نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1176 - 2005 / 4 / 23 - 11:55
المحور:
حقوق الانسان
تتجه صوب دمشق, صباح يوم الأحد 24/4/2005 ,أنظار المتابعين للشأن السوري المحلي وتداعياته الكثيرة,والمرشحة للكثير من التطورات, ولا سيما بعد التحول الدراماتيكي لواحد من مساراته "الاستراتيجية" بعد الخروج من لبنان بالطريقة "المتواضعة" التي تابعها الجميع, وتحديدا إلى محكمة أمن الدولة العليا , ذات الماضي العريق في التعسف, وإصدار الأحكام المتشددة ,الذي طال جميع المعارضين السوريين من مختلف الأطياف, وكانت سيفا مسلطا في يد النظام لسحق أية معارضة محتملة, والإجهاز عليها في مهدها, من خلال الأحكام المتشددة التي كانت تصدرها بين الفينة والاخرى والتي يبدو أنها, برغم شدتها وقسوتها, لم تفلح في منع تصاعد المعارضة, وارتفاع الأصوات يوما بعد الآخر,وفي هذا عظة ودرسا كبيرا الآن.وكان من بين ضحاياها الأبرز, وروادها المداومين ,أيضا, المحامي الأستاذ أكثم نعيسة, الذي أصبح "زبونا مزمنا" لدى هذه المحكمة العريقة,وطاله ذات مرة حكما بالسجن قضى منه سبع سنوات داخل الزنازين.هذا النوع من المحاكم لم يعد موجودا إلا في بضع دول قليلة في العالم, بعد أن نبذ الجميع هذه اللغة البدائية في التخاطب والتعامل مع المواطنين.هذه المحاكمة التي ينتظر الجميع تطوراتها ليحدد من خلالها مصداقية الوعود التي تطلق بين الفينة والأخرى عن نية جادة لإحداث تغير,بات مُلحاً ومطلباً عاماً , أكثر من كونه انحناءً أمام عاصفة القرار 1559,والضغط الدولي المتزايد.
في ضوء انتظار النقلة النوعية الكبرى التي يروج لها كثيرون وتحولات مرتقبة ومثيرة في أكثر من مجال ,من يجرؤ الآن,وفي هذه المرحلة بالذات على محاكمة المحامي أكثم نعيسة,الناشط في مجال حقوق الإنسان, بهذه التهم الباهتة,وغير المقنعة ,والجائرة أصلا في الوقت الذي تم فيه إرسال أكثر من رسالة إيجابية وباتجاهات مختلفة ,ومتعددة الغايات كالسماح بعودة بعض المعارضين ,ومنح جوازات سفر,والإفراج عن معتقلين سابقين, وممارسة سياسة الأبواب المفتوحة في كل الاتجاهات؟ لذلك فإن المضي في هذه المحاكمة, والقيام بإجراءات مماثلة أخرى, يعني إطلاق النار على تلك المبادرات, ومحاولة لتقويض كل تلك المحاولات والمساعي الرامية للخروج من عنق الزجاجة التي أوصلتنا إليه نفس هذه الممارسات ,والتي تفتقر للشرعية القانونية والدستورية,ومن يجرؤ ,في نفس الوقت,على تحدي الإرادة الدولية واتجاه الرأي العام الطاغي الذي بات مهيئا ومستعدا, وفي الواقع منتظرا على أحر من الجمر لتلك التغييرات التي ستضعه على ضفة مغايرة تماما لماهو عليه الوضع الآن ,وإن أية عملية إحباط له,والسير في اتجاه مغاير, ستسلزم الكثير من الجهد والتعب مرة أخرى لإعادة تأهيل الرأي العام بجدية وصدق لجهة تصديق وجدية التعامل مع تلك الاستحقاقات,فالمرحلة الجديدة الموعودة تتطلب التبرؤ من كل تلك الممارسات المؤلمة والمخجلة ,ودفن بناها وآلياتها الرثة مرة واحدة وإلى الأبد ,والظهور بمظهر جديد ,تواكبه ممارسات تعيد الصورة واللحمة الوطنية لسابق عهدها.
والمحاكمة بحد ذاتها,"وإن حصلت",وقبل أي شيء آخر, تعتبر استشرافا,واستدلالا لطبيعة المرحلة القادمة ,ومدى جديتها ومصداقيتها, وامتحانا للوعود التي ينتظر الجميع تنفيذها أكثر من كونها محاكمة شخصية لمعارض من نشطاء الرأي المدافعين عن حقوق الإنسان . لأن حكما جديدا ,ومهما كان,لن يعني سوى المكابرة والعناد,والمراوحة في المكان ,والمضي قدما في نفس الاتجاه الذي لن ينفع بحال في هذه المرحلة,كما لم يكن ذا جدوى في السابق في لجم المطالبات ووجود المعارضة التي تعني فيما تعنيه حياة سياسية صحية. وإن كان قد أفلح ذات يوم,ولفترة ما , وفي ضوء تغير الكثير من الظروف والمعطيات بشكل كلي وجذري,فلن يفلح على طول الزمان.وهي بكل حال لاتعني شيئا جديدا للمحامي والناشط أكثم نعيسة, وعلى مبدأ "تكسرت النصال على النصال",ولكنها تعني شيئا كارثيا جديا وحقيقيا للوضع الذي لم يعد يحتمل الإقدام على مراهنات خاسرة,وقفزات غير محسوبة ,وأحلام وأوهام وحسابات غير موجودة إطلاقا.
إلا أن المحاكمة, في هذه الظروف, تأخذ أبعادا خاصة ومهمة جدا, يجب ألا تغيب عن بال أصحاب الشأن المعنيين مباشرة بهذا الموضوع, لأسباب كثيرة منها إن الأستاذ أكثم نعيسة هو واحد من مناضلي الرأي الذي دفع قسطا من حياته وسعادته أثمانا باهظة في هذا المجال ,قد أصبح الآن, وبعد حضور جلسات البرلمان الأوروبي , تحت الحماية الأوروبية كما صرح بنفسه لدى عودته من هناك, وتسلمه جائزة مخصصة أصلا للمدافعين عن حرية الرأي ,وحقوق الإنسان من منبر دولي هام ,والمضي قدما فيها يعني تحد واضح وصريح لقوة الضغط الدولية الفاعلة تلك, والتي يجب ألا يخطئ أحد في تقديرها ,والعمل على استفزازها في هذا الوقت بالذات وعلى الإطلاق ,والمراهنة على انتظار حدوث تطورات محتملة تعيد الماضي "التليد" وأمجاد العمل بقوانين الطوارئ بالشكل الإستفشاري الإستعراضي المعهود والمعروف .وقد تكون" فخا" جديدا وشركا يجب ألا يقع أحد في حبائله,يضاف إلى الأفخاخ الكثيرة الموجودة أصلا والتي تقف في الطريق.وإن أي حكم جديد ,لو صدر, سيكون مصدر إحراج كبير ,وسيفتح الباب لسلسلة طويلة من المطالبات والمساجلات ,أعتقد أن الجميع في غنى عنها,ولاسيما بسبب تراكم "مثيلاتها " في الطريق ,ويشكل مصدر قلق لا يعرف المعنيون كيفية التخلص منه والخروج بأقل الخسائر.
فهل تؤجل في آخر لحظة كما حدث في مرات سابقة تفاديا للإحراج الدولي الذي يبدو أنه يتصاعد بشدة هذه الأيام ؟والمطلوب عدم االتصعيد معه بارتكاب خطأ جديد نتيجة سوء التقدير قد يوازي في مغزاه, مع فارق الأبعاد الكثيرة, عملية التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود والذي كان قميص عثمان للـقرار 1559, وكان ورطة سياسية كبرى,قللت ,وبالواقع, استهترت واستهانت بالرأي العام الدولي ,وهذا ليس تهويلا للأمر, بقدر ماهو قراءة واقعية له ,والجميع يتابعون التطورات وانتظار أية هفوات أو أخطاء لتشغيل "ماكينة التدخلات",وسياسة فرض الإملاءات .ولن ننسى بالطبع ,مرة ثانية وثالثة, حضور الأستاذ اكثم نعيسة لإحدى جلسات البرلمان الأوروبي الذي قد لايتفهم بالضرورة أي حكم جديد على ناشط سياسي وينظر إليه كتحد مباشر,واستفزاز مقصود , وغير مبرر لإرادة ورغبة المجتمع الدولي, تماما كما حصل في مناسبة سابقة كان مردودها كارثيا ,وإن لم نكن قد انتهينا من تداعياته كليا .ومن السيناريوهات المحتملة ,هو تأجيل المحاكمة لأحد هذه الاسباب ,أو كلها, ولكن المطلوب والملح هو وقفها ,وإلغاؤها نهائيا وإبطالها ,وردالاعتبار,والتعويض لمن أصابه أذى وسوء بسبب ذلك.وستكون بادرة طيبة وسابقة جيدة للتعامل مع الشرفاء وأصحاب الرأي والمناضلين المشتغلين بالرأي العام.وتؤسس لانطلاقة جديدة تنعكس بالخير على الصالح العام
مرة أخرى من يجرؤ ,الآن, على محاكمة أكثم نعيسة؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟