جوزيف روزنتال..ذلك الشيوعى التائه

رياض حسن محرم

الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 08:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

جوزيف روزنتال..ذلك الشيوعى التائه
لعب جوزيف روزنتال دورا محوريا فى تأسيس وتطوير الحركة الشيوعية المصرية فى النصف الأول من القرن العشرين، وإختلفت حوله الكثير من الآراء ووصفه الكثيرين بالفوضية تارة والنقابية تارة أخرى وحدد الكومنترن فصله من الحزب الإشتراكى المصرى الوليد عام 1921 مع تغيير إسم الحزب الى الحزب الشيوعى شرطان ضروريان لقبول الحزب فى الأممية الثالثة.
كانت الأسكندرية منذ أعاد محمد على لها رونقها وبهائها فى القرن التاسع عشر تعد بحق أهم المدن المطلة على البحر المتوسط، فقد مد الباشا لها مياه النيل بشقه لترعة المحمودية وأعاد بنائها على يد المهندسين الفرنسيين والإيطاليين وأنشأ الميناء الشرقى وحى المنشية وقصر رأس التين والترسانة البحرية، وأصبحت الأسكندرية هى المقر الرسمى لقناصل الدول وأصبحت القبلة الأولى للجاليات الأجنبية من يونانيين وايطاليين وأرمن وشوام واليهود الغير مصريين، وفى عهد إسماعيل إستمرت نهضة المدينة فقام بتخطيط الأحياء الجديدة ومد شبكة المياه النقية والصرف الصحى وتم إنارة الشوارع بغاز الإستصباح وأنشأ مسرح محمد على، وبعد دخول الإنجليز لمصر إزداد وجود الأجانب فى الأسكندرية تحت الحماية الأجنبية حتى أنهم كانوا يعتبرون المصريين المقيمين بالأسكندرية كجالية ويقال أن تسمية حى زعربانة بالرمل بذلك الإسم لأنه كان يسكنه أعداد كبيرة من ابناء البلد الذين يسميهم الخواجات ذى عربان، ومع بدايات القرن العشرين إنتشرت الصناعات بالأسكندرية كالغزل والنسيج وصناعة الجلود والدخان والسفن وإمتلأت المدينة بالكثير من العمال المصريين الفقراء، تلك كانت صورة واجواء الأسكندرية حين وصل اليها المهاجر اليهودى الفلسطينى جوزيف روزنتال.
بعد وصوله الى الأسكندرية إشتغل بعدة مهن تتعلق بالتجارة والسمسرة ثم إستقر به المقام بعد أن إفتتح محل جواهرجى بجوار نقطة شريف التى كان يسميها السكندريين كراكون الإنجليز، ومنذ وطأت قدميه أرض الأسكندرية عمل بشكل مباشر بالإتصال بالحركات اليسارية والعمالية فى أوساط الجاليات الأجنبية وتم تصنيفه لدى جهات الأمن بعد قيام الثورة الروسية بأنه شيوعى روسى.
لا يعرف على وجه الدقة تاريخ ميلاد روزنتال ولا تاريخ وصوله الى الأسكندرية ولكن الثابت فى ملفات وزارة الداخلية أن متابعته أمنيا بدأت من بدايات القرن العشرين، وصنفته فوضويا منذ عام 1913 ولكن الرجل كان له تأثير عميق على الطبقة العاملة تحديدا والعمال الأجانب على وجه خاص، ويذكر أنه وجّه جل إهتمامة الى تكوين النقابات العمالية فى مختلف الصنائع والمهن بالأسكندرية حتى بلغ عدد هذه النقابات 33 نقابة بالاسكندرية وحدها فى عام 1920، وكان روزنتال هو المهندس الذى لايعرف اليأس ولا الهزيمة وهو أول من طرح ضرورة تأسيس إتحاد عام للعمال يتم إنشاؤه من إلإتحاد الطوعى للنقابات وبدأ بنفسه تنفيذ هذا المشروع وأنشأ أول إتحاد عام للنقابات يضم 21 نقابة بها 3000 عامل وساهم بشكل أساسى فى إنشاء الحزب الإشتراكى المصرى عام 1921 الذى كان قوامه إتحاد النقابات الذى توسعت عضويته الى 20 ألف عامل فى عام 1924، وأنشأ روزنتال بالاسكندرية "جماعة الدراسات الإجتماعية" التى تعتبر أول كيان تثقيفى للعمال حول العمل النقابى والفكر الاشتراكى.
ليس معروفا لنا بدقة سبب الموقف العدائى الشديد لمنظمة "الكومنترن" الأممية وجوزيف روزنتال، الأمر الذى أدى بالمنظمة الى ربط قبول الحزب الشيوعى المصرى فى الأممية الشيوعية الا بشرط إقصاء روزنتال منه، التهمة الجاهزة هى الفوضوية، ولكن تاريخ الرجل لا يشى بذلك فقد كان تركيزه منذ اللحظة الأولى على تنظيم العمال وإنشاء النقابات واتحاد العمال ويذكر أن الرجل هو أول شيوعى بمصر ينشأ مدارس تكوين الكادر بالأسكندرية، فقد إفتتح فى 15 أغسطس 1921 أول مدرسة كادر للعمال فى حى كرموز بالأسكندرية، ثم أتبع ذلك بتعميم التجربة فى عدد من أحياء المدينة، وعمل جاهدا على إصدار جريدة للحزب ولما فشل فى الحصول على ترخيص قام بإستئجار ترخيص مجلة إسمها "الشبيبة" وأعاد إصدارها بشعار المنجل والمطرقة وصدّر العدد الأول بمقال للينين وصورة كبيرة له ولكن سلطات الإحتلال الإنجليزى صادرت المجلة وألغت تصريحها وحاول روزنتال بعدها إصدار مجلة أخرى وكان الإحتلال له بالمرصاد.
على أن إسم الرجل تردد بقوة فى وسائل الإعلام المصرية فى ذلك الوقت وخاصة فى جريدة الأهرام بعد قرار السلطات الإنجليزية إبعاده عن مصر، فى تتابع أشبه بالمغامرات البوليسية حيث نشرت الأهرام خبر القبض على مسيو روزنتال فى 24 يوليو عام 1924 وإيداعه بثكنة كوم الدكة العسكرية (مكان قسم الترحيلات حاليا) تمهيدا لترحيله خارج البلاد لكونه غير مصرى، ودافع الرجل عن نفسه بأنه مصرى صميم ولا يحمل أى جنسية أخرى، ولكن تم وضعه عنوة على الباخرة "نمسيس" وترحيله الى أوروبا، ورفضت إيطاليا قبوله لأنه ليس من رعاياها وتكرر الحال نفسه فى عدد من الدول الأوربية وكان آخرها السلطات الرومانية، وذكرت الأهرام أن السفينة نمسيس عادت به الى الأسكندرية فى 9 سبتمبر، وعندما علمت السلطات أن السفينة عائدة وروزنتال على ظهرها أرسلت ثلة من الجنود الى الميناء الشرقى لمنع نزول الرجل من السفينة ومراقبته عليها.
رفض قبطان السفينة اليونانى مغادرة الميناء الا بعد ان تقوم السلطات المصرية بإستلام رجلها (والحديث على عهدة الأهرام) وأثناء المفاوضات إستطاع روزنتال الهرب من السفينة والنزول الى المدينة، وبعد عملية بحث واسعة عثر عليه فى إحدى مستشفيات الأسكندرية لإصابته بحالة مرضية تستدعى إجراء جراحة عاجلة، وفى 3 نوفمبر 1924 تم التفاهم بين الحكومة المصرية وجوزيف روزنتال أن يتم إطلاق سراحة مقابل توقيعه على إقرار بعدم بث الدعاية للشيوعية فى القطر المصرى وعدم تدخله فى شئون العمال وسعيه قانونيا لإثبات حمله للجنسية المصرية، وتعقب الأهرام على ذلك بأنه حل مثالى لتلك المشكلة المعقدة وذكرت فى عددها الصادر فى 4 نوفمبر ( أنه قد تم إطلاق سراح الخواجة يوسف روزنتال وعودته الى محله بشارع شريف مطمئنا).
لكن الأحداث التى أعقبت توجيه ضربة قاضية للحزب الشيوعى الأول فى مصر والقبض على جميع قياداته وموت المناضل الشيوعى "مارون أنطون" فى سجن الحضرة بعد إضرابه عن الطعام لمدة 40 يوما، وحبس وفصل وتشتيت أعضاء الحزب وتوقف نشاط الحزب او كاد لحوالى عقدين من السنين، وفى تلك الأثناء كان روزنتال يواصل إتصالاته بشكل سرى بمن تبقى من الحزب، ويذكر أنه فى عام 1938 تم تشكيل أول خلية شيوعية جديدة فى مصر، ومن الغريب أن مؤسس تلك الخلية هو روزنتال شخصيا لتبدأ الحلقة الثانية للحركة الشيوعية المصرية.

#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات