مطلب الانفصال عن الوطن الام غير متضمن في تشريعات الدول الديمقراطية

بودريس درهمان

الحوار المتمدن-العدد: 4097 - 2013 / 5 / 19 - 10:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

مطلب الاستفتاء من أجل تقرير المصير للانفصال عن المملكة المغربية الذي تطالب به جبهة البوليساريو هو مطلب غير متضمن في الاستفتاءات الأوروبية التي تخص تدبير المناطق المحلية و الجهوية لتراب الاتحاد الأوروبي، و هو مطلب غير متضمن في تشريعات الولايات المتحدة و دولة كندا في ما يخص ادارة كياناتها الترابية التاريخية. جبهة البوليساريو بتمسكها بهذا المطلب، اي مطلب الانفصال عن المملكة المغربية و هي في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط تضع نفسها وجها لوجه مع التشريعات الأوروبية التي تخص تنظيم مطالب المناطق التاريخية للدول الأوروبية بأكملها؛ بل و مع وجودها جغرافيا في الضفة الشرقية للمحيط الاطلسي تضع نفسها وجها لوجه مع تشريعات مكتب الشؤون الهندية لوزارة الداخلية الامريكية الذي يدير شؤون 310 كيان ترابي أشبه بالكيانات السياسية التي تتحقق جراء تطبيق الحكم الذاتي او الجهوي. هذه الكيانات السياسية التي يديرها مكتب الشؤون الهندية لوزارة الداخلية الامريكية و التي ينعتها القانون الاوروبي بالضيعات الفلاحية هي كيانات سياسية على شاكلة دول محلية تتعامل مع الحكومة الفدرالية الامريكية الند للند Peer to Peer لدرجة انه ليس للشرطة الفدرالية الحق القاء القبض على مجرم دخل دائرتها الترابية إلا بعد التشاور و التفاوض. هذه الكيانات السياسية التي مساحتها الجغرافية اكبر من مساحة العديد من الدول، هي على شاكلة دول محلية لديها كل الحقوق إلا حق واحد هو الحق في الانفصال عن الولايات المتحدة الامريكية.
ممثلو المناطق التاريخية للدول الأوروبية و ممثلو الكيانات الترابية الثلاث مئة عشرة 310 التي هي على شاكلة دول محلية بداخل الولايات المتحدة الأمريكية بل حتى ممثلوا الكيانات السياسية لدولة كندا التي ينظمها قانون1851، هؤلاء الممثلون ،رغم أنهم يرفعون سقوف مطالبهم إلى أعلى حد ممكن فهم رغم ذلك يحترمون التشريعات السيادية لأوطانهم، لأن هذه التشريعات حققت لهم مطلب مهم و هو مطلب التسيير الذاتي المحلي. مطلب التسيير الذاتي المحلي هو المطلب الحقيقي لكل الشعوب و السكان المحليين، أما البوليساريو ومعها حتى معظم المكونات السياسية الوطنية المغربية فحين يطرحون قضية الوحدة للأقاليم الجنوبية المغربية أو الحكم الذاتي لهذه الأقاليم فإنهم لا يطرحون بتاتا قضية الديمقراطية و حقوق الانسان على الطاولة، هاجسهم الأساسي جميعا ورغم أنهم على طرفي نقيض فهو الوصول إلى مبتغى سياسي محدد بدون التفكير في المسار الذي يجب أن يتبعه هذا المبتغى على المدى الطويل و المتوسط حتى يصل إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان.
التشريعات الأوروبية و الامريكية و حتى الكندية و غيرها، التي تؤطر مطالب المناطق التاريخية الأوروبية و الكيانات السياسية الموسعة التي هي على شكل دول محلية، تتضمن كل شيء ممكن غير مطلب واحد هو مطلب الانفصال البوليساريو لم تحقق مكسب الديمقراطية المحلية حتى بداخل مناطق نفوذها و رغم ذلك تطالب بحق الانفصال.
أما المملكة المغربية فكيف ما كان الحال فقد استطاعت تحقيق جزء مهم من مكسب الديمقراطية المحلية عبر ترسيخ على الاقل هياكل الانتخابات الجماعية المحلية من مجالس محلية و مجالس تمثيلية صناعية،فلاحية، خدماتية و مهنية. هذه المجالس المحلية، التي لازالت عبارة على هياكل تتجاوب بمستويات متفاوتة مع مطالب السكان المحليين. هذا الاستيعاب المحلي للمطالب الديمقراطية عن طريق تأسيس الهياكل من طرف المملكة المغربية، من الضروري أن يتقوى مع المؤسسات الجديدة التي ستنبثق عن الحكم الذاتي الجهوي الموسع، أما الجزائر فلا تضمن لجبهة البوليساريو غير حق واحد هو حق الانفصال بدون القدرة على ضمان الحق في الديمقراطية المحلية والحياة الكريمة التي هي مطلب كل السكان.
حق الانفصال تتعارض معه بقوة تشريعات الدول الأوروبية لأنه يهدد دولها من الداخل. نفس الشيء بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية و دولة كندا، حيث منذ بدايات تأسيسهما الاول الى حدود اليوم وهما ترفضان كليا الانفصال لأن الانفصال لا يصنع القوة التي تصنعها الوحدة. بداخل وزارة الداخلية الامريكية يوجد مكتب يسمى مكتب الشؤون الهندية. يسهر هذا المكتب على تسيير شؤون 310 كيان ترابي و ديمغرافي اشبه بالدول المحلية و بالكيانات الترابية لدول الاتحاد الاوروبي. و هذه الكيانات الترابية التاريخية للسكان الاصليين للولايات المتحدة الامريكية تتعامل سياسيا و اداريا مع الحكومة الفدرالية الامريكية كما تتعامل دولة مع دولةPeer to Peer و لكن بدون ان يكون لهذه الدول المحلية الحق في المطالبة بالاستقلال أو الانفصال. نفس الشيء بالنسبة لدولة كندا التي يضمن قانون سنة 1851 حماية الكيانات الترابية التي هي على شكل دول محلية.
حق الاستفتاء "من اجل تقرير المصير" الذي تطالب به جبهة البوليساريو هو حق من اختصاص المناطق التاريخية الأوروبية و الحكومات المحلية الأوروبية و حتى المناطق الترابية لبعض سكان الولايات المتحدة الامريكية و كندا ولكن هذا الحق لا يتضمن بند الانفصال لان الاستفتاء من اجل تقرير المصيرهو شان من الشؤون المحلية فقط وليس شانا من شؤون إعادة النظر في حدود الدول.
في ما يخص الدول المنضوية في الاتحاد الاوروبي و بدون ذكر فرنسا؛ نجد بان دول ألمانيا، بلجيكا، ايطاليا، هولندا و البرتغال تسمح لسكان الجماعات المحلية المشكلة لبعض مناطقها التاريخية اللجوء إلى عملية الاستفتاء كأداة ديمقراطية، لكن لا تسمح بالانفصال عن السيادة الأم. دول أوروبية أخرى بالإضافة إلى أنها لا تسمح بأي شكل من أشكال الانفصال فعملية الاستفتاء تقتصر فقط على ممثلي السكان وليس على كل السكان. رغم أن كل الدول الأوروبية هي الأخرى مشكلة من شعوب و أعراف و لغات فموضوع الاستفتاء "من اجل تقرير المصير"عند كل هذه الدول العريقة في الديمقراطية يخص فقط المصالح المحلية للسكان و لا يخص بتاتا عملية المزايدة على السيادة ألوطنية. معظم الاستفتاءات عند هذه الدول العريقة في الديمقراطية ليست لها إلا قيمة استشارية فقط كما هو الشأن عند دولتي ألمانيا و البرتغال. بل حتى دولة مملكة الدانمرك لا تتوفر على نص تشريعي يؤطر عملية الاستفتاء الجماعي المحلي، ورغم ذلك تسمح الدولة بالقيام باستفتاءات استشارية جماعية و محلية. البوليساريو هي الجهة الوحيدة التي تطالب باستفتاء يزايد على السيادة الأم فهل جبهة البوليساريو اعرق من الدول الأوروبية في الديمقراطية؟؟
في ألمانيا قانون الجماعات المحلية الذي هو من اختصاص كل منطقة جهوية على حدة يتضمن عملية إجراء الاستفتاء باستثناء منطقة برلين. المملكة البلجيكية عدلت قانونها الجماعي لسنة 1995 وأضافت إليه عنوان يخص الاستفتاءات المحلية، لكن بدون انفصال. القانون الاسباني لسنة حول الجماعات المحلية لا يضم إلا بندا واحدا يخص الاستفتاء. ايطاليا قانون 1990 الذي ينظم المناطق و الجماعات المحلية يسمح لهذه المناطق و الجماعات بإجراء الاستفتاء لكن بدون أن يجبرها على ذلك. القانون الهولندي لسنة 2001 الذي ينصص على مجموعة إجراءات انتقالية تخص عملية الاستفتاء ادخل على مستوى تدبير البلديات ما يسمى بالاستفتاء الشعبي التمهيدي حول النصوص التشريعية الجديدة المصادق عليها. الدستور البرتغالي لسنة 1982 يضم مجموعة إجراءات تخص الاستفتاء بداخل المجالس البلدية. تم تعديل هذه الإجراءات بموجب التعديل الدستوري لسنة 1997 وخلال سنة 2000 تمت المصادقة على قانون عضوي يخص الاستفتاء.
مساكين هم الصحراويون المحتجزون بداخل إيديولوجيا خارج التاريخ. التصلب الإيديولوجي يؤدي عادة إلى الانكسار. بداخل الساحة السياسية الوطنية انكسرت قوى سياسية كثيرة وانكسرت معها مراكز سلطة كثيرة كذلك و لم تستمر غير الأصوات المؤمنة بالديمقراطية و حقوق الانسان...
الايدولوجيا اللا تاريخية التي ركبت موجتها قوى سياسية عدة، لم تستطع استيعاب التشكل التاريخي للمجتمع المغربي فمنها من سقط في العرقية المقيتة و منها من سقط في الفئوية الضيقة و الطبقية المنغلقة و منها من سقط في المحلية المنغلقة أو من سقط في الانفتاحية الهجينة...
الدرس التاريخي يأتينا دائما من دول الاتحاد الأوروبي لأنها هي من استطاعت المزاوجة ما بين المطالب الديمقراطية المحلية و المطالب الاقتصادية الجهوية بالإضافة إلى مطالب العولمة الزاحفة. الدول الأوروبية منها تعلمنا تطبيق آليات و ميكانيزمات الدولة الوطنية ومنها سنتعلم آليات و ميكانيزمات تعايش أنظمة أربع دول بداخل دولة واحدة: منها سنتعلم نظام الدولة الوطنية و نظام الدولة المحلية و نظام الدولة الجهوية ونظام الدولة المعولمة. حينما ستقبل جبهة البوليساريو بالحكم الذاتي الجهوي الموسع ستساهم في اضافة لبنة مهمة إلى الصرح الديمقراطي الوطني؛ لان هذا الصرح لازال لم يكتمل بعد، لأنه لازال لا يتوفر على آليات و ميكانيزمات الحكومة المحلية أو الحكومة الجهوية المدمجة كما هو الشأن بالمملكة الاسبانية أو كما هو الشأن بالجهات التاريخية لألمانيا، سويسرا و ايطاليا. على الأقل حينما ستقبل جبهة البوليساريو مقترح الحكم الذاتي الجهوي الموسع ستكون كل كفاحاتها السابقة حققت مكسبا ديمقراطيا حضاريا لم تعرف مثله كل دول شمال إفريقيا.
صراحة، في الوقت الذي لازالت فيه حتى الدول الديمقراطية تخوض تمرينات ديمقراطية لتحقيق مقومات و آليات ممارسة الديمقراطية بداخل طبائع أربع أنظمة سياسية مختلفة بداخل نظام واحد هل ستستطيع جبهة البوليساريو التي لا هي بالحزب و لا هي بالتيار ولا حتى بالممثل الوحيد و الأوحد استيعاب مقومات أربع دول في دولة واحدة.
بعض المكونات السياسية الوطنية اليعقوبية Jacobinesخلال عشرية الثمانينات للقرن الماضي هي الأخرى لم تستطع استيعاب التحولات التاريخية القوية القادمة فقامت بعملية التصلب الإيديولوجي نالت على إثره سجن ميسور. بل حتى بعض الأطراف الأكثر تصلبا لهذا المكون السياسي إبان إجراء عملية تحديد هوية سكان مناطق الأقاليم الجنوبية المغربية من اجل إجراء الاستفتاء كانت تؤكد وتقول: اذا كان هنالك من استفتاء شعبي يخص هذه المناطق فان هذا الاستفتاء يجب عليه أن يشمل الشعب المغربي بأكمله. سلوك الدول الديموقراطية في ما يخص عملية الاستفتاء المحلي و الجهوي يتناقض جذريا مع موقف المكونات السياسية الوطنية المشار إليها. إجراء الاستفتاء بداخل كل هذه الدول يخص دائما القضايا المحلية ثانيا يتم توكيل هذا الاستفتاء في غالب الأحيان إلى ممثلي السكان و في قليل من الأحيان إلى السكان المحليين و لكن لا يتم توكيله أبدا إلى كل سكان البلد لأنه شان محلي. هكذا فان مواقف وأراء هذه المكونات السياسية الوطنية كان و لا يزال مجانبا لمبدأ الديمقراطية.
الأمم المتحدة نفسها لما قامت بتنظيم عملية تسجيل السكان المحليين قامت بذلك على أساس غير صحيح يعود الى حيثيات الحرب الباردة بل و يتناقض جوهريا مع طريقة تدبير الدول الديمقراطية لمناطقها التاريخية. الخطأ الأصلي الأول يعود إلى اعتبار هذه الأقاليم قضية ضمن قضايا تصفية الاستعمار في الحين أن عملية تصفية الاستعمار انتهت مع رحيل الأسبان عن هذه المناطق. الخطأ الأصلي الثاني هو خطا المملكة المغربية لأنها منذ سنة 1963 لم تنخرط بشكل جدي في المسلسل الديمقراطي بل كانت دائما تتحايل عليه.

#بودريس_درهمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات