|
أفكار في النكبة
عايدة توما سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 10:32
المحور:
القضية الفلسطينية
يخافون من الذاكرة أيضًا.. سلطات الاحتلال تقمع مسيرة ببيت لحم في ذكرى النكبة
•هل ردنا هو في الاستذكار؟ وهل السعي الحثيث والخبيث الذي شاهدناه في الايام الاخيرة لتحويل يوم النكبة الى محطة مهرجانية جديدة من فئات سياسية تسعى لاستغلال المناسبات الوطنية، لتحويلها الى حلبات صراع فئوي تفرض فيه اجنداتها الفكرية والسياسية، هو فعلا بقدر وقامة الحدث الحالي والماضي المؤلم؟
قبل اسبوعين أو أكثر وخلال محادثة لي عبر السكايب مع صديقتي ليلى الفلسطينية اللاجئة في لبنان سألتها والدتها مع من تتحدث وفجأة وببساطة وعفوية سألتني الوالدة من اين أنا، اجبتها من عكا. وجاء سؤالها التلقائي الثاني "والان، من وين انت؟"، استغربت من السؤال للحظات ولكن سرعان ما فهمت ان للاجئين الفلسطينيين في الشتات لغة أخرى لا نتقنها، نحن من لم نذق مرارة التهجير أو اللجوء، من اين أنت هو السؤال عن ما قبل النكبة، عن الجذور وعن هدف العودة الشخصي الذي يحمله كل منهم في جنبات قلبه، وهو ليس بالضرورة الجواب على السؤال: اين تعيش؟ هذا التشبث بالمكان الاصلي يحمل ابعادا تجمع النكبة وتكورها بمعانيها الماديّة والحسيّة في سؤال واحد.. هي قصة الخوف من المجازر وهي رواية البيت الذي سلب والوطن الذي غاب خلف الحدود واللجوء بمآسيه واهاناته وهو الخيمة المنصوبة وبيت الزنك. وهو النكسة، وابتعاد حلم العودة ونصرة الاشقاء وآلام الوعي الواقعي المستعاد، وطعنات خيانة ذوي القربى، وافواج جديدة من اللاجئين ومسلسل نهب جديد مستمر حتى يومنا هذا.
*لسنا "في حلّ من التذكار"*
لقد حددنا لانفسنا نحن ابناء الشعب الفلسطيني يوما نستذكر فيه النكبة التي حلت بشعبنا في العام 1948، يوم تتمحور حيثياته في الاستذكار، وكأننا في بقية الايام "في حل من التذكار"، وكأن الواقع اليومي المعاش يبعدنا عن تفاصيل مؤلمة جارحة تنخر في العظام وتقلب عصارة المعدة وتنهال كأسهم موجهة صوب قلوبنا وأذهاننا. يتبادر الى الذهن فورا التفسير المنطقي والعقلاني الذي يبرر لنا تحديد يوم مثله مثل بقية الايام المؤرخة والمحددة، فالهدف تسليط الاضواء على قضايا واحداث وابرازها في أعمال ونشاطات ترفع وعي الجماهير صاحبة الشأن للقضية وتستنفر تضامنا مع ضحايا هذه الاحداث. فهل بالفعل هذا ما نرجوه من "يوم النكبة"، رفع وعي ابناء الشعب الفلسطيني لما حل بهم في نكبيتهم؟ وهل منا ممن عاشوا النكبة ومن الاجيال اللاحقة من نسي أو تناسى أو لا يعلم ما حل بنا نحن أبناء الشعب الفلسطيني في غمرة الاحداث المتتالية حينها في العام 48 والتي امتدت لأشهر طويلة مخلفة وراءها وطنا مدمرا محيت منه أكثر من خمسمائة قرية سوى أكوام أحجار مبعثرة واشجار تين وزيتون وصبار منتشرة في المكان شاهدة على ما كان، تنتظر ان تستنطقها أجيال قادمة تبحث عن تفاصيل ضاعت في غمرة السنين. تحيي الشعوب ايام الذكرى لأحداث انقضت ومضت فهل نكبة الشعب الفلسطيني حدث ماضوي تتلخص ايام ذكراه بالبكاء على الاطلال والنظر الى الماضي للتعلم من عبره ونقلها لأجيال لم تعايش الحدث؟ سؤال لا بد أن يثار في الحالة الفلسطينية، ويخيّل للوهلة الاولى من ردود الفعل المتشنجة والعصبية والقمعية قانونيا وعسكريا للمؤسسة الاسرائيلية الحاكمة في البلاد وسلطات الاحتلال في المناطق الفلسطينية المحتلة ان الحدث حي وفعال ومتدحرج الى يومنا هذا والا لما جوبه بهذا القمع وردّات الفعل التي شهدناها أمس الاول في المناطق المختلفة. النكبة تحمل وجوها ومفاهيم جديدة في الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال في مسلسل القتل والدمار وسلب الارض واعتداءات المستوطنين، الاحتلال يحيي النكبة كل يوم من جديد بقواته القمعية وجداره الذي يشطر الجسد الفلسطيني ويخلق القطيعة والحصار على مدينة القدس الشرقية، قلبه النابض بمجمل ما تحمله ازقتها وحاراتها واماكنها المقدسة من رمزية في الوجدان والتاريخ والمستقبل المرجو. هذه هي النكبة واكثر من ذلك، هي فعل ما زال يتدحرج حتى يومنا هذا في منع أهالي اقرث وبرعم من العودة الى قراهم التي اخرجوا منها عنوة، وفي الالاف من الجماهير العربية اللاجئين داخل الوطن، وفي حرمانهم من حقهم في اعمار قراهم المهجرة وفي منازل تهدم يوميا وفي قرية العراقيب حين تهدم وتبنى من جديد للمرة الخمسين، ومخطط برافر الجهنمي الذي يقتحم هدوء النقب الصحراوي ليقتلع ويهجر الالاف من العرب الفلسطينيين البدو من منازلهم ويصادر اراضيهم ويرتكب بحقهم جريمة جديدة تعيد الى الاذهان بعض من مشاهد النكبة الكبيرة والاولى. النكبة حاضرة فيما بيننا في الحرب المعلنة على الثقافة الفلسطينية والتاريخ والرواية الفلسطينية وفي التهويد المستمر للحيز والمكان وفي العنصرية بتجلياتها المختلفة فرديا ومؤسساتيا تجاه الجماهير العربية. من هنا فعل التذكر ليس هو الوصف الدقيق وانما ما يجري هو اعادة صياغة لمفهوم النكبة وتداعياتها المعاشة في تفاصيل الحياة اليومية والسياسية وهي رغم قسوة ما تعرض له الشعب الفلسطيني خلالها من عمليات تطهير عرقي، ولسنا في مجال المقارنة في تصاعد مستمر بفعل سياسات الحكومات اليمينية وتعنتها الرافض لأي افق سياسي يوقف الجرائم متعددة الوجوه. فهل ردنا هو في الاستذكار؟ وهل السعي الحثيث والخبيث الذي شاهدناه في الايام الاخيرة لتحويل يوم النكبة الى محطة مهرجانية جديدة من فئات سياسية تسعى لاستغلال المناسبات الوطنية، لتحويلها الى حلبات صراع فئوي تفرض فيه اجنداتها الفكرية والسياسية، هو فعلا بقدر وقامة الحدث الحالي والماضي المؤلم؟
*لسنا بحاجة الى مهرجانات جديدة*
عندما تكون الاحداث بهذا المستوى من الشراسة وتتعرض الجماهير العربية لهجمة على وجودها وشرعية بقائها وتجذرها وتكون القضية الفلسطينية برمتها في خطر مؤامرة من قوى اليمين الصهيونية، للقضاء على فرص الحل السياسي وامكانية التحرر من الاحتلال، يتحول واجبنا في يوم النكبة الى واجب نضالي يواجه الواقع ويستذكر الماضي بالقدر الذي يخدم مصلحة توحدنا في النضال اليومي المثابر، ويوم نسلط فيه الضوء على المعاناه الفلسطينية بمواقعها واطيافها وتجاربها المختلفة. كان الأولى بلجنة المتابعة للجماهير العربية ان تنشغل في وضع الخطط وتحريك الجماهير للتصدي لمخطط برافر وللدفاع عن العرب في النقب في وجه اليات التهجير، بدل الانشغال في النقاش حول اخراج حدث مهرجاني جديد تحضر فيه منصة لتتوالى عليها خطابات طنانة يغيب صداها قبل انفضاض الجمهور. لسنا بحاجة الى مهرجانات جديدة، تحولنا فيها لجنة المتابعة الى مستمعين نمقت الكلام المزيف ونسأم الشعارات الوطنية لانها تخرج يتيمة لا يرافقها فعل نضالي حقيقي. واذا كانت الوحدة التي يجري الحديث عنها، في إحياء ايامنا، لا تتجاوز وحدة الصف الاول امام الكاميرات، او وحدة تنتزع عنا وجوهنا وهوياتنا الفكرية والسياسية تحت مسمى اننا جميعا فلسطينيون، أو وحدة تبنى على سيطرة افكار دخيلة على تراثنا النضالي فالاولى بنا أن نبحث عن اسس وادوات تجمعنا تحت راية النضال وتوحدنا في هدف يسعى لارغام المؤسسة الاسرائيلية للاعتراف بالنكبة وتداعياتها وجرائمها المستمرة. احياء يوم النكبة يكون باحياء النفَس المقاوم والسياسة النضالية التي قادت معارك الصمود والنضال التحرري، ويكون برسم المستقبل وحماية الوجه المشرق لشعب قدم الكثير من التضحيات وعرف من أين تؤكل الكتف في ايام أشد حلكة وظلاما من ايامنا الحالية.
#عايدة_توما_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاطعة مسيرة العودة... بداية صراع أم اعلان هزيمة
-
قراءات أولية في الائتلاف الحكومي: حكومة المستوطنين والليبرال
...
-
يوم الارض، عبر وتداعيات
-
أنا لست... نسوية
-
تبقى المنارة والبوصلة
-
النقد المجتمعي والنسوي للصلحة العربية
-
الصفقة 38 - خلفيات ، أسباب وتداعيات والاهم أسئلة مفتوحة ...
-
جثة تبحث عن هوية
-
ما لم تفهمه يحيموفيتش حتى الآن..
-
أيلول - هل نحن مستعدون؟
-
اللُّعب بالسياسة باسم -النقاوة القومية-
-
مبادرة أيلول
-
البعد الشعبي المفتقد
-
الخيار الثالث وارد، وان بهظ الثمن
-
حل الدولتين وحلم الدولة
-
نضال العمال الاجتماعيين والدرس المُستفاد
-
اشكالية نسبة الفتيات العالية في -الخدمة المدنية-: إستغلال سل
...
-
التمثيل النسائي في العمل البلدي الجبهوي
-
غادرتنا ابتهاج خوري، العلم والمشهد العكي النابض بالحيوية وال
...
-
ليكن هذا القرن قرن النهوض المتجدد للاشتراكية الثورية في كل ا
...
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|