أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - العفو الرئاسي في العراق والتفاصيل الخفية : بداية تغيير حقيقي أم مناورة سياسية تكتيكية ؟















المزيد.....



العفو الرئاسي في العراق والتفاصيل الخفية : بداية تغيير حقيقي أم مناورة سياسية تكتيكية ؟


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 289 - 2002 / 10 / 27 - 01:52
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


  

"النص الكامل "

                                                              

 

  إن الكلام عن احتمال أن يكون العفو  الرئاسي الشامل الذي أصدره الرئيس العراقي عن جميع السجناء والمعتقلين السياسيين وغير السياسيين  مجرد مناورة سياسية محسوبة بدقة ، ومن ذلك النوع الذي تحيل إليه الوصية الحزبية المعروفة والتي تقول  " على الأشجار أن تنحني حتى تمر العاصفة ! " ، إن هذا الكلام ليس كلاما تحريضيا ودون أساس هدفه التشكيك بالخطوة نفسها أو بالنظام ذاته . فهذا النظام عوَّد العراقيين على هذا النوع من المناورات الهادفة الى الحفاظ على الرأس حتى تمر العاصفة طيلة فترة حكمه للبلاد ، فقد لجأ  النظام الى هذا الأسلوب حين عاد الى السلطة في سنة 1968 ضعيفا وهشا وقد أصاب سمعته ما أصابها بسبب عمليات القمع الدموي الشاملة  التي قام بها خلال الانقلاب العسكري  الذي نظمه في الثامن من شباط سنة  1963 ، ولهذا حرص بعد انقلابه الثاني سنة 1968 ،على أن يحيط نفسه بقوى سياسية عراقية كانت تعرفه جيدا، وقد لجأ الى هذا الأسلوب التكتيكي المناور حين لم يتمكن من تصفية الثورة الكردية المسلحة فسارع الى عقد اتفاقية "الجزائر" مع شاه إيران ، وتنازل له  بموجبها عن جزء من شط العرب العراقي ومناطق حدودية عراقية أخرى مقابل رأس التمرد الكردي المسلح وكان له ما أراد . وما أن انتهى من الكرد حتى استدار الى الحزب الشيوعي العراقي المتحالف معه والمشارك في السلطة بوزيرين ووجه له ضربة أمنية ماحقة توجها بمجرة شنيعة أعدم خلالها وفي يوم واحد ثلاثين شابا من شباب الخدمة الوطنية بتهمة الانتماء الى هذا الحزب .

   فهل يمكن احتساب قرار العفو  الرئاسي ،وما قد يليه من قرارات وإجراءات ، ضمن  حقل المناورة السياسية التكتيكية أم إن النظام أدرك أخيرا، وبعد طول عناء وشلالات دماء ، انسداد الآفاق أمامه وأمام تجربته في الحكم التي جلبت الخراب والدمار والتهديد بالمزيد من الخراب والدمار على أيدي الأمريكان وحلفائهم  فقرر أن يبدأ بعملية تغيير حقيقي وعميق يسلم بموجبها بمطالب الشعب  السياسية والاجتماعية والاقتصادية ؟

   نعتقد أن  الإجابة الفضلى على هذا السؤال المحوري ، لا ينبغي أن تستند الى الرأي المسبق السلبي والقناعة الرافضة و المحسومة سلفا  ، لأنهما قد تصحان  قياسا على ما حدث في الماضي وقد لا تصحان  بنسب متقاربة جدا  . كما لا يمكن القياس على عمق وشمولية قرار العفو الذي لم ينفذ كاملا حتى الآن لترجيح الشق الثاني من الإجابة الاحتمالية .

   باختصار  وتركيز ، لا يمكن التقرير بأن الأمر كله مناورة سياسية محسوبة وتكتيكية ستنتهي بمجرد خروج النظام من الأزمة الراهنة سليما معافى  ، كما لا يمكن القول بأنها بداية التغيير الحقيقي الذي سينهي العهد الدكتاتوري ويدرج العراق في حالة ديموقراطية فعلا ،تشكل سدا حقيقيا وفاعلا بوجه الغزو الأمريكي شبه المؤكد .

  لسنا في وارد ترجيح أي من الإجابتين على طريقة " طرة أو كتبة " كما يقول العراقيون ، ولكننا سنعمد الى طريقة ،نزعم أنها أكثر موضوعية، وأبعد عن عقلية المقامرة، تقوم على وضع بعض التصورات والقياسات التي متى ما أقدم النظام على التصرف قريبا أو بعيدا عن فحواها  في الأيام القادمة أمكن لنا تقرير طبيعة قراره الأخير بالعفو ،وفهم معانيه. ولكن قبل التطرق الى هذه التصورات والشروط لنلق نظرة أخرى على قرار العفو ذاته والتداعيات التي أثارها :

  لم تكد تمر ثمان وأربعون ساعة على العفو حتى راجت شائعات كثيفة عن نوايا حكومية في التغيير السياسي العميق وعلى أعلى المستويات ،وقد نشرت صحف "الزمان" الصادرة في لندن و"الوطن "الكويتية و "الوطن " السعودية أخبارا ومعطيات منسوبة الى مصادر "مطلعة"، في الحكم تارة ،وأخرى في المعارضة العراقية الوطنية ، تفيد بأن حوارات ومشاورات دارت خلال الفترة القريبة الماضية بين بعض المسؤولين الحكوميين العراقيين وشخصيات عراقية معارضة بهدف استطلاع إمكانية مشاركة هذه الشخصيات في ما سمي  حكومة "وحدة وطنية ".

  إن هذا التسريب المحسوب بدقة يعكس أول ما يعكس تردد وارتباك النظام الحاكم من جهة على صعيد مسألة السلطة والتعامل مع الشعب ، ومحدودية الخيارات التي يرضى بها أو عنها ، تلك الخيارات التي تمت بصلة وثقى  لحالة الشلل الطويلة جدا التي خرج منها النظام  بالكاد بعد إصدار قرار العفو والشامل .

  و لابد لنا هنا من القول أن  قرار العفو  الأخير ذاته  ،مازال وحتى هذه اللحظة  ( مساء الخميس  24/10/2002 ) هشا وبطيئا على صعيد التطبيق العملي، و لا علاقة له بالسياسة إن صح القول . فإذا كان الحكم قد أطلق سراح المجرمين من القتلة واللصوص والمغتصبين من السجن المركزي في "أبو غريب " ، أمام عدسات المصورين وبعد دقائق فقط  على صدور القرار ، فإن مناضلي الحرية الحقيقيين ، و مقاومي الدكتاتورية من جميع الاتجاهات السياسية ( الإسلامية واليسارية والقومية الناصرية ) وضحايا القمع الشمولي مازالوا في  أغلبيتهم  الساحقة في الزنزانات، يتعرضون الى عمليات ابتزاز وضغوطات مختلفة ،بهدف انتزاع تنازلات الساعة الأخيرة أو تعهدات خطية بموالاة النظام أو عدم ممارسة السياسية مستقبلا ، وتلك أساليب قمعية حكومية  مألوفة ومعروفة في العراق .

  كما رفضت السلطات وبأوامر عليا إطلاق سراح معتقلين وسجناء  بعينهم من مدن عراقية بعينها كمدينتَيْ "الشطرة" و" الناصرية " وهذه الأخيرة هي  مركز محافظة "ذي قار" في الجنوب ومدينة "الثورة" في ضواحي العاصمة بغداد ، وهذه المدن الثلاث معروفة بأنها من المعاقل التقليدية للقوى الإسلامية الشيعية غير المرتبطة بإيران وتحديدا من أنصار ومؤيدي الشيخ الشهيد الصدر الثاني والشيخ محمد الناصري والشيخ حمزة الموسوي وأيضا للقوى اليسارية الماركسية والقاسمية .

  وبالمناسبة فالشخصية المعارضة العراقية التي راجت الشائعات الصحافية " الوطن السعودية عدد 23/10/2002 " عن احتمال تكليفها بتشكيل حكومة " الوحدة الوطنية " وهو الكاتب المعارض العراقي عبد الأمير الركابي هو من مدينة " الشطرة " ذاتها  التي ورد ذكرها قبل قليل  وقد وصفته الصحف التي روجت الخبر  باليساري المستقل ومن أصول عربية شيعية الأمر الذي يحمل بحد ذاته دلالة سياسية معينة سيأتي الكلام عنها في حينه.

   ومع هذا وذاك ، وعلى الرغم من سيل التصريحات المتحفظة ،  عن حق أو باطل ، يمكن النظر الى قرار العفو الرئاسي كخطوة مهمة  ولكنها لن تقدم أو تؤخر إن ظلت يتيمة ومقطوعة هكذا ،وناقصة في التنفيذ ، ومحدودة بالاستثناءات غير المبررة و الخطيرة  على المدى البعيد.

  وبالعودة الى قرار العفو يمكن القول أن تحفظ بعض المراقبين على كونه قرار عفو رئاسيا وليس تشريعيا، مما يجعله أكثر شبها بما سبقه من قرارات عفو عديدة ليس تحفظا ذا مغزى ، صحيح أن تلك القرارات السابقة بالعفو  لم تكن بحجم هذا الأخير، ولا في اتساع مداه ، ولكنها جميعا من طبيعة سياسية واحدة من حيث الجوهر لأنها رئاسية وليست تشريعية أي لأنها ترتبط  بقرار الرئيس الفرد وليس بالمؤسسة التشريعية البرلمانية . يمكن القول ، إذن ، أن هذا التحفظ ، في الساحة العراقية تحديدا ، ليس له من الأهمية السياسية الشيء الكثير من المغزى والأهمية السياسية  وذلك لسببين : الأول هو أن المشرع الحقيقي في حالتنا هذه  هو الرئيس في نظام شمولي معروف الصفات، والسبب الثاني هو أن المؤسسة التشريعية " المجلس الوطني " في العراق هو مؤسسة شمولية أيضا ومن لون حزبي واحد ،وعلى هذا فإن كون قرار العفو رئاسي المصدر وليس تشريعيا لن يكون له تأثير حاسم ما دامت طبيعة المصدر واحدة .

   وإذا ما استثنينا صراخ وعويل بعض الأفراد والجهات المعارضة ،وخصوصا تلك التي وضعت بيضها بل و جميع فراخها أيضا  في السلة الأمريكية ، ذلك الصراخ الذي اتخذ موقف الرفض المطلق والتشكيك، فقد أحدث القرار ارتباكا واضحا في ردود أفعال بعض الأطراف المعارضة الرصينة ، فيما لاذ البعض الآخر من أطرافها بالصمت أو لجأ الى  إبداء التلميحات التي لا تؤشر على شيء .

   ومن اللافت أن جميع تلك الأطراف المعارضة لم تهاجم  رموز التيار الوطني الديموقراطي المعارض التي وردت أسماء بعضها في الأخبار ، كما اعتادت أن تفعل سابقا ، مع التأكيد على أن بعض الأسماء والوجوه التي ورد ذكرها والمحسوبة على التيار الوطني الديموقراطي  ممقوتة لدى الجمهور العراقي المعارض في الداخل والخارج أكثر من أسماء ووجوه معروفة في النظام الحاكم نفسه . 

   ومن الطريف أن نذكر تصريحا أذاعته قناة " الجزيرة " القطرية  لشخصية معارضة عراقية معروفة بتوجهاتها الطائفية والملكية وصاحب وثيقة  سياسية تقول بوجوب تقسيم العراق الى اتحاد كيانات طائفية ، وهو أيضا بعثي سابق ، فقد صرح هذا السيد بأنه (طالما دعا الى الحوار والمصالحة الوطنية..) إن هذا السيد هو نفسه من شتم كاتب هذه السطور قبل فترة ليست بالبعيدة واتهمه بأنه يروج للحوار مع النظام ، مع أنني كنت ومازلت ضد هذا الحوار إذا ما ظل النظام على ما هو عليه ولم يسلم بمطالب الشعب والمطلب الديموقراطي أولها . هذه مجرد عينة على السادة المعارضين المستعدين دوما الى اللعب على جميع الحبال والانقلاب في المواقف مائة وثمانين درجة  والقفز من القطب الشمالي سياسيا الى الجنوبي  بقدم واحدة إذا ما لفحهم بريق السلطة والعودة الى الحضن الدكتاتوري الشمولي الذي أنجبهم !

  لنلحظ أيضا ، و ضمن  إطار التطرق لردود الأفعال ، الموقف الأمريكي الذي جاء على لسان الرئيس بوش الابن نفسه وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على قرار العفو . فقد  تغير هذا الموقف من التشديد على هدف تغيير النظام العراقي واعتباره الهدف المركزي للحملة الأمريكية، الى التأكيد الواضح والصريح على إمكانية بقاء النظام واعتباره قد تغير فعلا إذا ما " تعاون مع الأمم المتحدة ونزع سلاح التدمير الشامل " . ثمة علامة استفهام كبيرة تطرح هنا . فهل حاول بوش - كما يعتقد البعض – تشجيع النظام على إجراءات الانفتاح والتغيير ، أم أنه أراد العكس فصدق نية النظام بالتغيير الحقيقي الذي يعتبر من وجهة نظر استراتيجية أمريكية كارثة حقيقية لأمريكا ومصالحها ؟

  بكلمات أخرى : هل حاول بوش فرملة حركة النظام وقطع مسيرته نحو التغيير المحقق لآمال الشعب العراقي مقابل بقائه في السلطة ، واستبدال هذا التغيير الحقيقي بتغيير يقوم على إجراء  صفقة سياسية مع النظام مقابل ضمان بقائه ؟

   إن العارف بالطبيعة الإجرامية للإدارة اليمينية الأمريكية المتطرفة والمعادية للشعب العراقي ،سيميل معنا الى الاعتقاد بصحة الاحتمال الثاني .

  لماذا هرع بوش الى طمأنة النظام الحاكم  في العراق ومنحه ورقة بيضاء أخرى يبقى بموجبها في السلطة مقابل هدف نزع سلاح التدمير الشامل ؟ وهل الهدف الأمريكي هو فعلا  نزع سلاح التدمير الشامل أو إجراء تغيير آخر ولكن لصالح أمريكا يتم بمقتضاه تسليم مقاليد السلطة أو جزء منها لممثلي الحزب الأمريكي في المعارضة العراقية وليس لممثلي التيار الوطني الديموقراطي المعارض  ؟

   ونحن نكتب هذه الملاحظة ، نشرت إحدى الصحف " الزمان 24/10/" خبرا مفاده أن النظام تراجع عن نيته في تكليف عبد الأمير الركابي بعد تأكيد التسريبات التي ساقتها الصحف كما سلف ذكره . فهل نجحت حيلة بوش بالتشويش على النظام العراقي ،ودفعته  الى التخلي عن مشروع التغيير  والتسليم بمطالب الشعب العراقي والأخذ ،عوض عن ذلك ، بتقاسم مصلحي وقذر للسلطة مع رموز الحزب الأمريكي العراقي المعارض ؟ بمعنى ، هل سيحل أحمد الجلبي  مرشح الحزب الأمريكي محل عبد الأمير الركابي في مهمة تشكيل حكومة الفترة الانتقالية مقابل ضمان رأس النظام وتحقيق احتلال العراق بهدوء ودون ضجيج ؟ إن من حق المدافعين عن النظام الحاكم أن ينزعجوا وتعتبروا أن هذا التحليل ينطوي على إهانة ما ولكن المؤسف هو أن الحقائق لها استقلاليتها القاسية والتي لا تعتد بالعواطف والأمزجة !

   ليس هذا تعريضا بالنظام ولا هو مجرد تساؤل تدفع إليه تطورات الأحداث ، ولكنه مؤشر خطير على أن النظام الشمولي الحاكم لم يتخل  بعد عن تفكيره التكتيكي المضر بقضية العراق وشعبه ولكنه في حال موافقته على صفقة أمريكية من هذا النوع  لن يواجه المعارضة الديموقراطية العراقية ذات الجذور العميقة في أرض العراق فقط بل سيواجه ما تبقى من جماهيره هو أيضا ، والتي سترفض بكل تأكيد تسليم  رقابها  كالخراف لجزاري الحزب الأمريكي وشبكات المخابرات الصهيونية التي ستلتحق به .

   إن مما لاشك فيه أن احتمال خضوع النظام للتهديد والابتزاز الأمريكي ودفنه لمشروع التغيير الديموقراطي ، سيعني أولا التسليم حتما بشروط الولايات المتحدة وأولها تقاسم فعلي للسلطة مع الحزب الأمريكي في المعارضة العراقية ممثلا بمنظمات السادة الجلبي وعلاوي  وعلي بن حسين . وسيعني ثانيا ،أن قيام نظام ديموقراطي حقيقي في العراقي هو ملف ممنوع أمريكيا جملة وتفصيلا .وسيعني ثالثا أن المعارضة العراقية الوطنية بتياراتها الثلاث المهمة اليسارية والإسلامية والقومية ستواجه حتما، وسريعا جدا، وعلى الأرض ، النظام الشمولي وحلفائه " شركائه الجدد " من أصدقاء أمريكا. وبوسع من يعرف التضاريس السياسية والمجتمعية العراقية أن يتوقع تمردا شاملا في وسط وجنوب العراق على سلطة الثنائي إن قدر لها فعلا أن تقوم  وسيشارك في ذلك التمرد  حتى جماهير الحزب الحاكم " البعث " ولن يكون من الصعب حينها توقع اقتلاع الحكم من جذوره والعودة الى الخيار العراقي الاستقلالي الديموقراطي .

   إجمالا ، يمكن القول وبثقة أن التيار الوطني الديموقراطي المعارض للنظام وللعدوان الغربي على العراق معا قد حقق حتى الآن إنجازات مهمة دون أن يدفع ثمنا مباشر قد يفسر على أنه تنازل عن الثوابت الوطنية والاستقلالية والديموقراطية التي دافع عنها طويلا ومن تلك الأهداف :

-  أنه حقق اعترافا قويا بوجوده أذهل القوى السياسية العراقية التقليدية مع ما سيلحق بهذا الاعتراف من انتشار جماهيري واسع في داخل العراق قبل خارجه .

-  وهو حقق، أو في طريقه قريبا الى تحقيق، تطويق حاسم لأطروحات التيار "اللاوطني" في لمعارضة العراقية  المتعاملة والمتعاونة مع الغزاة الغربيين ،والذي بات يعتمد في وجوده من الألف الى الياء على قوة  أسياده الأمريكان ومقدار ضغوطاتهم على النظام الشمولي الحاكم  في بغداد. إن هذا التيار الذي يعادي " صوتيا " حتى حدود الهستيريا والهوس النظام الحاكم ويصفه بأبشع الصفات والنعوت هو على استعداد تام للتحول فورا الى شريك للنظام، يقاسمه قمع الجماهير المحرومة والمحاصرة والمهددة بالغزو الشامل ، ولدينا من المعطيات  ما يؤكد أن بعض أركان حزب السيد " الجلبي " مثلا، باشروا بإجراء اتصالات مباشرة مع المقربين من النظام ، وأبدوا استعدادهم للعودة الى العراق حتى من دون ضمانات لحجز حصتهم من كعكة الحكومة القادمة  بل أن بعضهم ينام محتضنا جهاز الهاتف عسى أن يتصل به النظام ويستدعيه في أية لحظة !

إن هذه الإنجازات المتحققة لا ينبغي أن تنسي التيار الوطني الديموقراطي مهمات أساسية راهنة أمامه ومنها :

-  إنجاز عملية التحول من تجمعات هشة وشخصيات مبعثرة الى تيار سياسي واضح المعالم والثوابت يعبر عن نفسه بشكل مستقل ورسمي وواضح .

-  الدخول في حوارات جادة ومعمقة مع القوى السياسية الفاعلة في المعارضة العراقية وعدم استثناء الأطراف ذات المواقف الوسطية  أو تلك المترددة والمشوشة ،وبالملموس ينبغي فتح النقاشات وإجراء الحوارات تحديدا مع الأطراف التالية :

-      الجناح الرافض للعدوان على العراق من حزب الدعوة الإسلامية في العراق .

-      الحركة الإسلامية العراقية بقيادة الشيخ الخالصي .

-      هيئة العمل الوطني .

-      الحزب الشيوعي العراقي .

-      حركة العلماء المجاهدين بقيادة الشيخ محمد الناصري .

-      الحزب الشيوعي العمالي العراقي .

-      مجموعة الكادر الحزبي .

-      الندوة العراقية .

-      حركة المجتمع المدني العراقي ومن قيادييها  الدكتور غالب العاني تمييزا لها عن حركة أخرى تحمل اسما مشابها .

  كما يمكن إجراء حوار مماثل مع الأحزاب والحركات الكردية العراقية و بعض المنظمات الجماهيرية العراقية المهنية والثقافية  و مع  حزب المجلس الأعلى بقيادة الشيخ محمد باقر الحكيم مع استثناء بعض القياديين فيه  كالذين  تورطوا في التعامل الاستخباراتي مع الأجهزة الأمريكية مثل السيد عبد العزيز الحكيم الذي سلم لتلك الجهات الاستخباراتية علنا  وثائق عسكرية عراقية سرية و مع استثناء العناصر الممقوتة جماهيريا والتي اضطهدت جماهير اللاجئين العراقيين في مخيمات جنوب إيران كالسيد صدر الدين القبانجي ومجموعته .

  وسيكون مفيدا لو أن الأطراف المذكورة أعلاه بادرت بنفسها الى الحوار فيما بينها وفتح المناقشات حول الشأن الوطني والقضايا الراهنة المطروحة وعدم الاكتفاء بانتظار أن يتصل بها الآخرون .

  وبالعودة الى الحدث الرئيس فقد سلف قولنا الى إننا لا نحبذ تقييم الحدث بمنظار الأبيض والأسود ، مع أو ضد ، بل من خلال وضعه في سياقه الحقيقي وربط ذلك السياق بالآفاق والتداعيات القادمة التي تضبطها مجموعة من التصورات والخطوط المنهجية البارزة .

فلكي يأخذ الحادث هيئة ومضمون البداية الحقيقية للتغيير يجب أن  تقوم التشكيلة الحكومية الموعودة على أسس سياسية واضحة  ومنها :

-  يجب أن تكون محددة برنامجيا وزمنيا . فزمنيا يجب الاتفاق على أن تتراوح عهدتها بين ستة أشهر وعاما كاملا ينتهي بتسليم السلطة الى حكومة منتخبة .

-      أما برنامجيا وهذا هو الأهم فيجب أن تأخذ الحكومة الانتقالية على عاتقها تنفيذ المهمات التالية :

-  تفكيك المؤسسة الأمنية وتفرعاتها وتنسيب كوادرها وموظفيها الى أجهزة الدولة المختلفة .وإنشاء مجلس  أعلى للشؤون الأمنية مهمة حماية البلاد والدولة من الأخطار الخارجية ومكافحة التجسس كما في سائر بلدان العالم ويرتبط هذا الجهاز برئيس الحكومة مباشرة .

-  إعداد قانون جديد و ديموقراطي للانتخابات التشريعية يسمح بتشكيل الأحزاب السياسية من مختلف الاتجاهات الفكرية الإسلامية واليسارية والقومية واللبرالية والمنظمات النقابية والأهلية وبالترخيص للقائم من تلك الأحزاب السياسية  والتي لا تدعو الى قيام دولة دينة طائفية على أساس ( مبدأ ولاية الفقيه الشيعية )  ولا على أساس ( دولة الخلافة الراشدة السنية ) بسبب خصوصية المجتمع العراقي .

-      معالجة الملفات الداخلية العاجلة معالجة شاملة وجذرية وعادلة ومنها :

-      ملف المهجرين العراقيين من الأكراد الفيلية وغيرهم  بما يضمن عودتهم الى وطنهم والتعويض عليهم .

-      ملف ضحيا الأنفال والكشف عن مصير المفقودين والتعويض على ذويهم .

-      ملف الأسرى والمفقودين العراقيين والكويتيين .

-  ملف العلاقات بين المركز وإقليم كردستان والتوصل الى صيغة سليمة للتعامل تضمن خصوصيات الإقليم والوحدة السيادية العراقية ورفع الوصاية التي تمارسها الأحزاب الكردية  الكبيرة على الساحة في كردستان بانتظار البت رسميا وبشكل دستوري بامر العلاقة بين الحكم المركزي  والإقليم.

-  ملف ضحايا القمع في العهد الشمولي بما يضمن إعادة الاعتبار لجميع الشهداء والتعويض على ذويهم ،والإعلان عن مصير المفقودين ،وتشكيل لجنة  على غار لجنة " الحقيقة والمصالحة " التي قادها القس المناضل جيسموند تيتو في جنوب أفريقيا ،لمعرفة حقيقة الأحداث وإنصاف المظلومين ومنح فرصة للمخطئين والمتورطين بأعمال القمع للعودة عن أخطائهم وطلب الصفح من ضحايا قمعهم مهما كانت درجة الجرائم السياسية المرتكبة .

-  إن جميع الإجراءات والخطوات السابقة ستؤدي حتما الى ترصين الجبهة الداخلية، والى رفع درجة الاستعداد والأداء  المقاوم في حال وقوع الغزو الأمريكي وتلك هي المهمة الأولى التي أوردناها أخيرا لأسباب لم تعد خافية .

  إذا ما سارت حكومة انتقالية على طريق تنفيذ هذا البرنامج  وبغض النظر عن اسم الشخص أو الجهة التي تقودها ،الذي لا نزعم أنه  برنامج  متكامل ،أو في الأقل، إذا ما طبقت الركائز المهمة منه ،ستكون قد شرعت فعلا بالتغيير الديموقراطي الحقيقي ، أما إذا لم يحدث ذلك ،واكتفت الحكومة بتقاسم الحقائب الوزارية مع ممثلي حزب البعث الحاكم ،وتركت المؤسسة الأمنية على ما هي عليه، فإنها تكون قد تحولت برضاها الى أداة طيعة بيد النظام الشمولي لتنفيذ مناورة تكتيكية تهدف أولا وأخيرا الى إنقاذ رأسه من العاصفة القادمة ،والعودة من ثم الى قمع الشعب بعنف أشد ، عنف لن تسلم منه عناصر التيار الوطني الديموقراطي ذاتها التي ربما سيعميها بريق السلطة عن رؤية طبيعة النظام وخططه بعيدة المدى .

  إن النظام يقدم رجلا ويؤخر أخرى كما أسلفنا ،وهو يعيش تحت وطأة تبعات العدوان الغربي الوشيك ، ولكنه سيرتكب أعظم أخطائه وآثامه بحق نفسه وبحق العراق وشعب العراق إذا هو صدق فعلا تطمينات  جورج بوش ووعوده بالبقاء في السلطة  فمال الى عقد صفقة لتقاسم الحكم مع عناصر الحزب الأمريكي في المعارضة العراقية .

  وإذا كان النظام يعتقد بأنه نجح من خلال تسريباته الأخيرة و من خلال طرحه لبعض أسماء التيار الوطني الديموقراطي في محاولة  استفزاز الطرف الأمريكي فحصل على تلك التطمينات ، فهو يرتكب هنا  خطأ آخر ، إذ أن الأمر لم يعد يتعلق بأسماء أشخاص بعينهم،  وهو يعرف تماما أن عبد الأمير الركابي  مثلا أو  أي زميل له في التيار الوطني الديموقراطي  ليسوا تجار صفقات سياسية ، بل أصحاب مشروع حقيقي وقديم ومعلن للتغير الديموقراطي السلمي في العراق . إنه  مشروع تعمد بدم أحد رواده هو الشهيد الصدر الثاني ( رجل الدين والأديب المقاوم محمد صادق الصدر ) وحتى إذا ما نجح النظام في جرِّ شخص أو أكثر من هذا التيار لتمشية مناورته التكتيكية ،فإن هذا النجاح سيكون معدوم الآفاق ، ومحدودا باسم ذلك الشخص أو الأشخاص وسنعود بعد ذلك من جديد الى خانة الصفر السياسي حيث : جميع قوى التغيير الديموقراطي في مواجهة نظام شمولي استنفد نفسه تماما ومع فرق جوهر جديد هذه المرة هو أن الشعب العراقي قد استفاق أخيرا من دوار الفجيعة والقمع الشامل واستعاد سليقته الكفاحية وروح المبادرة والتقدم نحو الديموقراطية وعلى حطام النظام إن اقتضى الأمر .. الوقت ينضب بسرعة والأوهام أيضا !!

 

=======

نشرت مجتزأة في يومية " الزمان " 25/10/2002  .



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللازم والمتعدي في الظلم !
- نعم لعروبة الحضارة لا لعروبة العنصر والدم !
- عروبة العراق ليست قبوطا !
- السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة- الجزء الثالث والأخ ...
- كتاب جديد عن العراق : نقد المثلث الأسود: النظام والمعارضة ...
- السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة !* -الجزء الثاني
- السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة !* - الجزء الأول
- الصحف الإسرائيلية تعترف : إعادة الملكية الى العراق جزء من مش ...
- السينما المتربة
- ملاحظات سريعة على مقالة الأخ مالك جاسم ..
- الحزب الشيوعي العمالي و العدوان الوشيك على العراق : دوغما ست ...
- لكلٍّ منا إمبراطورهُ .
- دعوا الانتفاضة تنتصر وإلا فانسحبوا من الواجهة !
- لبراليون من نوع آخر !
- كيف رد علي بن أبي طالب على جورج بوش زمانه !
- الإرهاب الفكري في الفضائيات
- بيان الخمسة وثلاثين مثقفا عراقيا : الصمت على العدوان الأمريك ...
- انتحار مدينة فاضلة !
- جريدة ابن الرئيس والتهجم على الشيعة : تخرصات واستفزازات خط ...
- أبو العلاء الآخر ..وهموم الحاضر .


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - العفو الرئاسي في العراق والتفاصيل الخفية : بداية تغيير حقيقي أم مناورة سياسية تكتيكية ؟