|
من هؤلاء؟
حسن سامي
الحوار المتمدن-العدد: 4102 - 2013 / 5 / 24 - 10:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من هؤلاء ؟
تساءلت الملائكة بالجعل الالهي ادما (ع) خليفة له في الارض بقولها ((اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء)) و هي اشارة واضحة الى ان هناك ثمة خلفاء سبقوا ادم في هذا التكليف الا انهم فسدو في الارض و سفكوا الدماء، و لم تكتف الملائكة بالاشارة الى منْ خُلف من قبل و انما طرحت اهليتها لهذه الخلافة من حيث كونهم ممن يسبحون بحمد الله و تقديسه بقولهم ((و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك)). هذا ما اقتصر عليه علم الملائكة من احداث جرت على البسيطة و وجدت ضمن معطيات علميتها و درايتها انها افضل من يستخلف في الارض. يبقى الله سبحانه و تعالى هو خالق الملائكة و هو عالم الغيب و الشهادة و ان ما في علمه ما لا تعلمه الملائكة فقال اني اعلم ما لا تعلمون. عدالته سبحانه و تعالى تقتضي إقناع الملائكة بحجج بالغة تثبت عدم صواب رأيها في المستخلف. الامر يتطلب رد الفساد بالاصلاح و رد سفك الدم بحرمته و هما من باب الرد على استشكالات الملائكة و من باب اخر ضرورة ان يكون المستخلف في مقام التسبيح و التقديس ما لم تبلغه الملائكة. ))وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)) ،من الاية الكريمة يتضح ان قرينة التفضيل هي معرفة الأسماء، اذا عرفها ادم و لم تعرفها الملائكة فستكون سببا كافية لاستخلافه في الارض. قالت الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اذاً عجزت الملائكة عن معرفة هذه الأسماء، ثم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون، و بمعرفة ادم للأسماء حسم قرار جعله خليفة في الارض.
ما هي الأسماء التي عرفها ادم؟ ما تعلمناه في مدراسنا و قرأناه في الكتب و مواقع التفسير على الانترنت اليوم ، ان الاسماء الواردة في الاية الكريمة هي الاسماء في لغات اهل الارض مثل الجبل و الشجر و الماء و الهواء و البعض منهم ذهب ليقول انها اسماء كل دابة تدب على الارض من انسان و حيوان. لعل هذا الرأي الاكثر شيوعا لدى المسلمين، لكن هل من المعقول ان يكون تفضيل ادم على الملائكة المسبحون و الحامدون المقدسون لله في الليل و النهر لمجرد انه تحدث عن هذه الاسماء ، و ما علاقة هذه الاسماء باستشكالات الملائكة (( من يفسد فيها و يسفك الدماء)). من جانب اخر هل الخلفاء اللذين سبقوا ادم في الارض كانوا في عالم بلا اسماء؟ كيف لنا قبول هذا التفسير و رده كان في آية التالية للايات السابقة ((و قلنا يا ادم اسكن انت و زوجك الجنة و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)) ، كيف يكون شكل الجنة بلا هذه الأسماء، أولم توكل بعض المهام للملائكة في الجنة و النار ، اذا كيف لا يعلمون بهذه الاسماء.
عرضهم على الملائكة و قوله تعالى أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين فيه اشارة الى العاقل و ليس غير العاقل ، من حيث لا يستقيم في الادراك عرض الاسماء و الاشارة اليها بالعاقل، لان من الاولى لغويا الاشارة للاسماء باسم الاشارة (هذه) و ليس هؤلاء و عرضهم غير عرضها اي عرض الاسماء. مما تقدم نستنتج ان المُعرف كان موجودا ساعة الحوار و هو عاقل و ان الله سبحانه و تعالى طلب من الملائكة معرفتهم. عجزت الملائكة عن معرفة هؤلاء و لكن ادم قد تعرف عليهم. كيف تمكن ادم التعرف عليهم ؟ الجواب ليس كما يتبادر الى الذهن للوهلة الاولى ان الله سبحانه و تعالى اخبر ادم بهم ، هذا تفسير غير صحيح لان نص الاية يشير الى التعليم و ليس الاخبار او الانباء ، علم ادم ، اي علمه في الماضي و لا يقاس الماضي هنا بزمن حتى يتحول الخبر الى علم. اذ ان الله عندما خلق ادم احسن خلقه و وهبه العقل الذي تعلم من خلاله القدره على الادراك و الاستنباط، في المستدرك للحاكم النيسابوري عن حديث مرفوع عن عمر بن الخطاب ، ان ادم (ع) عندما ارتكب خطيئته طلب المغفرة بقوله الله بحق حبيبك محمد اغفر لي ، فقال جل وعلا و من اين عرفته ، قال لما خلقتني و سويتني بشرا و نفخت في الروح رفعت رأسي و قرأت على ساق العرش لا اله الا الله محمد رسول الله فعلمت انه احب الاسماء اليك. اي ان ادم تعرف على الاسماء لانها من جلدته او من ذريته و عجزت الملائكة عن معرفتها لان حاملي الاسماء ليسوا من جنس الملائكة.
معرفة الاسماء لذوات عاقلة معينة غير كافية للتفضيل مالم يكن هنالك ادلة تثبت تفوق هذه الذوات في تقديس الله و حمده و تسبيحه على الملائكة ، مع ملاحظة ان الملائكة مخلوقات تتعامل مع الظواهر فهي لا تمتلك الغريزة و الشهوة و الدافعية او الحاجة لتحقيق الذات على خلاف الانسان الذي كله كتلة من المشاعر و الاحاسيس و الرغبات . الانسان الذي الذي تتوفر لديه القناعة شرعا بالحد الادنى من الحاجات و ذوبات روحه و بدنه في طاعة الله و رسوله يبلغ مقاما عاليا أعلى من الملائكة (ع). بناء على ما تقدم يمكن التأمل ان ما عرض على الملائكة ليست الاسماء و لا مخلوقات من النور و انما عرض عليهم عبادات و تجليات معاملية لرمزيات بشرية ادمية ردت استشكالاتهم و تفضيلاتهم على حد سواء. بمعنى اخر ان الله عرض لهم ما سيجري ويحدث على الارض و دور هذه الرمزيات في اصلاحها.
من التفاسير المعقولة في هذا المقام اشارت الى ان المقصود بالاسماء هم الانبياء والرسل و رأي اخر يحصرها في اولي العزم فقط. أولى التفاسير و اكثرها اقناع هو الذي حصر هذه الاسماء بنبينا محمد وال البيت على نبينا و عليهم افضل الصلاة و السلام. و حيث اني اميل ميلا كبيرا الى التفسير الاخير ، لا بد لي من اوضح بعض اسباب ترجيحهم على الانبياء و الرسل و تفضيلهم على الملائكة ليكونوا سببا لخلافة ابونا ادم (ع).
علي خير البرية و فوق كل علي مما لا شك فيه لدى جمهور المسلمين ان الله اصطفى محمد (ص) على خلقه و هو سيد الكائنات و حبيب اله العالمين، و بذلك فهو سيد الانبياء والمرسلين، و هل هناك من يشك ان محمد (ص) كان ممن عرضت اعمالهم على الملائكة فحظى بأحترامهم و تقديرهم و جعلوا خداما له. لكن الشك يخالط اذهان بعض الكتاب و المفسرين ان قلنا ان سيد الكائنات الثاني بعد رسول الله محمد (ص) هو علي بن ابي طالب عليه السلام. اذا يظنون انه لا يتقدم على الرسل و الانبياء في المقام و المنزلة و للاسف غابت عن اذهان هؤلاء ان تحقق دولة العدل الالهية و عالم الفضيلة يكون على يد الامام المهدي (ع) و هو من يؤم عيسى (ع) في الصلاة ، هذا ما اكدته الاحاديث الصحيحة و اجمع عليه المسلمون، فاذا كان اعتقادنا ان الامام المهدي (ع) سيكون اماما في الصلاة و يقف خلفه عيسى روح الله ، فلماذا نصر على تفضيل الانبياء و الرسل على ال محمد (ص)؟
ان حكم تفضيل الامام علي (ع) على الانبياء والرسل حادث واقعا بدلالة النصوص القرآنية و عبادته عليه السلام ، اذ انعم الله على ادم (ع) بالجنة و قال سبحانه و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة . فأباح الله اكل الطيبات لادم و نهاه عن شجرة واحدة و لكنه عصى و اكل من الشجرة (و هي الحنطة) و الامام علي لم ينهه رب العزة جل و علا من اكل الطيبات و لم ينهه عن الحنطة و لكنه امتنع عن اكلها و لم يعص ربه طرفة عين. لم يخالط الشك يقين علي إطلاقا ، بل كان مطمئننا تمام الاطمئنان ما يعبد اهل للعبادة فهو القائل إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك، و هو القائل ايضا لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا، و بهذه المزية فضل على ابراهيم عليه السلام قال ارني كيف تحي الموتى (( وإذْ قال إبراهيم ربِّ أرني كَيفَ تَحي الموتى قال أو لَمْ تُؤمن قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي)). الخوف كان صفة ملازمة لموسى (ع) (( فخرج منها خائفا يترقب)) و قوله تعالى ((قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون)) ، و علي (ع) بات على فراش رسول الله (ص) و لم يخف ، فأنزل الله سبحانه و تعالى (( وَمِنَ الّناسِ مَنْ يشَري نفسهُ ابتغاء مَرضات الله)) و هو الذي ابلغ المشركين سورة براء بأمر من رسول الله حين ذهب الى مكة و هو قتال العرب و فرسانها ، فذهب بلا وجل و خوف. فُضل على عيسى (ع) لأن مريم (ع) أرادت وضع وليدها في بيت المقدس فجاءها النداء يا مريم اخرجي من البيت هاهنا محل عبادة لا محل ولادة فخرجت و فاطمة بنت اسد لما جاءت ساعة ولادة علي (ع) التجأت الى البيت الحرام وسألت ربها تسهيل الوضع فأنشق لها جدار الكعبة و جاءها النداء يا فاطمة ادخلي فدخلت و وضعت عليا (ع) ورُد الجدار على حاله فولدت عليا في بيت الله و حرمه.
كيف لا و علي و سول الله من نفس واحدة التي باهل بها رسول الله اليهود (( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم )) و من باهل بهم هم فاطمة من النساء و الحسن والحسين من الابناء و عبر عن علي بأنفسنا. أليس من الاولى لهذه النفس ان ترتقي على بقية الرسل والانبياء؟ أو لم يفضل الرسول (ص) علماء امته على انبياء بني اسرائيل فلماذا عندما يكون التفضيل يخص عليا تتكدر الوجوه و تصرخ الالسن بما ليس لها من العلم. علي باب مدينة علم رسول الله القائل سلوني قبل ان تفقدوني ، علي الزاهد بطيبات الدنيا يقول اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا ، علي الصابر كسر ضلع الزهراء سيدة نساء العالمين بأمر من رسول الله ، علي الذي باهى الله به ملائكته تغصب من الخلافة غصبا و لم يسل سيفا او يسفك دما ، علي واضع الاسس الشرعية للاعلان العالمي لحقوق الانسان ، اللطف في سلوكه ، الرحمة في افعاله ن يوصى مالك الاشتر النخعي عندما ولاه مصر بالاحسان الى الذميين من الديانات الاخرى (ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك بالخلق).
بطولات و تضحيات و صبر وثبات و سلوك تجلت به صفات الخالق في المخلوق اذ تمظهرت به كمالات كالكمالات التي تمظهر بها رسول الذي كان هو وعلي نورا في الاصلاب الشامخة و خلقا من نور واحد انشطر هذا النور ليكون محمد و علي انوارا عند بأريء كريم قبل ان يخلق ادم بأربعة عشر الف عام. فعلي فوق كل علي فالله هو الاعلى و محمد هو المصطفى و حبيب اله العالمين و علي خير البرية و فوق كل علي ، بمثله استحت الملائكة من استشاكلاتها و تفضيلاتها فقالت (( سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم).
#حسن_سامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديوانيتي 2025
-
لولي الدم حق التصويت بالقصاص او العفو
-
شتان ما بين اللحمة (بضم اللام) و اللحمة (بفتح اللام) الوطنية
...
-
تضامنو مع دعوة الرئيس
-
الجمهورية التاسعة : قائمة واحدة لعرب العراق تحي الامل
-
في رثاء الفقيدة مُنى علي محمد
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|