أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - تعلَّموا من إبيكوروس معنى -الحياة-!















المزيد.....

تعلَّموا من إبيكوروس معنى -الحياة-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 23:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



اثنان من العظماء عَلَّماني، وأحسنا تعليمي، معنى الحياة، وكيف ينبغي لـ "أَحْكَم الناس" أنْ يعيشها، وهما: الفيلسوف الإغريقي إبيكوروس، وشاعر "جدارا" القديم أرابيوس.
أنتَ لستَ مَدْعوَّاً إلى أنْ تُؤْمِن بكل ما آمن به إبيكوروس من مبادئ؛ لكنَّك مَدْعُوٌّ إلى أنْ تعرفها، وتتمثَّل معانيها، وتحيا حياتكَ ولو بما تيسَّر لكَ منها.
إبيكوروس عَرَف أنْ لا حياة للإنسان مِلؤها الحياة إذا لم يَفْهَم "الموت" في طريقة مختلفة؛ في طريقة جديدة، وجيِّدة.
لقد فكَّر مَليَّاً في "الحالة" التي تسمَّى "الموت"، والذي هو العاقبة الحتمية للحياة نفسها؛ فأنتَ لا تستطيع العيش إلاَّ بشيءٍ من الموت، يُخالِط حياتكَ، وبما يُولِّد، ويُراكِم، فيكَ من أسباب الموت، أيْ تلك "اللحظة" التي تشبه لجهة أهميتها ووزنها "القطرة التي أفاضت كأس الماء".
وتوصَّل إبيكوروس إلى أنَّ "حالة الموت" لا تختلف (نوعاً) عن الحالة التي كنتَ فيها في رَحْم أُمِّكَ، وقبل أنْ تُوْلَد بثوانٍ؛ فهل لكَ أنْ تُخْبِرنا ولو بنزرٍ من تفاصيلها؟!
إنَّها "الحالة" التي يكفي أنْ تتأمَّلها حتى تعرف جيِّداً معنى عبارة "نَسْيَاً مًنْسيَّاً"؛ فهي "النِّسيان" الذي لا يَعْدِله نِسْيان؛ وهي "الفراغ" الذي على اتِّساعه لا يتَّسِع إلاَّ لمعنى "العدم"!
ولو كان لي سُلْطَة "إعادة التسمية" لسمَّيْتُ "القَبْر" باسم "الرَّحْم الثاني (والأخير)"؛ فما الحياة إلاَّ رحلةٍ (قصيرةٍ) تَنْتَقِل فيها من "رَحْم أُمِّكَ" إلى "رَحْم أُمِّنا جميعاً"، وهي "الأرض"، أو "ترابها".
لا تتعجَّل في الاعتراض قائلاً إنَّكَ في رَحْم أُمِّكَ كنتَ كائناً حيَّاً ينمو، وإنَّكَ في القبر فَقَدَت جثَّتكَ كلَّ حياةٍ؛ ذلكَ لأنَّ شيئاً من معاني وملامح وأوجه وأبعاد الحياة تستمر في جُثَّتِكَ إلى أنْ تتحلَّل، وتعود مادتها إلى ما كانت عليه من هيئةٍ حتى قبل نشوء الحياة؛ ولقد كنتَ في أصلكَ الأقدم والأبعد على هذه الهيئة؛ فأين المفارَقَة؟!
ومُذْ وُلِدتَّ شرع "كأس الحياة" يمتلئ بـ "قطرات الموت"، قطرةً قطرةً، حتى جاءت "القطرة الأخيرة"، وهي كناية عن "لحظة الموت"؛ فالموت (وهذا ما ينبغي لنا فهمه) يُخالِط الحياة (أيْ الكائن الحي نفسه) دائماً، وينمو فيها، في استمرار، إلى أنْ تَرْجَح كفَّته (بـ "القطرة الأخيرة") على كفَّة الحياة.
إبيكوروس قال لأصدقائه، ناصِحاً: لا تجهدوا عقولكم في شيء (أيْ الموت) هو "النسيان والعدم (والنوم بلا أحلام)"؛ إنْ تألَّمتُم في حياتكم (ولا حياة بلا أَلَم) فحاولوا أنْ تنسوا الألم؛ فهو لن يستمر طويلاً؛ أمَّا إذا طال واشتد حتى الموت، فهو، عندئذٍ، ينتهي حتماً بالموت؛ فالألم جزء لا يتجزأ من الحياة؛ والموتى لا يتألَّمون؛ وإنَّهما للحظتان في حياة الشيء ليستا بجزءٍ من زمنه، هما: "لحظة نشوئه"، و"لحظة زواله".
وبعد هذه النصيحة، نصحهم ألاَّ يُضيِّعوا، أو يستنفدوا، وقتهم وجهدهم لاكتساب المال، أو الشهرة، أو السلطة؛ لأنَّ "الاستمتاع" بما اكتسبوه من هذه الأشياء لا يساوي ما بذلوه من وقت وجهد؛ إنَّ هذا السعي مُكْلِفٌ جدَّاً، ولا يتناسب، من ثمَّ، مع "النتيجة المنشودة"، ألا وهي "لحظة الاستمتاع" بما أُنْجِز (أيْ بما اكتسبوه من مال، أو شهرة، أو سلطة).
الحياة، ولجهة أزمنتها الثلاثة: الماضي والحاضِر والمستقبل، هي كنَهْرٍ جارٍ، تَقِفُ في وسطه، وتلعب بمياهه؛ فهل تلعب بمياهه التي جَرَت، فأصبَحَت وراءكَ، وبعيدةً عنكَ، أم تلعب بمياهه التي تجري في اتِّجهاكَ؛ لكنَّها لم تصلكَ بَعْد؟
كلاَّ؛ إنَّكَ لا تلعب، لا بهذه، ولا بتلك، من مياهه. إنَّكَ تلعب، وتستطيع أنْ تلعب، بمياهه التي حَوْلكَ فحسب؛ فَعِشْ "الحاضر"؛ لأنَّكَ لا تملك من الزمن غيره؛ فالماضي لا يعود، والمستقبل لم يأتِ بَعْد. وإنِّي لأعْجَبُ من إنسانٍ يقضي ويستنفد حاضره (والذي هو الحياة بواقعها) نادِماً آسِفاً على ما مضى، قَلِقاً خائِفاً مِمَّا سيأتي؛ فمتى يحيا ويعيش؟!
وأَعْجَبُ أكثر من إنسان بَلَغ من العُمْر عتيَّاً وما زال اكتناز الذهب والفضة يستعبده؛ يُقتِّر على نفسه، وهو الذي لديه من المال ما لا تأكله النَّار؛ فإذا سأَلْتَهُ عن السبب أجابكَ قائلاً: أُخبِّئ قرشي الأبيض ليومي الأسود!
لقد اعتدتَّ في حياتكَ عادات كثيرة، إلاَّ عادة واحدة هي التسامي عَمَّا يملأ حياتكَ اليومية من أمور وأشياء واهتمامات وهموم صغيرة تافهة؛ فأنتَ كمثل من ألصق وجهه بشجرة صغيرة هي جزء من غابة؛ فكيف له أنْ يرى الغابة؟!
وليس من شيء (على ما أعتقد) يستطيع انتشالك من توافه حياتكَ اليومية (والتي باستبدادها بكَ ترى الحبَّة بحجم قُبَّة) إلاَّ "الكوزمولوجيا"؛ ففكِّر في الكون، وأنتَ حُرُّ الذِّهن من قيود "الأجوبة" التي رضعناها مع أثداء أُمهاتنا، حتى تُدْرِك، عندئذٍ، كم أنتَ صغيرٌ بهمومكَ واهتماماتك، بما تحب، وبما تكره، بما يُفْرِحكَ، وبما يُحْزِنكَ.
إنَّكَ مَدْعوٌّ إلى اكتساب وعيٍ، لو وَضَعْتَ بميزانه كل ما تستعظمه من أمور في حياتكَ اليومية لَمَا وَزَنَت شيئاً؛ وإنَّ لهذا الوعي (الذي نفتقده) عيوناً تريكَ الأشياء في حجومها الحقيقية الواقعية، فالحبَّة لا تُريكَ إيَّاها قُبَّة، والقُبَّة لا تُريكَ إيَّاها حبَّة.
وهذا الوعي يُمكِّنكَ من السيطرة على مشاعر الحزن والأسى، والتحكُّم فيها؛ فلو حَدَثَ ما يمكن أنْ يُطْلِق ويثير هذه المشاعر في نفسك، فاسْأَلْ نفسكَ هذا السؤال: هل لهذه المشاعر أنْ تظلَّ على ما هي عليه الآن من شدَّة وقوَّة بعد سنة أو سنتين..؟
أَجِبْ؛ ثمَّ أَجِبْ عن السؤال الذي يَلِده الجواب؛ وهذا السؤال هو : لِمَ لا تَجْعَل هذه المشاعر الآن بالحجم الذي ستكون عليه بعد سنة أو سنتين..؟
إيليا أبو ماضي قال: أَحْكَمُ الناس في الحياة أُناسٌ علَّلوها فأحسنوا التعليل؛ وإنِّ لأنصح بالاستعانة بالفيلسوف الإغريقي إبيكوروس في تعليل، وحُسْن تعليل، الحياة، وبزيارة "حجر الشاهد" لقبر أرابيوس (في جدارا) الذي نُقِشَت فيه عبارته العظيمة "أيُّها المارُّ مِنْ هنا، كما أنتَ الآن كنتُ أنا؛ وكما أنا الآن ستكون أنتَ؛ فتمتَّع بالحياة؛ لأنَّكَ فانٍ!".



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -القبطان- بشَّار!
- سيناء تطلب مزيداً من السيادة المصرية!
- ما معنى أنْ ينجح -المؤتمر الدولي-؟
- -نظام التصويت- الذي يؤسِّس لمجتمع ديمقراطي
- فلسفة -الإرادة-
- في فِقْهِ -الاستبداد الدِّيني-
- لماذا أعلن كيري -الدليل القاطِع-؟
- هذا -الرَّد الإستراتيجي- السوري!
- الوزن الحقيقي ل -تَفاهُم كيري لافروف-
- هل ثمَّة ما يُبرِّر خوفنا من الموت؟
- لماذا يصر نتنياهو على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل على أنَّها ...
- شبابنا إذا حُرِموا -نِعْمَة- العمل!
- الظاهِر والمستتِر في الضربة الإسرائيلية
- في الجواب عن سؤال -الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية-
- -إنجاز- كيري!
- طريقتنا البائسة في التفكير والفَهْم!
- عيد -المحرومين في وطنهم-!
- مهاتير يُحذِّرنا وينصحنا!
- العراق على شفير الهاوية!
- أُمَّة تحتضر!


المزيد.....




- السعودية.. وزارة الداخلية تعدم فلبينيا قصاصا وتكشف كيف قتل ا ...
- بعد 20 يومًا فقط من ولادتها.. ريتا تواجه الحياة كنازحة بسبب ...
- ماذا حدث في إسرائيل يوم 6 أكتوبر 1973؟
- -العقيدة النووية الروسية- ـ متى قد تضغط موسكو على -الزر-؟
- ميونخ تختتم مهرجان -أكتوبرفيست- الشهير بألمانيا بيوم مشمس
- صحيفة أمريكية تتحدث عن سؤال غير متوقع لبوتين من جانب ترامب
- الجيش الإسرائيلي يعلن بدء عملية برية جديدة شمال قطاع غزة
- باحثون يحددون مكملا غذائيا يقلل من العدوانية بنسبة تصل إلى 2 ...
- فرنسا تخطط لتزويد جيشها بغواصات مسيرة تغوص لأعماق كبيرة
- علماء روس يبتكرون روبوتات لاستكشاف القمر


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - تعلَّموا من إبيكوروس معنى -الحياة-!