|
التعصب العنصرى والخصوصية الثقافية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4097 - 2013 / 5 / 19 - 13:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتبتْ د. منى حلمى أنه بعد يناير2011انتشرتْ ظاهرة المناداة بالهويات المُتعدّدة و((أنّ الحديث عن الهوية المصرية عنصرى يسعى إلى التقسيم ويقود إلى الفتن ويُشعل التعصبات ويُزورالحقائق التاريخية)) وتعليلها ((أننا نعيش بالانفتاح وليس بالاقصاء)) والسؤال الذى تغافلتْ عنه هو: هل توجد علاقة حتمية بين اعتزازشعب ما بخصائصه الثقافية والاقصاء؟ كأنها معادلة رياضية. وأنا أتفق معها على التأثير والتأثرالمُتبادل بين الحضارات وهنا يبرزالسؤال الثانى : هل التأثير والتأثربين الحضارة المصرية واليونانية طمس الخصوصية الثقافية للشعبيْن المصرى واليونانى؟ وهل طمس الخصوصية الثقافية لكل من الشعبيْن الصينى واليابانى رغم التأثير الحضارى المُتبادل بينهما؟ وهكذا فى كل التجارب كما أخبرتنا بها دراسة تاريخ الشعوب، التى بينها احتكاك حضارى، ورغم ذلك احتفظ كل شعب بخصائصه القومية. ولعلّ أخطرما كتبته هو((إنّ الحديث عن الهوية كان دومًا مرادفـًا وداعمًا للأنظمة الاستبدادية والاستعمارية)) وربطتْ ذلك بما فعله هتلرالذى تسبّب فى قتل الملايين. فكيف غاب عنها أنّ ما فعله الحزب النازى لاعلاقة له بالخصوصة الثقافية، لأنّ سنده كان (الانتماء العرقى) وهدفه غزوالشعوب الآمنة. وهنا يتبيّن للعقل الحرأنّ سيادتها خلطتْ بين السياسة والثقافة و(التعصب للعرق) و(الخصوصية الثقافية) وأعتقد أنّ هذا الخلط سببه تغافلها التام عن علم الأنثروبولوجى (علم الإنسان) الذى لايمكن لأى باحث أنْ يجهله أو يتجاهله وهو يتعرّض للهويات الثقافية. فى دراسة للباحث مارشال ساليزكتب (هناك قدركبيرمن الخلط نشأ فى الخطاب الأكاديمى والسياسى، حين لايتم التمييزبين الثقافة بمعناها الإنسانى ومعناها الألنثروبولوجى باعتبارها نهجًا كاملا ومُتميّزًا لحياة أى شعب. إنّ ثقافة أى بلد تعكس تاريخه وأخلاقياته) وكتب كلود ليفى شتراوس (الاسهام الحقيقى لأية ثقافة لايتكون من قائمة الاختراعات التى أنتجتها بل من اختلافها عن غيرها. فالإحساس بالاحترام لكل فرد فى أية ثقافة تجاه الآخرين لايقوم إلاّعلى اقتناع بأنّ الثقافات الأخرى تختلف عن ثقافته فى جوانب عديدة. ومن ثم فإنّ فكرة الحضارة العالمية لاتـُقبل إلاّباعتبارها جزءًا من عملية شديدة التعقيد. ولن تكون هناك حضارة عالمية بالمعنى المُطلق الذى روّج له البعض، لأنّ الحضارة تعنى تعايش الثقافات بكل تنوعها. والحقيقة أنّ أية حضارة عالمية لايمكن أنْ تـُمثل إلاّتحالفـًا عالميًا بين الثقافات، تحتفظ فيه كل منها بأصالتها) وكتب ألفا أوما كونارى (رئيس جمهورية مالى عام 63) ((ما دام أنّ هناك حضارة تـُمارس قهرًا سياسيًا وفكريًا وأخلاقيًا على غيرها من الحضارات بدعوى أنّ الطبيعة والتاريخ اختصاها بمميزات، فلا أمل فى السلام على البشرية. فإنكارالخصائص الثقافية لشعب من الشعوب يعد نفيًا لكرامته.. ينبغى أنْ نفرح بالاختلافات الثقافية ونحاول أنْ نتعلم منها، لا أنْ نعتبرها غريبة أوغير مقبولة أومكروهة)) وكتب د. كونور كروزاوبريان ((مع أننا نشترك فى إنسانية واحدة فإنّ هذا لن يجعل منا أعضاء قبيلة عالمية واحدة، فتنوع الجنس البشرى هوالذى يضرب بجذوره فى هذه الإنسانية المشتركة)) وكتب كارلوس فوينتيس (من عجائب كوكبنا تعدد تجاربه وخبراته وذاكرته ورغباته. وأية محاولة لفرض سياسة موحّدة على هذا التنوع ستكون بداية النهاية)) وفى دراسة عن اللغات البشرية تبيّن وجود من خمسة إلى عشرين ألف لغة. تـُعبّركل منها عن نظرة فريدة من نوعها للعالم ونمطا من أنماط الثقافة والتفكير. وكل لغة تـُعبّر عن طريقة فريدة للنظرإلى التجربة الإنسانية وإلى العالم. واللغات كلها متساوية من حيث أنها أدوات للاتصال. وأنّ لكل لغة الامكانية لتـُصبح لغة عالمية. وأهم سمة ثقافية لأى شعب هى لغته المنطوقة. ولأنّ د. منى حلمى انطلقتْ من فرضية تؤمن بها، هى رفض الخصوصية. وربطتْ هذا الرفض بما أطلقتْ عليه (التقسيم) فإنها تمادتْ لدرجة نفى الخصوصية عن الفرد وليس عن الشعوب فقط ، وهى هنا تتجاهل أنّ الأشقاء يختلفون فى الطباع والاهتمامات. وتتجاهل أنّ عدد سكان كوكبنا الذى تعدى 6مليارإنسان، ومع ذلك لايوجد إنسان واحد يتماثل الحامض النووى DNA فى جسمه مع إى إنسان آخرباستثناء التوائم. وأنّ الإنسان لايعتزبمعتقداته وأفكاره فقط ، بل إنه لايقبل أنْ يفرض أحد عليه اسمًا غير اسمه. فإذا كان هذا حال الإنسان الفرد ، فإنّ المسألة أعمق بالنسبة للشعوب التى ترفض الذوبان فى ثقافة أجنبية، خاصة لوكانت تختلف عن ثقافتها القومية. فالمرأة فى الثقافة العربية ((تحت الرجل)) والزوج (بعل) والبعل فى اللغة العربية رب أوسيد. فى حين أنّ الثقافة المصرية نظرتْ إليها نظرة مختلفة. فهى (إنسان) وليستْ موضوعًا للفراش. ولدينا بعض الطقوس مثل الخميس والأربعين وطريقة دفن الموتى التى لايعترف بها العرب. والاحتفال بسبوع الطفل وعيد الميلاد إلخ منتج ثقافى مصرى تـُكفرها الثقافة العربية. ذكرتْ د. منى حلمى 17(هوية) من بينها العربية والإسلامية (لاعلاقة لها بلغة العلم) ومع ذلك لم تصف أية هوية بالعنصرية إلاّهوية واحدة (المصرية) فلماذا هذا الموقف العدائى ضد ثقافتنا القومية وضد لغة العلم؟ وهل تملك أدلة مادية موثقة على (العنصرية المصرية)؟ ولوأنها رجعتْ لعلم المصريات أولعلماء الأنثروبولوجى الذين تعرّضوا للشخصية المصرية، لعرفتْ اجماعهم على أنّ الحضارة المصرية نبذتْ التعصب العنصرى، وفى عصرنا الحديث يرفض العربى أنْ يُزوّج ابنته للمصرى، ومع ذلك تسامحتْ الثقافة المصرية وتزوّجت المصرية من العربى، بل وتجاوزتْ عن المثل العربى المُزدرى لشعبنا ((يأكلها التمساح ولايأخذها الفلاح)) وأرجوأنْ تدلنى سيادتها على منتج ثقافى مصرى شبيه بحديث الرسول الكريم ((لاتكون العرب كفؤا لقريش والموالى لايكونون كفؤا للعرب)) (شمس الدين السرخسى فى المبسوط – مجلد 3ص24) وأنّ بعض المذاهب الفقهية كانت تـُبيح طلاق القرشية خاصة الهاشمية إذا تزوّجتْ من غيرقرشى هاشمى لعدم الكفاءة. وقال سفيان الثورى ((إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح)) وبذلك قال ابن حنبل. وذكرد. جواد على ((العرب تنفرمن النبط وتنظرإليهم نظرة ازدراء واحتقار. وإذا أراد أحدهم الاستهانة بأحد قال له يا نبطى)) (تاريخ العرب قبل الإسلام- ج3 ص10) وذكرد. عبدالله خورشيد ((بلغ من قوة العصبية بين العرب أنه لاتـُقبل شهادة مضرى على يمانى ولا شهادة يمانى على مضرى)) وأنّ العرب كانوا يستنكفون الانتساب إلى قبيلة (باهل) فقال أحد الشعراء ((لوقيل للكلب يا باهلى/ عوى الكلب من لؤم هذا النسب)) (القبائل العربية فى مصر- ص 236، 246) وذكرأ. أمين الخولى ((ما أصدق ما سمعته من وزيركردى فى العراق إذْ قال: لوجاءونا بالعربية عن طريق الإسلام لقبلناها مرحبين أما بهذه العصبية فليس ذلك سهلا على نفوسنا)) وأنّ المُتحمسين للعروبة يُفضلون العرب على سائرالأمم، فيُصنفون الأمم تصنيفا يُشبه أوهام النازية)) (المجدّدون فى الإسلام ص 110، 111) وهل هناك عنصرية أكثرمن موقف معاوية بن أبى سفيان الذى قال ((أهل مصرثلاثة أصناف : فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لاناس. فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب. والثلث الذين يشبهون الناس فالموالى . والثلث الذين لاناس المسالمة يعنى القبط)) (المقريزى- المواعظ والاعتبار- ص56) أما الشعر العربى فملىء بالعنصرية من ذلك ما قاله عمروبن كلثوم ((لنا الدنيا ومن أمسى عليها/ ونبطش حين نبطش قادرينا/ طغاة ظالمون وما ظـُلمنا/ ونظلم حين نظلم بادئينا/ إذا بلغ الفطام لنا رضيع/ تخرله الجبابرساجدينا)) وقال ((وإنا أناس لاتوسط بيننا/ لنا الصدر دون العالمين أوالقبر)) ذكرتْ د. منى حلمى أنّ ((الهوية المصرية عنصرية وتسعى للتقسيم)) دون تقديم دليل مادى واحد ، فوضعتْ نفسها فى جبهة الخطاب الانشائى الذى لايقول جملة مفيدة. ولوأنها دخلتْ على موقع (حراس الهوية المصرية) و(حزب مصرالأم) لعرفتْ أننا تيار(الجالية المصرية فى مصر) نستهدف الحفاظ على تماسك أمتنا المصرية بتنوعها ، وذلك من خلال دفاعنا عن النوبيين والأمازيج إلخ. وبينما سيادتها تـُعادى الخصوصية القومية لشعبنا، فإنّ الشاعرنزارقبانى (غير المصرى) كان واعيًا بهذه الخصوصية فكتب ((سقط الفكر فى وحل السياسة/ وصارالأديب كالبهلوان/ أخاف عليك يا مصرمن سوق النخاسه/ أخاف عليك من آل قحطان)) أما الأب الروحى للشعب الهندى (المهاتما غاندى) فقد صاغ (بعبقرية فذة) جدلية التأثيرالحضارى بين الشعوب، مع التمسك بثقافته القومية فقال ((إننى أرغب أنْ تهب على بيتى جميع ثقافات العالم، ولكننى أرفض أنْ تقتلعنى من جذورى إحدى هذه الثقافات)) صدق غاندى فى قوله الحكيم.
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السخرية المصرية عبر العصور
-
تعلق على ما كتبه الأستاذ أحمد مصطفى عن الشهور المصرية
-
الشهور المصرية فى الأمثال الشعبية
-
قهر الخوف بالسخرية
-
أخلاق فيلسوف وأخلاق داعية إسلامى
-
النكتة المصرية ومقاومة الاستبداد
-
الدكتور سيد عويس والشخصية المصرية
-
فلسطين بين الصهاينة والعروبيين
-
المغزى الاجتماعى للأمثال المصرية
-
عتمة افتراضية - قصة قصيرة
-
سيناء وتوابع زلزال يناير2011
-
العلاقة بين الحضارة المصرية وأفريقيا
-
عقوبة الجلد وبداية سعودة المصريين
-
الفنان خالد حمزة وفن كتابة السيرة الذاتية
-
رد على آخر رسالة من الأستاذ طاهر النجار
-
هل تخرج الثورة من غرفة الإنعاش ؟
-
صفاء الليثى ناقدة من طراز نادر
-
هيكل الأستاذ المقدس وآفة الأيديولوجيا
-
تحية شكر وتقدير للأستاذ طاهر النجار
-
رد على الأستاذ محمد بن عبد الله عندما سأل : دنشواى أم كفر ال
...
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|