اجماعا عاما , وسط السودانيين , على ان السودان يجب ان يبقى بلدا موحدا , ولو في شكل فيدرالي او كونفدرالي , وينعكس هذا في حقيقة ان كل النزاع قد عبر عنه , في شكل رفض للهيمنة بواسطة نخب الوسط (39) وعلى الرغم من الحالة التراجيدية للشئون , التي تميز المشهد السوداني , في العقد الاخير , وحالة التحلل المتقدمة , التي تغلغلت في كل مناحي الحياة - الاجتماعية والسياسية والاقتصادية - فهناك لمحة من الامل يمكن تمييزها : انها بذرة المانجو . تنبت في تحللها . وهي تشير بوضوح الى انهاء التحلل الراهن ومثل هذا التفكك , سيقود في النهاية , الى عمل سريع . سيحدث دمارا الى ما هو ابعد من المليون ميل مربع . وقد تقدم المقاربة التي تؤسس نفسها في " بلد واحد " لكل ولايات عديدة , التي تقودها ممارسة ديموقراطية قادرة على استيعاب الواقع المتعدد للمجتمع السوداني , البديل الوحيد المجدي لحالة التحلل الراهنة , والحماية ضد احتمال عدم الاستقرار المدمر مستقبلا (40) .. والنقطة المهمة التي نطرحها , هي انه لو كان للسودان ان يقسم , فليس ثمة ضمانات , الا ينتهي هذا الى لا شيء , سوى العديد من اشباه الدول !!..

علاقة المركز بالاطراف..

اجد انه من المناسب استهلال هذا المحور , الهادف لالقاء الضؤ على علاقة ( المركز ) باقليم (دارفور ) , الاشارة الى وصف السيد بونا ملوال , الزعيم الجنوبي المعارض , الجبهة الاسلامية بانها قد حملت الاجندة الاسلامية والعربية والجلابية ( المجربة الفاشلة ) للحكم , الى نهايتها الدموية . والتدخل الاميركي والاوروبي الان , في ازمة دارفور ( بعد صمت طويل ) قد يوحي بان نبؤة بونا ملوال , ممكنة التحقق , في ظروف التدويل الراهنة لقضية دارفور , , ومن الممكن الزعم ( الان فقط : بعد التدخل الاميركي الاوروبي ) ان مجريات الصراع في دارفور , ستاخذ منحى جديدا , فاعتراف اميركا ( الصريح اخيرا ) بحقيقة اوضاع دارفور ( التطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية ) , يعجل بمعالجة الاوضاع . على الرغم من ان اميركا وقفت تتفرج بصمت , لوقت طويل . تخوفا من تاثيرات الصراع في دارفور , على مجريات خطتها للسلام في جنوب السودان . التي كانت قد استهلتها ببروتكول ميشاكوس 2002 (41)الذى ترتب عليه بعد التوقيع على اتفقاق الترتيبات الامنية , نقل الحكومة عمليات جيشها من جنوب السودان الى دارفور !! وبتحالف مع مليشيات الجنجويد العربية , اشتعل الحريق وفر اكثر من مليوني مواطن , في الصحراء السودانية , او عبر الحدود الى تشاد المجاورة (42) مما يؤكد اصرار الجبهة الاسلامية القومية ( المؤتمر الوطني الحاكم ) اعادة انتاج تجربة الصفوة الاسلامية العربية , مع جنوب السودان . وتطبيقها على دارفور ...
ان حكم البشير يتيح ل " الجلابة " اكثر من غيرهم ان يروا انفسهم في المرايا المشروخة ذاتها . يظن بعض الجلابة بصدق مع الذات غير منكور , انهم براء من حكم البشير , ولكن هذا الحكم في نهاية المطاف في كلمة مقتبسة ( بتصرف ) من ادوارد سعيد هو اكفأ الاجهزة الجلابية , في تعبئة المشاعر الدينيةوالعرقية بين الجلابة , فالحكم مصنوع من قماشة الوعي الجمعي الجلابي , الذي يشتهي تحويل هامشيته في الثغر بين العالم العربي وافريقيا الى مركز ذي صلف وغرور (43) اذا كانت علاقة المركز بالاطراف , هي علاقة تنهض في الاستغلال التاريخي والمادي , الى جانب عملية الاسترقاق القومي , واهدار المواطنة والبناء القهري , والبنية القمعية للدولة , وعملية التهميش الاجتماعي والسياسي والاقتصادي , واحتكار السلطة , والهيمنة الثقافية . كل ذلك فقط في سبيل ( تحويل هامشيته الى مركز ذي صلف وغرور !!) .. بتعبير دكتور عبد الله على ابراهيم .. ومن هنا لم تكن علاقته بدارفور , احسن حالا من علاقته بالاطراف الاخرى , اذ تم استغلال دارفور لانجاز مشاريعه لا فيها وحدها فحسب , بل بل وبمساعدة منها لانجاز هذه المشاريع على الاطراف الاخرى .
امنت نخبة السلطة الاسلاموعربية , بنموزج " بوتقة " للاندماج الوطني " في دور التكوين " في السنوات عقب الاستقلال , واعتقدت هذه النخبة , منطلقة من احصاءات تزعم ان 70% من سكان البلاد مسلمين و39%منهم عرب , بل وتمنت ان تدخل الاقليات في النهاية , رغم حجمها الكبير نسبيا " بوتقة " العروبة والاسلام , لتذوب في صورة النخبة . وقد افترض ان الاحزاب التقليدية ستكون روافع هذا التحول السياسي ..
لكن وكما راينا فقد اقصت الاسس الاسلامية والجهوية الضيقة للاحزاب , مشاركة العناصر غير المسلمة من الجنوب وجبال النوبة , وتبدد وهم المجتمعات ( الاثنيثة - الاقليمية )حتى في الشمال الذي افترض انه مسلم , وفقا للوعي الطائفي الضيق لهذه الاحزاب, وبداو يطورون تشكيلاتهم الخاصة بهم , وقد تكونت عقب ايعاز من مؤتمر البجا ( الذي كونه البجا - وهم في الغالب من اتباع الطائفة الختمية ) في 12 اكتوبر 1958 , جبهة نهضة دارفور , واتحاد عام جبال النوبة عقب اكتوبر 1964 في مناطق غرب السودان ( دارفور - كردفان ) التي كان اتباعها في غالبيتهم , من اتباع الانصار المهدويين . ان هنوض ( الجهوية - الاثنية ) في الشرق والغرب وقبلها في الجنوب , هو اشارة كافية لقراءة ما يمكن ان تؤول اليه الامور . لو كانت هناك ادارة سياسية كفؤة وسط ( النخبة الاسلامو عربية ) المسيطرة , لوعت بحقيقة ان هذا التنوع السوداني يحمل اكثر من مجرد العروبة والاسلام (44)
ومن خلال ملاحظات عامة , يمكننا التأشير على ثلاث علاقات اساسية , حكمت علاقة المركز بالاطراف . العلاقة الاولى : تتعلق بالقيم والمعاني , وهو ما يمكن تسميته بالثقافة الاسلاموعربية , وهو ما يحيلنا اليه مفهوم " البوتقة" الذي اورده دكتور شريف حرير , والتي تفترض الوجود المسبق , لقيمة معيارية يجب ان تتحرك تجاهها كل الثقافات الاخرى .
ونموزج " البوتقة " لا يستبعد ظهور ثقافة سودانية , واحدة من هذا التفاعل , لكن نموزج الثقافة الاسلاموعربية , يفترض الاستيعاب في ثقافة اسلامية مؤلفة بعناية , والتي هي القيمة المطلقة والثقافة الصحيحة , التي يجب اذا كان ذلك ضروريا , حمايتها . ودفعها بتعبئة جموع المؤمنين للجهاد .
ويبدو ان هذا هو ما حدث , عندما تمت تعبئة القوات النظامية , وقوات الدفاع الشعبي , باستخدام الرمزية الاسلامية , لخوض الحرب في الجنوب . فما كانت تدافع عنه هذه القوات , ليس هو السودان , او كيان سياسي ذا سيادة , وانما العقيدة الاسلامية . كما ترى من منظور الجبهة الاسلامية القومية .
ان المواطنة لا تتطابق مع الحدود السياسية , وانما مع الحدود الثقافية , فالوطن مفهوم معنوي فضفاض ..
لا جدال ان فكرة الثقافة / النواة وقريبتها الاجتماعية : الاثنية / النواة , قد احتلت مواقع مركزية , في الجسم النظري , لنظرية بناء الامة , او التضامن القائم على الاثنية , كمكون ضروري لبناء الدولة القومية .. لكن وجود نواة / اثنية جعل مؤخرا انعكاسا للتجارب الاوروبية في بناء الامة , شرطا لادراك بناء الامة . وقد قام هذا على افتراض ان الدول القومية , تعكس الامتداد بين الاقليم الجغرافي والجماعة الاثنية المنسجمة , وبالتالي حدث التمييز بين صنع الدولة , والذي يعول علي تحويل الاقليم الى دولة , وبين بناء الامة , الذي قد يدل على المفهوم الغربي لخلق المجتمع القومي المشارك .
وبالطبع تستطيع امم قليلة جدا في عالم اليوم , بما في ذلك امم الغرب ان تتطابق مع معيار الاقليم والجماعة الاثنية المنسجمة , وهنا تتكشف احدى نقاط الضعف الاساسية , في نظرية بناء الامة , ويبدو ان مقاربة الثقافة / النواة , لا تفلت نفسها بهذه الجوانب , فهي تمضي الى خطوة ابعد , وتفرض " تاريخا مشتركا " , منتقى ومن صنعها . على الجماعات التي تكون الدولة , وتبدا بناء الامة على صورتها , ولا يزعجها الواقع على الارض , وتفلت نوعا من حقيقة ان عددا من الثقافات موجودا في نفس الاقليم الجغرافي وليس من بينها واحدة اقل مشروعية من الاخرى . وهذا هو بالضبط الحال في السودان اليوم , ولهذا السبب بالذات يتم اللجؤ الى القمع المركزي لتخمد تعدد الثقافات , وتعدد المجموعات الاثنية لمصلحة ثقافات مشتركة , خلقت باصطناع وانتقائية . واستجابة المجموعات الاثنية المقموعة , هي العنف اللا مركزي . ضد بعضها البعض . وضد الدولة , والحروب الاثنية الاخيرة بين الفور والعرب , ليست سوى انعكاسات لعملية العنف اللامركزي هذه ...
لقد ان الاوان للتفاهم مع حقائق التنوع والتعدد الاثني السوداني , خاصة وان الدلائل تكشف انبعاثا قوميا للسياسات الاثنية , ورغم حقيقة ان الهجرة الريفية , الحضرية ( والهجرة الريفية - الريفية . وتوسع البنية التحتية للتعليم , والنزوح الجماعي للسكان , الناتج عن الجفاف والحروب ) .. قد خلقت هذه الهجرات الفرص للتفاعلات الواسعة , عبر الحدود الثقافية و الاثنية ولكن التمايزات الثقافية , بارزة الهوية الاثنية أ و القبلية , كأساس للتحركات السياسية المشتركة . ظلت قوية . وتعارض الانكار المستمر , من النخبة لفعالية هذه الهويات , رغم بروزها ايضا , مع تلاعب النخبة بنفس الهويات لمصلحتها ..
ان الخطوة الاولى نحو التوصل الى تصالح مع حقائق التنوع السوداني , بالنسبة للنخبة , هو الاعتراف بانه على الرغم من اى دلالات ازدرائية , قد تكون اكتسبتها الهوية القبلية والاثنية , فهي تشكل قاعدة للفعل السياسي .. لذلك لا يجب اقصاؤها بقسوة . ويجب احترام تعبيرها في الحياة السياسية . وهذا يعني ايضا عدم تجريم الهوية الاثنية قانونا , طالما كانت تسعى وراء اهداف سياسية سلمية . ان المقاربات الاحصائية للمجموعات الاثنية والثقافية بلغة الاقليات , والاكثريات . غير صالحة من زاوية تصور ما هي الهوية الاثنية فحسب , وانما تفتح ايضا احتمال هيمنة مجموعات اثنية متفوقة عدديا , على المجموعات الادنى عددا , وهذا يقود الة استعمار داخلي , كما تراه المحموعات المهيمن عليها , وبالتالي الى نزاعات مسلحة او عدم استقرار .
ولو تساوت هويات المجموعات من ناحية صلاحية كل واحدة منها كهوية لمجموعة معينة , فانه يمكن السعي لتعاون حاملي هذه الهويات المختلفة , لمصلحة المجتمع المشترك . وهذا سيتضمن بعض الترتيبات الاتحادية , حيث سيصبح التعاون السياسي , بين الاقسام الاجتماعية والثقافية للحكم , هو المعيار لافتراض الصراع بينها , الذي يسم المقاربات الراهنة , ويجب التعامل مع الانقسامات الاخرى في المجتمع , مثل الدين بنفس الطريقة . ذلك انه يجب الا يكون للاعداد النسبية لاتباع مختلف الاديان , اى دلالات سياسية من ناحية الوصول , الى هياكل النفوذ السياسي في الدولة . وهذا سيتيح الفرصة لتطوز انواع اخرى من مجموعات المصالح , التي يعبر تكوينها عن هذه الانقسامات الانشقاقية . الاساسية . لظهور تجمعات سياسية تقوم على قضايا وطنية اوسع , ولسؤ الحظ فقد صاحبت الانقسامات الانشقاقية , مثل الدين والاقليم والعرق , والهوية الاثنية , في التجربة السودانية , تكوين الاحزاب السياسية , وقد عززت هذه المصاحبة , ورسخت المصالح الطائفية , التي قادت الى اخضاع المصالح الوطنية للمصالح الفئوية منذ الاستقلال . حتى الان . بدلا عن ان يقود الى تطوير سياسة حزبية , ذات قاعدة وطنية (45) والعلاقة الثانية التي نريد الاشارة اليها تتعلق بالدولة / السلطة , ممثلة في نخبة الوسط , وسيطرة المجموعات النيلية ( الثقافة السائدة = المركز ) وهنا لابد من التعرض للمليشيات القبلية , التي بدات تبرز منذ اندلاع الحرب الاهلية الثانية في 1983 , والتي ادت الى انقسام الراي العام , بين مؤيد للحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبى . ومؤيد لحكومة السودان .
ان البعد الحقيقي لهذه المليشيات غير معروف , ولكن من المعلوم للعامة , ان هناك مليشيات نشطت وسط القبائل ( البقارة , المسيرية والرزيقات ) في جنوب دارفور , والفور ايضا في جنوب دارفور . يضاف اليهم لاحقا المليشيات التي تعبر عن تحالف القبائل العربية " الجنجويد" ..
تعود المصادقة الحقيقية من قبل الحكومة , على بعض المليشيات الى مذبحة القردود في عام 1985, وذلك عندما هاجمت مجموعة من الدينكا المسلحين قرى البقارة , في جنوب كردفان . لسرقتهم ابقار الدينكا . وتغاضت حينها الحكومة عن الحملات الانتقامية , التي قام بها البقارة .
والحدث الثاني الذي له اهمية وطنية كبيرة , هو مذبحة الضعين في 1987 , التي وصفها بلدو وعشاري في مؤلفيهما ( مذبحة الضعين والرق في السودان ) (46) لقد نفذت مذبحة الضعين المليشيات المسلحة , لقبيلة البقارة " الرزيقات " , التي قتلت واحرقت حتى الموت , المئات من افراد قبيلة الدينكا , واخذت البعض الاخر اسرى ..
كما وقع حدث مماثل من القتل الجماعي في عام 1989 , عندما قتلت مليشيات قبيلة رفاعة 214 شخصا من الشلك , وتسببت في نزوح اكثر من الفي شخص , في مدينة الجبلين على النيل الابيض . وعلى نمط مذبحتى القردود والضعين التى قتل فيها 90 من الشلك الهاربين .
وعندما واجهت القوات المسلحة رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي , بوجود مليشيات قبلية , فانه اخبر القوات المسلحة ان هذه القوات شبه عسكرية , وموجودة للدفاع عن الديموقراطية فحسب .وبمجيء الانقاذ تم تقنين وجود هذه المليشيات , بواسطة قانون الدفاع الشعبي , ولتوضيح علاقة هذه المليشيات بالدولة / السلطة السودانية , سيتم بحث ثلاث افكار متداخلة : اولا : المفاهيم التنافسية للحرب الحالية , ومدلولاتها السياسية , على الاصعدة المحلية والوطنية . وثانيا : صعود المليشيات القبلية باعتبارها , امتداد لزراع الدولة القمعي , وبالتالي اضعاف احتكار الدولة لاستخدام العنف . والقهر . وثالثا : اثر كل ذلك على عملية الاندماج الوطني في السودان .
وقد بين النقاش ان المليشيات القبلية تنفي صفتين رئيسيتين للدولة , الاولى هي : ان هذه المليشيات تجعل من اى فكرة عن كون الدولة , من عوامل التكامل في ظل المصالح الاثنية , المختلفة والمتصارعة , غير ذي جدوى , لانها بولائها لاثنية ما تدرك امنها السياسي والمادي , بشكل مستقل عن الدولة . والصفة الثانية هيى : ان لجؤ المدنيين الى العنف , لحماية حياتهم وممتلكاتهم , يكشف عن انعدام الثقة في مؤسسات الدولة (47) ان اشتراك الصفوة السياسية السودانية عبر الدولة , في التطهير العرقي الحالي مثير للاشمئزاز .
بكل المقاييس فقد تم تحوير الاهداف السياسية للدولة , وتمت تقوية المصالح الاثنية , من اجل المحافظة على قيادة في السلطة فشلت في كفالة المكاسب السياسية من خلال المؤسسات الحديثة , والعلاقة الثالثة التي تجدر الاشارة اليها , تتعلق بالجانب الاجتماعي , بمعنى العلاقات ( علاقات الصراع ) بين المركز والهامش (48) .. وهنا يلاحظ انه بترحكيز الانظمة المتعاقبة على السودان , على احتكارها للسلطة والثروة , وعدم اعتبارها لحقوق المواطنة المتعلقة بواجبات الدولة تجاه مواطنيها , قادت البلاد الى هاوية صراع اثني اسفر عن وجهه باعلان الدولة للجهاد ضد الجنوب منذ 1989 , تطور في حالف الدولة مع القبائل العربية " مليشيات الجنجويد " في دارفور , لازاحة السكان الاصليين عن اراضيهم . تحيى ما اندثر من حكايات النهب والسلب وذكريات الغزو والتشريد الاليمة , والمرتبطة بالرق والاسترقاق . بعد ان عوفي جسد المجتمعات السودانية , من علاقات مؤسسة الرق والاسترقاق , في شكله الاجتماعي والاقتصادي , وهكذا تعزز مخلفاتها النفسية والثقافية والسلوكية , التى تثقل كاهله , ولا عزاء في انها من مخلفات الماضي . ان مخلفات الماضي اشد وطأة من العرقية في ضغوط الحاضر (49) ..
لم تستطع الصفوة السياسية في السودان , اذن ادارة الازمات الممتدة للتعددية الدينية والعرقية واللغوية والثقافية المعقدة . حيث استطاعت الابنية الطائفية والعرقية والدينية التقليدية , ان تفرض موازين قوتها ورؤاها وسياساتها على الهياكل السياسية (50) الى جانب ان السودان خضع الى نمط من الثنائية في الحكم , بين مدني وعسكري . ما عبر عن سمات بنائية للسياسة السودانية .
ان وضع حقائق الانقسامات السودانية , الفئوية في الذهن يحمل ضمنا نقاشا دستوريا مختلفا جذريا , سيعيد بالتالي صيغة مختلفة للدولة , مكان الشكل الموحد , الذي بشكل ما سيطرت وجهة النظر الاسلامو عربية على السياسة السودانية . . وسيتطور النقاش الدستوري في الاتجاه الذي حاول وود وورد الاشارة اليه لعل ضعف كل اشكال الحكم , سيعزز حتى الان تقدير ضرورة البحث عن اجماع على هيكل دستوري اكثر فعالية من الان , , في بلد واحد او اثنين ( هذا بمراعاة القصور في اتفاق نيفاشا بالطبع ) , وسيحول السعي الى الاجماع كمنهج سياسي , للتوصل الى دستور فعال في واقع التعدد السوداني , من كونه استحقاقا , وكما يفترض الان , ما يستدعى بالضرورة اصلاح النظام السياسي , بالسيطرة والقوة الى tقد تقدم اسهاما كبيرا في خلق ديموقراطية مستقرة , وسيكون لهذا ايضا نتائجه , على الصيغة التى تاخذها الدولة .وحيث ان معظم الانقسامات الفلقية في السودان تتوافق مع الانقسامات الاقليمية , فقد يتم استخدام الصيغة الفيدرالية , لكن الفدرالية كمجرد اسم لن توفر علاجا , كما كشف الشكل الراهن من الفدرالية التي تطبقها الجبهة الاسلامية , اذ يجب ان تحد دستوريا , وتستخدم كجزء من مقاربة اتحادية , فالاسلام كما قدمته الجبهة الاسلامية في السودان , هو قوة تقسيمية شديدة , ليس لانه يدعي موقفا مهيمنا , لا يسمح للعقائد الدينية الاخرى , مثل المسيحية بلوغه فحسب , بل لانه استخدم ليعزز القومية السودانية الشمالية , كما لاحظ الافندي ان تحديد السوداني كشمالي , قد ارتبط بقوة بالعروبة بالمعنى العنصري, وغني عن البيان ان الاسلام قد استخدم , لتعزيز التحيزات العنصرية . التي اضمرها السودانيون الشماليون عميقا فيما يتعلق بافتراضات تفوق العرب .وما فعلته الجبهة الاسلامية بنجاح هو بلورة الهوية الشمالية العربية الاسلامية , مقابل المحيط غير المسلم .
واذا كان للبلاد ان تظل موحدة عليها تصفية وضع التعصب الديني والعنصري , الماثل . واقامة توازن بين اقصى عروبة الشماليين , واقصى افريقية الجنوب والا فالاحتمالات اكثر قتامة مما يامل معظمنا , ليس فقط للسودان بل لكل الاقليم (51) وفي التوتر الذي اعترى تشاد اليوم , اشارة واضحة لمدى تاثرها بما يجري في دارفور , وامكانية انتقاله اليها . الى جانب كل ماشرنا اليه , نجد ان اضطراب الحياة الحزبية , وضعف القوى السياسية , اسهما بشكل او باخر , في تفاقم مشكلة الاطراف ازاء المركز . الشاهد على هذا والشواهد كثيرة , سياسات الاستبعاد والاقصاء والتهميش , لقوى اجتماعية ودينية ومذهبية عديدة , الامر الذي صعد من الازمة في دارفور .
فالثقافة السياسية السودلنية القائمة على الاستعلاء العرقي والديني والطائفي , شكلت عائقا قيميا , وادراكيا على نحو شبه جماعي , من الفئات الاجتماعية والعرقية والدينية الشمالية , على تبايناتها , والتي مارست بدورها انقسامية , يعاد انتاجها من مرحلة لاخرى , دونما مراجعات نقدية لهذه الظاهرة .
ترتب على ذلك تخبطات في الممارسة السياسية , وعلى سبيل المثال بعد سقوط نظام تمبل باى القمعي في انجمينا , في منتصف السبعينيات . شهدت تشاد تبدلات سياسية على غاية الاهمية , فقد تعمق الصراع كثيرا , بعد تداخل عوامل خارجية , واخرى داخلية قادت في مجملها الى تصعيد الاحتراب على السلطة , ما بين اجنحة جبهة التحرير " فرولينات " , ثم انتهج هذا الصراع خطا قبليا حادا ما بين " القرعان " المسلمين في الشمال , والمسيحيين التشاديين في الجنوب .مثل الفئة الاولى , الرئيس السابق حسين هبري , اما جوكوني عويدي فمثل الطرف الاخر .
واختار نميري والقذافي , ان يجعلا من تشاد وصراع السلطة فيها , معتركا لخلافاتهما واطماع القوى الدولية التي مثلاها ,. نقطة الخوف الرئيسية بين ليبيا وتشاد , وهي اقليم اوزو الغني باليورانيوم . وراوح السودانت بين دور الوسيط , والشريك في الصراع .
يتصف نمط الصراعات الافريقية , بذات الخصائص التي تنتظم معظم منظومة بلدان العالم الثالث . فالحدود السياسية موروثة عن عهود الاستعمار الاوروبي , الذي رسمها ورحل . وهي بهذه الصفة السياسية المحضة , لا علاقة لها بالواقع الاجتماعي والاثني , حيث تهيمن الاسرة الممتدة , على الكيانات الاجتماعية , فتنداح الشعوب . والقبائل بين الحدود , تمارس انشطتها دون اكتراث , لضوابط الدولة الحديثة (52) وهذا يفسر القلق التشادي , من انتقال الصراع في دارفور الى داخل تشاد , بحكم القبائل المشتركة . ويبدو من الواضح مدى التعقيد الحدودي وامكانية عبور الصراع داخل حدود دارفور , الى خارجها باتجاه تشاد والعكس . وكما ان " الجلابي " النخبة الاسلامو عربية , متورط في عروبته وامتيازاتها التاريخية والسياسية في السودان , فالجلابي متورط ايضا لانه لا يملك فكاكا من عرقه وامتيازاته فحتى تلك الفئة من الجلابة , التي حسبت انها هاجرت جسدا وفكرا الى الضفة الجنوبية " مثلا " فيى الصراع السوداني , لتمهر بدمها وصوتها شهادتها عن ميلاد " جلابي " اخر , تتعثر وتفشل في غسل بقع امتيازاتها الثقافية واستعلائها (53) ان ظواهر الاستعلاء في ظل تركيبة المجتمع في السودان , هي جزء من الجماعات المتخيلة - اذا شئنا استعارة اندرسون - والمفاهيم والمذهبيات المنتمية لاساطير سياسية , ترتكز على المتخيلات العرقية والدينية والمذهبية والقومية , الخ .. ان هذا النمط من المفاهيم والمذاهب والاساطير قد يرتكز على بعض الجذور التاريخية , او في الواقع الموضوعي للسودان ..
لكن تاسيس بعض الجماعات المتخيلة هويات وابنية للقوة , هو جزء من تحديد لمجموعات من المصالح والرموز , ومن ثم تسعى صفوات الى انتاج القوة داخل التكوينات البشرية , العرقية او القومية او اللغوية او الدينية او المذهبية السائدة داخل هذه الجماعة او تلك .
احد اخطر نتائج الثقافة السياسية السائدة في شمال السودان , انها ساهمت في انتاج وتوسيع الفجوات الثقافية والادراكية , بين اقاليم السودان المختلفة , وجغرافية التنوع والتعددية بين الجماعات التكوينية للسودان (54).
وفي حوار لرئيس المجلس الانتقالي , نشر بجريدة السياسة الكويتية 4/7/1985 سئل عن الاسباب التي وقفت خلف , عدم الغاء مجلسه لقوانين سبتمبر 1983 سيئة السمعة , التي استند عليها نظام مايو في انتهاكاته ضد حقوق الانسان , وجرائمه ضد الانسانية . اجاب رئيس المجلس الانتقالي : في الواقع ان تشريعات سبتمبر 83, ضمت عددا من التشريعات , من بينها قانون الشريعة الاسلامية , وبطبيعة الحال فان قوانين الشريعة الاسلامية تهم كثيرا من المواطنين . ومن الحكمة ان يكون اى تصرف , بشان الشريعة الاسلامية وقوانينها , كاعادة النظر فيها او تعديلها من اختصاص الجمعية التاسيسية , اما بقية القوانين الاخرى , فانها تخضع لاعادة النظر فيها - يبدو ان هناك مطلبا من كثي من الاحزاب والهيئات , باستمرار تشريعات الشريعة الاسلامية , كما ان هناك بعض الملاحظات الاخرى من بعض الجهات . (55) وهكذا نلاحظ الذرائعية والتبرير وقصر النظر , الذي لازم الحكومات السودانية المتعاقبة , في تعاملها مع الشان الوطني , بمختلف مستويات خطورته , دون حس بالمسئولية الوطنية , التى تعترف بواقع التعدد والتنوع الثقافي والاثني في السودان .
وقد حدث هذا برغم التراث الغني الذي حدد بدقة هذا التنوع , مؤخرا . وقد استبعدت الحكومات دائما , الانتماءات القبلية والاثنية , باعتبارها لا تتماشى وايديولوجيات بناء الامة السائدة , التي تعود الى الستينيات . وقد
جعل من العروبة والاسلام , القوة الايديولوجية المركزية , المشكلة لعملية بناء الامة . بسبب التطورات التاريخية الخاصة , التيس وضعت النخبة الاسلاموعربية على قمة السلطة السياسية المركزية , وبسبب الاتجاهات التجانسية للظاهرة , لكن الخادعة . للعروبة والاسلام فيما سمى بالجزء الشمالي من البلاد . وقد ابعدت الانقسامات الانشقاقية الاساسية , التي جعلت المجتمعات السودانية متباينة . تظهر المجموعات الاثنية الكبيرة في غرب السودان مثل الفور والمساليت والزغاوة والميدوب والتنجور , اختلافات ثقافية حقيقية لا يمكن تجاهل عما يفترض انها تمثله " الثقافات الشمالية والنهرية الوسطي" , ومع ذلك فكل هذه المجموعات السودانية او السودانوية يجب ان توفر القاسم المشترك , لبناء الامة . لا كون المرء مسلما او افريقيا او عربيا .
وعندما بدات التجمعات القبلية وسط البجا والنوبة واهل دارفور , تظهر بسبب عدم كفاية الاحزاب الطائفية السائدة , وصنفت معظم هذه التجمعات بانها عنصرية , ومع ذلك ان النخبة في المركز قد اجبرت في النهاية على القبول بها كحركات سياسية , الا انها ما تزال تنظر بالشك الى قادة هذه الحركات . وعلاوة على ذلك تصنف اى حركة سياسية جاءت من الاطراف باستقلال عن المركز , وبغض النظر عن اهدافها السياسية النبيلة المعلنة . ويتم بسرعة وصفها بانها حركة قبلية او عنصرية وينظر اليها بريبة شديدة . لقد اصبحت الوطنية عمليا الرؤى , التى تحملها النخب الاسلامو عربية , وتوضح الطريقة السلبية التى نظر بها الى " فيليب غبوش " وحركته ذات القاعدة النوباوية .و" احمد ابراهيم دريج " وحركته الدالرفورية هذه النقطة ( 56) توضح هذه الطريقة القاصرة , التي ترى بها نخب المركز الامور : لماذا تصاعدت الازمة في دارفور , ووصلت الى هذا المستوى الكارثي . فالى جانب قصر نظر المركز , ساهم التهميش التنموي ( تتركز مشاريع التنمية في مثلث الوسط ) في تفجير الازمة . الى جانب ان عمليات تمثيل الصفوة السياسية الدارفورية , في المؤسسات التمثيلية والتنفيذية لم تتعد الشكل : ( او الترميز التضليلي = تملك ولا تحكم ) ايا كانت المسميات والتوصيفات السياسية والدستورية , للمواقع التي شغلها السياسيون الدارفوريون , في الهيكل السياسي للبلاد . ما خلق عوامل واختلالات بنائية عديدة (57) ادت الى تعثر عمليات بناء الدولة / الامة وبالنتيجة ازمات عدم التكامل والاندماج القومي , كسمة بنائية للنظام والمجتمع في السودان . ترتب على هذا الوضع الانفجار في كل الاطراف بوجه المركز . والازمة الراهنة في دارفور . التي منذ اندلاع النزاع المسلح فيها , اثر استيلاء حركة تحرير السودان على " قولو - الفاشر - مليط وكتم ) وما تلى ذلك من معارك عسكرية . دخلت دارفور مرحلة جديدة من تاريخ علاقتها الحاسمة بالمركز . (58) والملاحظ ان حركة التحرير , بعد ان اعلنت ميلادها , اندلعت معارك ضارية بين مجموعات متصارعة في دارفور , ولم تكن تهدف لحرب الحكومة, وقد كان سخط هذه المجموعات ضد الحكومة هو لتقاعسها المشين في حماية المواطنين , ووضع حد لاحترابهم . ورغم ان العديد من الفرص , اتيحت للحكومة للاخذ بالخيار التفاوضي مع حركة التحرير . الا انها اثرت خلاف ذلك , وبدا ذلك واضحا في حشدها العسكري في الفاش قبيل تدمير طائراتها الجاثمة على ارض المطار (59) وتداعت الاوضاع وصولا الى كل ما تعرض له المواطنين من انواع الانتهاكات من قبل الجيش الحكومي ومليشيات الجنجويد العربية , ابتداء بانتزاع حق الحياة , ومرورا بتدمير البيئة وتمزيق ارض ابائهم , كسكان اصليين في دارفور ( اهل الدار ) ..



دارفور : الجغرافيا والتاريخ والنسيج الاجتماعي ..


قامت سلطنة الفور الاسلامية في حوالي منتصف القرن السابع عشر الميلادي , في الاطراف الشرقية من السودان الاوسط ( المقصود هنا السودان الجغرافي , بين البحر الاحمر والمحيط الاطلسي ) واستمرت حتى 1874 , وهي من اخر حلقات ممالك العصور الوسطى الاسلامية في افريقيا , مثل ممالك ( غانا - كانم - البرنو ووداي ) ومثلها في ذلك مثل سلطنة الفونج والفور , فهي تمثل في الاساس مجموعة لغوية فضفاضة لها ثلاثة فروع كبرى هي : التيمركا - الكنجارة - الكراكيت ) , وفرع الكيرا المالك في دارفور , ينتمي الى الكنجارة وثمة اختلاف على اصل الفور . بعض الدارسين يعتقد انهم من الفرتيت , ويعتقد اخرون انهم من جبال النوبة , الخ .. اما الاسرة الحاكمة " الكيرا " فقد تكونت كما تشير الروايات الشفاهية , نتاج مصاهرات بين عناصر مهاجرة من تونس . مع الاسرة الحاكمة المحلية , في منطقة جبل مرة. في وقت غير معروف . وفي القرن السابع الميلادي , ضعفت دولة التنجور التي جاءت بعد دولة الداجو , وازداد التناحر في الاقليم بين القبائل المستعربة الوافدة . مثل بني هلبة والمحاميد والزيادية , الخ .. وبين قبائل دارفور غير العربية مثل الفور والزغاوزة والمساليت , الخ .. وظهر ما يشبه الفراغ السياسي في الاقليم .
وفي هذه الظروف ظهرت اسرة الكيرا , كقوة جديدة تمثل دارفور .وتمكنت من توحيد الاقليم وتاسيس سلطنة قوية . وربما عاد هذا النجاح الى تلاقي تقاليد الفلاحين الفور ونزعتهم نحو الطاعة والانضباط , بمهارة وطموح المهاجرين من الشمال . الذين ساهموا في تشكيل سلالة جديدة , من العائلة المالكة القديمة , وادخلوا مفاهيم ونظم التوسع الامبراطوري (60)
يحد دارفور شمالا ليبيا وغربا تشاد ومن الناحية الجنوبية الغربية افريقيا الوسطى , الى جانب حدودها المشتركة مع اقليم بحر الغزال جنوبا واقليم كردفان شرقا والاقليم الشمالي من الناحية الشمالية الشرقية . .
في مثل هذه الجغرافيا , وبمثل هذا التاريخ عميق الجذور . لابد من ملاحظة الارتباط والتداخل بين ثلاثة من الظواهر المختلفة وهي : اولا : انتشار الاسلام كدين فيما يعرف بالقطر السوداني , وثانيا : انتشار العناصر العربية السلالية والثقافية , ويشمل ذلك انتشار اللغة العربية وتعريب القيم والعادات , الخ ..في هذا الاقليم . ثالثا : ظهور وانتشار المؤسسات السياسية والاجتماعية , وهذه الظواهر مع ارتباطها واضحة التميز والاختلاف , ولا يصح الخلط بينها . كما ان الظهور والانتشار في الحالات الثلاث , قد تم في اطار الاستمرار التاريخي لبعض ما هو سابق لمرحلة العروبة والاسلام .
ان بروز الظواهر المذكورة ونحوها وتطورها في المناطق المركزية من السودان , حدث في اطار مناخ سياسي , كان اهم سماته الصراع العسكري والسياسي بين الدول الاسلامية , التى قامت في مصر . وبين الدول المسيحية النوبية التي كانت تحكم السودان الشمالي . بين مناطق السدود في اعالي النيل والحدود المصرية - السودانية في الشمال . وان ما حدث من تحول عميق في تركيب الثقافة , والمجتمع السوداني وتحولهما الي الاسلام والاستعراب الجزئي , خلال الفترة المعنية , يمثل ابعادا متعددة ومتشابكة تتمثل في صراع وتفاعل وتعايش اديان مختلفة , وثقافات مختلفة . كذلك مجموعات عرقية متنوعة وذلك في اطاراقليمي لم تتبلور فيه , بصورة كاملة الكيانات الوطنية الحالية . بمفهومها المعاصر القائم على افكار الوطنية السودانية .
ومن المهم هنا ان نلاحظ , ظاهرة الذاتية التي كانت تواجه بها الثقافات والمجتمعات السودانية المؤثرات الوافدة من الخارج فتستوعبها وفقا لشخصيتها الخاصة , وكذلك ما ذكر من ظاهرة الاستمرار التاريخي والثقافي للمجتمعات السودانية , بالرغم من مرونتها وتطورها تحت تاثير المستجدات المختلفة وذاتية واستقلال , استمرارها خلال الحقب التاريخية المختلفة (61) .
وتكشف الاثار على احجار جبال الاقليم , ما خلفته ممالك دارفور العريقة من رموز تدلل على خصوصية وذاتية ثقافة المجموعات التي سكنته ( مدن : اوزي , عين فرح , الفاشر , الخ ..) فالاقليم وقبل انضمامه الى السودان ظلت الثقافة الاسلامية فيه في تفاعل مستمر , مع الثقافات المحلية , وبالفعل فقد امتزجت بالاسلام كعقيدة وثقافة ونظام اجتماعي , الكثي من الرواسب الثقافية , ذات الاصول الفرعونية والمسيحية والافريقية المحلية , والتي تمثلها الاسلام واصبحت جزء لا يتجزأ من الاسلام الشعبي , حتى اليوم . اذ تم الاحتفاظ باللغات المحلية , وطرق الحياة الخاصة عند الفور , وبعض قبائل غرب السودان . لكن وجود عادات غير اسلامية , مرتبطة بدورة الحياة . اى الطقوس من الميلاد , وحتى الوفاة , ظاهرة لا تخلو منها اى مجموعة مسلمة سودانية ( 62) فالاسلام بدخوله دارفور لم يتمكن من الغاء , القوانين التي تتحكم في البنية الاجتماعية : العادات , التقاليد والاعراف , الخ ... فتعايش الدين الوافد مع هذه الثقافة , التي وطنته داخلها , وتعاطت بانحياز الى ما تحكم به ثقافتها وموروثاتها , متى تعارضت مع تعاليم هذا الدين .
ولكن الاسلام السياسي , الذي توظفه الصفوة الاسلاموعربية التي تعاقبت على حكم السودان . ( ظلت على الدوام , ترفض الاعتراف بهذا الواقع الخاص , وكثيرا ما صادمته ) اتخذ عدم الاعتراف اشكالا مختلفة , كالاهمال والتهميش , ما انتج تخلفا حادا وعمق النزاعات والحروب الاهلية , الامر الذي اقعد الاقليم عن التنمية والتطور .
ومع ذلك يظل اقليم دارفور من اقاليم السودان القليلة , التي ظلت تمد المركز بالمال والرجال في العهود المختلفة المتعاقبة .
ومملكة الفور (1650 - 1916 ) تشترك مع الممالك السودانية الاخرى , كالفونج التي برزت في ( 1504 ) , كأول مملكة اسلامية شبه مركزية , تشترك معها من خلال محاولات الانتماء الى العروبة .اذ بحثت مملكة الفور وسلطنة الفونج اللتان يعزى لهما بناء السودان الحديث في العملية الثقافية المزدوجة : الاسلام / العروبة , عن فرض ايديولوجيا للعظمة , خلافا للعديد من التقاليد الاسلامية الافريقية . مثل تقاليد غرب افريقيا , حيث توطن الاسلام .
وقد عرف سليمان مؤسس سلطنة الكيرا ب " سليمان العربي " ( صولونج ) , وهكذا اصبحت العروبة بهذا المعنى , هي الفيصل فيما هو جيد نوعيا والتجسيد لما تم السعي له لاحقا .كقيمة مطلقة عززها الاسلام , كمبدأ للشريعة , وفي نفس السياق , العروبة تتضمن الاسلام والاسلام يتضمن العروبة .وهذا يفسر لماذا كان الاغراب العقلاء , الذين اسسوا الممالك والعشائر عربا .
ولتعزيز هذا التصور , صاغت معظم المجموعات القبلية فيما يعرف بشمال السودان , ( ودارفور كذلك ) شجرات نسب تربطهم بالمنحدر العربي , اما مباشرة من خلال القرابة , او بشكل غير مباشر من خلال الزواج والقرابة بفضل قابلية نظام القرابة الابوي patrilinele descent system
عند العرب للتحول (63) لقد كان ضم دارفور في 1916 من قبل المستعمر الانجليزي , الى جسم الدولة الحديثة المرتكزة على النيل في السودان تطورا هاما توج التوجهات , التي كان قد بدأها السلطان تيراب نحو الشرق , وساهم في خلق الكيان السياسي الاداري الموحد للسودان الحالي . وذلك لا ينفي المشترك الثقافي الذي يجمع بين دارفور ووسط وشمال السودان . قبل مجيء الاتراك والانجليز .بقرون كثيرة .
تميز نظام الفور السياسي الاداري , بالمركزية التي جعلت من السلطان محورا للسيادة الرمزية والعقلية , وكان حول السلطان حاشية مرتبة .. منظمة , يحتل فيها العبيد والمقاتلون والخصيان , الادوار السياسية ابتداء من زمن السلطان تيراب . وظهر ذلك الوضع كبديل لهيمنة اسرة الكيرا وتحالفاتها القبلية في منطقة جبل مرة . منذ بداية تاسيس السلطنة في عهد احمد المعقور ( المقصود هنا المرحلة الاسلامية من تاسيس السلطنة ) , وما حدث من ادخال للمصطفين في نظام السلطنة , لم يكن يعني الغاء النظم القديمة , بصورة مطلقة وانما تعديله لضمان الولاء للسلطان . واستمر قادة المجموعات القبلية في النواحي المحيطة بجبل مرة , في اداء مهام تقليدية , في مناطقهم وفي البلاط السلطاني المركزي (64) . قبل المرحلة الاسلامية , لم يحفظ لنا التاريخ سوى اسم السلطان دالي والد السلطان كوري , الذي هو والد السلطان سليمان صولونج ( 1445- 1476) واخر سلاطين الفور هو علي دينار (1898 - 1916 ) ومنذ صولونج وحتى دينار , حرص سلاطين الفور على ان يكون غالبية وزرائهم من العناصر غير الفوراوية .
وبمجيء الدولة المهدية (1885 - 1898 ) كانت اسس الميول المركزية , التي كرسها الاتراك , في اجزاء السودان الاخرى , قد تأكدت . اذ تحالف المهدي برؤاه الدينية , مع مجموعات غرب السودان القبلية , وبينما حدث اول احتكاك للمهدي مع النظام التركي - المصري , في الجزيرة ابا على النيل الابيض في 1880 , كان عليه ان يهاجر غربا الى قلب مواطن الجماعات السياسية ذات القاعدة القبلية , والحصول على التأييد لقضيته التي لم تكن سوى تحرير السودان , واستعادة العدالة بتنقية الدين الاسلامي . وقد وجد تاييدا كاسحا , لكن ليس بسبب دعوته الدينية فقط , بل بسبب التطلع للخلاص من الحكم التركي - المصري البشع , ومظالمه وقهره في جباية الضرائب .
ووفر الاسلام عبر تعدد المجموعات الاثنية ايديولوجيا الثورة .وبما ان الخليفة عبد الله التعايشي " ودتورشين " من غرب السودان ( دارفور ) , فقد بدات المجموعات الاسلامو عربية , التي ينتمي اليها المهدي رغم صعوده باتباعه , الاسلام كايديولوجيا شاملة , اكثر من ايديولوجيا القرابة المسيطرة .تتامر ضد الخليفة , الي لم يكن في هذا السياق ينتمي بالقرابة اليهم . وقد استقر الخليفة على سياسة المواجهة , حيث طلب من المجموعات الاثنية الغربية , ان تنتقل بالجملة الى عاصمة المهدية ام درمان .
لم تكن الدولة السودانية في هذه المرحلة شد
يدة المركزية فحسب من ناحية ايديولوجيا الدولة . بل وابدت ميولا واضحة لخلق مركز اثني كأ داة لتشكيل الدولة , ونظرا الى ان الهجرة الواسعة للمجموعات الاثنية من اطراف البلاد بسبب التعبئة السياسية من قبل مركز الدولة المهدية , كانت مع الكيفية التي تم بها ذلك (65) قد خلقت اختلالاتا كبيرة .
واذا القينا نظرة على طبيعة النظام الذي كانت تسير عليه مملكة دارفور , نجد انه لتسهيل ادارة المملكة , تم تقسيمها الى حواكير ( ولايات ) على راس كل ولاية مقدوم نافذ الحكم في كل القضايا , يعاونه عدد من الشراتي , والدمالج والحواكير هي ( ابادمنقا " جنوب غرب جبل مرة - تكناوي " شمالا حتى منطقة الميدوب " - دالنقا " غربا حتى كبكابية " - ادمونقا " جنوب شرق جبل مرة " - دارفيا " شمال كبكابية " .
وحديثا في عهد السلطان علي دينار , تم التقسيم من حواكير الى دور : دار زغاوة - دار مساليت - دار الرزيقات . وكانت المملكة تحكم بقانون دالي , ويعني بلغة الفور : اللسان . اى لسان السلطان واوامره .(66) وقد قام النظام السياسي في ظل سلاطين الفور الاوائل , على اربعة اعمدة : 1- سلطة مركزية ممثلة في الملك والاسرة المالكة لكل السلطنة . 2- مجموعات قبلية واثنية بقيت مستقلة عن بعضها البعض , لكن في شكل اتحاد . 3- روابط واخويات دينية ( اسسها رجال الدين المهاجرون ) . ظلت مستقلة عن السلطة الزمنية المركزية , لكن معتمدة عليها في تخصيص الحقوق الحصرية في موارد الارض . 4- القيم الثقافية التقليدية , لهذه المجموعات الثلاث , والتي ظلت رغم التفاعل , مستقلة احداها عن الاخرى . (67) ليس هناك احصاء دقيق لقبائل دارفور , ولكنهم لا يقلون عن 36 قبيلة , وذلك ان بعض القبائل في الاصل , فروع لقبائل كبيرة . ومع ذلك تذكر احيانا , على انها قبيلة قائمة بذاتها . واحيانا اخرى تذكر القبيلة الام دون ذكر الفروع , كما في قبيلة الزغاوة التى لها 9 فروع . والفور الذين هم 20 فرع . على ذلك نجد ان قبائل دارفور غير العربية ( اضافة الى الفور والزغاوة ) هي : المساليت - التنجور - الداجو - الميدوب - البرتي - السمبات - القمر - البرقو - البرنو - التاما - الفلاتا - الجبل - الكنين .
والقبائل العربية هي : الرزيقات - المسيرية - الهبانية - بنو هلبا - التعايشة - بنو جرار - الزيادية - العطيفات - الحمر - خزام - خوابير - دار حامد - هوارة - الكروبات - البديرية - المجانين - المعاليا - بنو عمران - العريقات - المحاميد - بنو حسين - سلامات - بنو فضل - الهلالية .
تتداخل هذه القبائل على امتداد الاقليم

والفرصتتداخل هذه القبائل على امتداد الاقليم , وقد انصهرت بعض القبائل مع اخرى , بالتزاوج . لكن لم يؤد ذلك الى اندماج كامل , فكل قبيلة احتفظت بثقافتها ولغتها .وتعتبر الزراعة والرعي هما المهنتان الاساسيتان لاهل دارفور ( الفلاحين = قباءل غير عربية ) ( الرعاة = قبائل عربية ) , ونظرا لهذا التباين في الانشطة الاقتصادية اصبحت هناك مصالح متبادلة ومتكاملة , ومع ذلك تنشا المشاكل المحدودة بين " الرعاة - العرب " و" المزارعين - غير العرب " , بدخول حيوانات الرعاة الى مزارع المزارعين .
ان مجتمع دارفور يعتبر مجتمعا قبليا مركبا ومعقدا . فالقبيلة هي الدعامة الاساسية التي يقوم عليها المجتمع في كل شئونه . ارتبطت قبائل دارفور بالارض , والدار القبلية منذ تواجدها الاول في دارفور . ولقد تعرضت هذه الديار , الى هزات وتغييرات , نتيجة الحروب والنزوح الذي يحدث .وفي عام 1916 بدخول الانجليز دارفور , حاولوا وضع خرائط تفصيلية لديار الفور .(68) وفي عام 1922 رسموا خريطة تفصيلية متكاملة , ثبتت فيها حدود الديار القبلية , وعلى ضؤ هذه الخريطة تم تقيسيم دارفور اداريا الى 6 مراكز . قسم كل مركز الى وحدات ادارية اصغر ( ادارات اهلية ) تقوم على الحدود المتعارف عليها . واذا كانت المؤسسة الصوفية , والذهنية النفسية الاجتماعية , تمثل المعطيات التي قدمتها فترة السلطنات في الواقع الثقافي . فذاك هو نفسه الواقع الي قام بتحجيم وتكييف المهدية . وعوامل التفرنج والتغريب التاي تلتها في الفترة الاستعمارية , لتلائم خصائص تكوينية عميقة الجذور . ان التوينات الثقافية القاعدية هنا لم تكن في اى وقت ثوابت جامدة , وانما كانت دائما مؤسسات مرنة ديناميكية , ذات حيوية وفاعلية كبيرة (69) اذا كان الظلم الذي لحق بجبال النوبة وجنوب السودان بشعا , فما حدث لدارفور لا يقل بشاعة بكل المقاييس . فمن الناحية التاريخية , كان لموقف دارفور المناهض للاستعمار التركي - المصري , سببا في ان يكون اخر الاقاليم التي يتم احتلالها من قبل الاتراك , وبالتالي اهمالها من حيث الخدمات ( التعليم مثلا ).. كذلك كان اقليم دارفور , اخر اقليم يستعمره الانجليز , اى بعد 16 عاما من استعمار اجزاء السودان الاخرى , والتي استفادت خلال هذه الفترة من التنوير والتثوير الذي قام به الانجليز . كما ان بعد دارفور الجغرافي عن المركز , اسهم ايضا في اعاقة تطورها , خاصة ان مركز السلطة في السودان منذ الفترة المهدية تم نقله من سنار و دارفور الى ام درمان , الى جانب النزاعات والاحتراب , الذي ينشأ بين حين واخر . ونجد ان ابناء دارفور في الفترة المهدية , قدموا تضحيات كبيرة في سبيل تحرير البلاد من المستعمر التركي المصري , ومع ذلك تم تمييزهم سلبا ازاء " اولاد البحر " (الاشراف = اولاد البلد ) = الشماليين .
كذلك نجد ان الحكم الذاتي , الذي طبق على السودان بثنائية مدهشة , خلق ازمة يمكن ان نطلق عليها , ازمة الثنائية . والى حد كبير اسهمت هذه الازمة , هي الاخرى في موضعة دارفور كهامش للمركز " الوسط " . والثنائية افراز لطبيعة السلطة الاستعمارية في السودان ( انصار - ختمية ) , ( امة - اتحاديين ) , ( اسلام - مسيحية ) , ( عرب - افارقة ) .. ( مناطق مقفولة - مناطق مفتوحة ) , الى اخره من ثنائيات انتجتها طبيعة التنازع بين الانجليز والمصريين .
وقد عززت هذه الثنائيات مصطلح " سوداني " الذي كان بشكل ما , معادلا للشمالي . وقد شاعت مثل هذه التعابير الازدرائية , والمحملة بالقيمة في الثقافة الشعبية السياسية (70) الى جانب هذا السبب المعنوي , هناك اسباب اخرى مثل الزحف الصحراوي , والذي اصاب الاقليم في فترات مختلفة منذ السبعينيات حتي التسعينيات , واحدث خللا في التركيبة الجغرافية ونمط الحياة المعيشية , وربما استشعر انسان دارفور , منذ وقت مبكر ضرورة المبادرة بالنهوض باقليمه , فطرح منذ الستينيات في القرن الماضي , حركات سياسية مثل " سوني " , اللهيب الاحمر " , ولكن لردود فعل المركز الحادة , تجاه هذه الحركات . اختفت هذه الحركات تدريجيا . ولكن بقيت الافكار التي تعبر عنها حتى اليوم . فالواقع ان التفاوتات الاقليمية في التنمية . والفرص اللا متكافئة في الحصول على سلطة الدولة , موجودة .وسواء اكانت محاولات هذه الحركات التعبير عنه بلغة الجلابة صحيحا ام لا , فالنتيجة هي عدم الثقة المتبادلة . تم تعزيز ذلك خلال عملية التفاعل الطويلة , بين سكان اطراف السودان , وبين الجلابة ( السودانيين الشماليين ) حيث شعر الطرف الاول , انه بلا نفوذ كلية للتأثير على الدولة لمصلحته , وهكذا بينما كانت ردود الافعال جزء طبيعيا من عملية فقدان النفوذ هذه , فقد استدعوا ايضا ردود افعال من جانب المجموعات المسيطرة , التي كانت تخشى ان تفقد مواقعها المسيطر عليها , فاستخدم السودانيون الشماليون الاسلام كايديولوجيا ناجعة تم تجريبها (71) عند تكون اسرة الكيرا الحاكمة , وفي انجاح الثورة المهدية , فاثبتت فعاليتها . وهكذا استخدم الاسلام " الايديولوجيا " لتعزيز موقعهم المسيطر , طامحين ليس في تكتيل جمهورهم الخاص من السودان الشمالي المعرب , بل وايضا السودانيين المسلمين , غير العرب في دارفور .
ويلاحظ انه في فترة النظام المايوي , وبعد مطالبات عديدة , استطاع ابناء دارفور الحصول على حقهم في الحكم الاقليمي , اسوة بالاقاليم الاخرى , بعد اضطرابات واسعة . ولم يرض ذلك النظام المايوي , فقام الاتحاد الاشتراكي بافراغ الحكم الاقليمي من محتواه النبيل . حتي صار هذا الشعار العزيز على ابناء دارفور " الحكم الاقليمي " منبوذا , ولا يلبي سقف تطلعاتهم الان . وخلال ذلك برزت صراعات حادة بين ابناء الاقليم , اضافة الى ذلك النزاع القبلي التاريخي بين الرعاة والمزارعين . ولكن ما صعد الاوضاع , وغير , او اسهم في تغيير طبيعة الصراع فيى دارفور , عوامل اخرى تنضاف الى ذلك . مثل النزاع الليبي / التشادي , والذي كان صراعا بعيد المدى , تمت ادارته مركزيا لاعتبارات تتعلق بحكومتي نميري والصادق المهدي , في اطار استمراريتهما كحكام , وبالتالي استمرارية المركز , بمواصفاته التي بحثناها فيما تقدم , ودفعت دارفور ثمن ذلك غاليا , وليس خافيا ان الاقليم لم يستفد من الحكومة الاستعمارية , الا قليلا فيما يتعلق بالتنمية . ولكن الامن في ذلك الوقت كان افضل حالا من الامن في العهود المتعاقبة بعد الاستقلال . لفعالية الادارة الاهلية من جهة , ومن جهة اخرى للتواجد المستمر للسلطة الاستعمارية الانجليزية , وحضورها الدائم .
فمنذ الاستقلال وايلولة السلطة للحكومات الوطنية ( الصفوة الاسلامو عربية ) , لم تتعد نظرتها الى ذلك الجزء من السودان حدود انه مصدر للايدي العاملة الرخيصة , والجنود المحاربين . الشىء الذي لا يتطلب معه تقديم اى خدمات . فترك الاقليم غارقا في مستنقع التخلف , بلا تعليم او صحة او طرق وكباري , الخ من اساسيات للحياة , ورويدا تلاشى الدور الايجابي للدولة . فسادت الفوضى وشعر المواطن بالهلع والخوف . وعاد الى احضان القبلية خاصة بعد ان قام جعفر نميري بحل الادارة الاهلية بقرار جمهوري في 1971 , وحاول جاهدا ملء الفراغ الذي خلقه , بقانون الحكم الشعبي المحلي لسنة 1971 .
وقد تمتع الزعماء والقادة السابقون طوال هذه السنين بسلطة امر واقع , رغم حرمانهم الشرعية بقرار رئاسي . لكن التحلل في هذا المجال كان انعكاسا للتحلل الاجتماعي العام , الي اصبح ظاهرا جدا خلال الجزء الاخير من الثمانينيات , عندما بعثت الادارة الاهلية مرة اخرى . وهاجمت العصابات المسلحة بالكلاشنكوفات .وقامت بتصفية زعيمين اهليين . على الاقل - الامر الذي ما كان ليخطر على بال في السبعينيات .
كانت مؤسسة الادارة الاهلية ليست عاجزة فحسب عن السيطرة على نفسها , بل كانوا فوق هذا في خوف دائم من الهجوم عليهم وتصفيتهم من قبل شباب القبيلة الطامعين (72) كذلك نجد ان اشتداد الحرب التشادية / التشادية كان عاملا مؤثرا , حيث اصبح الاقليم مرتعا لجيوش اجنبية , ادخلت معها السلاح بمختلف انواعه , ما زاد من الصراعات القبلية التي لم يخلو منها الاقليم في الماضي .
ومع بدايات الحكم الاقليمي الذي اشرنا اليه , ظهرت مسميات مثل : " العرب " و " الزرقة " . كانت بمثابة صب الزيت في النار . ولم يحرك كل ذلك ساكنا . لان السياسة العامة للدولة لم يكن ذلك شاغلها . وفي اسوأ صورة لانتهاك حقوق الانسان في دارفور , ان يعيش الانسان غريبا في وطنه , فابناء دارفور الذين هاجروا الى اقاليم الوسط ( المركز ) لسبب او لاخر , وجدوا التمييز في كافة مناحي الحياة . لا سيما في الخدمة العسكرية والمدنية , ناهيك عن الكشات التي كانت تقوم بها الدولة , لاعادتهم الى اقاليمهم (73) كما حدث في عهد النميرى . وكذلك مجازر يوليو 1976 التي استهدفتهم بصورة خاصة , وتركيز عال . اذ قتل فيها عدد كبير من ابناء دارفور . علاوة على ان بعض الاحزاب كالامة , جعلت من الاقليم مركز ثقل , تصل عبره الى كراسي الحكم دون ان تقابل ذلك باى نوع من الخدمات . بل عملت على اشعال نيران الفتنة في الاقليم , بخلقها للمليشيات العربية وتسليحها , بينما تركت القبائل غير العربية عزلاء على قارعة الحياة ونهبا للقتل او تواجه قدر الاغتصاب والحرق والنهب والتشريد فيى اى لحظة . بما يشبه عملية الازاحة للقبائل غير العربية , لاحلال القبائل العربية محلهم ! فاصبحت بذلك تلك الصراعات المسماة قبلية , مسيسة وذات اهداف احتلالية استيطانية واضحة . وبمقاومة غير العرب لهذا الاتجاه , تطور الامر الى حرب هي الاسوأ من نوعها , بعد مذابح رواندا وفقا لتوصيف السيد كابيلا منسق حقوق الانسان بالامم المتحدة , المقيم بالخرطوم .


هوامش الفصل الاول :

(1) IRIN News.Org cun office for coordination humanitarian affairs.
(2)IRIN News .org /report.asp.?report/id=41841&selectregion=east africa.
(3)elhadaf.net/ new-page-68.htm.
(4)hrinfo.net/mena/hrw/pr040402.shtml.
(5)انظر :- عبد الله علي ابراهيم . الارهاق الخلاق . عزة للنشر والتوزيع . 2001 الخرطوم . ص: 39
(6) دكتور : شريف حرير _ تيرجي تفيدت ( محرران " - السودان : النهضة او الانهيار . ترجمة : مبارك علي ومجدي النعيم . مركز الدراسات السودانية . ص: 11.
(7)hrinfo.net/mena/hrw/pr04042.shtml.
(8)hrw.org/arabic press /2004/sudan 0507.htm.
(9)news.bbc.co.uk/middle-east-news/newsid-380200/3802131.stm.
(10) دكتور شريف حرير ( سابق) -ص: 7.
(11)أ. محمد ابراهيم نقد . علاقات الرق في المحتمع السوداني . دار الثقافة الجديدة . القاهرة . الطبعة الاولى 1995. ص : 151.
(12) شريف حرير ( السابق) . ص: 8
(13) ثقافات سودانية . ( كتاب غير دوري ) . المركز السوداني للثقافة والاعلام . العدد الخامس 1999 .ص: 8 .
(14) عبد الرحمن الامين . ساعة الصفر ." مذبحة ديموقراطية السودان الثالثة : 85- 1989" . اجندة واشنطن . ص: 37 .
(15) شريف حرير ( السابق ) . ص : 14.
(16) دكتور . عبد الله على ابراهيم ( السابق ) . ص: 24.
(17)رواق عربي. ( كتاب غير دوري ) . مقال أ . احمد ضحية " الصراع المسلح في دارفور " .العدد 31 . شتاء 2003 . مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان . ص: 84.
(18)شريف حرير ( السابق ) . ص: 16 .
(19) سواسية ( نشرة دورية ) العدد51-52 .سبتمبر 2003 . مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان . ص: 8 .
(20)rezgar.com /camplasp?id=18.
(21)news.bbc.co.uk/hi/arabic/talkng-point/newsid-3805000/3805871.stm.
(22) سواسية . العدد 55 مارس 2004 مركز القاهرة لحقوق الانسان ص 8 .
(23) محمد ابراهيم نقد ( السابق) . ص: 156.
(24)ثقافات سودانية ( السابق ) . ص: 32 .
(25) شريف حرير ( السابق ) ص: 18 .
(26) السابق . ص : 31 .
(27)نفسه . ص : 33 .
(28) نفسه . ص : 5 .
(29) عبد الله علي ابراهيم ( السابق ) . ص : 51.
(30) سيد فليفل . القوى الخارجية والاتجاهات الاقليمية في السودان . مركز الحضارة العربية . الطبعة الاولى .يناير 1990 . ص : 14 .
(31) يستخدم الشمال هنا . لا كمركز جغرافي , اذ يتعدى ذلك الى رمز معنوى . قصد به " المركز " . ويتعدى هذا المركز , مركز السلطة ( مثلث الوسط ) الى بعد معنوي يشمل كل المجتمعات العربية في السودان , باعتبار ان الثقافة الاسلامو عربية هي السائدة ( الثقافة المركزية ) ولذلك ظلت الحكومات السودانية المتعاقبة تتشكل من النخبة في هذه الثقافة .. المفارقة هنا ان الاستخدام يأتي في سياق ان المجموعات الطرفية ( الهامش " غير العربية . وعت ل " ذاتها " الان , ما جعلها ترفض الوضعية التي اريدت لها من قبل الثقافة السائدة باعتبارها " موضوعا " لمشاريع " المركز " . فهي تصارع الان في سبيل ان تكون اسوة بالمركز . , لا للهيمنة بل لتساهم معه في صياغة المعني الاجتماعي العام للسودان . الموحد . بدلا عن انفراده المستمر بهذه العملية . وفقا لشروط ثقلفته وما يرتبط بها من قيم تمثل بالضرورة مصالح افراد وجماعات بعينها . فمجموعات الهامش ترفض ان تكون مجرد " موضوع " لمشاريع " المركز " بهذا المعنى .
(32) جاء في الكتاب الاسود : ان دارفور لم يتم تمثيلها في المناصب الدستورية على عهد الحكومة الاولى ( بعد الاستقلال ) بينما حصل الجنوب على 16,4% والشمال على 79,5% . كما يلاحظ ان نسبة 5,4% من جملة السكان في ذلك الوقت يمثلون في السلطة التنفيذية بنسبة 79,5%طيلة خمسة حكومات متعاقبة ؟؟؟!!.. الحكومات هي : حكومة الازهري 1954 - الازهري 1955 - الازهري 1956 - حكومة عبدالله خليل 1958 - ابراهيم عبود 58 - 1964 وحكومة سر الختم الخليفة , والتي لم تمثل دارفور ايضا ( نسبة 0%) . كذلك الحكومة المايوية لم تحصل دارفور منها سوى على 4 مناصب بالاشتراك مع اقليم كردفان . بنسبة 3,5% مقارنة بالشمال الي حصل على 79%بنسبة 68,7% وهكذا المجلس العسكري الانتقالي , كان نصيب دارفور فيه بالاشتراك مع كردفان منصبا واحدا فقط . بنسبة 3.3% بينما نصيب الشمال 21 منصبا بنسبة 70% وفي عهد الانقاذ حصلت دارفور على 20% (3مناصب ) , وفقا للتوازنات . ولكن كالعادة المتبعة عند تعيين الجنوبيين ( ترميز تضليلي ) ..
- كذلك لم تتجاوز اى ولاية في ميزانية التنمية سقف 36% كصرف فعلي من المجاز او المصدق به . مما يجعلها على الدوام في موقف المؤهل لاستقطاب الدعم الجديد . او تحويل الدعومات الساقطة عن باقي الولايات , والتي عجزت عن استغلالها ؟ !.. وربما مثل هذا الوضع هو ما حفز شركة اسلاربوية مثل " شريان الشمال" على شراء جزء من اليات طريق الانقاذ الغربي , لاكمال طريق شريان الشمال ؟!.. كما نلاحظ انه تمت تصفية مشروع حزام السافنا , ومشروع جبل مرة للتنمية الريفية , ومشروع غرب السافنا , على الرغم من ان هذه المشاريع تلعب دورا هاما في انتاج المحاصيل الغذائية , التي يحتاجها اقليم عرضة للزحف الصحراوي والجفاف مثل دارفور . كما انه على الرغم من ان غابات جبل مرة وحشائش السافنا الغنية بحاجة للدعم القومي , الا انه تم الوقوف بوجه كل مساعي الدعم من قبل الصفوة الشمالية الحاكمة . الخ ....
لمزيد من المعلومات راجع :
sudanjem.com /arabic/books-black-book-firstmnoqadim.htm.
(33) عبد الرحمن الامين . السابق . ص : 134 .
(34) شريف حرير . السابق . ص: 37 .
(35) عبد الرحمن الامين . السابق . ص : 90 .
(36) شريف حرير . السابق . ص : 38 .
(37) عبد الله علي ابراهيم . السابق ص : 42 .
(38) شريف حرير . السابق . ص : 59 .
(39 ) السابق . ص : 63.
(40) نفسه . ص :66.
(41) alkhaleej.co.ae/articlest/show-article.cfm?val=87304
(42)islamtoday.net/articles/show-articles-content.cfm?catid=76&arid=3753.
(43) عبد الله علي ابراهيم . السابق . ص : 48 .
(44) شريف حرير . السابق . ص: 50
(45) السابق . ص : 50 .
(46) يلاحظ ان عددا من الرموز المنسوبين - سواء اولئك الذين يزعمون انهم اكاديميين , او يتوهمون انهم مفكرين سياسيين - للعمل المدني و " القوى الحديثة " في الخرطوم , وهم اعلاميون مؤثرون , فشلوا في احداث قطيعة مع الرواسب السالبة في الثقافة السائدة . انعكس ذلك على كتاباتهم في الصحف ومشاركاتهم في الندوات , والتي كان لها تاثير سيء في تشكيل اتجاهات الراى العام , اذ اسبغوا بطريق غير مباشر مشروعية على السلوك الهمجي القمعي للدولة الاسلاموية في السودان تجاه مواطنيها _ او الذين يفترض انهم مواطنون سودانيون - اعني سلوك الدولة في حصارها لسوق ليبيا ,بام درمان واعتقالها تحت بطش السلاح للتجار الزغاوة وابناء الغرب بصورة عامة . وترحيل عدد كبير من مواطني دارفور الى اماكن غير معلومة , وكل ذلك ليس الا اتجاها لتدعيم الخط - الرامي لتفريغ الخرطوم من الحزام الاسود الذي قيل انه يحاصر الخرطوم - الذي قاده حسن مكي , "بالتاصيل "النظري له يعنون بالحزام الاسود ابناء غرب السودان . كانهم ليسوا بمواطنين لهم حقوق المواطنة والتنقل في انحاء البلاد مثل الشماليين تماما, فبين ليلة وضحاها اصبح هؤلاء العبيد الغرابة حزاما اسود يحيط بخصر الخرطوم الجميلة , فتئن تحت وطأته وتعلن تخوفاتها عبر السلوك الهمجي القمعي لالية الجيش والاجهزة الامنية .
المهم هنا , ان اسباغ " المثقف" او " الحداثوي " او " المديني " المزعوم مشروعية على السلوك القمعي للدولة تجاه مواطنيها غير العرب , يؤكد تلاشي الدور التنويري , وسقوط الشعار الهادي الذي اطلقه سارتر : " المثقف هو الضمير الشقى لامته " , وبالتالي استمرار السلوك الانتهازي . فالمثقف في الخرطوم بفعل الاليات التي تعلمها من الثقافة السائدة ( وهي اليات غير صالحة لمقاربة الحياة ) التي عجزت عن تجاوز ما يطرحه الواقع من معضلات , فضلا عن الاجابة على الالسئلة التى يطرحها الواقع . ارتكن دوره اى المثقف الى التواطؤ نع الواقع , والتقنين للعنف الذي تمارسه الدولة من موقعها " المثالي " ك " ذات متعالية " على التاثيرات الثقافية والاجتماعية . هذا الموقع الي يستمد قوته من مصدر اساسي هو الثقافة الاسلاموعربية " فهي ثقافة تنظر الى نفسها كذات متعالية " وهي ذات نظرة المثقف الخرطومي المازوم " غالبا " الى نفسه . . انعكس ذلك على تعاطي هذا المثقف ( الحداثوي - المدينى - المنسوب للقوى الحديثة ومؤسسات المجتمع المدني المزعومة ) مع الواقع الفعلي للتباين والتعدد الاثني والثقافي , فتمظهر عجزه هنا في انتاج المسوغات التي تعطي المشروعية لسلوك الحكومة تجاه الاطراف .
- عززت الثنائيات مثل اولاد البلدمقابل الجنوبي او الغرباوي واولاد البلد مقابل العبد او النوباوي " مصطلح سوداني " الذي اصبح يشكل معادلا للشمالي او كما يقول شريف حرير " النهري" . وقد شاعت مثل هذه التعابير الازدرائية والمحملة بالقيمة في الثقافة السياسية الشعبية , وقد عملت على تعزيز قيمة بعض المجموعات وانكار القيمة الانسانية لمجموعات اخرى . وبينما انتهى الاسترقاق كممارسة منذ وقت طويل بالغائه . فانه ما يزال موجودا في اذهان الناس , وما يزال يستخدم لتحقير بعض المجموعات , على اساس المنحدر الاثني او الاقليمي . او الجغرافي . لذلك ليست رمية طائشة عندما يكتب دكتور / منصور خالد " هناك سلسلة من الشتائم غير صالحة للنشر في الدوائر المغلقة في شمال السودان . توجه للسودانيين من غير ذوى الاصل العربي , تعكس كلها تحاملا شبه خفي " والدوائر التي يشير اليها خالد هنا , ليست سوى دوائر النخب الشمالية الحاكمة , التي كان خالد عضوا فيها ذات يوم . لقد اختزل التعدد الاثني في السودان من منظور الثقافة الشمالية السائدة , التي امسكت بالسلطة السياسية والاقتصادية في البلاد , ثقافة المثلث المتطور , الذي افترض تمثيل كل ماهو " سوداني " وفقا لتقسيمات وقياسات تخصه وحده .
(47) شريف حرير السابق . ص : 235.
(48) ثقافات سودانية . السابق . ص : 10.
(49) محمد ابراهيم نقد . السابق . ص : 16.
(50) راجع الكتاب الاسود فيما يتعلق بتوزيع المناصب .
(51) شريف حرير . السابق . ص : 55 .
(52) عبد الرحمن الامين . السابق . ص : 24 .
(53) شريف حرير . السابق . ص : ص45.
(54) مجلة السياسة الدولية . العدد 150. اكتوبر 2002 . الاهرام . ص: 216.
(55) عبد الرحمن الامين . السابق . ص: 24 .
(56) شريف حرير . السلبق . ص : 45.
(57) يورد دكتور شريف حرير : ( ص:59 من السودان النهضة او الانهيار ) انه في مذبحة الضعين , قامت مجموعة من قبائل البقارة الرزيقات المسلمين بالهجوم على رجال الدينكا . غير المسلمين , وذبحهم في مدينة الضعين جنوب دارفور . وحيث ان الضعين هي مركز نظارة الرزيقات , فان لهذا الحادث دلالة خاصة ليس فقط بسبب ذلك . وانما بسبب حقيقة ان الحدث تم في ظل حماية نشطة من قبل القوات الحكومية , اى من قبل البوليس والامن , ولم تتخذ حكومة الصادق المهدي اية خطوات تجاه الملاحقة الجنائية لمرتكبي الحادث . ان ذلك له دلالة خاصة في ضؤ حقيقة ان الرزيقات , يشكلون احدى اقوى الدوائر الانتخابية لحزب الامة , وهو الحزب الذي يترأسه ويمثل قائده الروحي رئيس الوزراء نفسه . ان النمط المميز في مثل هذه الحوادث . ان رجال القبائل غير المسلمين , يتخذون من نقاط الشرطة ملاذا لهم بعد نجاتهم من هجوم اولي عليهم من قبل رجال قبائل البقارة المسلحين . وحالما تصل المليشيا المطاردة لهم . والتي تفوقهم في التسليح وتحمل بنادق هجومية غير مرخصة . بيدا في ذبح هؤلاء اللاجئين وللسخرية من المفترض ان تحميهم قداسة القانون ( لاحظ نمط الجرائم المرتكبة في الحرب الراهنة في دارفور ) .
(58) darfurinfo.org/kabsh.html.
(59) انظر السابق .
(60) دكتور قيصر موسى الزين . فترة انتشار الاسلام والسلطنات في افريقيا (641- 1821) مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية . الخرطوم . طبعة اولى . مايو 1988 . ص : 85.
(61) السابق . ص : 27 .
(62) دكتور حيدر ابراهيم علي . ازمة الاسلام السياسي ( الجبهة الاسلامية القومية في السودان - نموزجا ) مركز الدراسات السودانية . الطبعة الاولى القاهرة 1991 ص: 37 .
(63) شريف حرير . السابق . ص : 24.
(64) قيصر موسى الزين . سابق . ص: 91.
(65) شريف حرير . سابق . ص : 25.
(66) حقوق الانسان السوداني ( كتاب غير دوري ) المنظمة السودانية لحقوق الانسان . القاهرة . العدد الثامن . يوليو 1999. ص : 10 .
(67) شريف حرير . سابق . ص: 30 .
(68) حقوق الانسان السوداني . سابق . ص : 10
(69) قيصر موسى الزين . سابق . ص: 100 .
(70) شريف حرير . سابق . ص: 36.
(71) السابق . ص : 57.
(72) نفسه . ص : 77.
(73) منذ مستهل العقد الاخير من القرن الماضي , بدأت تظهر تيارات عنصرية داخل الجبهة الاسلامية القومية . بصورة سافرة . " منحازة للعنصر العربي " . عبرت عن نفسها في كتابات حسن مكي و اخرين غيره فيما اطلق عليه الحزام الاسود الذي اشرنا اليه سابقا . وتم قرع الناقوس بما يشبه التعبئة التى حدثت في عهد نميري , بترحيل النازحين من الاطراف الى اقاليمهم تحت شعار الاستفادة منهم في مناطق الانتاج . المفارقة ان مثقف مثل دكتور عبد الله علي ابراهيم صاحب التاريخ الماركسي الاممي العتيق, والاستاذ باحدى الجامعات الاميريكية .مضى في هذا الاتجاه وكتب على صفحات الصحافي الدولي في العام 2002 مقالاتا عبرفيها عن استياءه من هذا " الحزام الاسود " ب " عقائده المشبوهة " على حد تعبيره . ما يشير الى ان مسألة طرد " غير العرب" من العاصمة التي يفترض انها " قومية " وترحيلهم الى اقاليمهم خيار استراتيجي واساسي للعرب الشماليين . وما كتب على صفحات " الحرية " حول البرجوازية الاثنية "/ عمود سكناب .انما هو لقياس ردود الافعال , وتحديد امكانية القيام بترحيل هذا الحزام الى الاقاليم التى جاء منها ام لا ؟ .. وهنا تجدر الاشارة افلى ضرورة مراجعة ورقة دكتور الباقر عفيف : متاهة قوم سود في ثقافة بيضاء "....



#احمد_ضحية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة : خوف
- مشاهد
- ثقافة الاستبداد .. حجب الحوار المتمدن
- الصفر ... قصة قصيرة
- فصل من رواية : التقرير الاخير حول محنة ابو لكيلك الجنجويدى . ...
- دارفور : الازمة والابعاد ..
- رواية مارتجلو ..ذاكرة الحراز
- الازمة الوطنية فى السودان : من التمزق الى التلاشى 1-5
- حول مازق السودان ..الراهن 1-5
- جابر الطوربيد : محمود مدني رؤية نقدية في الدلالة والسياق الر ...
- حكومة الخرطوم والاصرار على الابادة فى دارفور
- تحول السلطة : بين العنف والثروة والمعرفة
- عام على احتلال العراق : لقد ظل حذاؤك وراسى .. فتذكر سيدى الج ...
- اغنية لطائر الحب والمطر..........قصة قصيرة
- تشكيل العقل الحديث
- هوامش على دفتر التحولات ..........دارفور والبلاد الكبيرة ... ...
- المقدمات التاريخية للعلم الحديث...
- النوة.......... قصة قصيرة
- دار فور: ما لا يقتلنى يقوينى 4_4
- نافذة للحنين نا فذة للشجن ....قصة قصيرة


المزيد.....




- مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا ...
- مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب ...
- الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن ...
- بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما ...
- على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم ...
- فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
- بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت ...
- المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري ...
- سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في ...
- خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - احمد ضحية - دارفور :- حول جذور الازمة , و أسبابها ومآلاتها