محمد الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1177 - 2005 / 4 / 24 - 10:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الحراك الاجتماعي والسياسي في سوريا على أشده في هذه الأيام, الصحافة, والانترنيت, والبريد الالكتروني تتصدر القائمة السياسية وكذلك الفضائيات, بتنا نسمع ألفاظاً جديدة على الساحة السورية لم نكن نجرؤ على طرحها فيما مضى ، وصرنا نرى مئات المقالات تكتب يومياً, تذاع وتعلن, تصب أغلبها في خانة واحدة الحفاظ على الوطن سوريا.
من متفائل ينشد حدوث التغيير نحو الأفضل إلى متشائم لا يؤمن بحدوثه, والكل يحمل مطالب تكاد تكون واحدة :
إلغاء حالة الطوارئ - إلغاء المادة الثامنة من الدستور– حرية الصحافة والمنتديات – المجتمع المدني والأهلي حرية الكلمة – حرية الأحزاب – جمعية حقوق الإنسان, انتخابات حرة وغيرها .....
وبتنا نسمع عن الديمقراطية والليبرالية وكأنَّ هناك بلداً مثالياً نسعى إليه جميعاً, شكل من أشكال جمهورية أفلاطون؛ لكن بنموذج عصري.
البعض يريد سوريا بكل أطيافها, والبعض يفكر بسوريا العربية القومية, والبعض يفكر بأن الخلاص قادم, وهو بيد الرئيس الشاب الدكتور بشار الأسد, الذي يسعى جاهداً للتصحيح والتطوير, والخلاص من تركة مثقلة بالهموم والمشاكل, ومن عقبات على الطريق, والقلة القليلة تفكر بأن التغيير مستحيل, وإن حدث فببطءٍ شديد .
والقلة النادرة تقول : بأن التغيير لا يمكن أن يحدث من الداخل؛ ولذلك ركبوا موجة المعارضة التي تقودها أمريكا على ظهر دبابة؛ لكن الجميع يعيشون هاجس ترقب حذر, حالة لم تمر بها سوريا من قبل, والحديث يكثر حول شتى المواضيع :
الفساد, الرشاوى, المحسوبيات, دفع مبالغ من أجل التوظيف, إلهاء الشبان بمسابقات وهمية, قوانين وتشريعات تصدر في مصلحة المواطنين؛ لكن تنفيذها شبه مستحيل بسبب عراقيل يضعها الذي يقومون على التنفيذ، روتين قاتل في الدوائر، قافلة تحاول المسير توضع أمامها العراقيل تبطئ سيرها, والبعض يقولون لا يوجد خلاص بالتغيير الداخلي, والأكثرية يتمنون بحلم رومانسي أن يتم التغيير من الداخل, ولا يريدون أن تتكرر تجربة العراق.
مؤتمر قطري قادم يخمن البعض أن الخلاص قادم معه؛ لكن الذين يدعون معرفة بواطن الأمور يقولون ستحدث بعض التعديلات الجوهرية بالحزب, وتتخذ بعض القرارات الجريئة؛ فيما يتعلق بالقيادة القومية, وربما القطرية؛ لكن لا يحلم أحد بأن يحلَّ الحزب نفسه, وقد تتغير تسميته برأي البعض؛ لأنّ أمريكا ستصنفه حزباً إرهابياً, وكأنَّ أمريكا لن تعرف بالتسمية الجديدة, ومجرد تبدل الاسم سيجعلها تصفح عنه, زوبعة من المقالات والمقابلات.
- ولكن السؤال هل يقرأ المسؤولون ما يكتب ؟
- هل نتعلم الدروس المستفادة من الجوار ؟
سوريا تجد نفسها اليوم أمام الخيارات الصعبة, فبعد الخروج من لبنان بقي لسوريا أن تقف في مواجهة كبيرة داخلية وخارجية.
1- في الداخل :
- مواجهة المسؤولين مع الذات.
- مواجهة المسؤولين مع المواطنين.
2- في الخارج :
- المواجهة مع أمريكا محاولة المصالحة معها وفتح صفحة حوار جديدة
- المصالحة مع أوروبا
والسؤال الثاني : هل يمكن للمسؤولين أن يعوا أن الناس تريد بلداً حراً سيداً, الإنسان فيه حر في أن يعبر عما يريد دون أن يتجاوز حدود حريته ؟
يريد المواطن أن يتنسم عبير الحرية في وطنه، أن يتحدث على الهاتف دون مراقبة, وإذا قرأ قصة في المركز الثقافي ألا يلتقطها رجل الأمن وكأنها صيد ثمين.
يريد المواطن أن يعبر عن ظلامة مرت به, وأن يُساءل الذي ارتكبها, يريد ألا يشعر بأنه في سجن كبير .
يريد أن يفخر بأنه سوري بالولادة ابن حضارة إنسانية يستحق الحرية والحياة الكريمة.
أرجو من القائمين على الأمور أن يقرؤوا, ففي كل يوم سوف نجد ذات المطالب من المفكرين والمثقفين الذين يملكون الغيرة على البلد والمحبة لها, فلقد كانت سوريا ملتقى العالم القديم ومعبر الحضارات, ومهبط أكثر من ديانة، منها انطلق مجمع بعل الإلهي إلى اليونان؛ ليكون مجمع آلهة الأولمب زيوس ثم جوبيتر عند الرومان ثم أتى المسيح إليها. وعبرها الرسول محمد والكثيرون من الأنبياء القدامى. ألا تستحق هذه البلد وقفة تأمل, الناس يحلمون والحلم يولد الأمل, وبعد صمت استمر ما يزيد عن العقود الأربعة أخذ الناس بالكلام, وإذا قرأ أحد المسؤولين مقالات يوم واحد في أي مجال الكتروني ( كلنا شركاء) على سبيل المثال فسوف يرى خلاصة ما يريده هذا الشعب العظيم.
وأرجو ألا يقول هذا المسؤول ما قيل من قبل بعض المسؤولين فيما مضى عن أحد الصحفيين الذي حاول الكتابة عن خلل ما في إحدى المؤسسات:
-هل يريد هذا الرجل أن يعلمنا عملنا ؟ ..
والسؤال الذي لا يعرفه أحد اليوم :
- ماذا تفعل السلطة اليوم ؟
- ما ذا تنوي أن تفعل في المستقبل؟
- هل ستستجيب للتغيير ؟
- هل هناك مراكز بحوث وخطط للمستقبل القادم ؟ أم أن الأمور ستبقى أفعال وردود أفعال تحدث كصدى لمَ يجري في العالم ؟ ...
نرجو ألا يكون إصلاح الأمور متأخراً كما أعتدنا فيما مضى؛ فلقد كنا في أواخر الدول التي دخلها الانترنيت والخليوي والمصارف الحرة, وآخر من فكر باقتصاد السوق, وكأن الأمور تعبرنا رياحاً لا نأبه بها ثم تشتد الرياح فتجبرنا على الحركة خوفاً من الاقتلاع .
ماذا يطلب المواطن ؟
يطلب أن يسمع صراحة بوجود خطة أو منهج للتغيير يضعه على طريقة السلامة, في هذا العالم العولمي الذي لا يمكن أن نخبئ رؤوسنا فيه, فلقد أضحت الأقمار الصناعية قادرة على تصوير مساحة متر مربع وربما التصنت على الإنسان أينما كان، يريد الإحساس بأنه في وطن له فيه تماماً مثلما تتساوى فيه الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، وصار لزاماً علينا أن نعي واقعنا, ونعرف خطو أقدامنا في هذا العالم الكبير والصغير في آن .
والسؤال الأخير :
هل كان للتجربة اللبنانية أثر علينا, عندما رأينا الصديق الحليف أوروبا وفرنسا تقف مع أمريكا في مطلب واحد.
لقد تمكنا من إيقاف العالم في مواجهتنا بصف واحد, والسؤال اليوم هل سنتمكن من أن نجعله يبدل اتجاهه ليقف معنا إلى جوارنا .
أم أننا سنقف وننتظر نرى ما سيفرض علينا ثم ننفذ المطالب الواحد تلوا الآخر .
23/4/2005
د. محمد الحاج صالح
#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟