|
هل من طريق ثالث .. بين الرأسمالية والاشتراكية...؟؟ ..(3)
علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 01:06
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
3 - الرأسمالية الأخرى
يكاد يتفق أكثر الاقتصاديين في الدول الغربية على أن الرأسمالية قد وصلت مرحلة لم تعد فيها قادرة على تحقيق التراكم االرأسمالي المطلوب الذي يشجع على الاستثمار في الموارد الاقتصادية ويحسن حياة الناس. ويعود السبب بوجه خاص للرأسمالية ذاتها لسياساتها الجائرة وغير المسئولة في التعامل مع الموارد الاقتصادية المادية النادرة مخلفة خرابا بيئيا غير قابل للاصلاح. رأسمالية اليوم هي رأسمالية القلة الثرية التي اتحدت مع السلطة السياسية في بلدانها لتحقيق المزيد من الثراء على حساب الأكثرية. ففي رأي هذا الفريق الذي سنناقش رأي أحد أبرز ممثليه وهو الاستاذ ديفيد كورتين بعد قليل ، أن النظام الرأسمالي الحالي الذي يخدم القلة في المجتمع قد أخل بمبادئ اقتصاد السوق والديمقراطية السياسية. ومن الضروري لاستعادة مصداقية نظام اقتصاد السوق ينبغي ازالة ممثلي تلك القلة ومؤسساتها وأدواتها من الحياة الاقتصادية.
بديل الرأسمالية هنا لا يخرج عن النظام الرأسمالي السائد اليوم ، بل يبقى في صلبه ، ويتحرك ضمن اطاره العام ، فقانون الربح وسبل تحقيقه ، ونظام الحكم وسلطته السياسية ووسائل الانتاج تبقى في ايدي البرجوازية الحاكمة ، دون اشارة ولو عابرة لملكية اجتماعية عامة تضمن حقوق الأكثرية. فالبديل هنا ليس نظاما اقتصاديا جديدا ، بل استبدال سارق كبير بسارق أصغر فكلا السارقان يشتركان في استغلال قوة العمل للاستحواذ على فائض قيمة العمل.
بينما يرى آخرون بأن الرأسمالية قادرة على استعادة قوة دفعها وتحقيق النمو الاقتصادي بعد أن تتجاوز الأزمة الاقتصادية الحالية. يعبر عن هذا الرأي الاقتصادي البروفيسور روبرت سكيدلسكي. ففي مقاله تحت عنوان " The World After Capitalism" - العالم ما بعد الرأسمالية - كتب مايلي : (12)
" اليوم أتساءل فيما اذا سيكون لنا عالما ما بعد الرأسمالية. التساؤل لم أطرحه بسبب ما تواجهه الرأسمالية من ركود هو الأسوء منذ الأزمة الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي ، فالرأسمالية كان لها دائما أزمات ، وسيكون لنا الكثير منها. ربما يكون مصدر هذا الشعور هو نتيجة لفشل النظام في المجيئ بمبادرات جديدة تشكل مصدرا للتراكم الرأسمالي ، وهذا ما يخيب أملنا في الاستمتاع به. الرأسمالية ربما تقترب من الحالة التي لم تعد فيها قادرة على تحسين حياة الناس على الأقل في البلدان الغنية." ويقول في مكان آخر من مقاله : " لقد كانت الراسمالية وما تزال نظاما يتجاوز الندرة من خلال تنظيم الانتاج بفاعلية وتوجيهه للرخاء ، انها حسنت حياة جزء كبيرا من سكان الأرض حيث أنقذتهم من الفقر." لم يبين الاستاذ سكيدلسكي أين يكمن عجز الرأسمالية الذي بسببه لم تعد قادرة على تحسين حياة مواطني الدول الغنية ، انه فقط يذكرنا بأنها حسنت حياة جزء كبيرا من سكان الأرض خلال تاريخها ، ولم يذكر فيما اذا ستكون ستكون قادرة على فعل الشيئ نفسه بالموارد الاقتصادية الحالية بعد أن استهلكت أكثرها في الماضي.؟
وعودة الى الفريق الأول وممثله الاستاذ ديفيد كورتين الذي كان أكثر وضوحا في تشخيصه لأسباب عجز الرأسمالية عن تحقيق عدالة توزيع الثروة ، طارحا في الوقت نفسه البديل الرأسمالي الذي لو تحقق بحسب رأيه لأدى الى ازالة عدم المساواة في المجتمع. ففي مقاله LIFE AFTER CAPITALISM " " الحياة ما بعد الراسمالية كتب يقول : (13)
" الاقتصاد القديم المتسيد يموت ، واقتصاد جديد يولد للحياة والشراكة يشق طريقه للظهورحيث يجعل المستقبل خيارنا. فنحن نعيش عالما رأسماليا تغتني فيه قلة على حساب الاخرين. لقد وصلنا مرحلة من التاريخ البشري أصبح انقاذ الحضارة الانسانية وربما حياة الكائنات يعتمد على ازالة تلك المؤسسات الرأسمالية الدولية ، واحلال غيرها نختارها ديمقراطيا تجعل من نظام اقتصاد السوق في صالح المجتمع".
النظام الرأسمالي بصورته الحالية بحسب رأيه هو عبارة عن نادي لاصحاب المال ومديري المصارف والمضاربين بالمال الذين يدفعون بأسعار السلع وأسعار الفائدة الى مستويات لا علاقة لها بالواقع. وان الرأسمالية قد انحرفت عن مبادئ نظام اقتصاد السوق الذي يحقق تلقائيا مصلحة الفرد والمجتمع عبر ما اطلق عليها اليد الخفية.
آدم سمث الذي ارتبط اسمه باقتصاد السوق بين " بان الفرد يحقق مصالح المجتمع بدرجة أكبر لو توافر على خدمة شؤونه الخاصة مما لو خصص وقته وجهده لخدمة المجتمع ". فاذا ما حقق كل فرد مصلحته الشخصية وحقق سعادته فان هذا يعني تحقيق مصلحة المجتمع ككل. ترك الأفراد يختارون نشاطهم الاقتصادي سيخلق منافسة شريفة تمنع استغلال الجماعات بعضها لبعض ، حيث يقوم جهاز الثمن بتحديد نوعية وكمية السلع والخدمات التي يجب ان تنتج.
مثل هذه الميكانيكية لم تعد قائمة في عالم اليوم ، ربما ما يزال لها وجود في قرى وضواحي نائية في البلدان النامية مثل العراق ومصر، لكن ليس في اقتصاد معولم. ويصعب تصور العودة لتلك الميكانيكية في ظل وجود الشركات متعددة الجنسية التي صهرت اقتصاد الدول الرأسمالية في اقتصاد راسمالي عالمي واحد. حيث تخضع حركة رؤوس الأموال في هذا الاقتصاد لهيمنة عدد محدود من أصحاب المصالح تشكل المضاربة بالأموال نشاطها الرئيس لتحقيق الربح السريع.
فمثلا من مجموع 2 تريليون دولار تستثمر في المضاربات المالية يوميا في الولايات المتحدة ، منها 1% فقط تستخدم في تجارة المواد السلعية والخدمات ، أما ما يتحقق من ارباح عبر المضاربة فيذهب الى الواحات الضريبية المعفاة من الضرائب ، بنفس الوقت الذي يتعرض آخرون لخسائر أثناء انفجار الفقاعات المالية.(14)
مثل هذه النشاطات المالية التي تتعامل بتريليونات الدولات لا علاقة لها بالاقتصاد السلعي الحقيقي المفيد ، وليس ذلك فحسب فهي توجه موارد مالية هائلة الكم بعيدا عن النشاط الاقتصادي الانمائي. استبعاد هذا الكم من الأموال يقود الى نتائج كارثية على الاقتصاد المحلي والعالمي ، وما الركود الاقتصادي الحالي وتضخم أعداد العاطلين عن العمل الا نتيجة مباشرة له. وكنا شهودا على ما تركته فقاعة أزمة الرهون في الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي والتي مازالت آثارها حية حتى اليوم.
ولأن السياسات الاقتصادية للحكومات الرأسمالية لم تتغير جذريا عن سابقتها قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة فان استعادة الاقتصاد الرأسمالي لعافيته تظل مشكوكا فيها ، وتجعل من احتمال بدء الانتعاش امرا مستبعدا على عكس ما يروج في الصحافة عن انتعاش وشيك. فالاقتصاد الأمريكي مايزال يعيش حالة الأزمة منذ بدء الرئيس جورج بوش حربه على أفغانستان والعراق ، ولا يختلف الرئيس الحالي عن سابقه في تخبطه السياسي والاقتصادي. فالحرب ضد سوريا وايران مايزال موضوعهما مطروحا على الطاولة منذ أمد كما يكرر ذلك دائما ، والحرب تأخذ مداها في باكستان ضد طلبان الباكستانية في وقت ماتزال الحرب مستمرة ضد طالبان أفغانستان. كل هذه الأحداث لا تساعد على تجاوز الأزمة الاقتصادية في الداخل الأمريكي ، أو تساعد الاقتصاد العالمي للخروج هو الاخر من حالة الركود التي يعيشها.
البروفيسور رالف ايست الاستاذ في الجامعة الأمريكية في واشنطن قدم في عام 1994 دراسة احتوت تقييما للتكاليف التي تحملها الشركات الكبرى المعولمة للمجتمع الأمريكي سنويا على شكل منتجات فاسدة ، أو ظروف عمل سيئة وغير آمنة ونفايات ضارة بالحياة والبيئة. وبعد أن استثنى الاعفاءات الضريبية والدعم الحكومي لتلك الشركات من حسابه خرج برقم صاعق بلغ 2,6 تريليون دولار. (15)
يشكل هذا المبلغ خمسة أضعاف الأرباح التي تحققها تلك الشركات سنويا ، ما شكل 37% الناتج القومي الاجمالي للولايات المتحدة في ذلك العام ، يعكس هذا النفوذ الواسع المتشعب لتلك الشركات داخل النظام السياسي الأمريكي. ويشير هذا بنفس الوقت الى أي مستوى وصل عدم المبالاة وضعف الرقابة المحاسبية ومواصفات الجودة في بلد يعتبر الأكثر تقدما بين دول العالم في علوم الادارة والتنظيم..؟ يذكر الصحفي بيتر فوستر في مقاله في صحيفة ذي تلغراف " ما بعد الرأسمالية " (16) ان النظام الراسمالي يتعرض لأزمة اخلاقية أكثر وضوحا من تلك التي رافقت أزمة الثلاثينيات ، حيث أثبتت ان الربح يحتل المرتبة الأولى في الرأسمالية ، حيث يتقدم على أية مصالح أخرى. بعبارة اخرى اذا كانت المفاضلة بين انقاذ مليون مواطن من الجوع أو انقاذ شركة من الافلاس فان انقاذ الأخيرة هي أولوية في الرأسمالية. وهو ما حصل بالضبط عندما قام الرئيس رونالد ريغان بتمويل صفقة انقاذ مؤسستين ماليتين من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين بمبلغ قدره 17 ترليون دولار بما يقل قليلا عن الناتج القومي للولايات المتحدة لذلك العام .
هذا المبدأ غير الأخلاقي يحكم الساسة الأمريكيين قاطبة ، فقد اتخذت قرارات مشابهة من قبل الرئيسين جورج بوش وباراك أوباما ، وكررته حكومات رأسمالية كثيرة بينها المملكة المتحدة وفرنسا وايرلندا واسبانيا والبرتغال لدعم الشركات والمؤسسات المالية على حساب دافعي الضرائب. بنفس الوقت قامت حكومات تلك الدول بخفض التأمينات الاجتماعية واعانات البطالة لتعويض الأموال التي دفعت للمؤسسات المالية المتعثرة. .
يجري هذا في وقت يزداد الأغنياء غنا ، فقد بلغت ملكية 442 بليونيرا في الولايات المتحدة 5,4 تريليون دولارا عام 2013 بينما كانت ملكيتها 4,6 تريليون دولارا عام 2012. كما وصل عدد أصحاب الملايين حوالي 3 ملايين مليونيرا عام 2013 مقارنة بعام 2012 حيث بلغ عددهم نحو 2,86 مليون مليونيرا. بلغت ثروتهم 11,6 تريليون دولار. ان مثل هذه القسمة الجائرة للثروة لا يمكن أن تستمر الى ما لانهاية ، فاما أن يطاح بالقلة الثرية الحاكمة بثورة جماهيرية بقيادة البروليتاريا تضع الموارد المادية في خدمة المجتمع ، أو العودة الى الغزو الاستعماري للسطو على ثروات الشعوب الأخرى من أجل اشباع نهم الراسمالية. وهذا هو الآخر سيؤدي الى استنفاذ الموارد الطبيعية من أرض ومياه وغابات لصالح القلة نفسها وبالطريقة نفسها التي استغلت لحد اليوم من أجل المال وهو ما سيؤدي الى نهاية الحياة على الأرض.
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من طريق ثالث .. بين الرأسمالية والاشتراكية ...؟؟.. .(2)
-
هل من طريق ثالث .. بين الرأسمالية والاشتراكية .... ؟؟...(.1)
-
ما .. بعد الحرب الطائفية في العراق... ؟؟
-
أطروحات الرفيق فؤاد النمري .. المثيرة للجدل ...( الأخير)
-
أطروحات الرفيق فؤاد النمري ... المثيرة للجدل ... (3)
-
أطروحات الرفيق فؤاد النمري .. المثيرة للجدل..(2)
-
أطروحات الرفيق فؤاد النمري .. المثيرة للجدل..(1)
-
العراقيون ... وتحديات ما بعد الاحتلال..
-
الذكرى العاشرة لحرب ... ما زالت قائمة... (الأخير )
-
الذكرى العاشرة لحرب ....مازالت قائمة.. (3)..
-
الذكرى العاشرة لحرب .... ما زالت قائمة ....(2)
-
الذكرى العاشرة لحرب.. ما زالت قائمة.... (1)
-
اسرائيل .. وكردستان العراق...؛؛؛
-
الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية...( الخامس)..
-
الصين الشعبية .... والانتقال الى الرأسمالية .. (4)..
-
الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... ( 3 )...
-
الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... (2)..
-
الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية ..(1)
-
القرضاوي .. يتدخل بالسياسة العراقية ؛؛؛
-
المحذور الذي كنا نخشاه ... قد وقع ؛؛؛
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|